نصوص إمامة التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام)

ويبقى الكلام في نصوص إمامة بقية الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم).

وقد أشرنا للنصوص الكثيرة المتضمنة أنهم من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) وهي نصوص كثيرة جداً، قد تزيد على التواتر.

وقد تضمن بعضها(1) الاستدلال على ذلك من القرآن الشريف. وحاصله: أن مقتضى قوله تعالى: ((وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(2) هو انتقال الإمامة من الإمام السابق إلى أقرب الناس إليه، وهو ولده الصلبي. إلا أن ذلك لم يجر قبل الحسين (عليه السلام)، لأن آية التطهير ونحوها مما ورد في الكتاب المجيد قد فسرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمير المؤمنين والحسنين (صلوات الله عليهم)، كما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نص عليهم ثلاثتهم وأعلن ذلك للأمة بوجه عام، فثبتت الإمامة فيهم ثلاثتهم، ولم يتقدم أحدهم على الآخر إلا بمقتضى رتبته وسنه.

ولم يكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن يوصي بالإمامة إلى غير الحسن والحسين (عليهما السلام) من ولده عملاً بآية أولي الأرحام، لأن الحسنين (عليهما السلام) قد استحقا الإمامة مثله بالنص من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بلغ للناس بوجه عام.

كما لم يكن للإمام الحسن (عليه السلام) أن يوصي بالإمامة لولده عملاً بالآية المذكورة، لأن الحسين (عليه السلام) قد استحق الإمامة مثله بالنص المذكور أيضاً.

أما الإمام الحسين (عليه السلام) فلم يكن له حين أقدم على الشهادة من يشركه في النص المذكور، ليمنع من جريان حكم الآية الكريمة فيه، فيتعين انتقال الإمامة في صلبه، عملاً بالآية الكريمة بعد عدم المانع من العمل بها.

ومن الطبيعي أن هذا الاستدلال إنما يحتاج له عامة الناس ممن لم تبلغه النصوص على الأئمة الباقين (عليهم السلام) بأسمائهم، لأنها ليست في الظهور والانتشار كالنصوص الواردة في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام). ولاسيما مع ما سبق من دخولهم في المتيقن من النصوص الخاصة والعامة المشهورة، كأحاديث الثقلين، والأحاديث المتضمنة أن الأئمة اثنا عشر من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحوها.

كما أنه بذلك يظهر أن الآية الكريمة تصلـح دليلاً على أن الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) تجري في الأعقاب، وتنتقل من كل إمام إلى ولده لأنهم الأقرب إليه، لا إلى إخوته، أو بني عمه. وبذلك أيضاً استفاضت النصوص عن الأئمة (صلوات الله عليهم)(3).

إذا عرفت هذا فلنتعرض للنصوص الواردة في حق كل إمام من الأئمة التسعة من ذرية الحسين (صلوات الله عليهم)، زيادة على النصوص المتقدمة في الطائفة الرابعة المتضمنة أسماء الأئمة الاثني عشر كلهم.

 

نصوص إمامة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

1 ـ الإمام أبو محمد علي بن الحسين السجاد زين العابدين (صلوات الله عليه).

ويدل على إمامته ما تقدم من النصوص الواردة في الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهما). وهي تسعة عشر حديثاً قد صرح فيها باسمه (عليه السلام)، وحديثان قد أشير فيهما إليه (عليه السلام) من دون تصريح باسمه، فلاحظها. ويضاف إلى ذلك..

1 ـ حديث الفضيل عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ((لما توجه الحسين (عليه السلام) إلى العراق دفع إلى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الوصية والكتب وغير ذلك. وقال لها: إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما دفعت إليك. فلما قتل الحسين (عليه السلام) أتى علي بن الحسين أم سلمة، فدفعت إليه كل شيء أعطاها الحسين (عليه السلام)))(4).

2 ـ ونحوه حديث أبي بكر الحضرمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) (5).

وهما لا ينافيان ما في حديث أبي الجارود المتقدم في النصوص على إمامة الحسن والحسين (عليهما السلام) من دفع الوصية لفاطمة بنت الحسين (عليه السلام). لإمكان أن يكون للحسين (عليه السلام) وصيتان ظاهرة دفعت لفاطمة، وخفية دفعت لأم سلمة.

3 ـ ما عن محمد بن وهبان، عن أحمد بن محمد الشرقي، عن أحمد ابن الأزهر، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. قال: ((كنت عند الحسين بن علي (عليهما السلام)، إذ دخل علي بن الحسين الأصغر، فدعاه الحسين (عليه السلام)، وضمه إليه ضماً، وقبّل ما بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت ما أطيب ريحك، وأحسن خلقك. فتداخلني من ذلك. فقلت: بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك، فإلى من؟ قال: علي ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة. قلت: يا مولاي هو صغير السن. قال: نعم. إن ابنه محمد يؤتم به وهو ابن تسع سنين، ثم يطرق، ثم يبقر العلم بقراً))(6).

