صفحات تأليفه .
ان أبا بكر الجوهري . . . جمع في كتابه أحاديث وروايات مخالفة للشيعة الامامية . . . ومتباينة لمعتقداتها الأسلامية الصريحة الواضحة . . . ومتضادة لسيرتها النبوية المركزة . . . دون ان يتناول الحديث أو الرواية بالنقاش والرد ، كما ستطالعها في الكتاب ، فهو اذن من علماء السنة ولا شك في ذلك ، بالاضافة الى ان ذكر حديث أو اخبار موافقة لمفاهيم الشيعة ، لم يكن دليلا على تشيع الرجل .
هذا ولدينا مصادر تثبت عدم تشيعه ومخالفته له كما أن مشايخه الذين تلقف عنهم الحديث والعلم والأدب ليس فيهم من عرف بالتشيع ، أو كان شيعيا حتى يظهر أثره في نفس الجوهري بوضوح على اني تصفحت جميع المواضيع الخاصة به من جميع وجوهها فلم أجد للتشيع أي أثر فيه أو مجال ضيق يمكن به نسبته إليه . . . ولذلك يمكن القول ان لا شك ولا تردد من كونه مخالفا للشيعة كما صرحت به النصوص التاريخية . ومنها :
أ ـ ابن أبي الحديد ، فقد جعل كتاب الجوهري ـ السقيفة وفدك ـ من امهات مصادر كتابه ـ شرح نهج البلاغة ـ ونقل الكثير الكثير من تأليفه ، مع انه قال في مقدمة شرحه في الفصل الأول من ـ فدك ـ : الفصل الأول ، فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم ، لا من كتب الشيعة ورجالهم ، لأنا مشترطون على أنفسنا ألا نحفل بذلك ، وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، في السقيفة وفدك ، وما وقع من الاختلاف والاضطراب ، عقب وفاة النبي صلى الله علية وآله ، وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته (1).
ب ـ أبو الحسن علي بن عيسى الأربلي البغدادي المتوفى 693‍ ، فهو أيضا نقل خطبة فاطمة الزهراء ( ع ) من كتاب الجوهري . . . وقال قبل ذكره الخطبة : وقد
____________
(1) شرح ابن ابي الحديد 16 : 210 .
( 32 )

أوردها المؤالف والمخالف ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة ، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور ، وقرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة روى عن رجاله من عدة طرق (1).
ج ـ السيد عبد الله بن محمد رضا بن محمد بن أحمد بن علي الشبر الحسيني المتوفى 1242 هجري ، قال في كتابه : وروى عن العامة والخاصة بأسانيد عديدة عنها ( ع ) انها خطبت هذه الخطبة العظيمة في ملأ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، رواها من العامة أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وابن أبي الحديد وغيرهما (2).
د ـ الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن بن المولى عبد الله المامقاني المتوفى 1351 قال : بل ظاهر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة كون الرجل عاميا وكون كتابه في السقيفة نافعا لهم ، قال في الكلام على فدك في الفصل الأول فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم ، لا من كتب الشيعة ورجالهم لأنا مشترطون على انفسنا أن لا نحفل بذلك وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وهو عالم محدث كثير الادب ثقة ورع اثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته ، انتهى ، فإنه صريح في انه من ثقاة المخالفين وعلمائهم(3) .
فهذه الكلمات صريحة على أن الجوهري ، من علماء العامة وثقاتهم وفي المعاجم الكثير من أمثال هذه العبارات ، بيد أن بعضا من أصحاب التراجم والتاريخ نسبه الى التشيع وذلك لعدم وقوفه على كتاب ـ السقيفة ـ وأول من التبس عليه الأمر وظنه من الشيعة ورجالهم ، شيخ الطائفة الطوسي محمد بن الحسن بن علي المتوفى 460 رضي الله تعالى عنه . . . فقد ذكر في فهرسته الذي جمع فيه جماعة من شيوخ
____________
(1) كشف الغمة 1 : 480 .
(2) جلاء العيون 1 : 202 .
(3) تنقيح المقال 1 : 64 .

