حديث النوبختي عن موقف المأمون

وقال محمد بن يحيى الصولي: ((وقد صح عندي ما حدثني به أحمد ابن عبيد الله من جهات، منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن سهل النوبختي أو عن أخ له، قال: لما عزم المأمون على العقد للرضا (عليه السلام) بالعهد قلت: والله لاعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الأمر أيحب إتمامه، أو هو تصنع به؟. فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده: وقد عزم ذو الرياستين على عقد العهد والطالع السرطان، وفيه المشتري. والسرطان وإن كان شرف المشتري فهو برج منقلب، لا يتم أمر ينعقد فيه. ومع هذا فإن المريخ في الميزان (الذي هو الرابع ووتد الأرض) في بيت العاقبة. وهذا يدل على نكبة المعقود له. وعرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري.

فكتب إلي: إذا قرأت جوابي إليك فأرده إليَّ مع الخادم. ونفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه، أو أن يرجع ذو الرياستين عن عزمه. فإنه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك، وعلمت إنك سببه.

قال: فضاقت علي الدنيا، وتمنيت إني ما كنت كتبت إليه. ثم بلغني أن الفضل بن سهل ذا الرياستين قد تنبه على الأمر، ورجع عن عزمه، وكان حسن العلم بالنجوم. فخفت والله على نفسي، وركبت إليه، فقلت له: أتعلم في السماء نجماً أسعد من المشتري؟ قال: لا. قلت: أفتعلم أن في الكواكب نجماً يكون في حال أسعد منها في شرفها؟ قال: لا. قلت: فأمض العزم على ذلك إذ كنت تعقده، وسعد الفلك في أسعد حالاته. فأمضى الأمر على ذلك. فما علمت إني من أهل الدنيا حتى وقع العهد، فزعاً من المأمون))(1).

 

حديث القفطي عن موقف المأمون

ويناسب ذلك ما ذكره القفطي في ترجمة عبدالله بن سهل بن نوبخت. قال القفطي: ((وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب متخشين مختفين من خوف المنصور ومن جاء بعده من بني العباس، ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا بهم ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون في صفتهم بما يخرجهم عن الشريعة من التغالي، فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل. ثم أفكر أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به.

فنظر في هذا الأمر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً. ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً. وإنما الرأي أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً. فإذا رأوا هذا أنسوا وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين. فيتحقق للعوام حالهم، وما هم عليه مما خفي بالاختفاء. فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى.

وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه. وأظهر للفضل ابن سهل أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين ((علي)) (صلوات الله عليه). وأفكر هو وهو فيمن يصلـح، فوقع إجماعهما على الرضاء. فأخذ الفضل ابن سهل في تقرير ذلك وترتيبه، وهو لايعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضاء، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري.

قال عبد الله بن سهل بن نوبخت هذا: أردت أن أعلم نية المأمون في هذه البيعة، وأن باطنه كظاهره أم لا، لأن الأمر عظيم. فأنفذت إليه قبل العقد رقعة مع ثقة من خدمه، وكان يجيء في مهم أمره. وقلت له: إن هذه البيعة في الوقت الذي اختاره ذو الرياستين لا تتم...)) وذكر قريباً مما سبق في حديث الصولي(2).

والأحاديث التي رواها الشيعة في امتناع الإمام الرضا (صلوات الله عليه) من قبول ولاية العهد، وإخباره (عليه السلام) بأنها لا تتم، وفي اتهامه للمأمون في مواقفه معه، وإخباره بأنه سوف يقتله، كثيرة جداً.

ــــــــــــــــــــ

(1) عيون أخبار الرضا ج:1 ص:159. فرج المهموم ص:142ـ143. بحار الأنوار ج:49 ص:132ـ133.

(2) تاريخ الحكماء من كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء ص:221 ـ 223.