س 9 ـ خبر الآحاد لا يعمل به في أصول الدين عند الشيعة، وهم لا يرون أن تشخيص الأئمة ثابت بالتواتر، فإن كان تشخيص الإمام يثبت بخبر الآحاد، فلا يجب العمل به من حيث اتباع الإمام المشخص.

(.......................)

عمان ـ الأردن

7 / 12 / 2000م

ج: قبل الجواب عن سؤالك ينبغي التنبيه إلى أمرين:

 

وجوب معرفة الإمام والعلم به لا يـختص بالشيعة:

(الأول): أن هذه المسألة لا تخص الشيعة، بل تجري في حق الجمهور وجميع المسلمين. لما هو المتسالم عليه عندهم ـ وأشرنا لأدلته في جواب السؤال الرابع من الأسئلة السابقة ـ من وجوب معرفة الإمام، والتسليم له، وبيعته وطاعته، وأن من ترك ذلك فميتته ميتة جاهلية.

وقد تقدم في آخر جواب السؤال السابق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون)).

حيث يتعين حينئذٍ معرفة شخص الإمام بوجه قطعي، وذلك لا يكون إلا بالبحث عن الأدلة، والنظر فيها بوجه موضوعي منصف، بعيد عن التسامح والتشبث بالظنون والأدلة الواهية، مع تجنب اللجاجة والتكلف في رد الأدلة الواضحة.

 

اللازم الموازنة بين أدلة الشيعة وأدلة غيرهم:

وعلى ذلك فلينظر من يريد الخروج عن هذه المسؤولية الكبرى ـ لتكون ميتته ميتة إسلام، لا جاهلية ـ إلى ما يقيمه الشيعة من الأدلة والحجج على تعيين أشخاص الأئمة(صلوات الله عليهم)، وإلى ما يقيمه غيرهم على تعيين أئمتهم، ويقارن بين الحجتين، بعد أن يضع أمام عينيه أن الله تعالى هو الرقيب عليه في حكمه، ثم يحكم وجدانه في تعيين ما هو الأقوى منهما، فليتزم به، ويعمل عليه، ليكون معذوراً عند الله عز وجل يوم يعرض عليه ويوقف بين يديه، ويسأله عن الدين الذي افترضه عليه، وعن أئمته الذين ائتم بهم، وأخذ منهم ذلك الدين.

 

لا يفترض في المقام التقيد بطرق الجمهور:

(الثاني): أنه لا يفترض في المقام التقيد بطرق جمهور السنة ورواياتهم ومبانيهم وقناعاتهم، لو كانت لهم في ذلك محصلة مضبوطة. فإن ذلك قد يتجه حين يحتج الشيعة على بطلان مذهب الجمهور في الإمامة، وما يقولون به من شرعية الخلافة بالاستيلاء على السلطة، من دون نص من الله تعالى، وتبليغ من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . حيث لا يحسن من الشيعة أن يحتجوا على الجمهور بما يختصون هم بروايته من دون أن يدعم بحجج قاطعة تلزم الجمهور بالتسليم به.

أما بعد تجاوز ذلك، والدخول في مرحلة لاحقة، وهي تعيين أشخاص الأئمة (صلوات الله عليهم) ـ بعد الفراغ عن أن الإمامة بنص من الله تعالى، وأنها من أصول الدين التي يجب فيها العلم، ولا يكتفى فيها بأخبار الآحاد ـ فالأمر يخص الشيعة أنفسهم، وعليهم أن يعتمدوا فيما يذهبون إليه على ما يوجب العلم لهم من أي طريق كان، لتتم لهم معرفة الإمام ويخرجوا عن ميتة الجاهلية إلى ميتة الإسلام.

وإذا كان الجمهور لا يريدون أن يعتدوا بأخبار الشيعة، ويطعنونهم بالضلال، وبأنهم قد لفقوا أخبارهم دعماً لضلالهم، ويتجاهلون القرائن التي تدعم تلك الأخبار، وتوجب القطع بصحة مضامينها. فالشيعة يعرفون من أنفسهم أنهم على الحق، ومع النصوص المثبتة لحق أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأن همهم الواقع، وأنهم بحقهم الصريح في غنى عن الكذب والافتراء. وأن لهم من القرائن العقلية والنقلية التي تدعم تلك الأخبار ما يجعل دعوتهم من الحق الواضح الذي لا ريب فيه.

فموقف الشيعة مع الجمهور نظير موقف المسلمين عموماً مع أهل الأديان الأخرى، فحينما يكونون بصدد إثبات أصل دين الإسلام، وصدق نبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لابد لهم من أن يحتجوا بما يكون حجة على أهل تلك الأديان، ويكون دليلاً قاطعاً عليهم. ولا يكفيهم الاحتجاج بما يكون حجة عند المسلمين وحدهم.

أما إذا تجاوزوا ذلك وأثبتوا صحة دين الإسلام، وصدق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا أرادوا الاحتجاج على ما يتفرع على الإسلام ـ كالإمامة وتفاصيل المعاد ـ فإنه يكفيهم أن يحتجوا بما هو حجة عند المسلمين بعد الفراغ عن صدق الإسلام، ولا يلزمهم أن يحتجوا بما هو حجة على أهل الأديان الأخرى، لأن ذلك لا يخص أهل تلك الأديان، بل يخص المسلمين أنفسهم.

بل إذا آمن بعض أهل تلك الأديان بالإسلام، وصدقوا بحجته، فاللازم عليهم الرجوع فيما يتفرع عليه إلى ما هو حجة بحسب المقاييس الإسلامية التي يتعين على المؤمنين بالإسلام الجري عليها.

وكذلك الحال في المقام، فإنه إذا آمن بعض الجمهور بما عليه الشيعة من أن الإمامة حق لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، تبعاً للنص الوارد فيهم، فإنه يلزم عليه الرجوع في تعيين الأئمة منهم (عليهم السلام) ومعرفة أشخاصهم إلى ما هو حجة بمقتضى موازين الاحتجاج العقلائية المناسبة لمرجعية أهل البيت (صلوات الله عليهم) للأمة، ولحقهم في الإمامة عليهم.

وليس معنى ذلك أنه لا توجد نصوص من روايات الجمهور تدعم مذهب الشيعة في تعيين الأئمة (صلوات الله عليهم)، بل هي موجودة فعلاً، وإن لم تكن بحيث تكفي وحدها في إثبات ذلك.

إذا عرفت هذا، فحيث كانت الإمامة عند الشيعة من أصول الدين الاعتقادية ـ التي تتوقف النجاة على معرفتها، وتترتب الهلكة بجهلها ـ فاللازم معرفة الإمام بشخصه، والعلم بإمامته. ومقتضى ذلك أن الله تعالى قد أقام الدليل القاطع على إمامة الإمام، بحيث يحصل بسببه العلم بإمامته إذ لا معنى لأن يلزم تعالى الناس بالمعرفة، ولا يهيئ أسبابها.

وبعد ذلك نقول: