ما صدر عن الأئمة (عليهم السلام) من المعاجز والكرامات
(الأول): ما وري عنهم(صلوات الله عليهم) من المعاجز والكرامات التي هي من سنخ معاجز الأنبياء (صلوات الله عليهم) وكراماتهم. كإحياء الموتى وشفاء المرضى، وإبراء الأكمه والأبرص، ومعرفة منطق الحيوان، والإخبار بالغيب، واستجابة الدعاء، وطي الأرض، واستنطاق الجماد، وغير ذلك من وجوه التصرف في الكون، وخرق نواميسه المعهودة، والخروج عما تقتضيه قدرة البشر المتعارف.
ولا يسعنا ذكر مفردات ذلك بعد شيوعها واستفاضتها بنحو تزيد على التواتر بمراتب، وتتجاوز حدّ الحصر والاستقصاء. فليرجع إليها في مظانها من الكتب المؤلفة في تراجم الأئمة(عليهم السلام) وعرض سيرتهم.
حيث يشهد ذلك بتمكين الله تعالى لهم من مفاتيح علمه وغيبه وقدرته، تصديقاً لدعوتهم، ودعماً للنص، وتأكيداً للحجة، وقطعاً للعذر. إما لعدم وضوح النص في حق بعض الأشخاص، أو في بعض الأوقات، بسبب الدواعي الكثيرة ـ التي منيت بها الأمة ـ لإخفائه، والتلبيس عليه، والتعامي عنه. وإما من أجل تأكيد النص وتركيز مضمونه في النفوس، لما لهذه الأمور من الأثر العظيم في جلاء الحقيقة وتركيزها وتجذرها في النفوس، بنحو يلحقها بالبديهيات. على نحو ما حصل مع الأنبياء (صلوات الله عليهم). إذ يقبح على الله تعالى أن يجري ذلك على أيديهم (عليهم السلام) إذا لم يكونوا صادقين في دعوى الإمامة، لئلا يلزم التضليل والإغراء بالقبيح.
ولاسيما وأن كثيراً من ذلك قد ورد في مقام التحدي وإقامة الحجة على الإمامة، وبيان شواهدها. نظير ما سبق من شهادة الحجر الأسود بإمامة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه)، وطبع الأئمة (عليهم السلام) على الحصى علامة على إمامتهم، وغير ذلك مما هو كثير جداً.
وقد كان هذا الطريق عديل النص عند الخاصة من الشيعة، والأهم من النص عند العامة منهم، في إثبات إمامة الإمام وفرض شخصيته وقدسيته وهيبته في النفوس:
(أولاً): لعدم تيسر اطلاع العامة على النصوص، خصوصاً مع شدة الخوف، واللجأ للتقية .
(وثانياً): لأن الكرامات والمعاجز أقوى تأثيرها في النفوس من النص المنقول، إذ ليس الخبر كالعيان.
كما كان لتلك الكرامات والمعاجز أعظم الأثر في تجلي الحقيقة، وثبات الشيعة على إمامة الأئمة (صلوات الله عليهم) وانتشار مذهبهم.
ولا سيما مع تكرر ذلك حتى بعد وفاتهم(صلوات الله عليهم)، وبعد غياب قائمهم (عجل الله فرجه)، عند اللجأ إليهم، والاستشفاع بهم، وتجدد الحاجة للتذكير بحقهم وتصديق دعوتهم. ولا زال أثره محسوساً ظاهراً للعيان، بنحو فرض نفسه على أرض الواقع حتى على كثير من غير الشيعة ممن لم يقر بحقّ أهل البيت(صلوات الله عليهم) ولم يذعن بإمامتهم. والحديث في ذلك طويل جداً. ويأتي طرف منه في تتمة الكلام في الأمر الثالث.
إقرار الأئمة(عليهم السلام) للشيعة في دعوى إمامتهم (عليهم السلام)
(الثاني): أنه لا ريب عند الشيعة في أن الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم) الذين اعتقدوا بإمامتهم، ورووا النص عليهم، قد ادعوا لأنفسهم الإمامة، وقاموا بنشاطاتها ووظائفها، وتظلموا ممن ادعاها لنفسه دونهم، أو لم يعترف لهم بها، وبرئوا منهم، ووالوا من دان لله تعالى بها، واختصوا بهم. كل ذلك من الظهور بحد لا يقبل التشكيك عندهم، فضلاً عن الإنكار.
ولا يهمنا بعد ذلك إنكار الجمهور لموقف الأئمة (عليهم السلام) هذا، لأن المهم في هذا المقام قناعة الشيعة لأنفسهم، وتحصيل القرائن التي تدعم النصوص التي رووها، كي يحصل لهم القطع بإمامة أئمتهم (صلوات الله عليهم)، لما سبق ـ في مقدمة الجواب عن هذا السؤال ـ من أنه لا يفترض في هذا المقام التقيد بطرق الجمهور وقناعاتهم.
وبعد ذلك فمن الظاهر أن الدعوى المذكورة منهم (عليهم السلام) تبتني :
(أولاً): على النص من الله تعالى الذي أوحى به للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبلغ به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته.
(وثانياً): على إيداع مواريث النبوة ومفاتيح العلم وأسراره من الإمام السابق للإمام اللاحق، لكفاءته الذاتية، ومميزاته الشخصية، وعصمته وطهارته.
وعلى ذلك فدعوى الإمامة منهم (صلوات الله عليهم) لا تبتني على الحدس والاجتهاد، القابل للخطأ، الذي قد يعذر فيه الإنسان، بل مدعيها بين أمرين لا ثالث لهما، فهو إما صادق قد بلغ الذروة في الدين والكمال والقدس والجلال، وإما كاذب مفتر، قد هوى للحضيض في الدجل والتضليل، والجرأة على الله تعالى وانتهاك حرمته.
وحيث كانوا (صلوات الله عليهم) منزهين عن الثاني، تعين الأول. وهو المناسب لما يأتي في الأمر الثالث من فرض احترامهم وقدسيتهم وجلالتهم على الصعيد الإسلامي العام.
أضف إلى ذلك ما سبق في جواب السؤال الثالث من اختصاص الشيعة بأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وتفاعلهم معهم. وقد عرف عن الشيعة من الصدر الأول دعوى إمامة الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم) بالنص، وتميزهم بالعصمة والمعجز، وقد شاع ذلك عن الشيعة وعرف منهم في مواقفهم واحتجاجهم مع خصومهم، وفي شعر شعرائهم، حتى شنع بذلك عليهم أعداؤهم.