بعض التساؤلات حول هذه الأحاديث والجواب عنها

هذا وقد يقال: إن كثيراً من هذه الأحاديث قد رويت عن كثير من الصحابة ممن يروي عنهم الجمهور، بل قد يكثرون الرواية عنهم. مع أنه لا وجود لها من طرق الجمهور، ولم يعرفوا طرقها.

لكن يظهر الجواب عن ذلك مما سبق في آخر الكلام في جواب السؤال الثامن. فإن مخالفة هذه الأحاديث لأصول الجمهور التي أصلوها، ومسلماتهم التي جروا عليها، قد تحملهم على الإعراض عنها في جملة ما أعرضوا عنه من الأحاديث التي رووها ولم يثبتوها في كتب الحديث، كما قد يحمل ذلك رواة هذه الأحاديث على الامتناع من روايتها للجمهور، حذراً من رميهم لهم بقوارص القول، ونبزهم لهم بالكذب والبهتان والوضع، كما صنعوه مع من روى دون هذه الأحاديث في مخالفة وجهة الجمهور.

ومثله ما قد يدعى من أن في جملة هؤلاء الرواة من عرفوا بإعراضهم عن أهل البيت (صلوات الله عليهم) وبموالاة من تقدم عليهم من الأولين، وذلك لا يتناسب مع روايتهم لهذه الأحاديث.

لاندفاعه بأن كثيراً من هؤلاء وأمثالهم رووا في حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) ما لا يقصر عن مضامين هذه النصوص، كحديث الثقلين ونحوه مما يدل على خسران من خالفهم. وما تضمن ولاية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ونحو ذلك.

 

ما روي عن الأئمة(عليهم السلام) في تعداد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)

وهناك أحاديث أخر تتضمن تعداد الأئمة الاثني عشر من قبل الأئمة (صلوات الله عليهم) أنفسهم، من دون أن ينسبوا ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرووه عنه. وربما يدعى أنها لا تنهض حجة على إمامتهم.

لكن من المعلوم أن مثل هذه التعاليم توقيفية لا يمكن الإخبار بها عن اجتهاد وحدس، بل لابد أن تنتهي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما سبق من زيد بن علي (رضي الله عنه). فهي مضامين أحاديث نبوية مرسلة منهم (صلوات الله عليهم) لا تقصر عن المسانيد. لما هو المعلوم من حالهم(عليهم السلام) من أن كلاً منهم يحدث عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). كما تقدم في جواب السؤال الثامن.

ولاسيما وأنها تشتمل على المعجز وهو الإخبار الغيبي الصادق من الإمام بوجود من بعده من الأئمة الذين لم يولدوا بعد على ترتيبهم الذي حصل بعد ذلك. حيث يشهد ذلك بصدقهم(عليهم السلام) في الأحاديث المذكورة.

ولو غض النظر عن ذلك نفعت هذه الأحاديث في إثبات إمامة الأئمة الذين هم بعد الإمام الذي رويت عنه، لأنها بمثابة نص منه على إمامتهم، فإذا ثبتت إمامة من رويت عنه كانت كسائر النصوص الواردة عنه، المتضمنة لإمامة من بعده. ومن ثم يحسن إثباتها في جملة تتمة الطائفة الرابعة التي نحن فيها وهي عدة أحاديث.

55 ـ حديث الكميت عن الإمام الباقر (عليه السلام) حينما أنشده أبياتاً قال: ((فلما بلغت قولي:

متى يقوم الحق فيكم متى              يقوم مهديكم الثاني

 فقال سريعاً: إن شاء الله. ثم قال: إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لأن الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر، الثاني عشر هو القائم. قلت: يا سيدي، فمن هؤلاء الاثنا عشر؟ فقال: أولهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن...)) وذكر بقية الأئمة (عليهم السلام) بأسمائهم(1).

56 ـ حديث جابر الجعفي: ((سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تأويل قول الله عزوجل: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ...)) قال: فتنفس سيدي الصعداء، ثم قال: أما السنة فهي جدي

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشهورها اثنا عشر: أمير المؤمنين إليّ، وإلى ابني جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمد، وابنه علي، وإلى ابنه الحسن، وإلى ابنه محمد الهادي المهدي، اثنا عشر إماماً حجج الله في خلقه، وأمناؤه على وحيه وعلمه...))(2).

وهو وإن كان تفسيراً منه (عليه السلام). إلا أنه من المعلوم أنه تفسير بالباطن مأخوذ عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويؤيده ما عن داود الرقي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث أنه أخرج له صحيفة، وقال له: ((اقرأ هذه مما أخرجه إلينا أهل البيت، نرثه كابراً عن كابر من لدن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرأتها، فإذا فيها: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ)) علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين...)) وذكر بقية الأئمة الاثني عشر(3).

وهو وإن لم يصرح فيه بإمامتهم (عليهم السلام) ، إلا أن من المعلوم أن تميزهم بذلك يناسب إمامتهم ووجوب طاعتهم وأحاديثهم (عليهم السلام) يفسر بعضها بعضاً.

