حديث: ((علمني ألف باب...))

3 ـ ويقول الذهبي أيضاً: ((ابن حبان، حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل ابن طلحة، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبدالله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو: أن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) قال في مرضه: ادعوا لي أخي. فدعي له أبو بكر، فأعرض عنه. ثم قال: ادعو لي أخي، فدعي له عثمان، فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه، وأكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، كل باب يفتح ألف باب. هذا حديث منكر، كأنه موضوع))(1).

ثم قال بعد كلام طويل: ((فأما قول أحمد بن عدي في الحديث الماضي ـ علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب ـ: فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشيع. فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشيع، ولا الرجل متهم بالوضع. بل لعله أدخل على كامل، فإنه شيخ محله الصدق، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه ولم يتفطن هو. فالله أعلم))(2).

فانظر إليهم كيف استنكروا الحديث، لأنه تضمن فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) زويت عن غيره. ولو انعكس الأمر لسارعوا للتصديق به.

ثم لما لم يجد الذهبي مطعناً في سند الحديث ضاق صدره به، فبدلاً من أن يذعن له تشبث باحتمال أن يكون قد أقحم من قبل بعض الرافضة في كتاب كامل من دون أن يتفطن كامل لذلك. وهكذا يتشبث الغريق بالطحلب!

4 ـ وأطرف من ذلك قوله: ((الحسن بن محمد بن محمد بن يحيى ابن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن زين العابدين علي بن الشهيد الحسين العلوي ـ ابن أخي أبي طاهر النسابة ـ عن إسحاق الدبري. روى بقلة حياء عن الدبري عن عبدالرزاق بإسناد كالشمس: علي خير البشر.

وعن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله الصامت عن أبي ذر مرفوعاً. قال: علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم الدين.

فهذان دالان على كذبه، وعلى رفضه(عفا الله عنه). وروى عنه ابن زرقويه وأبو علي بن شاذان.

وما العجب من افتراء هذا العلوي. بل العجب من الخطيب، فإنه قال في ترجمته: أخبرنا الحسن بن أبي طالب، حدثنا محمد بن إسحاق القطيعي... عن جابر مرفوعاً: علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر. ثم قال: هذا حديث منكر. ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد، وليس بثابت.

قلت: فإنما يقول الحافظ: ليس بثابت في مثل خبر القلتين، وخبر: الخال وارث. لا في مثل هذا الباطل الجلي. نعوذ بالله من الخذلان. مات العلوي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. ولولا أنه متهم لازدحم عليه المحدثون، فإنه معمر))(3).

 

حديث: ((علي خير البشر...))

فانظر إليه كيف قطع بكذب الحديث الأول بهذا النحو الصارم، وكيف اعتبر الخطيب مخذولاً، لأنه لم يقطع بكذبه مثله، مع أن هذا المضمون قد روي بطرق أخر عن جماعة من الصحابة والتابعين(4)،ورفعه بعضهم للنبي(صلى الله عليه و آله و سلم)(5).

وبعض المؤلفين من الجمهور يحاول رده بضعف السند.

وبعضهم يحاول تأويله وحمله على أنه خير البشر في زمانه حين بيعة الناس له(6)، أو خير البشر بعد الخلفاء الثلاثة الذين تقدموا عليه(7)... إلى غير ذلك مما لا يناسب القطع بوضعه.مضافاً إلى أنه معتضد بكثير من الشواهد، مثل ما ورد عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سيد المسلمين،أو المؤمنين(8)، وإمام المتقين(9)، وأنه أعظم الناس عند الله مزية(10)، وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) : ((علي سيد العرب))(11)، وحديث الطائر المشوي الذي يأتي التعرض له قريباً، وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) لابنته الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها): ((يا فاطمة أما ترضين أن الله عزوجل اطلع إلى أهل الأرض، فاختار رجلين أحدهما أبوك، والآخر بعلك))(12).

وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) : ((لو لم يخلق علي ماكان لفاطمة كفؤ))(13)، وغير ذلك مما لا يسعنا استقصاؤه.

كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ((كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب))(14)، وقال: ((قرأت على رسول الله (صلى الله عليه و سلم) سبعين سورة، وختمت القرآن على خير الناس علي بن أبي طالب))(15)... إلى غير ذلك.

وقد تقدم قبل قليل عن أحمد بن حنبل قوله: ((ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب)). وعن القاضي إسماعيل والنسائي وأبي علي وغيرهم: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).

ــــــــــــــــــــ

(1) سير أعلام النبلاء ج:8 ص:24 في ترجمة عبدالله بن لهيعة.

(2) سير أعلام النبلاء ج:8 ص:26 في ترجمة عبدالله بن لهيعة.

(3) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج:2 ص:272 ـ 273 في ترجمة الحسن بن محمد بن محمد بن يحيى.

(4) راجع الفردوس بمأثور الخطاب ج:3 ص:62، وسير أعلام النبلاء ج:8 ص:205 في ترجمة شريك بن عبدالله، وميزان الاعتدال ج:2 ص:214 في ترجمة الحر بن سعيد النخعي، وج:3 ص:374 في ترجمة شريك بن عبدالله، وج:4 ص:77 في ترجمة عبدالله بن جعفر التغلبي، والكامل في ضعفاء الرجال ج:4 ص:10 في ترجمة شريك بن عبدالله بن الحارث، والمغني في الضعفاء ج:1 ص:155 في ترجمة الحر بن سعيد النخعي، والثقات ج:9 ص:281 في ترجمة يوسف بن عيسى المروزي، وتاريخ دمشق ج:42 ص:372،373،374 في ترجمة علي بن أبي طالب، كنز العمال ج:11 ص:625 حديث:33045، 33046 ، وينابيع المودة ج:2 ص:273.

