مفاهيم الإسلام

الولاية التكوينية

الحق الطبيعي للمعصوم (ع)

 

الشيخ جلال الدين علي الصغير

 

 

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى الهداة الميامين من آله الطيبين الطاهرين.

من دواعي السرور والتوفيق أن تنفذ الطبعة الأولى من هذا الكتاب في مدة قصيرة جداً لم تتعد الأسابيع الستة الأولى التي أعقبت صدوره، وكان الطلب عليه شديداً إلى الدرجة التي أوقعت المؤلف بحرج شديد مع أولئك الذين كانوا يلحّون بطلب نسخة منه، ظناً منهم أن جواب نفاذه لا يتلاءم مع الواقع!! حيث إنّ الكتب التي تنفذ بهذه السرعة محدودة جداً، ولكن هذا النفاذ ألجأ بعض القراء إلى تداول نسخة واحدة بين أكثر من قاريء، فيما راح الكثير من هؤلاء الأعزاء يستنسخون الكتاب بصور مختلفة.

كل ذلك بالرغم من أن توزيع الكتاب قد لاقى عنتاً متوقعاً من الجهة التي تولّى الكتاب مناقشة أفكارها ـ عملاً بمبدئها المتعارف في الحوارـ ! . حيث لوحقت بعض المطابع ودور النشر التي كانت هذه الجهة تتوقع أن تتولى توزيع الكتاب، وأحيط إقتناء الكتاب بجو إرهابي، كان الهدف منه هو منع القارئ والمهتم بالشأن العقائدي من تداول هذه الأفكار التي عدّها البعض محرّمة سياسياً وإجتماعياً.

وبطبيعة الحال كانت ردود الفعل متفاوتة بشأن الكتاب، ولكنها رغم هذا التفاوت كانت متوحدّة في شأن أهمية الكتاب، وفيما كانت كلمات الثناء على جدية المناقشة وعلميّتها قد وسمت الأعم الأغلب من تلكم الردود بما فيها ردود بعض المعنيين بجهة المناقشة، إلا أن البعض كان قد أعرب عن استياءه من ذكر بعض الأسماء بشكلها الصريح، معتقداً أن التعرّض  للأسماء قد خدش بجديّة الكتاب، حتى أن بعضهم تمنّى على الكاتب أن يحذف هذه الأسماء في الطبعة الثانية للكتاب، والبعض الآخر حاول أن يخدش بجدّية المناقشة لأنها تتناول فكرة لا تتمتع بالجديّة في الفكر الإمامي، على أن البعض الآخر حاول أن يغمز بعلميّة الكتاب من خلال كون الكتاب قد تعرّض لموضوع علم الإمام (عليه السلام) وهو لا يشترك مع موضوع الولاية التكوينية، مما أخرج الكتاب عن الطبيعة العلمية الأكاديمية التي تفترض أن يعالج الكتاب موضوعاً واحداً فحسب، وأغرب ما في هذه الردود إدّعاء الجهة التي ناقشنا أفكارها أن الأقوال المنسوبة إليها لا صحة لها، وبتعبير البعض أنها من تحريفات الكاتب!!.

أما إجماع ردود الفعل فقد كان منصبّاً على أن الكتاب لم يكتب بلغة يمكن للشارع الشعبي أن يفهمها، وقد توجّهت الأنظار إلى الاتفاق على عدم تيسير الدليل العقلي لفهم هذا الشارع، هذا فضلاً عمّا عمّ الكاتب من سباب وشتائم من بعض الجهات!!.

وإني في الوقت الذي أدين فيه بالشكر لجميع الأخوة الأفاضل من علماء ومثقفين ممن شملوني بلطف كلماتهم المادحة أوالناقدة، فإني أود أن أعلّق ببعض الكلمات والأفكار على ما أشرت إليه من ردود الفعل فأقول:

