حديث: ((علي وذريته يـختمون الأوصياء إلى يوم القيامة))

وكذا الحال في الحديث الثاني، فإن وصية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) من المشهورات في الحديث وفي ألسنة الصحابة والتابعين، كما تقدم في جواب السؤال الرابع. وإذا كان هو (عليه السلام) وصياً للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فليس عزيزاً أن تكون الوصية في ذريته من بعده. وبهم ختام الوصاية عن الأنبياء.

ولا تفسير ـ مع كل ذلك ـ لموقف الذهبي الشديد من الحديثين الشريفين، ومن الشريف العلوي الراوي لهما، إلا التعصب.

 

حديث: ((النظر إلى وجه علي (عليه السلام) عبادة))

5 ـ ومثله في ذلك قول ابن حبان: ((الحسن بن علي بن زكريا أبو سعيد العدوي، من أهل البصرة، سكن بغداد. يروي عن شيوخ لم يرهم، ويضع على من رآهم الحديث. كان ببغداد في أحياء أيامنا، فأردت السماع منه للاختبار، فأخذت جزءاً من حديثه، فرأيته حدث عن أبي الربيع الزهراني ومحمد بن عبد بن الأعلى الصنعاني. قالا: ثنا عبدالرزاق، أنبأ معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أبي بكر الصديق، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) : النظر إلى وجه علي (عليه السلام) عبادة. وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع. ما روى الصديق هذا الخبر قط، ولا الصديقة رواته، ولا عروة حدث به، ولا الزهري ذكره، ولا معمر قاله. فمن وضع مثل هذا على الزهراني والصنعاني ـ وهما متقنا أهل البصرة ـ لبالـحري أن يهجر في الروايات.

 

حديث الأمر بفرض الأولاد على حب أمير المؤمنين (عليه السلام)

وروى عن أحمد بن عبدة الضبي، عن ابن عيينة, عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه و سلم) أن نفرض أولادنا على حب علي بن أبي طالب. وهذا أيضاً باطل. ما أمر رسول الله (صلى الله عليه و سلم) بهذا مطلقاً، ولا جابر قاله، ولا أبو الزبير ولا ابن عيينة حدث به، ولا أحمد بن عبدة ذكر بهذا الإسناد. فالمستمع لا يشك أنه موضوع. فلم أذهب إلى هذا الشيخ، ولا سمعت منه شيئاً...))(1).

وقد يكون له وجهة نظره في ضعف سند الحديثين. أما القطع عليهما بالوضع فلا يتضح لنا سبب له غير النصب. ولاسيما وأن الحديث الأول روي بأسانيد متعددة(2)، ويناسبه أحاديث أخر(3)، أما الحديث الثاني فقد ورد ما يشبهه في أحاديث أخر(4)، ويناسبه ما استفاض بل تواتر في حبه وبغضه (رضي الله عنه) .

 

حديث الطائر المشوي

6 ـ وحديث الطير المشهور الذي صححه جمع من الحفاظ المتضمن أنه أهدي لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) طائر مشوي، فدعا الله تعالى أن يؤتيه بأحب خلقه إليه يأكله معه، فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين، فرده أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، رجاء أن يأتي رجل من قومه من الأنصار، فينال هذه الفضيلة، وفي الثالثة أمره رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يفتح له الباب، فدخل (عليه السلام) وأكل معه (صلى الله عليه و آله و سلم) (5).

هذا الحديث يقول عنه الذهبي: ((وحديث الطير ـ على ضعفه ـ فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء، ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه))(6).

ويقول ابن كثير: ((وبالجملة: ففي القلب من صحة الحديث هذا نظر، وإن كثرت طرقه))(7).

وما أدري هل يقفان هذا الموقف منه لو ورد بهذه الطرق في حق غير أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من الأولين؟!

أما عبد الله بن أبي داود ـ الذي سبق عند الكلام في طعن الأقران بعضهم في بعض بهوى، أنه أنكر حديث الغدير ـ فقد أغرق في رد حديث الطير، حيث قال: ((إن صح حديث الطير فنبوة النبي (صلى الله عليه و سلم) باطل، لأنه حكى عن حاجب النبي (صلى الله عليه و سلم) خيانة، وحاجب النبي لا يكون خائناً))(8).

وقد رد الذهبي على هذه العبارة بشدة، حيث قال: ((هذه عبارة رديئة، وكلام نحس، بل نبوة محمد (صلى الله عليه و سلم) حق قطعي إن صح حديث الطير وإن لم يصح، وما وجه الارتباط؟!...)) ثم استطرد ببيان هفوات بعض الصحابة.

