5 ـ وهذا أحمد بن حنبل الذي هو من أعلام الجرح والتعديل، ومن الرموز الشاخصة عندهم، قد طعن في جرحه وتعديله بعضهم.
فعن أبي بكر بن أبي خيثمة قال: ((قيل ليحيى بن معين: إن أحمد بن حنبل قال: إن علي بن عاصم ثقة. قال لا والله ما كان من علي عنده قط ثقة، ولا حدث عنه بحرف قط. وكيف صار اليوم عنده ثقة؟!))(1)، وهو كما ترى صريح في اتهام ابن معين لأحمد، وطعنه في توثيقه.
أما عامر بن صالـح بن عبد الله الزبيري، فقد قال عنه ابن معين: كذاب(2).
وقال الدارقطني: يترك(3). وقال النسائي: ليس بثقة(4). وقال الأزدي: ذاهب الحديث(5). وقال الذهبي: واه(6). وقال ابن عدي: وعامة حديثه مسروقات من الثقات(7). وقال أبو نعيم: روى عن هشام ابن عروة المناكير. لا شيء(8). وسئل أبو زرعة عنه فقال: ينكر كثيراً(9). وقال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات. لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب(10).
وقال ابن حجر: متروك الحديث(11). وقال الحاكم النيسابوري: روى عن هشام ابن عروة المناكير(12).
ومع كل هذا روى عنه أحمد بن حنبل ووثقه. قال الذهبي:(( لعل ما روى أحمد بن حنبل عن أحد أوهى من هذا. ثم إنه سئل عنه، فقال: ثقة لم يكن يكذب))(13).
وقد أثار هذا حفيظة أعلام الجرح والتعديل. فقد ذكر أحمد بن محمد ابن القاسم أن يحيى بن معين، قال عن عامر بن صالـح: ((كذاب خبيث. عدو الله)).
ثم قال: ((فقلت ليحيى: إن أحمد بن حنبل يحدث عنه. فقال: لمه؟! وهو يعلم أنا تركنا هذا الشيخ في حياته. قال: فقلت: ولِمَ؟ فقال: قال حجاج الأعور أتاني فكتب عني حديث هشام بن عروة عن أبي لهيعة وليث ابن سعد، ثم ذهب فادعاها، فحدث بها عن هشام))(14).
وقال يحيى أيضاً: ((جن أحمد! يحدث عن عامر بن صالـح))(15).
وأيضاً قال محمد بن عقيل: ((وقال المقبلي في العلم الشامخ ما مفاده: أن الإمام أحمد (رحمه الله تعالى) مع فضله وورعه لما تكلم في مسألة خلق القرآن وابتلي بسببها جعلها عدل التوحيد أو زاد، ثم ذكر أنه كان يرد رواية كل من خالفه في هذه المسألة تعصباً منه. وفي ذلك خيانة للسند. ثم قال: بل زاد، فصار يرد الواقف، ويقول: فلان واقفي مشؤوم. بل غلا وزاد، وقال: لا أحب الرواية عمن أجاب في المحنة، كيحيى بن معين. انتهى))(16).
وقد نقل الذهبي عن أحمد بن حنبل أنه قال: ((أكره الكتابة عمن أجاب في المحنة، كيحيى وأبي نصر التمار))(17).
فإذا كان الخلاف في هذه المسألة سبباً للتسرع في الجرح، ولو مع وثاقة الرجل في نفسه، فما المؤمن من أن يكون الخلاف في غيرها ـ كالتوقف في عدالة الصحابة، وموالاة أهل البيت (عليهم السلام) ومعاداة أعدائهم ـ سبباً فيه أيضاً؟! وما المؤمن من أن يكون الوفاق في المذهب سبباً للتسرع في التعديل بلا حق؟!. بل سيأتي ما يشهد بما يناسب ذلك في تتمة حديثنا هذا إن شاء الله تعالى.
6 ـ ومحمد بن يحيى الذهلي قال فيه الذهبي: ((الإمام شيخ الإسلام حافظ نيسابور...وانتهت إليه مشيخة العلم بخراسان، مع الثقة، والصيانة، والدين، ومتابعة السنن...وقال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه. وقال أبو بكر بن زياد: كان أمير المؤمنين في الحديث...))(18).
ومع ذلك يقول عنه الحسن بن محمد بن جابر: ((سمعت محمد بن يحيى يقول لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، قال: اذهبوا إلى هذا الرجل العالم الصالـح فاسمعوا منه. قال: فذهب الناس إليه، واقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجالس محمد ابن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه))(19).
ويقول أبو حامد الشرقي: ((سمعت محمد بن يحيى يقول: القران كلام الله، غير مخلوق من جميع جهاته، وحيث يتصرف. فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ وعما سواه من الكلام في القران. ومن زعم أن القران مخلوق فقد كفر، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وجعل ماله فيئا بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر المسلمين. ومن وقف وقال: لا أقول مخلوق أو غير مخلوق، فقد ضاهى الكفر. ومن زعم أن لفظي بالقران مخلوق، فهذا مبتدع، لا يجالس ولا يكلم. ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه))(20).