(5) راجع الكامل في ضعفاء الرجال ج:4 ص:10 في ترجمة شريك بن عبدالله بن الحارث، والكشف الحثيث ص:243 في ترجمة محمد بن علي بن عبدك الشيعي، ومن حديث خيثمة ص:201، وتاريخ دمشق ج:42 ص:372،373 في ترجمة علي بن أبي طالب، والبداية والنهاية ج:7 ص:359 أحداث سنة أربعين من الهجرة: شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والموضوعات لابن الجوزي ج:1 ص:348، وينابيع المودة ج:2 ص:78، 274.

(6) الذهبي في ميزان الاعتدال ج:3 ص:374 في ترجمة شريك بن عبدالله، و ص:396 في ترجمة صالـح بن أبي الأسود، وفي سير أعلام النبلاء ج:8 ص:205 في ترجمة شريك بن عبدالله.

(7) الفردوس بمأثور الخطاب ج:3 ص:62.

(8) تقدمت مصادره في جواب السؤال الرابع في ج: 2 ص: 274.

(9) تقدمت مصادره في جواب السؤال الرابع في ج: 2 ص: 320.

(10) حلية الأولياء ج:1 ص:66 في ترجمة علي بن أبي طالب. ذخائر العقبى ص:83 ذكر أنه أقضى الأمة. شرح نهج البلاغة ج:9 ص:173. كنز العمال ج:11 ص:617 حديث:32994. شواهد التنزيل للحسكاني ج:2 ص:468. المناقب للخوارزمي ص:111. ينابيع المودة ج:1 ص:197، ج:2 ص:174. تاريخ دمشق ج:42 ص:58،59،371 في ترجمة علي بن أبي طالب. ميزان الاعتدال ج:2 ص:23 في ترجمة بشر بن إبراهيم الأنصاري. لسان الميزان ج:2 ص:19 في ترجمة بشر بن إبراهيم الأنصاري. الموضوعات لابن الجوزي ج:1 ص:343.

(11) المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:133 وقال بعد ذكر الحديث: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وفي إسناده عمر بن الحسن وأرجو أنه صدوق ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين وله شاهد من حديث عروة عن عائشة))، ص:134 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) . مجمع الزوائد ج:9 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ص:116 باب في أفضليته (رضي الله عنه) ، ص:131 باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه. المعجم الأوسط ج:2 ص:127. المعجم الكبير ج:3ص:88 فيما رواه أبوليلى عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) . فيض القدير ج:3 ص:46. تاريخ دمشق ج:42 ص:304،305،306 في ترجمة علي بن أبي طالب. حلية الأولياء ج:1 ص:63 في ترجمة علي بن أبي طالب، ج:5 ص:38 في ترجمة أبي عبدالرحمن زبيد بن الحارث الأيامي. ميزان الاعتدال ج:5 ص:223 في ترجمة عمر بن الحسن الراسبي، ج:6 ص:430 في ترجمة المسيب بن عبدالرحمن. الكشف الحثيث ص:194 في ترجمة عمر بن الحسن الراسبي. المغني في الضعفاء ج:2 ص:464 في ترجمة عمر ابن حسن الراسبي. تاريخ بغداد ج:11 ص:89 في ترجمة عبدالباقي بن أحمد بن عبدالله. العلل المتناهية ج:1 ص:216. كشف الخفاء ج:1 ص:561، ج:2 ص:93. وغيرها من المصادر.

(12) المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:140 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ، واللفظ له. مجمع الزوائد ج:9 ص:112 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب منه في منزلته ومؤاخاته. المعجم الكبير ج:11 ص:93،94 فيما رواه مجاهد عن ابن عباس. تاريخ دمشق ج:42 ص:130،135،136 في ترجمة علي بن أبي طالب. الكشف الحثيث ص:215 في ترجمة محمد بن أحمد بن سفيان. ميزان الاعتدال ج:4 ص:346 في ترجمة عبدالرزاق بن همام. الكامل في ضعفاء الرجال ج:5 ص:313 في ترجمة عبدالرزاق بن همام، ص:331 في ترجمة عبدالسلام بن صالـح. تاريخ بغداد ج:4 ص:195،196 في ترجمة أحمد بن صالـح. العلل المتناهية ج:1 ص:223،224،225. وغيرها من المصادر.

(13) ينابيع المودة ج:2 ص:67، واللفظ له، ص:80، 244، 286.

(14) مجمع الزوائد ج:9 ص:116 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب في أفضليته (رضي الله عنه) ، واللفظ له. فتح الباري ج:7 ص:58. فضائل الصحابة لابن حنبل ج:2 ص:604،646 فضائل علي (عليه السلام) .

(15) مجمع الزوائد ج:9 ص:116 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب من أفضليته (رضي الله عنه) ، واللفظ له. ج:9 ص:288 باب ما جاء في عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) . المعجم الأوسط ج:5 ص:101. المعجم الكبير ج:9 ص:76 من مناقب ابن مسعود.