4 ـ حديث جعفر بن زيد بن موسى عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قالوا: ((جاءت أم أسلم يوماً إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو في منزل أم سلمة... فقالت أم أسلم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني قد قرأت الكتب، وعلمت كل نبي ووصي... فمن وصيك يا رسول الله؟ قال لها: يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي، ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها باصبعه، فجعلها شبه الدقيق، ثم عجنها، ثم طبعها بخاتمه. ثم قال: من فعل فعلي هذا فهو وصيي في حياتي وبعد مماتي.

فخرجت من عنده، فأتيت أمير المؤمنين (عليه السلام). فقلت: بأبي أنت وأمي، أنت وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم يا أم أسلم. ثم ضرب بيده إلى حصاة ففركها، فجعلها كهيئة الدقيق، ثم عجنها، وختمها بخاتمه. ثم قال: يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي.

فأتيت الحسن (عليه السلام) وهو غلام، فقلت له: يا سيدي أنت وصي أبيك؟ فقال: نعم يا أم أسلم، وضرب بيده، وأخذ حصاة، ففعل بها كفعلهما.

فخرجت من عنده، فأتيت الحسين (عليه السلام) وإني لمستصغرة لسنه، فقلت له: بأبي أنت وأمي، أنت وصي أخيك؟ فقال: نعم يا أم أسلم ائتيني بحصاة، ثم فعل كفعلهم.

فعمرت أم أسلم حتى لحقت بعلي بن الحسين بعد قتل الحسين (عليه السلام) في منصرفه، فسألته: أنت وصي أبيك؟ فقال: نعم. ثم فعل كفعلهم صلوات الله عليهم أجمعين))(7).

وإنما نذكر هذا ونحوه في النصوص على الإمامة، مع أنه من سنخ الكرامة والمعجزة، لأنه يتضمن النص على أن من قام بهذه الكرامة والمعجزة فهو الوصي.

5 ـ ومثله حديث حبابة الوالبية قالت: ((رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس... فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد. فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟ قالت: فقال: ائتيني بتلك الحصاة، وأشار بيده إلى حصاة، فأتيته بها، فطبع لي فيها بخاتمه. ثم قال لي: يا حبابة إذا ادعى مدع الإمامة، فقدر أن يطبع كما رأيت، فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة. والإمام لا يعزب عنه شيء يريده.

قالت: ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين (عليه السلام)، فجئت إلى الحسن (عليه السلام)، وهو في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام)، والناس يسألونه، فقال: يا حبابة الوالبية. فقلت: نعم يا مولاي، فقال: هاتي ما معك، قال: فأعطيته، فطبع فيها، كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام).

قالت: ثم أتيت الحسين (عليه السلام) وهو في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقرب ورحب. ثم قال لي: إن في الدلالة دليلاً على ما تريدين، أفتريدين دلالة الإمامة؟ فقلت: نعم يا سيدي. فقال: هاتي ما معك، فناولته الحصاة، فطبع لي فيها.

قالت: ثم أتيت علي بن الحسين (عليهما السلام) وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت، وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً ساجداً ومشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومأ إلي بالسبابة، فعاد إليَّ شبابي، قالت: فقلت: يا سيدي كم مضى من الدنيا، وكم بقي؟ فقال: أما ما مضى فنعم، وأما ما بقي فلا. قالت: ثم قال لي: هاتي ما معك، فأعطيته الحصاة، فطبع لي فيها.

ثم أتيت أبا جعفر(عليه السلام)، فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا عبدالله (عليه السلام) فطبع لي فيها. ثم أتيت أبا الحسن موسى(عليه السلام)، فطبع لي فيها، ثم أتيت الرضا (عليه السلام) فطبع لي فيها))(8).

قال الكليني: ((وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر، على ما ذكر محمد بن هشام)).

6 ـ ومثلهما في ذلك حديث أبي هاشم الجعفري، الذي يأتي إن شاء الله تعالى عند التعرض للنصوص الدالة على إمامة أبي محمد الحسن بن علي العسكري(صلوات الله عليه)(9).