( 33 )

الشيعة من أصحاب الحديث ، وما صنفوه من التصانيف ورووه من الأصول فقال : أحمد بن عبد العزيز الجوهري له كتاب السقيفة (1).
ثم تبعه رشيد الدين محمد بن علي بن شهراشوب السردي البغدادي الحلبي المتوفى 588 فذكره في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنفين منهم قديما وحديثا فقال : أحمد بن عبد العزيز الجوهري له السقيفة (2).
واعتمد الآخرون على ما جاء في المصدرين السالفين ـ الفهرست ومعالم العلماء ـ وحسبوه شيعيا من دون الوقوف على كتابه ومطالعته.
والغريب ان بعضا من المؤلفين مع تردده وشكه في عقيدته ، يفرد له ترجمة خاصة في كتابه ويجعله من أعيان الشيعة ، أو من طبقات أعلام الشيعة في القرن الرابع الهجري ، وأنا لا استطيع اتخاذ ما ذكره الشيخ الطوسي رحمة الله وبركاته عليه . . . وتفرده به نصا ودليلا على تشيعه ، مع وجود كتابه الناطق على عكس ما ذهب إليه الشيخ الطوسي .
هذا ما توخيت بيانه للحق ، وتبيانه للحقيقة وما انتهى إليه علمي القاصر الضعيف . . . باختصار ولو قصدنا التفصيل لطال المقام والمقال . . .
وفاة الجوهري :
أسلفنا القول أن لم تكن في المعاجم ترجمة لأبي بكر الجوهري . فحياته مجهولة تكتنفها الغموض والجهل ، حتى عام وفاته إلا انه يعتبر من الذين عاشوا في القرنين الثالث والرابع الهجريين غير أن أبا بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول تكين الطولي الشطرنجي الكاتب المعروف والمتوفى بالبصرة سنة 335 | 336 قال : وفيها ـ اي سنة 323 ـ توفي أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، صاحب عمر بن شبة بالبصرة ، لخمس بقين من شهر ربيع الآخر .
____________
(1) فهرست الشيخ : 30 .
(2) معالم العلماء : 18 .

( 34 )

هذا والذي ينبغي الاشارة إليه في نهاية الحديث أن أبا بكر الجوهري دخل ميدان الأدب والحديث والتفسير عناية وحرصا منه على صيانة التراث الفكري الاسلامي . . . منذ شبابه ومنذ الوقت الذي كان يتدرج على طريق العلم بين البصرة وبغداد ، ونجد هذه العناية والاهتمامات منه وضاحة أشد الوضوح في تصانيفه التي اشير إليها ، وظلت ماثلة على صفحات المراجع العلمية والأدبية .
والله أسأل أن يرزقني التوفيق والاخلاص والسداد في القول والعمل والفكر . . . وان يتقبل هذا الجهد لوجهه خالصا . . . فمنه ألتمس الجزاء فيما قصدت . . . وسبحانه الهادي والموفق . . . وعليه توكلت واليه انيب . . .

شوال سنة 1401
محمد هادي الأميني
عفى الله عنه وعن والديه



ايران ـ طهران ص. ب : 634|71




( 35 )

القسم الأول :

السقيفة



( 36 )



( 37 )

