ما دل على قصر الإمامة على العلويين الفاطميين:

ولابد من حملها على خصوص الفاطميين منهم:

(أولاً): للنصوص الكثيرة المشار إليها آنفاً، المتضمنة لتقديم أهل البيت (عليهم السلام) وعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجوب طاعتهم، والتمسك بهم، كحديث الثقلين وغيره.

لوضوح أن أهل البيت هم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم). كما تضمنت ذلك أحاديث كثيرة(1)، فلا يكون الأئمة ومرجع الأمة من أهل البيت إلا من ذريتهم. ليصدق أهل البيت عليهم، بسبب انتسابهم لهم.

(وثانياً): للنصوص المتضمنة أن الأحد عشر أو الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).

(وثالثاً): للنصوص المتضمنة أن الأئمة من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته.

وبذلك يخرج العلويون الذين ليسوا من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحسن والحسين (عليهما السلام).

والأحاديث المتضمنة للمضامين المذكورة مستفيضة، وهي أكثر من أن نحصيها. فلتطلب من مواضعها(2).

وقد يدعي المدعي أن الكثرة الكاثرة من هذه الأحاديث قد رويت من طريق الأئمة (صلوات الله عليهم)، ولا يمكن الاحتجاج بقولهم على إمامتهم، بل لابد أولاً من إثبات إمامتهم من غير طريقهم، ثم بعد ذلك يحتج بقولهم.

لكنه يندفع: بأنا لا نحتج على إمامتهم (صلوات الله عليهم) بدعواهم الإمامة، بل برواياتهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يثبت إمامتهم، ولا إشكال في أنهم (عليهم السلام) من أوثق الرواة وأصدقهم، إن لم يكونوا أوثقهم وأصدقهم.

على أن دعواهم الإمامة لا يستهان بها بعد تسالم جمهور المسلمين على علمهم وورعهم وأمانتهم، مع ما هو المعلوم من أن مرادهم بالإمامة هي الإمامة بتعيين من الله تعالى، وإبلاغ من رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). ويأتي في آخر هذا البحث ما ينفع في ذلك.

وعلى كل حال تغنينا رواياتهم (صلوات الله عليهم) في المقام.

 

ما ورد من طرق الجمهور مما يناسب إمامة أهل البيت (عليهم السلام):

ولاسيما وأن الجمهور قد رووا بعض تلك المضامين وما يرجع إليها، وما يناسبها.

1 ـ فقد سبق في أواخر السؤال السابق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف المبطلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون))(3).

2 ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف))(4). وقد تقدم أن ذلك لا يكون إلا مع وجود مرجع منهم في جميع العصور يعصم من الاختلاف.

3 ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ـ وهي جنة الخلد ـ فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة))(5).

4 ـ ما رواه الموفق بن أحمد بسنده عن الإمام الباقر عن أبيه عن جده الإمام الحسين (صلوات الله عليهم): ((قال: سمعت جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من أحب أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي، وغرس فيها قضيباً بيده، ونفخ فيها من روحه، فليوال علياً وذريته الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الردى))(6).

وقال ابن شهرآشوب: ((كاتبني أبو المؤيد المكي الخطيب بخوارزم بكتاب الأربعين بالإسناد عن الحسين بن علي(، قال: سمعت النبي يقول: من أحب...)) وذكر الحديث المذكور بألفاظ متقاربة(7).

5 ـ وحديث جابر. قال: ((قال: قال رسول الله: أنا سيد النبيين، وعلي سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر. أولهم علي، وآخرهم القائم المهدي))(8).

6 ـ وحديث ابن عباس قال: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً. وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي))(9).

7 ـ وحديثه الثاني، قال: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي، الاثنا عشر، أولهم علي، وآخرهم ولدي المهدي...))(10).

8 ـ وحديثه الثالث، قال: ((سمعت رسول الله(ص) يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون))(11).

9 ـ وحديثه الرابع: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي أنا مدينة العلم، وأنت بابها. ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب. وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك، لحمك من لحمي، ودمك من ودمي، وروحك من روحي، وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، وأنت إمام أمتي، وخليفتي عليها بعدي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، وفاز من لزمك، وهلك من فارقك. مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. ومثلكم كمثل النجوم، كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة))(12).

10 ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة له: ((يا أيها الناس إن الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته، فلا تذهبن بكم الأباطيل))(13).

