ما ينفرد به الإمام الحسن (عليه السلام)

وبعد كل ذلك ينفرد الإمام الحسن (صلوات الله عليه) بعدد من الأحاديث تتضمن وصية أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) له(1)، وبحديث أبي سعيد عقيصاً قال: ((لما صالـح الحسن بن علي (عليهما السلام)  معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته. فقال (عليه السلام): ويحكم ما تدرون ما علمت! والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت. ألا تعلمون أني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالوا: بلى...))(2).

مضافاً إلى أمرين..

(الأول): ما هو المعلوم من قيامه بعد أمير المؤمنين (عليه السلام). وذلك لا يكون إلا بالنص، كما تقدم في ذيل الكلام في الطائفة الثالثة من أحاديث الباب وغيرها. كما أن شيعة أهل البيت (عليه السلام) قد أجمعوا على ذلك، وعلى نص جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه.

وقد اعترف ببعض ذلك بعض الجمهور، فقد قال ابن كثير عند الكلام في تعيين الأئمة الاثني عشر الذين تضمنتهم الأحاديث المشهورة عند الجمهور: ((الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، خلافتهم محققة... ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لأن علياً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق...))(3).

بل خطبته (عليه السلام) بعد وفاة أمير المؤمنين تشير إلى حقه وحق أهل البيت (عليهم السلام) بالأمر. حيث قال فيها: ((أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي. وأنا ابن النبي. وأنا ابن الوصي. وأنا ابن البشير. وأنا ابن النذير. وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه. وأنا ابن السراج المنير. وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا. وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم): ((قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا))فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت))(4).

وعن ابن عباس أنه قام بعد هذه الخطبة فقال: ((معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه))(5).

وفي رواية أخرى أنه قال في خطبته: ((ولقد حدثني حبيبي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم))(6).

(الثاني): أن أخاه الإمام الحسين (عليه السلام) قد سلم له بالإمامة، فيدل على إمامته جميع ما يدل على إمامة الحسين من الأحاديث الواردة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين.

 

ما ينفرد به الإمام الحسين(عليه السلام)

أما الإمام الحسين (عليه السلام) فينفرد..

1 ـ بالنصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتضمنة أن الإمامة في ذريته وهي على قسمين..

(الأول): ما تضمن إمامة أمير المؤمنين والحسن والحسين وذرية الحسين. وهذا داخل في الطائفة الثانية والثالثة اللتين تقدم الكلام فيهما، ولا يختص بالحسين (عليه السلام).

(الثاني): ما اقتصر فيه على أن الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام)، وأن الإمامة فيهم. وهي نصوص كثيرة(7).

نعم ورد كثير من ذلك عن الأئمة من ولده (عليه السلام). وقد يدعى أنها لا تصلـح للاحتجاج، لأن الاحتجاج بها فرع إمامتهم. لكنه يندفع بأن كثيراً منها ظاهر في أنهم (عليهم السلام) يروون ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليست هي دعوى يدعونها من قبل أنفسهم، وروايتهم (عليهم السلام) لا تقصر عن روايات غيرهم، بل هي أعلى شأناً. كما ذكرناه غير مرة. مضافاً إلى ما سبق ويأتي من أهمية دعواهم في المقام.

وكيف كان فهذه النصوص وإن لم يصرح فيها بإمامة الحسين (عليه السلام) إلا أنها دالة على إمامته بالملازمة، لوضوح أن إمامة ذريته تبتني على انتقال الإمامة منه (عليه السلام) إليهم (عليهم السلام)، كما صرح به في بقية النصوص.

2 ـ ببعض الأحاديث الخاصة. كحديث المفضل بن عمر المتضمن إرسال الإمام الحسن (عليه السلام) خلف أخيه محمد ابن الحنفية، وتأكيده بمحضره على إمامة الحسين (عليه السلام) من بعده، وإذعان محمد بذلك، وإقراره بفضل الحسين (عليه السلام) ورفيع مقامه(8). وما روي من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خير بين أن يبقى ولده إبراهيم ويكون إماماً، وأن يبقى الحسين (عليه السلام) ويكون إماماً، فاختار الحسين (عليه السلام) (9)... إلى غير ذلك.

وبعد كل ذلك لا يظن بأحد أن يشك في إمامة الإمامين السبطين أبي محمد الحسن الزكي، وأبي عبد الله الحسين الشهيد (صلوات الله عليهما).

ــــــــــ

(1) الكافي ج:1 ص:298. بحار الأنوار ج:43 ص:322. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:5 ص:130ـ140.

(2) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:5 ص:128. كمال الدين وتمام النعمة ص:316. كفاية الأثر ص:225. الاحتجاج ج:2 ص:9. بحار الأنوار ج:44 ص:19، ج:51 ص:132.

(3) البداية والنهاية ج:6 ص:249 الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش.

(4) المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:188 كتاب معرفة الصحابة: ومن فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب، وذكر مولده ومقتله، واللفظ له. الذرية الطاهرة ص:74. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ج:1 ص:138 أذكار تتضمن نبذاً من فضائل وأخبار تختص بالحسن: ذكر خطبته يوم قتل أبوه علي بن أبي طالب. مقاتل الطالبيين ص:33. شرح نهج البلاغة ج:16 ص:30. نظم درر السمطين ص:148. ينابيع المودة ج:1 ص:40 ـ 41، ج:2 ص:212 ـ 213، ج:3 ص:363 ـ 364. بحار الأنوار ج:43 ص:361. وغيرها من المصادر.

(5) الإرشاد ج:2 ص:8. إعلام الورى في أعلام الهدى ص:407. بحار الأنوار ج:43 ص:362.

(6) بحار الأنوار ج:43 ص:364.

(7) بحار الأنوارج:25ص:254، 255، 260،وج:43ص:245، 254،وج:44ص: 221ـ222، 232، 233ـ234. وغيرها.

(8) الكافي ج:1 ص:300 ـ 302. بحار الأنوار ج:44 ص:174 ـ 176.

(9) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج:5 ص:174.