عن عمر بن شبة ، عن محمد بن منصور(1) ، عن جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار ، قال : كان النبي ( ص ) ، قد بعث أبا سفيان ساعيا ، فرجع من سعايته وقد مات رسول الله ( ص ) ، فلقيه قوم فسألهم ، فقالوا : مات رسول الله ( ص ) ، فقال : من ولي بعده ؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو فضيل ؟ قالوا : نعم ، قال : فما فعل المستضعفان : علي والعباس ، أما والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما .
قال أبو بكر ، وذكر الراوي وهو جعفر بن سليمان : أن أبا سفيان قال : شيئا آخر لم تحفظه الرواة ، فلما قدم المدينة قال : إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم ، فقال : فكلم عمرأبا بكر فقال : إن أبا سفيان قد قدم وإنا لا نأمن شره ، فدفع له ما في يده فتركته ورضى(2) .
وروى ان أبا سفيان قال : لما بويع عثمان ، كان هذا الأمر في تيم واني لتيم هذا الأمر ، ثم صار الى عدي فأبعد وابعد ، ثم رجعت إلى منازلها واستقر الأمر قراره ، فتلقفوها تلقف الكرة .
____________
(1) الصحيح احمد بن منصور الرمادي ، ومرت ترجمته .
(2) ابن أبي الحديد 2 : 44 . تاريخ الطبري 3 : 2 2 عن هشام عن عوانه . الكامل 2 : 325 . أبو سفيان هو ابن الحارث بن عبد المطلب بن هشام الهاشمي ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخوه من الرضاعة . ارضعتها الحليمة السعدية . امه المغيرة وقيل اسمه كنيته والمغيرة أخوه ، وكان ممن يؤذي الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويهجوه ويؤذي المسلمين ـ الاصابة 4 : 9 ـ.

( 38 )

وحدثني المغيرة ين محمد المهلبي قال : ذاكرت اسماعيل بن اسحاق القاضي ، عند الحديث وأن أبا سفيان قال لعثمان : بأبي أنت انفق ولا تكن كأبي حجر ، وتداولوها يا بني امية تداول الولدان الكرة ، فوالله ما من جنة ، ولا نار ، وكان الزبير حاضرا فقال عثمان لأبي سفيان أعزب ، فقال : يا بني اهاهنا أحد ؟ قال الزبير : نعم والله لأكتمها عليك ، قال فقال اسماعيل : هذا باطل قلت : وكيف ذلك قال : ما انكر هذا من أبي سفيان ، ولكن انكر ان يكون سمعه عثمان ولم يضرب عنقه (1).
وجاء أبو سفيان الى علي عليه السلام ، فقال : وليتم على هذا الأمر أذل ببت قريش ، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فضيل خيلا ورجلا ، فقال علي عليه السلام : طالما غششت الاسلام وأهله ، فما ضررتهم شيئا لا حاجة لنا الى خيلك ورجلك ، لولا انا رأينا أبا بكر لها أهلا لما تركناه (2).
ولما بويع لأبي بكر ، كان الزبير ، والمقداد ، يختلفان في جماعة من الناس الى علي ، وهو في بيت فاطمة ، فيتشاورون ويتراجعون امورهم ، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة عليها السلام ، وقال : يا بنت رسول الله تأمني أحد من الخلق احب الينا من أبيك ، وما من أحد أحب الينا منك بعد أبيك ، وأيم الله ما ذاك بما نعى ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان آمر بتحريق البيت عليهم ، فلما خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون ان عمر جاءني وحلف لي بالله ان عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وأيم الله ليمضين لما حلف له ، فانصرفوا عناء راشدين ، فلم يرجعوا الى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر (3).
____________
(1) ابن ابي الحديد 2 : 44 .
(2) ابن ابي الحديد 2 : 45 . تاريخ الطبري 3 : 202 عن محمد بن عثمان بن صفوان الثقفي ، عن ابن قتيبة ، عن مالك بن مغول ، عن ابن الجر . والحديث ليس بصحيح سنده محمد بن عثمان بن صفوان ، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3 : 641 ، وقال : قال أبو حاتم ، منكر الحديث .
(3) ابن أبي الحديد 2 : 45 . تاريخ الطبري 3 : 198 عن زياد بن كليب أبو معشر التميمي الكوفي مات سنة 120 ، قال حاتم : ليس بالمتين في حفظه ، تهذيب التهذيب 3 : 382 . ميزان الاعتدال 2 : 92 . لم يبايع أمير المؤمنين علي (ع) طول حياته ، ولم يتمكن أحد من ارغامه على البيعة لأنه عليه السلام كان بنص

=


( 39 )

عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت عليه وسألته كيف به فاستوى جالسا فقلت : لقد أصبحت بحمد الله
____________
=
النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أولى من غيره ، ولأن الامامة والخلافة كانت ثابتة فيه ، وكيف يبايع وهو على يقين صادق ، واعتقاد راسخ من أن الصحابة وعلى يقين من أن محل علي ( عليه السلام ) منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير ، فسدل دونها ثوبا ، وطوى عنها كشحا وطفق يرتأي بين أن يصول بيد جذاء ، أو يصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأى أن الصبر على هاتا أحجى ، فصيروا وفي العين قذى ، وفي الحلق كيف يبايع أبو الحسن ( عليه السلام ) وهو يقول بصراحة وشهامة لأبي بكر : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي .
ولو فرضنا بيعته لأبي بكر فمعناها انه ( عليه السلام ) صادق ووافق على امامة أبي بكر ، فما معنى هذه الخطب والمناشدات والاحتجاجات التي صدرت منه ( عليه السلام ) خلال حكومة ابي بكر وعمر وعثمان في عدة مناسبات ومشاهدات ، ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ـ النساء : 115 .
ولشيخ الطائفة الشيخ المفيد محمد البغدادي حديث في الدلالة على أن أمير المؤمنين (ع) لم يبايع أبا بكر ، فقد قال رضي الله عنه : قد اجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (ع) تأخر عن بيعة أبي بكر فالمقلل يقول تأخره ثلاثة أيام ، ومنهم من يقول : تأخر حتى ماتت فاطمة عليها السلام ثم بايع بعد موتها ، ومنهم من يقول تأخر أربعين يوما ، ومنهم من يقول : تأخر ستة أشهر ، والمحققون من أهل الامامة يقولون لم يبايع ساعة قط فقد حصل الاجماع على تأخره عن البيعة ثم اختلفوا في بيعته بعد ذلك على ما قدمناه به الشرح .
فمما يدل على انه لم يبايع البتة انه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالا أو يكون ضلالا وتركه هدى وصوابا أو يكون صوابا وتركه صوابا ، أو يكون خطأ وتركه خطأ ، فلو كان التأخر ضلالا وباطلا لكان أمير المؤمنين ( ع ) قد ضل بعد النبي ( ص ) بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه وقد أجمعت الأ مة على ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يقع منه ضلال بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا في طول زمان أبي بكر وأيام عمر ، وعثمان وصدرا من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الأمة ، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا ، وان كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطأ وضلالا فليس يجوز أن يعدل عن الصواب الى الخطأ ولا عن الهدى الى الضلال ، سيما والاجماع واقع على انه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه ، ومحال أن يكون التأخر خطأ وتركه خطأ للأجماع على بطلان ذلك أيضا ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال .
وليس يصح أن يكون صوابا وتركه صوابا لأن الحق لا يكون في جهتين مختلفتين ولا على وصفين متضادين ولأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعمون على انه لم يكن اشكال في جواز الاختيار وصحة امامة أبي بكر ، وانما الناس بين قائلين ، قائل من الشيعة يقول : ان امامة أبا بكر كانت فاسدة فلا يصح القول بها أبدا ، وقائل من الناصبة يقول آنها كانت صحيحة ولم يكن على أحد ريب في صوابها إذ جهة استحقاق الامامة هو ظاهر العدالة والنسب والعلم والقدرة على القيام بالأمور ، ولم تكن هذه الأمور تلتبس على أحد في أبي بكر عندهم وعلى ما يذهبون إليه فلا يصح مع ذلك ان يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا لأنه لا يكون متأخرا لفقد الدليل بل لا يكون متأ خرا لشبهة وانما يتأخر إذا ثبت انه تأخر للعناد فثبت بما بيناه أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يبايع
=




( 40 )

