لا يجوز العمل بالرواية المخالفة لمذهب الشيعة

ليس في الشيعة من يقول بجواز العمل برواية الثقة المخالف إذا خالفت روايته مذهب الشيعة، بل حتى رواية الثقة الشيعي إذا خالفت مذهب الشيعة لا يعمل بها.

لأن المذهب لا يصح نسبته للشيعة إلا بعد إجماعهم عليه. وحينئذٍ يعلم بأنه مذهب الأئمة (عليهم السلام)  ، الذي هو حق بلا ريب بسبب عصمتهم (صلوات الله عليهم). وما خالفه باطل يجب الإعراض عنه. فلابد إما من طرحه وردّ علمه لهم  (عليهم السلام)  ، أو من تأويله.

 

المشهور عند الشيعة جواز العمل برواية المخالف الثقة

وإنما يعمل بالرواية ـ أي رواية كانت ـ في غير مورد العلم المذكور. إما لكون المسألة خلافية بين الشيعة، أو لم يعلم اتفاقهم عليها، ولو بسبب عدم ذكرهم لها، أو لعدم ذكر بعضهم لها. وحينئذٍ فالأمر كما تقول، يجوز العمل برواية المخالف الثقة، كما صرح به جماعة من علمائنا (رضي الله عنهم)  . بل هو المعروف بينهم. وإن خالف فيه بعضهم.

إلا أن الإشكال في كيفية إحراز وثاقة الراوي من الشيعة وغيرهم، حيث لا ريب عندنا في البناء على وثاقته إذا وثقه رجال الجرح والتعديل من الشيعة المعول عليهم عندهم. ولذا عمل كثير من علماء الشيعة بأخبار جماعة من الجمهور ثبتت وثاقتهم عندهم، كإسماعيل بن أبي زياد السكوني، وحفص بن غياث، وغياث بن كلوب، وغيرهم.

 

لا مجال للتعويل على توثيق الجمهور وجرحهم

أما إذا لم يوثقه علماؤنا فلا مجال للتعويل على توثيق الجمهور، كما لا يعول على جرحهم، لما مني به الجرح والتعديل عند الجمهور من مفارقات وسلبيات لا تتناسب مع الطرق العقلائية في الاستدلال، التي عليها العمل في سائر الأمور، وبها تقوم الحجة من الله تعالى.وعليهم أن يعيدوا النظر في مناهجهم ومبانيهم، ويهذبوها، في محاولة موضوعية لتنظيم طرق الاستدلال عندهم، إن أمكنهم ذلك، ولم تضع عليهم المعالم.

ولتوضيح ذلك نشير إلى أمور..

 

لا مجال لقبول رواية الصحابي بمعناه الشامل

(الأمر الأول): أن من المتسالم عليه عندهم قبول رواية الصحابي بمعناه الشامل، وهو من رأى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)   وسمع حديثه. لدعوى عدالتهم، حتى مثل معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، وأبي العادية قاتل عمار، وكثير من أمثالهم.

مع أن بطلان ذلك أصبح من الوضوح بحد لا ينفع معه الإنكار والمكابرة، فإن الإصرار على الخطأ، وإحاطته بهالة القداسة، وتأييده بالقضايا الخطابية والكلمات المنمقة، لا يجعله حقاً. وقد أوضحنا ذلك في غير موضع مما سبق، خصوصاً ما تقدم في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة، حيث اتضح هناك أن الصحبة بالمعنى المذكور لا تستلزم الإيمان، فضلاً عن العدالة. بل لابد من عرض مواقفهم على الشريعة.

فمن ثبت تحرجه والتزامه فهو عادل ـ بل قد يرتفع عن مرتبة العدالة إلى مرتبة التقديس ـ ويتعين قبول حديثه.

ومن ثبت خروجه عنها فهو فاسق ـ بل قد يهبط إلى درك النفاق ـ ويتعين ردّ حديثه. إلا أن تثبت بقرائن خارجية وثاقته وتحرجه عن الكذب، ففي قبول روايته الخلاف السابق. ومن جهل أمره يتوقف في حديثه، ويوكل أمره إلى الله تعالى، فهو أعلم به، وعليه حسابه.

هذا ما تقتضيه قواعد الاستدلال العلمية، وموازينه العقلائية، التي عليها عمل أهل المعرفة في جميع أمورهم، وبها تقوم الحجة من الله تعالى على عباده. وقد خرج عنها جمهور السنة لشبهات أفرزتها الخلافات المذهبية، ودعمها السلطان الغالب، واستحكمت في نفوسهم بسبب التعصب لها. وكلما طال الزمن زادت ترسباً وتجذراً واستحكاماً، حتى صارت ديناً يتدين به، ومفاهيم مقدسة ينافح عنها بلا حدود.

قال الذهبي: ((فأما الصحابة  (رضي الله عنهم)  فبساطهم مطوي، وإن جرى ما جرى، وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات، فما يكاد يسلم أحد من الغلط. لكنه غلط نادر لا يضر أبداً، إذ على عدالتهم، وقبول ما نقلوه، العمل، وبه ندين الله تعالى))(1).

وقال أيضاً: ((وقد كتبت في مصنفي الميزان عدداً كثيراً من الثقات الذين احتج البخاري أو مسلم أو غيرهما بهم، لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح. وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك. وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به. ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة. فبعض الصحابة كفّر بعضهم بتأويل ما. والله يرضى عن الكل ويغفر لهم. فما هم بمعصومين. وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلاً. وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم. بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحاً في الطاعنين. فانظر إلى حكمة ربك! نسأل الله السلامة))(2).

ــــــــــــــــــــ

(1) الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ص:24.

 (2) الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ص:22 ـ 23.