بولاية أهل البيت (عليهم السلام)  كمال الدين وتمام النعمة

ومن ثم كان بولايتهم كمال الدين، وتمام نعمة التشريع من رب العالمين، اللذين تضمنها قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً))(1)، حيث تقدم عند الكلام في حديث الغدير ـ في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة ـ الأحاديث الدالة على نزوله في المناسبة المذكورة.

 

موقف الجمهور من أهل البيت (عليهم السلام)

 أما الجمهور فهم مع روايتهم ذلك كله أعرضوا عنه جملة وتفصيلاً، وفرضوا قناعاتهم مسبقاً، وجعلوها مرجعاً في تمييز الحق والباطل، وتركوا أهل البيت (صلوات الله عليهم) وراءهم ظهرياً.

 

كلام الجوزجاني في المقام

قال الجوزجاني: ((وكان قوم من أهل الكوفة لا يحمد الناس مذاهبهم، هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، ومنصور، والأعمش، وزبيد بن الحارث اليامي، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث... فإذا روى تلك الأشياء التي إذا عرضها الأمة على ميزان القسط ـ الذي جرى عليهم ((عليه.ظ)) سلف المسلمين وأئمتهم الذين هم الموئل ـ لم تتفق عليها، كان الوقف في ذلك عندي الصواب، لأن السلف أعلم بقول رسول الله (صلى الله عليه و سلم)  وتأويل حديثه الذي له أصل عندهم.

وقال وهب بن زمعة: سمعت عبدالله يقول: إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق. قال إبراهيم وكذلك حدثني إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير: سمعت مغيرة يقول غير مرة: أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعيمشكم هذا. قال إبراهيم: وكذلك عندي من بعدهم إذا كانوا على مراتبهم من مذموم المذهب وصدق اللسان))(2).

 

تعقيب كلام الجوزجاني ونقده

فهو في الوقت الذي يعترف فيه بصدق لسان هؤلاء يتوقف عن أحاديثهم إذا لم تتناسب مع ما عليه سلف المسلمين وأئمتهم. لأنه قد فرض أولئك السلف المرجع في معرفة الدين، والأعلم بقول رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)  وتأويل حديثه. ولا يريد بهم إلا من هم على خلاف خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) ممن تقدم عليهم، وجرى على ذلك.

ونتيجة لذلك لابد أن يكون هؤلاء النفر من رواة أهل الكوفة مذمومي المذهب، وأن يكونوا قد أفسدوا حديث أهل الكوفة، مع الاعتراف لهم بصدق اللسان.

وهل هناك أطرف من أن يكون أهل صدق اللسان قد أفسدوا بأحاديثهم حديث أهل الكوفة؟! وما عشت أراك الدهر عجباً!!

ولو أن هؤلاء رجعوا إلى أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وجعلهم هو ـ جل شأنه ـ ورسوله (صلى الله عليه و آله و سلم)  مرجعاً للأمة يعصمونها من الضلال والفرقة، لتبدلت الموازين، ولكان أهل صدق اللسان من المحدثين هم أهل المذهب الحق، ولكانت أحاديثهم هي الحق الذي يتبع، وبها صلح حديث أهل الكوفة. ولظهر أنهم أنقذوا أهل الكوفة من الضلال، ولم يهلكوهم.

((قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ))(3). والحمد لله على هدايته لدينه، والتوفيق لما دعا إليه من سبيله. وله الشكر أبداً سرمداً.

وبذلك كله يظهر أن جمهور السنة لا يستغنون بما عندهم من الأحاديث عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) وعن الرجوع للشيعة لمعرفة مذهبهم (عليهم السلام)  من أجل التعرف على السنة الصحيحة منهم (صلوات الله عليهم)، وأن الأحاديث التي عند الجمهور عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)  لا تغنيهم في دينهم مع ما سبق من المحن التي تعرضت لها السنة الشريفة والواقع الذي هم فيه؟!.

عدم قول جمهور السنة بعصمة أهل البيت (عليهم السلام)  لا يبرر الإعراض

(المبرر الثاني): الذي تذكره لاستغناء جمهور السنة عن كتب الشيعة هو عدم قول الجمهور بعصمة الأئمة (صلوات الله عليهم). ونقول في جواب ذلك..

 

ما سبق شاهد بعصمة أهل البيت (عليهم السلام)

(أولاً): كيف لا يكونون معصومين بعد ما ورد في حقهم من أنهم مع الحق والقرآن، والحق والقرآن معهم. وبعد جعلهم مرجعاً للمسلمين يهدونهم للحق، ويعصمونهم من الضلال، ويرفعون الخلاف بينهم، وينفون عن الدين الشوائب والتحريف... إلى غير ذلك مما سبق ونحوه؟! إذ لا أقل من كونهم (صلوات الله عليهم) حينئذٍ معصومين في التبليغ بالدين، فلا يقولون بغير الحق منه. بل مقتضى آية التطهير وغيرها كونهم معصومين عن المعصية حتى في غير التبليغ. وإصرار الجمهور مع ذلك على عدم عصمتهم رد لتلك الأدلة وما جرى مجراها من دون مبرر.

(وثانياً): أن ما ورد عن الأئمة (صلوات الله عليهم) أمور ثلاثة..

ــــــــــــــــــــ

(1) سورة المائدة الآية: 3.

(2) أحوال الرجال ص:78 ـ 81.

(3) سورة الأنعام الآية: 149.