بارئا ، فقال : أما إني على ما ترى لوجع ، وجعلتم لي معشر المهاجرين شغلا على وجعي ، وجعلت لكم عهدا مني من بعدي واخترت لكم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم لذلك أتفه رجاء أن يكون الأمر له ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ، والله لتتخذن ستور الحرير ونضائد الديباج ، وقائلون ضجائع الصوف الأذربي كأن احدكم على حسك السعدان ، والله لئن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد لخير له من أن يسبح في غمرة الدنيا ، وانكم غدا لأولى ضال بالناس يجورون عن الطريق يمينا وشمالا ، يا هاوي الطريق جرت ، انما هو البجر أو الفجر ، فقال له عبد الرحمن : لا تكثر على ما بك فيهيضك ، والله ما أردت إلا خيرا ، وان صاحبك لذو خير ، وما الناس إلا رجلان ، رجل رأى ما رأيت ، فلا خلاف عليك منه ، ورجل رأى غير ذلك وانما يشير عليك برأيه ، فسكن وسكت هنيهة ، فقال عبد الرحمن : ما أرى بك بأسا والحمد لله ، فلا بأس على الدنيا ، فوالله ان علمناك الا صالحا مصلحا ، فقال : أما اني لا آسي إلا على ثلاث فعلتهن ، وددت اني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وددت اني فعلتهم ، وثلاث وددت اني سألت رسوله الله صلى الله عليه وآله عنهن .
فأما الثلاث التى فعلتهن ووددت اني لم أكن فعلتها ، فوددت اني لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو اغلق على حرب ، ووددت اني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ، عمرأو أبو عبيدة ، فكان اميرا ، وكنت وزيرا ، ووددت اني إذا اثبت بالفجاءة لم أكن احرقته وكنت قتلته بالحديد أو اطلقته .
____________
أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه وقدمناه ، وقد كانت الناصبة غافلة عن هذا الاستخراج في موافقتها على أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تأخر عن البيعة وقتا ما ، ولو فطنت له لسبقت بالخلاف فيه عن الاجماع وما أبعد انهم سيرتكبون ذلك إذا وقفوا على هذا الكلام غير ان الاجماع السابق لمرتكب ذلك بحجة ويسقط قوله فيهون قصته ولا يحتاج معه الى الاكثارـ .
ـ الفصول المختارة : 31 ـ .

( 41 )

وأما الثلاث التي تركتها ووددت اني فعلتها ، فوددت إني يوم أتيت بالأشعث ، كنت ضربت عنقه ، فإنه يخيل الي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه ، ووددت اني حيث وجهت خالدا الى أهل الردة اقمت بذي القصة ، فإن ظفر المسلمون والا كنت ردءا لهم ، ووددت حيث وجهت خالدا الى الشام ، كنت وجهت عمر الى العراق فأكون قد بسطت كلتا يدي ، اليمين والشمال في سبيل الله .
وأما الثلاث اللواتي وددت اني كنت سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنهن ، فوددت اني سألته هذا الأمر فكنا لا ننازعه أهله ، وددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ، وددت اني سألته عن ميراث العمة ، وابنة الاخت ، فإن في نفسي منهما حاجة(1) .

***
عن أبي المنذر ، هشام بن محمد بن السائب(2) عن أبيه عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : كان بين العباس ، وعلي مباعدة ، فلقى ابن عباس ، عليا فقال : ان كان لك في النظر الى عمك حاجة فأته ، وما أراك تلقاه بعدها فوجم لها ، وقال : تقدمني واستأذن . فتقدمته واستأذنت له ، فاذن فدخل ، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه ، وأقبل علي ( عليه السلام ) على يده ورجله يقبلهما ويقول يا عم : ارض عني رضي الله عنك .
____________
(1) ابن ابي الحديد 2 : 45 ـ 47 .
الأموال : 131 . تاريخ الطبري 4 : 52 . الامامة والسياسة 1 : 23 . مروج الذهب 1 : 414 . العقد الفريد 2 : 254 . الغدير 7 : 170 . مصالب القواصب 1 : خ .
(2) أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر الكلبي مات 204 | 206 محدث ، شابة ، مؤرخ من أهل الكوفة ، قدم بغداد وحدث بها حفظ القرآن في ثلاثة أيام ، وروى عنه ابنه العباس ، وخليفة بن الخياط ، وشباب العصفري ، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ، ومحمد بن أبي السرى ، وأبو الأشعث احمد بن محمد المقدام وغيرهم ، له مؤلفات عدة مطبوعة . تاريخ بغداد 14 : 45 . معجم الأدباء 19 : 287 . لسان الميزان 6 : 196 . النجاشي : 503 . مرآة الجنان 2 : 29 . مصفى المقال : 493 . منهج المقال : 367 .