7 ـ ما روي بعدة طرق عن الإمام الباقر (عليه السلام) من الحديث المتضمن لاختلاء محمد ابن الحنفية مع الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وطلبه منه أن لاينازعه في الإمامة. وفيه: ((فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): يا عم اتق الله، ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين. إن أبي يا عم (صلوات الله عليه) أوصى إليّ قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة. وهذا سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندي... إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام). فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه، ونسأله عن ذلك... فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود... فابتهل محمد في الدعاء، وسأل الله، ثم دعا الحجر، فلم يجبه... فدعا الله علي بن الحسين (عليهما السلام) بما أراد، ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء، وميثاق الناس أجمعين، لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي (عليه السلام)؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم انطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: فانصرف محمد بن علي، وهو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام))(10).

وبلغ من ظهور هذه الحادثة أن نظم فيها السيد الحميري عدة أبيات، منها:

 عجبت لكر صروف الزمان                  وأمر أبي خالد ذي البيـان

ومن رده الأمر لا ينثــني                  إلى الطيب الطهر نور الجنان

علي وما كان من عمـــه                  برد الأمانة عطف البيـان

وتحكيمه حجراً أســـوداً                   وما كان من نطقه المستبـان (11)

وهو وإن كان من سنخ الكرامة والمعجزة، ولا يتضمن نصاً من إمام سابق، إلا أن النص من الحجر ـ الذي أودع مواثيق الأنبياء والذي يبعث يوم القيامة ويشهد لمن وافاه بالموافاة(12) ـ لا يقصر عن النص من الإمام.

8 ـ حديث جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) في الحديث عن أم الإمام زين العابدين، وكيفية وصولها لأبيه الحسين(عليه السلام)، وفيه: ((فقال لها أمير المؤمنين: ما اسمك؟ فقالت: جهان شاه. فقال لها أمير المؤمنين(عليه السلام): بل شهربانويه. ثم قال للحسين: يا أبا عبد الله لتلدن لك منها خير أهل الأرض))(13).

بناء على ما عليه الشيعة من أن خير أهل الأرض هو الإمام عليهم. بل عن بعض الكتب روي الحديث هكذا: ((فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك، وهي أم الأوصياء، الذرية الطيبة))(14).

ــــــــــــــــــــ

(1) الكافي ج:1 ص:286، 287، 291 ـ 292.

(2) سورة الأنفال الآية: 75.

(3) الكافي ج:1 ص:285، 286. بحار الأنوار ج:25 ص:249 ـ 261، وغيرها من المصادر.

(4) بحار الأنوار ج:46 ص:18. الغيبة للطوسي ص:195 ـ 196.

(5) الكافي ج:1 ص:304. بحار الأنوار ج:46 ص:19. المناقب لابن شهراشوب ج:3 ص:308. إعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص:483.

(6) بحار الأنوار ج:46 ص:19. كفاية الأثر ص:234 ـ 235.

(7) الكافي ج:1 ص:355 ـ 356. ورواه بطرق أخرى ـ منها من طرق الجمهور ـ بتفاصيل أكثر في بحار الأنوار ج:25 ص:185 ـ 190.

(8) الكافي ج:1 ص:346 ـ 347، واللفظ له. بحار الأنوار ج:25 ص:175 ـ 177. كمال الدين وتمام النعمة ص:536 ـ537. المناقب لابن شهراشوب ج:1 ص:257. إعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص:408 ـ 409. كشف الغمة ج:2 ص:157.

(9) الكافي ج:1 ص:347. بحار الأنوار ج:50 ص:302 ـ 303. الغيبة للطوسي ص:203 ـ 204. الثاقب في المناقب ص:561 ـ 562. الخرائج والجرائح ج:1 ص:428. إعلام الورى بأعلام الهدى ج:2 ص:139. كشف الغمة ج:3 ص:228 ـ 229.

(10) الكافي ج:1 ص:348، واللفظ له. بحار الأنوار ج:46 ص:111، ج:92 ص:160. بصائر الدرجات ص:522. مختصر بصائر الدرجات ص:15. الاحتجاج ج:2 ص:46 ـ 47. إعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص:485.

(11) إعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص:486. مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ج:3 ص:288.

(12) المستدرك على الصحيحين ج:1 ص:628 أول كتاب المناسك. شعب الإيمان ج:3 ص:451. شرح الزرقاني ج:2 ص:408. أخبار مكة ج:1 ص:92. نصب الراية ج:3 ص:38. التدوين في أخبار قزوين ج:3 ص:151. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً. علل الشرائع ج:2 ص:423، 424، 425، 426. كمال الدين وتمام النعمة ص:3. تهذيب الأحكام ج:5 ص:102. مختصر بصائر الدرجات ص:218، 219، 220. الأمالي للطوسي ص:477.الثاقب في المناقب ص: 349 بحار الأنوار ج:5ص:245،246، ج:30ص:690. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.

(13) الكافي ج:1 ص:466 ـ 467، واللفظ له. بحار الأنوار ج:46 ص:9.

(14) بحار الأنوار ج:46 ص:11.