11 ـ وحديث سلمان الفارسي (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه: ((قال لعلي (عليه السلام): يا علي تختم باليمين تكن من المقربين، قال: يا رسول الله، وما المقربون؟ قال: جبرئيل وميكائيل. قال: فبم أتختم يا رسول الله؟ قال: بالعقيق الأحمر، فإنه جبل أقر لله بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولمحبيك بالجنة، ولشيعة ولدك بالفردوس))(14).

12 ـ وحديثه الآخر قال: ((دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا الحسين ابن علي على فخذه، وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، ويقول: أنت سيد، ابن سيد، أخو سيد. أنت إمام، ابن إمام،أخو إمام،أنت حجة،ابن حجة،أخو حجة،وأنت أبو حجج تسع. تاسعهم قائمهم))(15).

13 ـ وقد تقدم في جواب السؤال الثامن حديث: ((علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم الدين))(16). وتقدم كلام الذهبي فيه، وتعقيبنا عليه.

14 ـ وفي خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام): ((ألا إن مثل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كمثل نجوم السماء، إذا خوى نجم طلع نجم...))(17).

15 ـ وفي حديثه (عليه السلام) المشهور مع كميل بن زياد النخعي: ((اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لئلا تبطل حجج الله وبيناته. أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر. تلك أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى. أولئك خلفاء الله في بلاده، والدعاة إلى دينه...))(18).

وهو يكاد يكون صريحاً في مذهب الإمامية في الإمامة من كونها بعهد من الله تعالى يبتني على حمل الإمام العلم عن الله تعالى، ثم يؤديه السابق إلى اللاحق، بحيث لا يخلو منهم زمان.

16 ـ ويأتي إن شاء الله تعالى في بقية طوائف النصوص بعض النصوص الموجودة في بعض مصادر الجمهور.

وعلم الله تعالى كم ضاع على الجمهور أو ضيعوا من تلك الأحاديث، لمنافاتها لمبانيهم، بل لأسس دعواهم. خصوصاً بعد ما هو المعلوم من مجافاتهم لأهل البيت(صلوات الله عليهم)، وشدة موقفهم من فضائلهم ومناقبهم، كما تقدم التعرض لبعض ذلك فيما سبق، خصوصاً في جواب السؤال الثامن.

ــــــــــ

(1) تقدمت بعض مصادره في جواب السؤال السادس من الأسئلة السابقة.

(2) كمال الدين وتمام النعمة الباب:22،23،24 ص:211 ـ 286. بحار الأنوار ج:23 ص:104 ـ 154،  وج:36 ص: 192 ـ 373، وغيرهما.

(3) تقدمت مصادره في جواب السؤال الثامن في (ص:).

(4) تقدمت مصادره في جواب السؤال الثامن في (ص:).

(5) تقدمت مصادره في جواب السؤال الثامن في (ص:).

(6) ينابيع المودة ج:1 ص:383.

(7) مناقب آل أبي طالب ج:1 ص:250. ينابيع المودة ج:1 ص:382 . المناقب للخوارزمي ص:75

(8) ينابيع المودة ج:3 ص:291.

(9) حلية الأولياء ج:1 ص:86 في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له. وذكر مع اختصار في التدوين في أخبار قزوين ج:2 ص:485.

(10) ينابيع المودة ج:3 ص:295، ورواه عن فرائد السمطين، واللفظ له، ص:383.

(11) ينابيع المودة ج:2 ص:316، ج:3 ص:291.

(12) ينابيع المودة ج:1 ص:95، 390 ـ 391.

(13) ينابيع المودة ج:2 ص:382، 465.

(14) المناقب للخوارزمي ص:326.

(15) ينابيع المودة ج:3 ص:394.

(16) تقدمت مصادره في جواب السؤال الثامن بعد ج:3 ص:77.

(17) نهج البلاغة ج:1 ص:194، واللفظ له. ينابيع المودة ج:1 ص:95،391، ج:3 ص:450.

(18) تذكرة الحفاظ ج:1 ص:11 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(، واللفظ له. حلية الأولياء ج:1 ص:80 في ترجمة علي بن أبي طالب. تهذيب الكمال ج:24 ص:221 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك. نهج البلاغة ج:4 ص:37 ـ 38. كنز العمال ج:10 ص:263 ـ 264 حديث:29390. المناقب للخوارزمي ص:366. ينابيع المودة ج:1 ص:89، ج:3 ص:454. تاريخ دمشق ج:14 ص:18 في ترجمة الحسين بن أحمد بن سلمة، ج:50 ص:254 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك. وأخرج بعضه في صفوة الصفوة ج:1 ص:331 في ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (عليه السلام): ذكر جمل من مناقبه (عليه السلام).