أثار دهشتي طلب البعض أن أحذف الأسماء التي تعرضتُ لها بالمناقشة، وسبب ذلك يعود إلى أن الاعتراض كان يمكن أن يكون مقبولاً لو أن ذكر هذه الأسماء قد اقترن بالتجريح والانتقاص، فيما يشهد متن الكتاب أن أي شيء من ذلكم لم يحدث، خلا ما أشار إليه البعض بأن التعرّض للآية: (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[1] قد ابتدأ بالقول بأن فلاناً قد خالف الإمامية في جملة من المسائل بما فيها موضوع الآية، وهذا الأمر ليس بدعاً من الأمور، ولا هو بالغريب فإن كان الأمر يتعلق بتفسير الآية فلعمري قد خالف الإمامية مخالفة صريحة جداً، فلا أحد من هؤلاء متقدميهم ومتأخريهم فضلاً عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد قال بقوله، بل لقد ورد في الحديث الصحيح عن صادق آل محمد (عليه السلام) تكذيب ولعن لمن يقول بما قاله الرجل![2] وأما إن كان الأمر يتعلّق بالمسائل الأخرى لعقيدة الإمامية ولوجدانياتهم وفقههم، فلعمر الحق لقد ذهب بها عريضة!![3] كما سيأتي الإشارة إلى ذكر بعضها عما قريب، ولهذا فليس في الأمر ثمة تجريح خاصة وأنها من نمط ذكر ما هو واقع، وهذا الواقع يتم الدفاع عنه، والترويج له بشتى وسائل الدعاية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية (الانترنيت)، دونما أي تردد.

أما ذكر اسم صاحب الفكرة أو الموضوع أوالكتاب الفلاني، فهو يمثل توجّهاً لحفظ الأمانة العلمية، فما دامت الفكرة لفلان، وهي من النمط المنشور والمتداول، فما الضير في نسبتها إليه، فإن كان في الفكرة ما يحرج سمعة هذا الشخص، فما أولاه في أن لا يتحدث عنها أصلاً، وما دام أنه لا يجد في ذكرها ونسبتها إليه بشكل رسمي أي غضاضة، بدليل ترويجه لها[4]، فعلام نتحرّج نحن في نسبة هذه الأفكار إليه!.

أما دعوى أن هذه الأقوال لم يتحدث بها الرجل، فهي ـ على أقل التقادير ـ تغطية على واقع تشهد له العديد من الكتب والأشرطة المسموعة والمرئية، ويمكن الإطلاع عليها بمنتهى السهولة فلقد أشرنا إلى مواضع هذه الأقوال في كل نسبة.

أما عن جديّة الفكرة المطروحة للنقاش، فالكلام فيها يتمحور ضمن اتجاهات عدّة نذكر منها ما يلي:

أولها: أن الفكرة المطروحة (الولاية التكوينية) هي من الأهمية بمكان، بما لا يمكن لأحد التنصّل منها، اللهم إلا أن يخرج من دائرة الملّة المحقّة، لأن حذفها من البنية العقائدية ولو بمفردها سيؤدي إلى ثلمة في الهيكل العقيدي لهذه الملّة، حيث إنّ التركيبة العقائدية لأي إتجاه تمثل في واقع الحال الخريطة الهندسية له، ومعلوم أن هذه الخريطة يمكن لي إخلال بها أن يعرّض مجملها إلى التآكل والانهيار مع تقادم الزمن، فهذه الفكرة شأنها شأن جميع الأفكار تترابط عضوياً مع بقية المنظومة الفكرية التي تحكمها، وإسقاط واحدة من حلقات هذه المنظومة سيؤثر بمنتهى السلب على مجمل هذه المنظومة، ولهذا فإن من المسؤولية الشرعية بعاتق أهل الإيمان هو إثبات هذه العقائد والدفاع عنها طالما أنها ثبّتت بالطرق الشرعية، وخصوصاً إنّ النافي لها، أو المستخفّ بها لا يملك دليلاً على ذلك، وهو الأمر الذي سيلحظه القارئ الكريم بسهولة في هذا الكتاب.

وثانيها: إن فكرة الولاية التكوينية قد وردت فيها آيات قرآنية كثيرة جداً وروايات صحيحة وموثوقة يعضّد بعضها بعضاً، فالإهتمام بها والدفاع عنها دفاع عن القرآن والسنة الشريفة.