لكنه حاول التخفيف من جناية ابن أبي داود، بل مدحه، حيث قال: ((وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله. وله على خطئه أجر واحد. وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ، ولا يغلط، ولا يسهو. والرجل فمن كبار علماء الإسلام، ومن أوثق الحفاظ. (رحمه الله تعالى)))(9).

مع أنه هو الذي سبق من الذهبي نفسه ـ عند الكلام في طعن الأقران بعضهم ببعض بهوى ـ أن حكى طعن جماعة فيه، منهم أبوه، وأنه قال: ((ابني عبدالله كذاب)). فراجع. والحديث في ذلك طويل. وعلى هذه فقس ما سواها.

ــــــــــــــــــــ

(1) المجروحين ج:1 ص:241 في ترجمة الحسن بن علي بن زكريا.

(2) راجع المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:152 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ، والمعجم الكبير ج:10 ص:76 باب من روى عن بن مسعود أنه لم يكن مع النبي (صلى الله عليه و سلم) ليلة الجن، وتاريخ دمشق ج:40 ص:9 في ترجمة عثمان بن عمرو بن عبدالرحمن بن الربيع، و ج:42 ص:350، 351، 352، 353، 355 في ترجمة علي بن أبي طالب، والفردوس بماثور الخطاب ج:4 ص:294 ، وحلية الأولياء ج:5 ص:58 في ترجمة سليمان بن مهران الأعمش، وميزان الاعتدال ج:6 ص:73 في ترجمة محمد بن إسماعيل بن موسى بن هارون، وص:445 في ترجمة مطر بن ميمون، و ج:7 ص:60 في ترجمة هارون بن حاتم الكوفي، وص:211 في ترجمة يحيى بن عيسى الرملي، ولسان الميزان ج:5 ص:80 في ترجمة محمد بن إسماعيل بن موسى، وج:6 ص:177 في ترجمة هارون بن حاتم الكوفي، والكامل في ضعفاء الرجال ج:7 ص:218 في ترجمة يحيى بن عيسى، والكشف الحثيث ص:219في ترجمة محمد بن إسماعيل بن موسى، وص:270 في ترجمة هارون بن حاتم الكوفي، وكشف الخفاء ج:2 ص:421، وغيرها من المصادر.

(3) تاريخ دمشق ج:58 ص:369 في ترجمة مطيع بن إياس بن أبي مسلم. الفردوس بمأثور الخطاب ج:2 ص:244. تاريخ بغداد ج:12 ص:351 في ترجمة الفضل بن دكين.

(4) تاريخ دمشق ج:42 ص:287،288 في ترجمة علي بن أبي طالب. النهاية في غريب الحديث ج:1 ص:161 في مادة (بور). لسان العرب ج:4 ص:87 في مادة (بور).

(5) راجع المستدرك على الصحيحين ج:3 كتاب معرفة الصحابة ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ص: 142، وص:141 قال بعد ذكر الحديث: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة وفي حديث ثابت البناني عن أنس زيادة ألفاظ))، وتاريخ دمشق ج:42 ص:247 ، 248 ، 249 ،250 ،251 ،252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259 في ترجمة علي بن أبي طالب، وج:45 ص:84 في ترجمة عمر بن صالـح بن عثمان، وج:51 ص:59 في ترجمة محمد بن أحمد بن الطيب، وغيرها، ومجمع الزوائد ج:9 ص:125،126 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب في من يحبه أيضاً ويبغضه أو يسبه، والمعجم الأوسط ج:2 ص:207، وج:6 ص:336، والمعجم الكبير ج:1 ص:253 ومما أسند أنس بن مالك (رضي الله عنه) وغيرها من المصادر الكثيرة.

 وروي مختصراً في سنن الترمذي ج:5ص:636 كتاب كتاب المناقب:في باب لم يعنونه بعد باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، السنن الكبرى للنسائي ج:5 ص:107 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): ذكر منزلة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من الله عز وجل، ومسند أبي حنيفة ص:234، ومسند البزار ج:9 ص:287 فيما أسند سفينة عن النبي، والمعجم الكبير ج:7 ص:82 فيما رواه ثابت البجلي عن سفينة، ج:10 ص:282 فيما رواه علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، والتاريخ الكبير ج:2 ص:2 في ترجمة أحمد بن يزيد ابن إبراهيم، وغيرها من المصادر الكثيرة.

(6) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:233 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.

(7) البداية والنهاية ج:7 ص:354 في أحداث سنة أربعين من الهجرة: حديث الطير.

(8) الكامل في ضعفاء الرجال ج:4 ص:266 في ترجمة عبدالله بن سليمان بن الأشعث، واللفظ له. سير أعلام النبلاء ج:13 ص:232 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.

(9) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:233 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.