الكلام في كتب الصحاح عند الجمهور

(الأمر السادس): أن من المتسالم عليه اليوم عند الجمهور صحة الأحاديث التي تضمنتها أصول الحديث الخمسة أو الستة عندهم، حتى سميت تلك الأصول بالصحاح، وحتى قال ابن روزبهان: ((وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء على أن كل ما عد من الصحاح سوى التعليقات في الصحاح الستة لو حلف بالطلاق أنه من قول رسول الله (صلى الله عليه و سلم)  أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق، ولم يحنث))(1).

 

تميز كتابي البخاري ومسلم بالصحة عندهم

ويمتاز كتاب البخاري وكتاب مسلم من بين تلك الأصول بمزيد من العناية والاهتمام، حتى ينصرف إطلاق الصحيحين لهما. وحتى قال ابن حجر الهيثمي: ((روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما، اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به))(2).

وقال أبو عمرو بن الصلاح: ((أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمدبن إسماعيل. وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري. ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه، فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه. وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز))(3).

وقال النووي: ((فصل: اتفق العلماء (رحمهم الله) على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول. وكتاب البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة. وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث))(4).

وقال أيضاً: ((وقد قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي (صلى الله عليه و سلم)  لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته. لإجماع علماء المسلمين على صحتها))(5).

وقال السيوطي: ((وذكر الشيخ (يعني: ابن الصلاح) أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته، والعلم القطعي حاصل فيه. قال: خلافاً لمن نفى ذلك، محتجاً بأنه لا يفيد إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ. قال: وقد كنت أميل إلى هذا، وأحسبه قويماً، ثم بان لي أن الذي اخترناه أولاً هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم عن الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ... وقد قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي (صلى الله عليه و سلم)  لما ألزمته الطلاق. لإجماع علماء المسلمين على صحته... قلت: وهو الذي أختاره، ولا أعتقد سواه))(6).

وقال الدهلوي: ((أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع،وأنهما متواتران إلى مصنفيهما.وأنه كل من يهون أمرهما فهو مبتدع،متبع غير سبيل المؤمنين))(7).

وقالوا: ((ومن روى له الشيخان فقد جاز القنطرة))(8).

 

المنع من انعقاد الإجماع على صحة الكتابين المذكورين

لكن النظر في كلماتهم بقليل من التدبر يشهد بعدم انعقاد الإجماع من جمهور السنة ـ فضلاً عن الأمة بأجمعها ـ على صحة كتابي البخاري ومسلم، فضلاً عن بقية الأصول الستة. فقد نسب ذلك لإجماع من يعتد به في كلام ابن حجر الهيثمي المتقدم، حيث يظهر منه وجود المخالف في ذلك ممن لا يعتد به هو، لأنه مخالف لهواه. بل صرح بالخلاف فيه السيوطي في كلامه المتقدم. كما حكي الخلاف صريحاً عن غير واحد. وقد كتب الكثير في ذلك خصوصاً في عصورنا القريبة، ولا يسعنا استقصاؤه.

ــــــــــــــــــــ

(1) دلائل الصدق ج:2 ص:380 ـ 381 عند ذكر (أنه صاحب الحوض واللواء والصراط والأذن).

(2) الصواعق المحرقة ج:1 ص:31.

(3) مقدمة فتح الباري ج:1 ص:10.

(4) شرح النووي على صحيح مسلم ج:1 ص:14.

(5) شرح النووي على صحيح مسلم ج:1 ص:19 ـ 20.

(6) تدريب الراوي ج:1 ص:131 ـ 134 في الخامسة: الصحيح أقسام.

(7) حجة الله البالغة ج:1 ص:282 باب طبقات كتب الحديث.

(8) الكشف الحثيث ص:112، واللفظ له. فتح الباري ج:13 ص:457.