وثالثها: إن فكرة الولاية التكوينية لم تكن هي الفكرة الوحيدة المتعلّقة بأهل البيت (عليهم السلام) التي تعرّض لها الرجل بالنفي حتى يمكن لنا أن نقول بأن الدنيا لن تتوقف إن نفيت هذه الفكرة، وإنما طالت أفكار الرجل أغلب الموضوعات القرآنية التي تناولت حقّ أهل البيت (عليهم السلام) إن لم يكن بأجمعها[5]، وسار في تفسيرها مسار تفاسير أهل العامة، وفي بعضها لم يذكر ـ حتى لمجرد الذكر ـ رأي أهل البيت (عليهم السلام) رغم أنه عرض لأفكار أهل العامة بصورة مسهبة، وبإمكان المرء أن يطلّ ـ مثلاً ـ ولو ببساطة إلى آرائه في خصوص الآيات القرآنية التالية: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)[6]، وكذا قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)[7] وكذا قوله جلّ وعلا: (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[8]، وكذا قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)[9]، وكذا الآية المباركة: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة)[10] وكذا في الآية الكريمة: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)[11] وكذا قوله تبارك وتعالى: ( وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ¯وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النّار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين¯ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)[12]، وكذا في قوله تبارك وتعالى: (أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)[13]، وكذا قوله جلّ من قائل: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا وما يذكّر إلا أولوا الألباب)[14].

هذا ناهيك عن أقواله في الإمامة[15] ومفرداتها المتعلقة بالعصمة[16] والشفاعة[17] والبداء[18] وعلم الإمام وسهو المعصوم (عليه السلام)، وعصمة الزهراء عليها السلام[19] والتشكيك بحديث الغدير[20] وحديث الكساء[21] وحديث من مات ولم يعرف إمام زمانه[22]، وأقواله في شأن الصورة المزرية التي يقدمها عن الأنبياء (عليهم السلام)[23]، فترى فيها كيف أن آدم عليه السلام كان ساذجاً، وأن نوحاً (عليه السلام) عاش لحظة ضعف الأبوة في قبال مهمات النبوة، فتعرض لكلام إلهي يقطر بالتوبيخ والتأنيب لأن صورة الأمر الإلهي له لم تكن واضحة لديه، وأن إبراهيم (عليه السلام) الساذج الذي يربط بين الأشياء من خلال الإحساس المادي، في طفولية كبيرة، والذي كان يعيش الوهم الكبير فيخشع خشوع العابد، وفي لهفة المسحور للكوكب حينما يراه، ولكنه تهتز قناعاته حينما يأفل هذا الكوكب، ويتصوف للقمر حينما يلوح له فيعيش معه حالة روحية من التصوف والعبادة لهذا الرب النوراني، حتى إذا ما أفل بشروق الشمس تراه يهتزّ ويتحرك باتجاه الرب الجديد في قوة وامتداد وحيوية دافقة، وإذا بنبي التوحيد الكبير يقتنص إحساسه بوجود الرب من خلال هذه التجربة التي عاشها وعانى منها ثم تمرد عليها!!.

وها هو يوسف (عليه السلام) تراه يهم بامرأة العزيز جنسياً فيتحرك إليها ـ بعد أن حركت فيه قابلية الإندفاع ـ لا شعورياً فيما يتحرك فيه الإنسان غريزياً بطريقة عفوية من دون تفكير!! وها هو موسى وهارون (عليهما السلام) يخطأان في تقدير المواقف لأن الرسالة لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري في الخطأ في تقدير الأمور، وهو الخطأ الذي يجعلهما يتخذان مواقف متناقضة فيما بينهما، وها هو موسى (عليه السلام) الذي يطلب من الله أن يريه ذاته المقدسة، لأنه لم يكن يعتقد أن الله لا يرى، وهو تخيّل بأن من يسمع كلام الله يستحق أن يراه، أو يمكن له أن يطلب رؤيته، لأنه لم يكن يمتلك التصور التفصيلي للذات الإلهية، عندئذ فليس هناك مانع من إرادة النظر بالمعنى الحسي فيما طلبه موسى (عليه السلام)، لأن الله لم يكن قد عرّف موسى (عليه السلام) إلى ذلك الوقت أنه لا يرى.

وما إن تترك موسى (عليه السلام) حتى يأتيك الكلام عن يونس (عليه السلام) الذي لم يكن يمتلك الصبر فخرج مغاضباً احتجاجا على عدم استجابة دعائه من دون أن يتلقى أية تعليمات من الله، فيعدّه ضمناً متهرّباً من مسؤولياته، ومقصراً فيها، ثم تجبهك الصورة المقدمة عن داود (عليه السلام) فلم يشفع له قول الله بأنه قد آتاه الحكمة وفصّل الخطاب أن يكون مستسلماً لمشاعره العاطفية بالحكم، فيخطأ في إصدار الحكم ضد الإنسان الفقير، ولكن ذلك الخطأ لم يؤد إلى نتيجة سلبية كبيرة في الحياة العامة، لأن الخطأ كان في طريقة إجراء الحكم، فلا بد إذن من الاعتراف بأن مثل هذه الأخطاء! لا تتنافى مع مقام النبوة، لا سيما إذا كانت الأمور جارية في بداياتها مما قد يراد به الوقوع في الخطأ.