( 42 )

ثم قال : يا ابن اخي قد أشرت عليك بأشياء ثلاثة فلم تقبل ، ورأيت في عاقبتهما ما كرهت ، وهأنذا أشير عليك برأي رابع فإن قبلته ، وإلا نالك ما نالك مما كان قبله ، قال : وما ذاك يا عم ، قال : اشرت عليك في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله ، أن تسأله فان كان الأمر فينا أعطاناه ، وإن كان في غيرنا أوصى بنا ، فقلت : أخشى ان منعناه لا يعطيناه أحد بعده . فمضت تلك ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، أتانا أبو سفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك الى ان نبايعك وقلت لك : ابسط يدك أبايعك ، ويبايعك هذا الشيخ فانا إن بايعناك لم يختلف عليك أحد من بني عبد مناف ، وإذا بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك أحد من قريش ، وإذا بايعتك قريش لم يختلف عليك أحد من العرب فقلت : لنا بجهاز رسول الله صلى الله عليه وآله ، شغل وهذا الأمر فليس نخشى عليه فلم نلبث أن سمعنا التكبير من سقيفة بني ساعدة . فقلت يا عم ما هذا قلت : وما دعوناك إليه فأبيت ، قلت : سبحان الله أو يكون هذا قلت : نعم ، قلت : أفلا يرد ، قلت لك وهل رد مثل هذا قط . ثم أشرت عليك حين طعن عمر ، فقلت ، لا تدخل نفسك في الشورى ، فإنك ان اعتزلتهم قدموك ، وإن ساويتهم تقدموك فدخلت معهم فكان ما رأيت .
ثم الآن اشير عليك برأي رابع ، فان قبلته وإلا نالك ما نالك مما كان قبله ، اني أرى هذا الرجل ـ عثمان ـ قد أخذ في أمور ، والله لكأني بالعرب قد سارت إليه حتى ينحر في بيته كما ينحر الجمل ، والله ان كان ذلك وأنت بالمدينة ألزمك الناس به ، واذا كان ذلك لم تنل من الأمر شيئا إلا من بعد شر لا خير معه .
قال عبدالله بن عباس : فلما كان يوم الجمل عرضت له وقد قتل طلحة . وقد أكثر أهل الكوفة في سبه وغمصه ، فقال علي عليه السلام : أما والله لئن قالوا ذلك . لقد كان كما قال أخو جعفي :

فتى كان يد فيه الغنى من صديقه * اذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

ثم قال : والله لكأن عمي كان ينظر من وراء ستر دقيق ، والله ما نلت من


( 43 )

هذا الأمر شيئا إلا بعد شر لا خير معه (1).
عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة . أن سلمان ، والزبير ، والأنصار ، كان هواهم ان يبايعوا عليا عليه السلام ، بعد النبي صلى الله عليه وآله . فلما بويع أبو بكر ، قال سلمان : اصبتم الخبرة واخطأتم المعدن(2) .
وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال : حدثنا علي بن أبي هاشم ، قال : حدثنا عمر بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : قال سلمان يومئذ : أصبتم ذا السن منكم ، وأخطأتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ، ولأكلتموها رغدا(3) .
وأخبرنا عمر بن شبة قال : حدثني محمد بن يحيى قال : حدثنا غسان بن عبد الحميد قال : لما أكثر الناس في تخلف علي عليه السلام ، عن بيعة أبي بكر ، واشتد أبو بكر وعمر عليه في ذلك خرجت أم مسطح بن اثاثة ، فوقفت عند القبر وقالت :

