لا حل للمشكلة إلا بتعيين مرجع للأمة من قِبَل الله تعالى

ولا حلّ لذلك إلا بتعيين الله تعالى للناس علماً في جميع العصور يرجعون إليه في دينهم، عالماً به على حقيقته، من أجل أن يوضح معالمه، ويرفع الخلاف فيه، ويمنع من تحويره وتحريفه، ليكون المسلمون على بينة من أمرهم، وبصيرة من دينهم، وتقوم به لله تعالى الحجة البالغة على الناس. ولم يقل أحد بذلك إلا في حق الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم).

 

أدلة مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) للأمة

ولو كابر المكابر مع كل ذلك، ونفى الحاجة إلى نصب المرجع في الدين من قِبَل الله تعالى، مدعياً كفاءة الأمة، واكتفاءها بنفسها، أو رضا الله تعالى لها بالاختلاف والتفرق، كفانا حجة عليه ما ورد في مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) للأمة بعد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ..

1 ـ كحديث الثقلين المشهور، على اختلاف ألسنته التي تضمنتها طرقه الكثيرة، والتي تبلغ حد التواتر، بل تزيد عليه. وقد تقدم توضيح دلالته في جواب السؤال السادس من الأسئلة السابقة. وإن كانت هي من الوضوح بحيث لا تحتاج للتوضيح.

2 ـ وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) : ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق))(1).

حيث لا ريب في الكناية بذلك عن أن النجاة إنما تكون بالاهتداء بهديهم، والهلاك إنما يكون بالإعراض عنهم وتركهم.

3 ـ وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) : ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف...))(2).

فإن الأمان بهم من الاختلاف ليس إلا لكونهم مرجعاً في موارد الشك والحيرة. وحيث كان الاختلاف متوقعاً في كل عصر، فلابد من أن يكون فيهم في كل عصر من يكون أماناً من الاختلاف لو رجع الناس إليه، واعتصموا به.

4 ـ وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) : ((من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ـ وهي جنة الخلد ـ فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة))(3).

فإن القطع عليهم (عليهم السلام) بأنهم لن يخرجوا الأمة من باب هدى، ولن يدخلوها باب ضلالة، راجع إلى ملازمتهم للحق ومعرفتهم به، بحيث لا يخطؤونه، فيتعين الرجوع لهم من أجل معرفته والوصول إليه.

ونظيره حديث زيد بن أرقم، إلا أن فيه: ((فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم...))(4). وإذا كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مرجعاً للأمة كفى في مرجعية الأئمة من ولده من بعده النصوص الواردة من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ومنه (عليه السلام) في تعيينهم (عليهم السلام) .

5 ـ وقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) : ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى، فانظروا من توفدون))(5).

فإنه صريح في أنهم (عليهم السلام) المرجع للتمييز بين الحق والباطل، وتصحيح تعاليم الدين الحنيف من الشوائب التي تطرأ عليها، نتيجة التحريف المتعمد، والخطأ غير المتعمد.

6 ـ وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ((إني وأطائب أرومتي وأبرار عترتي أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً، بنا ينفي الله الكذب. وبنا يعقر الله أنياب الذئب الكلب. وبنا يفك الله عنوتكم، وينزع ربق أعناقكم، وبنا يفتح الله ويختم))(6)... إلى غير ذلك.

وهو المناسب لتطهيرهم من الرجس، الذي تضمنه قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))(7). فإن الخطأ في الدين من أعظم الرجس... إلى غير ذلك مما تضمنه الكتاب المجيد والسنة الشريفة.

وقد أطال فيه علماؤنا الأعلام (قدس الله أسرارهم). وقد تضمن كتاب المراجعات الواسع الانتشار للمرحوم المجاهد البحاثة السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره) الكثير من ذلك.

مضافاً إلى ما ورد في حق أمير المؤمنين(صلوات الله عليه) من أنه مع الحق، والحق معه، وأنه عيبة علم النبي ووارثه، وباب مدينته... إلى غير ذلك مما تقدم في جواب السؤال الرابع والسادس والسابع من هذه الأسئلة وغيرها. مع ما هو المعلوم لمن آمن له بذلك بأنه قد أورث الأئمة من ذريته علمه، فهو باق فيهم (صلوات الله عليهم).

مضافاً إلى ما يأتي في جواب السؤال التاسع من أدلة بقاء الإمامة فيهم وعدم خروجها عنهم.

ــــــــــــــــــــ

(1) تقدمت مصادره في جواب السؤال الرابع في ج: 2 ص: 200.

(2) المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:162 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه و سلم) ، واللفظ له. مجمع الزوائد ج:9 ص:174 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم) . مسند الروياني ج:2 ص:253 فيما رواه أياس بن سلمة عن أبيه. المعجم الكبير ج:7 ص:22 فيما رواه أبو مريم عبدالغفار بن القاسم عن إياس بن سلمة. موضح أوهام الجمع والتفريق ج:2 ص:463. نوادر الأصول في أحاديث الرسول ج:3 ص:61 الأصل الثاني والعشرون والمائتان. الفردوس بمأثور الخطاب ج:4 ص:311. المجروحين ج:2 ص:236 في ترجمة موسى بن عبيدة بن نسطاس الربذي. كشف الخفاء ج:2 ص:177،435. فضائل الصحابة لابن حنبل ج:2 ص:671. وغيرها من المصادر.

(3) كنز العمال ج:11 ص:611 حديث:32960، واللفظ له. الإصابة ج:2 ص:587 في ترجمة زياد ابن مطرف. تاريخ دمشق ج:42 ص:240 في ترجمة علي بن أبي طالب.

(4) المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:139 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ، واللفظ له. مجمع الزوائد ج:9 ص:108 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب قوله (صلى الله عليه و سلم) من كنت مولاه فعلي مولاه. تاريخ دمشق ج:42 ص:242 في ترجمة علي بن أبي طالب. المعجم الكبير ج:5 ص:194 فيما رواه ثوير بن أبي فاختة عن زيد بن أرقم. حلية الأولياء ج:1 ص:86 في ترجمة علي بن أبي طالب، ج:4 ص:174 في ذكر بقية أصحاب عبدالله بن مسعود، ص:349 ـ 350 في ترجمة أبي اسحاق عمرو بن عبدالله السبيعي. لسان الميزان ج:2 ص:34 في ترجمة بشر بن مهران الخصاف. التدوين في أخبار قزوين ج:2 ص:485. ميزان الاعتدال ج:2 ص:38 في ترجمة بشر بن مهران. وغيرها من المصادر.

(5) ينابيع المودة ج:2 ص:114، واللفظ له، ص:366، 439. الصواعق المحرقة ج:2 ص:441، 442، 676. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص:17 ذكر إخباره أنهم سيلقون بعده أثرة والحث على نصرتهم وموالاتهم.

(6) كنز العمال ج:13 ص:130 حديث:36413.

(7) سورة الأحزاب الآية: 33.