وسرعان ما ترضخك الصورة المقدمة عن سليمان (عليه السلام) الذي شغله حبه للخيل عن ذكر الله، فانشغل بها عن صلاته ففاتته صلاة العصر، ومعه يتكرر حديثه عن الضعف الإنساني لدى سليمان (عليه السلام)، الذي يبتعد عن خط القرب السلوكي من الله قليلاً، ثم تراه يعمد كي يربّي نفسه ويوبّخها إلى محاولته ذبح الخيل ـ وهي خيل الجهاد ـ وقتلها.. وإلى آخر ما في جعبته في هذا المجال مما لم ينزل الله به سلطان علم، أو إثارة من نظر.

وأشد الصور إيلاماً نجده في الصورة السيئة التي يقدمها لنا عن النبي (ص)، وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، فالنبي (ص) المبعوث رحمة للعالمين، وكونه كان على خلق عظيم، غير أن ذلك كله لم يشفع له، فبات لدى فكر هذا الرجل هو من عبس المشار إليه في آية: (عبس وتولى)[24]وما يتعلّق بشخصيته فهو(ص) يقوم بعمل لا موضوع له، ويفوّت الفرص عليه، ولا يعرف التمييز بين المهم والأهم، ويخطئ في التشخيص فيربيّه الله بالتدريج، وهو في الأخير لا يعرف الأهمّ في مصلحة الرسالة[25]، وهو يشكو فراغ وجوع الحنان الذي تسبّب به موت أمه فعوّضته الزهراء (عليها السلام)[26]، وشخصيته فيها عناوين الشك، ولا تجربة ثقافية له قبل النبوة[27] بل يمكن أن تفهم منه أن قد يقول بأن وعي الصحابة في بعض المواضع كما هو في الحديبية كان متقدماً على رسول الله الذي اعترضوا عليه[28]، والصورة الفاحشة التي يقدّمها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو مقترف الذنوب وصاحب القلب المكتسب للآثام، وهو الذي يعد ربه بأنه سوف يتراجع عن خطئه وإسائته ومعصيته بل هو الذي يقترف الذنوب الكبيرة التي يكفي ذنب واحد منها لينقصم الظهر، وهو صاحب الغريزة التي تتغلب على عقله فتوقعه في المعصية[29]، والصورة المأساوية التي يقدمها عن الزهراء (عليها السلام) فهي إمرأة عادية، لا خصوصيات لها، ولم يتدخل الغيب في نموها الروحي، ولنجرب أن نخلّق منها مئة فاطمة، ولم تظلم، ولم يسقط لها جنين بمسمار، ولم يعتد عليها في بيت، ولم يحرق بابها، ولم تُضرب، وكانت تتعامل بشكل طبيعي مع أبي بكر وعمر، بل كانت قلوبهم مملوءة بحبّها فعلام يهاجمونها، ولم تحظ بكرامة البتولية[30]، وها هو الإمام الحسين (عليه السلام) يخرج لطلب الحكم والسلطان كما خرج أبوه من قبل[31]. وهكذا عشرات القضايا المتعلقة بطبيعة العقيدة أو شخصياتها.

أما في الوجدانيات والأمور التي تعبر عن محاولات تجسيد علاقات الولاء مع أهل البيت (عليهم السلام) فقد رام هدم كل شيء، وحاول سنّ فهم يحاول أن يفصل بين ذات المعصوم (صلوات الله عليه) وبين رسالته، في مهمة يحاول فيها أن يفرغ الذات من محتواها الذي بموجبه حازت الموقع الذي حظيت به[32]، دون أن ينسى أن يسفّه الأفكار التفضيلية التي تفضّل شخصية على أخرى[33]، ومن بعد ذلك تراه يسفّه الزيارات[34] التي يدعو إلى تغييرها لأنها تتنافى مع حاجة المرحلة المعاصرة[35]، وينتقد طريقة التعامل مع الأضرحة المقدسة معتبراً إياها قطعاً من الحديد لا فائدة منها[36]، بل إنها قد تثير صنمية لا شعورية ثم يتمادى إلى القول بأن تعليق صورة الإمام علي (عليه السلام) أو الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) أو صورة بعض الشخصيات هي الأخرى تثير مثل هذا الشعور[37] بزعمه[38] وحتى يكمل الأمر راح يشوّه صورة الشعائر الحسينية فها هم شيعة العراق يحتفلون في يوم عاشوراء بشرب الخمر حزناً على الحسين (عليه السلام)[39] وأولئك شيعة إيران ينبحون نبح الكلاب في مشهد حزناً على الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ليشير من بعد ذلك إلى إمكانية أن يخرج غداً من ينهق نهق الحمير بكاء على الحسين (عليه السلام)[40] وموقفه الساخر من مراسم الحسين كاللطم وتسفيه الشعر الحسيني الذي يرى أن أكثر من تسعين بالمائة منه ينبغي أن يتبدّل[41] وما إلى ذلك من مئات القضايا التي لا يسع المجال لاستعراضها وإن على نحو الإختصار كما فعلنا هنا.