كانت أمور وأنبـاء وهنبئــة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

____________
(1) ابن أبي الحديد 2 : 48 . والحديث لا يعتد عليه لأن في سنده أبو النضر محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن عبد الحارث بن عبد العزى الكلبي المتوفى 146 ، فقد قال عنه معتمر بن سليمان عن أبيه كان بالكوفة كذا بان أحدهما الكلبي ، وقال الدوري : ليس بشيء ، وقال معاوية بن صالح عن يحيى : ضعيف ، وقال أبو عاصم زعم لي سفيان الثوري ، قال : قال الكلبي : ما حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا ترووه ، وقال الأصمعي : عن قرة بن خالد ، كانوا يرون أن الكلبي يزرف يعني يكذب ، وقال يزيد بن هارون : كبر الكلبي وغلب عليه النسيان ، وقال أبو حاتم : الناس مجمعون على ترك حديثه ، هو ذاهب الحديث لا يشتغل به ، وقال النسائي : ليس بثقة ولا يكتب حديثه ، وقال علي بن الجنيد والحاكم أبو أحمد والدارقطني : متروك . وقال الجوزجاني : كذاب ساقط ، وقال ابن حبان : وضوح الكذب فيه أظهر من ان يحتاج الى الاغراق في وصفه روى عن أبي صالح التفسير ، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس لا يحل الاحتجاج به ، وقال الساجي : متروك الحديث ، وقال الحاكم أبو عبد الله : روى عن ابي صالح أحاديث موضوعة . تهذيب التهذيب 9 : 178 . ميزان الاعتدال 3 : 556 .
(2) ابن ابي الحديد 2 : 49 .
(3) ابن ابي الحديد 2 : 49 .

( 44 )

انا فقدنـاك فقد الأرض وابلهــا * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (1)

أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال : حدثنا ابراهيم بن المنذر ، عن ابن وهب عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود قال ، غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة ، وغضب علي والزبير ، فدخلا بيت فاطمة عليها السلام معهما السلاح ، فجاء عمر في عصابة ، منهم اسيد بن خصير ، وسلمة بن سلامة بن وقش ، وهما من بني عبد الأشهل ، فصاحت فاطمة عليها السلام وناشدتهم الله ، فأخذوا سيفي علي والزبير ، فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ، ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا ، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال : ان بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها ، وخشيت الفتنة ، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط ، ولقد قلدت أمرا عظيما مالي به طاقة ولا يدان ، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني ، وجعل يعتذر إليهم ، فقبل المهاجرون عذره . . . وقال علي والزبير : ما غضبنا إلا في المشورة ، وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها ، انه لصاحب الغار ، وانا لنعرف له سنة ، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه آله ، بالصلاة بالناس وهو حي (2).
____________
(1) ابن أبي الحديد 3 : 49 .
طبقات ابن سعد 8 : 228 . الغدير 7 : 79 ، وقد يعزى البيتان مع أبيات اخرى الى الصديقة فاطمة سلام الله عليها ، وتمامها هكذا :

وكل أصل له قربى ومنزلــة * عند الأله على الأدنيـن مقتــرب
أبيات رجال لنا نجوى صدورهم * لما مضيت وحالــت دونك الترب
تجهمتنا رجال واستخف بنــا * لمــا فقدت وكل الأرض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء بـه * عليك ينـزل من ذي العـزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يؤنسنــا * فقد فقدت وكــل الخيـر محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنـا * لما مضيت وحالــت دونك الكتب

قال الراوي : فما رأينا يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم .
(2) إذا كانت الصلاة بالناس في حياة النبي الأقدس ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دليلا على امامة الرجل ونصا على خلافته ، وتفضيلا له على سائر الصحابة فإن بين الصحابة الكثير من الذين أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالصلاة بالناس مع ما كان عليه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الصحة والاستقامة والحيوية ، وتلزمهم دعوى الامامة والخلافة ، غير انهم لم يحسبوها دليلا وطريقا إليها ومنهم على سبيل المثال : =