7 ـ وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي قال فيه ابن حبان: ((كان حروري المذهب، ولم يكن بداعية. وكان صلباً في السنة حافظاً للحديث، إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره))(1).
وقال ابن حجر: ((وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة، سببها الاختلاف في الاعتقاد. فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب. وذلك لشدة انحرافه في النصب، وشهرة أهلها بالتشيع. فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة. حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش، وأبي نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث وأركان الرواية...))(2).
وإذا كان بسبب تعصبه يجرح من لا يستحق الجرح، فما هو المؤمن من أن يجره تعصبه إلى مدح من لا يستحق المدح، وتوثيق من ليس أهلاً لذلك؟!.
على أنه كان ناصبياً منحرفاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما صرح بذلك ابن حجر في كلامه المتقدم وغيره(3).
وقال ابن عدي: ((كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي))(4).
وعن الدارقطني: ((فيه انحراف عن علي. اجتمع على بابه أصحاب الحديث، فأخرجت جارية له فروجة، لتذبحها، فلم تجد من يذبحها، فقال: سبحان الله! فروجة لا يوجد من يذبحها، وعلي يذبح في ضحوة نيفاً وعشرين ألف مسلم!))(5).
وإذا كان ناصبياً مبغضاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) فهو منافق ـ كما تظافرت بذلك الأحاديث النبوية، ويأتي الحديث عن ذلك ـ فكيف يؤمن على الدين؟ ولاسيما عند الشيعة الذين عرفوا حق أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، ودانوا بموالاته.
8 ـ وأبو حاتم محمد بن إدريس يقول عنه الذهبي: ((إذا وثق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله، فإنه لا يوثق إلا رجلاً صحيح الحديث. وإذا لين رجلاً، أو قال فيه: لا يحتج به، فتوقف. حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال. قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة. ليس بقوي. أو نحو ذلك))(6).
وقال في موضع آخر: ((يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبين عليه الورع والخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنه جراح))(7).
9 ـ وأما الترمذي فقد طعن فيه الذهبي، حيث ذكر عند الكلام عن يحيى بن يمان حديثاً، وقال: ((حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه. فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف))(8).
وقال أيضاً عند الكلام عن كثير بن عبدالله المزني: ((لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي))(9).
وقال المباركفوري: ((وأما تحسين الترمذي فلا اعتماد عليه، لما فيه من التساهل))(10)، وذكر الذهبي عند الكلام عن إسماعيل بن رافع أن جماعة من علمائهم ضعفوه، وجماعة قالوا: إنه متروك. ثم قال: ((ومن تلبيس الترمذي قال: ضعفه بعض أهل العلم))(11).
فإن كان هذا تلبيساً من الترمذي فكيف يعتمد عليه؟! وإن لم يكن تلبيساً منه فكيف يعتمد على الذهبي مع طعنه فيه؟!.
10 ـ وابن حبان محمد، أحد رجال الجرح والتعديل، قال عنه الذهبي: ((قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح وذكره في طبقات الشافعية: غلط الغلط الفاحش في تصرفه. وصدق أبو عمرو. وله أوهام، تتبّع بعضها الحافظ ضياء الدين... قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان، فقال: رأيته. ونحن أخرجناه من سجستان. كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين... قال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت عبدالصمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله: النبوة العلم والعمل، وحكموا عليه بالزندقة وهجروه، وكتب فيه إلى الخليفة، فأمر بقتله))(12).
11 و 12 ـ وقال ابن حجر في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني أحمد بن عبدالله: ((أحد الأعلام صدوق. تكلم فيه بلا حجة. ولكن هذه عقوبة من الله، لكلامه في ابن مندة بهوى... وكلام ابن مندة في أبي نعيم فظيع، لا أحب حكايته. ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان...))(13).
فإذا كان أبو نعيم قد تكلم في ابن مندة بهوى كيف يعتمد عليه في غيره في جرحه وتعديله؟! إذ من ركب الهوى تنكب الطريق. وكيف يعرف مع ذلك صوابه من خطئه، وصدقه من كذبه؟!
ومثله الحديث في ابن مندة، فإن أبا نعيم إذا كان علماً صدوقاً كيف يكون حال ابن مندة إذا تكلم فيه بلا حجة، كلاماً لا يحب ابن حجر حكايته، لفظاعته؟!. ويأتي عند الكلام في جرح بعض المعاصرين لبعض ما يتضح به تفاقم المشكلة.
ــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب ج:1 ص:159 في ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي. وفي الثقات لابن حبان ج:8 ص:81 ـ82 في ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني،ولكن بدل (حروري) (حريزي).
(2) لسان ميزان ج:1 ص:16 في المقدمة.
(3) مقدمة فتح الباري ص:390.
(4) تهذيب التهذيب ج:1 ص:159 في ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي، واللفظ له. ميزان الاعتدال ج:1 ص:205 في ترجمة إبراهيم بن يعقوب أبي إسحاق السعدي الجوزجاني. الكامل في ضعفاء الرجال ج:1 ص:310 في ترجمة إسماعيل بن أبان الوراق. تذكرة الحفاظ ج:2 ص:549 في ترجمة الجوزجاني.
(5) تهذيب التهذيب ج:1 ص:159 في ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي.
(6) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:260 في ترجمة أبي حاتم الرازي.
(7) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:81 في ترجمة أبي زرعة الرازي.
(8) ميزان الاعتدال ج:7 ص:231 في ترجمة يحيى بن يمان العجلي.
(9) ميزان الاعتدال ج:5 ص:493 في ترجمة كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف.
(10) تحفة الأحوذي ج:2 ص:93.
(11) ميزان الاعتدال ج:1 ص:384 في ترجمة إسماعيل بن رافع.
(12) ميزان الاعتدال ج:6ص:99 في ترجمة محمد بن حبان أبي حاتم البستي. تذكرة الحفاظ ج:3ص:921ـ922 في ترجمة ابن حبان.
(13) ميزان الاعتدال ج:1 ص:251 في ترجمة أحمد بن عبدالله الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، واللفظ له. لسان الميزان ج:1 ص:201 في ترجمة أحمد بن عبدالله الحافظ أبي نعيم الأصبهاني.