وقال الحاكم: سمعت محمد بن صالـح بن هانئ يقول: سمعت أحمد ابن سلمة يقول: ((دخلت على البخاري، فقلت: يا أبا عبد الله إن هذا رجل ـ يعني الذهلي ـ مقبول بخراسان، خصوصاً في هذه المدينة. وقد لـح في هذا الحديث، حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه، فما ترى؟. فقبض على لحيته، ثم قال: أمري إلى الله، إن الله بصير. اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً، ولا طلباً للرئاسة، وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن، لغلبة المخالفين. وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله لا غير. ثم قال: يا أحمد، إني خارج غداً، لتتخلصوا من حديثه لأجلي))(21).
ــــــــــــــــــــ
(1) الجرح والتعديل ج:6 ص:198 في ترجمة علي بن عاصم الواسطي. ومثله مع اختلاف يسير في تهذيب التهذيب ج:7 ص:304 في ترجمة علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، وتهذيب الكمال ج:20 ص:517 في ترجمة علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، وذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه ص:106 في ترجمة علي بن عاصم. وذكر ذلك الخطيب بسند آخر في تاريخ بغداد ج:11 ص:455 في ترجمة علي بن عاصم بن صهيب.
(2) الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج:2ص:72 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبد الله. ميزان الاعتدال ج:4ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. المجروحين لابن حبان ج:2ص:188 في ترجمة عامر بن صالـح المديني. المغني في الضعفاء ص:323 في ترجمة عامر ابن صالـح بن عبد الله. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. الكاشف ج:1 ص:523 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب الكمال ج:14 ص:46 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تاريخ بغداد ج:12 ص:235 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(3) ميزان الاعتدال ج:4 ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج:2 ص:72 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. المغني في الضعفاء ص:323 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. الكاشف ج:1 ص:523 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب الكمال ج:14 ص:48 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تاريخ بغداد ج:12 ص:236 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. سؤالات البرقاني ص:50.
(4) الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج:2 ص:72 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. ميزان الاعتدال ج:4 ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. الكامل في ضعفاء الرجال ج:5 ص:83 في ترجمة عامر بن صالـح الزبيري. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب الكمال ج:14 ص:47 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(5) الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج:2 ص:72 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب الكمال ج:14 ص:48 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(6) ميزان الاعتدال ج:4 ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(7) الكامل في ضعفاء الرجال ج:5 ص:83 في ترجمة عامر بن صالـح الزبيري، واللفظ له. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب الكمال ج:14 ص:48 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(8) الضعفاء لأبي نعيم ص:124 في ترجمة عامر بن صالـح الزبيري. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(9) سؤالات البرذعي ص:426.
(10) المجروحين لابن حبان ج:2 ص:188 في ترجمة عامر بن صالـح المديني، واللفظ له. الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج:2 ص:72 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب التهذيب ج:5 ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تهذيب الكمال ج:14 ص:48 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبد الله.
(11) تقريب التهذيب ج:1 ص:287 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(12) المدخل إلى الصحيح ص:182 في ترجمة عامر بن صالـح الزبيري.
(13) ميزان الاعتدال ج:4 ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله، واللفظ له. المغني في الضعفاء ص:323 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.
(14) تهذيب الكمال ج:14 ص:47 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله، واللفظ له. ميزان الاعتدال ج:4 ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله.تهذيب التهذيب ج:5ص:62 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله. تاريخ بغداد ج:12 ص:236 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبد الله.
(15) ميزان الاعتدال ج:4 ص:17 في ترجمة عامر بن صالـح بن عبدالله، واللفظ له. الكامل في ضعفاء الرجال ج:5 ص:83 في ترجمة عامر بن صالـح الزبيري.
(16) العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ص:130.
(17) ميزان الاعتدال ج:7 ص:222 في ترجمة يحيى بن معين.
(18) تذكرة الحفاظ ج:2 ص:530 ـ 531 في ترجمة الذهلي.
(19) تاريخ بغداد ج:2 ص:30 في ترجمة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة: ذكر قصة البخاري مع محمدبن يحيى الذهلي بنيسابور، واللفظ له. تغليق التعليق ج:5 ص:430 ـ 431 فصل في ترجمة البخاري والتعريف بقدره وجلالته وذكر نسبته و نسبه ومولده وصفته: فصل في بيان شرطه فيه وما اتصل بذلك من قصته مع الذهلي.
(20) تاريخ بغداد ج:2 ص:31 ـ 32 في ترجمة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة: ذكر قصة البخاري مع محمد بن يحيى الذهلي بنيسابور.
(21) تغليق التعليق ج:5 ص:434 فصل في ترجمة البخاري والتعريف بقدره وجلالته وذكر نسبته و نسبه ومولده وصفته: فصل في بيان شرطه فيه وما اتصل بذلك من قصته مع الذهلي.