أما في الفقه ـ رغم عدم فقاهته[42]ـ فحدّث ولا حرج، فلعمر الحق قد ذهب بها عريضة، وفرّ من فقه الإمام الصادق (عليه السلام)، أكثر من فرار عثمان بن عفان في معركة أحد.[43], ويكفيه أن يكون قد عمد إلى إعمال منهد في استنباط الأحكام والمسائل يبرأ منه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بشكل حازم وحاسم، وأعني بذلك إعماله القياس والإستحسانات العقلية والمصالح المرسلة على مساحة واسعة النطاق مما يسمى بفقهه وأبحاثه في هذا الخصوص، وها هي أبحاثه المسماة بالفقهية خصبة جداً في طبيعة الإستدلالات القائمة على الإستحسانات العقلية والمصالح المرسلة التي يغلفها تارة باسم سيرة العقلاء وبناء العقلاء والإرتكازات العقلية أو الأيحاءات أو ما إلى ذلك[44]، أما القياس فلم يكتف بتضمينه في داخل فتاويه، بل دعا إليه صراحة[45].

ولربما تمثل دعوته إلى متابعة منهج الألسنية الحديثة[46]، في تعاملها مع النص واحدة من أخطر دعواته لأنها لا تبقى فقهاً ولا معتقداً، إذ يدعو لتعويم النص إلى الدرجة التي لا يبقي له معنى بحيث يشرف على اللاتناهي في الدلالة واللامحدود في المعنى، فهو يرى ضرورة إخراج المفردة اللغوية في النص من إطارها التأريخي إلى أن تكون متحركة عبر الزمن، وثانياً إلى الفصل بين النص وبين محرره، وفصل التجربة الشخصية للإنسان المتكلم بها، لأن معناها يمثل عالماً ثقافياً في حجم حركته في التاريخ وفي الكون كله، مما قد يختلف الناس في وعيه في مختلف أبعاده وتنوع آفاقه[47]، وخطورة هذا المنهج تنبع أساساً من طريقة فهم النص، وعدم تعليقه على مراد الناصّ، وإنما إطلاق الفهم ليشمل كل ما يمكن أن تشير إليه مفردات النص، بحيث إنّ المفردة اللغوية لو كانت في عهد النص تدلّ على المعنى الفلاني، ثم اختلفت حركة الدلالة مع الزمن لتشير إلى شيء آخر، فما من ضير من العمل بالدلالة المتأخرة عن عهد النص، وإعتمادها ككاشفة عن فهم النص، وهذا ما يؤدي عملياً إلى إمكانية التلاعب بالنصوص بالطريقة المناسبة، وإغفال عنصر الظهور اللازم لفهم المراد من النص، ولو جمع هذا الأمر مع منهجه في العمل بالاستحسانات العقلية المعبّر عنه في حديثه كثيراً حينما يتعامل مع النصوص، بعبارات من قبيل إني لا أتفاعل، أو إنني لا أتصوّر وأمثال ذلك، عندئذ فإن الأساس الذي يقوم عليه التشريع والتنظير الإسلامي سيكون من الهشاشة بمكان بحيث إنّه سيغدو ألعوبة بيد من يريد أن يتعامل معه، وللحديث عرضاً ونقداً تفصيل لعلّنا نتوفر عليه في أبحاث أخرى.

