أحاديث الأئمة (عليهم السلام) المسندة لا تقصر عن مسانيد غيرهم

(الأول): أحاديث عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يرويها الإمام عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) . ومن الظاهر أنه لا يشترط العصمة في الراوي بإجماع المسلمين. وعلى ذلك فعدم قول جمهور السنة بعصمة الأئمة (صلوات الله عليهم) لا يمنع من أخذهم برواياتهم، والتدين بها، كما أخذوا بروايات غيرهم من غير المعصومين.

بل أهل البيت (صلوات الله عليهم) أولى من غيرهم، لما هو المعلوم من كونهم (عليهم السلام) القمة في الفقه والمعرفة والتقوى والورع والصدق، فالسند الذي يقتصر فيه عليهم (عليهم السلام) أجل الأسانيد وأثبتها.

 

من صرح بأن أسنادهم (عليهم السلام) لو قرئ على مجنون لبرئ

وقد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال عن إسناد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه (صلوات الله عليهم): ((لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته))(1).

وقال علي بن مهرويه: ((قال أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: قال أبو الصلت عبدالسلام بن صالـح الهروي: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق))(2).

وعن محمد بن عبد الله بن طاهر قال: ((كنت واقفاً على رأس أبي، وعنده أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو الصلت الهروي، فقال أبي: ليحدث كل رجل منكم بحديث. فقال أبو الصلت: حدثني علي بن موسى الرضا ـ وكان والله رضا كما سمي ـ عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي (رضي الله عنهم) ، قال: قال رسول الله: الإيمان قول وعمل. فقال بعضهم: ما هذا الإسناد؟! فقال له أبي: هذا سعوط المجانين، إذا سعط به المجنون برئ))(3). وكذلك نقله أبو نعيم عن بعض السلف من المحدثين(4).

وذكر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (قدس سره) حديث الإمام الرضا (عليه السلام) بسنده عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أنه قال: ((الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان)).

ثم قال: ((قال حمزة بن محمد العلوي (رضي الله عنه) : وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: وسمعت أبي يقول وقد روى هذا الحديث عن أبي الصلت الهروي عبدالسلام بن صالـح، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بإسناده مثله، قال أبو حاتم: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ))(5).

وعن عبد الرحمن بن أبي حاتم هذا، قال: ((كنت مع أبي بالشام، فرأيت رجلاً مصروعاً، فذكرت هذا الإسناد، فقلت: أجرب بهذا. فقرأت عليه هذا الإسناد، فقام الرجل، فنفض ثيابه، ومرّ))(6).

 

مراسيل الأئمة (عليهم السلام) بحكم مسانيدهم

(الثاني): أحاديث عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لا يصرح الإمام (عليه السلام) بسنده فيها. وهي في بدو النظر مرسلة. لكنها في الحقيقة ترجع للمسانيد، لما هو المعلوم من حالهم من أن كل إمام إنما يأخذ عن أبيه، وإنما حذف السند للاختصار. وقد ورد منهم (عليهم السلام) التصريح بذلك.

ففي حديث جابر: ((قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إذا حدثتني بحديث فأسنده لي. فقال: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله (صلوات الله عليهم) عن جبرئيل (عليه السلام) عن الله عزوجل. وكل ما أحدثك بهذا الإسناد))(7).

وفي حديث هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره، قالوا: ((سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، وحديث رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قول الله عز وجل...)) (8).

ومن الطريف ما عن سالم بن أبي حفصة قال: ((لما هلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) قلت لأصحابي: انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، فأعزيه به. فدخلت عليه فعزيته. ثم قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب والله من كان يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فلا يسأل عمن بينه وبين رسول الله. لا والله لا يرى مثله أبداً.

قال: فسكت أبو عبد الله (عليه السلام) ساعة، ثم قال: قال الله تعالى: إن من عبادي من يتصدق بشق تمرة فأربيها له كما يربي أحدهم فلوه، حتى أجعلها له مثل جبل أحد.

فخرجت إلى أصحابي، فقلت: ما رأيت أعجب من هذا. كنا نستعظم قول أبي جعفر: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بلا واسطة. فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) قال الله تعالى، بلا واسطة)) (9).

ــــــــــــــــــــ

(1) الصواعق المحرقة ج:2 ص:595.

(2) التدوين في أخبار قزوين ج:3 ص:482.

(3) طبقات الشافعية الكبرى ج:1 ص:119 ـ 120، واللفظ له. عيون أخبار الرضا ج:2 ص:205.

(4) حلية الأولياء ج:3 ص:192 في ترجمة محمد بن علي الباقر.

(5) عيون أخبار الرضا ج:2 ص:205.

(6) التدوين في أخبار قزوين ج:3 ص:482.

(7) بحار الأنوار ج:2 ص:178.

(8) الكافي ج:1 ص:53. بحار الأنوار ج:2 ص:179.

(9) بحار الأنوار ج:47 ص:337.