57 ـ حديث الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان من تجب له الإمامة، وعلاماته. وفيه: ((ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين... وبعده الحسن، ثم الحسين، سبطا رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)ابنا خيرة النسوان،ثم علي بن الحسين...))وذكر بقية الأئمة الاثني عشر(صلوات الله عليهم)(4).

58 ـ حديث عاصم بن حميد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً في دعاء التوسل: ((اللهم إني أتقرب إليك بنبيك ورسولك... وأتقرب إليك بوليك وخيرتك من خلقك وصي نبيك... اللهم وأتقرب إليك بالولي البار الإمام بن الإمام الحسن بن علي...، وأتقرب إليك بالقتيل المسلوب، قتيل كربلاء الحسين بن علي، وأتقرب إليك بسيد العابدين...)) وذكر التوسل بالأئمة واحداً بعد واحد حتى انتهى إلى الحجة المنتظر (عجل الله فرجه). وفي جملة ما قال عنه:((والمؤدي عن النبيين وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين(صلوات الله عليهم أجمعين)))(5).

59 ـ حديث ثالث عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيه: ((وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد وآل محمد وعند الأئمة علي والحسن والحسين وعلي...)) وذكر بقية الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم)(6).

60 ـ حديث مسعدة بن صدقة عنه (عليه السلام) أنه قال بعد التعرض لحديث الثقلين: ((إن قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا ـ وأشار إلى موسى (عليه السلام) ـ وهذا خرج من صلبي، ونحن اثنا عشر إماماً، كلنا معصومون مطهرون...))(7).

61 ـ حديث علقمة بن محمد الحضرمي عنه (عليه السلام) قال: ((قال: الأئمة اثنا عشر. قلت: يا ابن رسول الله فسمهم لي. قال: من الماضين علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي (عليه السلام). ثم أنا. قلت: فمن بعدك؟ قال: إني قد أوصيت إلى ولدي موسى، وهو الإمام بعدي، قلت: فمن بعد موسى؟ قال: علي ابنه يدعى بالرضا، ومن بعد علي ابنه محمد، ثم بعد محمد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والمهدي من ولد الحسن...))(8).

62 ـ حديث يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((قال: يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنا ورثناه...)) ثم ذكر الأئمة الاثني عشر، قال: ((قلت: سمهم لي يا ابن رسول الله. قال: أولهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعده علي ابن الحسين...)) ثم ذكر تمام الأئمة الاثني عشر بأسمائهم(9).

63 ـ حديث عبدالله بن جندب عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: ((تقول في سجدة الشكر: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك: إنك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمداً نبيي، وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي ابن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ...))(10).

64 ـ حديث شرايع الدين التي كتبها الإمام الرضا (عليه السلام) للمأمون العباسي، وفيه بعد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((وأن الدليل بعده، والحجة على المؤمنين، والقائم بأمر المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه، أخوه، وخليفته، ووصيه، ووليه، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين، ووارث علم النبيين والمرسلين، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم علي بن الحسين زين العابدين...)) وذكر بقية الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهم، ثم قال: ((أشهد لهم بالوصية والإمامة، وأن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان، وأنهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأن كل من خالفهم ضال مضل باطل، تارك للحق والهدى، وأنهم المعبرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبيان، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية...))(11).

وربما لم نستوف الأحاديث الواردة في ذلك. وفيما ذكرناه كفاية.

ــــــــــــــــــــ

(1) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:560. بحار الأنوار ج:36 ص:391.

(2) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:463 ـ 464. الغيبة للطوسي ص:149. بحار الأنوار ج:24 ص:240.

(3) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:3 ص:202. بحار الأنوار ج:46 ص:174.

مقتضب الأثر ص:31.

(4) كمال الدين وتمام النعمة ص:336 ـ 337، واللفظ له. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:323ـ325. بحار الأنوار ج:36 ص:397.

(5) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:472 ـ 473. مصباح المتهجد ص:328. بحار الأنوار ج:87 ص:32.

(6) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:473. مصباح المتهجد ص:332. بحار الأنوار ج:87 ص:39.

(7) إثبات الهداةبالنصوص والمعجزات ج:2ص:562.كفايةالأثر ص:266.بحار الأنوار ج:36ص:408ـ409.

(8) إثبات الهداةبالنصوص والمعجزات ج:2ص:563.كفاية الأثر ص:267.بحار الأنوار ج:36ص:409ـ410.

(9) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:561. كفاية الأثر ص:258 ـ 259. مختصر بصائر الدرجات ص:122 ـ 123. بحار الأنوار ج:36 ص:403 ـ 405.

(10) من لا يحضره الفقيه ج:1 ص:329 ـ 330، واللفظ له. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:2 ص:471ـ472.

(11) عيون أخبار الرضا ج:1 ص:129 ـ 130. بحار الأنوار ج:65 ص:261 ـ 262.