¯¯¯

 

إن هذا القضايا ومئات غيرها لا تعبّر عن حالة نقاش في داخل الفكر، بل هي حالة مخالفة من خارجة، ولهذا فإن الردّ على هذه الأفكارـ ومنها موقفه من الولاية التكوينية ـ إنما هو محاولة كشف المنهج الذي سارت وفق معالمه عملية الضلال، فأودت إلى أن هذا الرجل حينما يفكر بكلام الإمام (عليه السلام) فإنه لا يحمله على العصمة، إنما يحاول أن يأخذه كغيره من كلام البشر، لأنه يعتقد بأن جميع الفكر الاسلامي ما عدا الحقائق الاسلامية البديهية[48] إنما هو من كلام البشر كما أشار هو في كتابه(حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع) حيث قال: إن الفكر الإسلامي ـ ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية ـ هو فكر بشري، وليس فكراً إلهياً، قد يخطئ فيه البشر فيما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله(ص)[49] وقد يصيبون[50].

ورابعها: إن كانت هذه الأفكار لا تمثل أهمية في البنية العقائدية، ولا تنطوي على تلك الجدية في شؤون هذه البنية، فالتساؤل هنا سيكون مرّة عن جدوى طرح هذه الأفكار، في وقت يتم فيه إهمال المواضيع ذات الأهمية الكبرى للتحرك الإسلامي العالمي والمشاكل التي تعترض مفاعيل تحرّك الصحوة الإسلامية، ومئات الموضوعات التي لا زالت مبهمة في الفكر الوضعي عن أمور الإسلام ومفاهيمه[51]، ويفترض بمن يلحظ في الرجل لياقات ريادية على مستوى العالم الاسلامي أن يسائله عما بدا له فغدا منكفئاً على أغلب الموضوعات العقائدية والوجدانية والمسلكية القديمة، لينبش الكثير من الأمور التي تسالمت عليها الأمة، دون أن نلمس أي أثر لهذه المسائل التي تؤرّق السائرين على درب تفعيل الصحوة الإسلامية وتقديم المشروع الإسلامي بالصورة التي تليق بشأنية الإسلام.

ويا ليت أن أمر نبش القديم اقترن بقوة دليل أو بحجة بليغة، فلسنا من أتباع القديم لأنه قديم، ولسنا كما يدعي: بأننا في بعض أوضاعنا: (إنّا وجدنا آبائنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون)، ولسنا كما يدعي بأنه لا توجد في مذهبنا أية حرية لمناقشة قضايانا، ولسنا كما يزعم بأن لدينا: (إرهاباً فكرياً)[52]، ولكننا أصحاب دين، وهذا الدين نشأ بعيداً عنا زمنياً، وما هو مطلوب منا أبداً: أن نلتزم بهذا الدين كما جاء به رسول الله (ص) وفصّله الأئمة (عليهم السلام)، ولهذا من يريد أن يبلّغنا بأننا لم نفهم ديننا وأننا مع تقادم الزمان سرنا بعيداً عنه، إن من واجبنا الإصغاء ريثما نسمع البنية الدليلية التي يقدمها من أجل تعزيز فكرته هذه، فإن كانت حجيتها بليغة، فمن واجبنا تصحيح ما لبس علينا من فهم الدين، فلسنا ندعي العصمة، أمّا أن يأتيك من يحدّثك بجملة من التشكيكات كيفما اتفق اعتماداً على بعض الحيثيات الساذجة في فهم الأمور، رغبة منه في التغيير والتجديد، ومخالفاً في ذلك فكر الأئمة (عليهم السلام) وإجماعيات تفسيرات الآلاف من العلماء عبر كل هذا الزمن، فعند ذلك لن ينتظر من علماء الأمة بعد نصحه وإرشاده من أن يسمّوه بسمة الإنحراف والضلال ـ إن لم يرتدع ـ كائنا من كان هذا الرجل، فتلكم جماعات الخوارج قاتلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حربيه في الجمل وصفّين، ولكن ذلك لم يمنع من أن تعد خارجة عن العقيدة والدين بسبب انحراف موقفها العقائدي، فنحن لا نملك بطاقة شخصية تمنح مع الولادة في الانتساب إلى عقيدتنا، وإنما هويتنا بعقيدتنا فمن شذّ عن هذه العقيدة خلع عن نفسه صفة الانتساب إليها.

أما إن لم تكن ـ هذه الأفكار ـ بذي قيمة، فعلام طرحها في هذا الوقت بالذات، والأمة تعيش حالة مريرة من هجمة كافة قوى الاستكبار العالمي عليها، وتحتاج إلى أن توظف كل طاقاتها في عملية المواجهة هذه، ومعلوم أن محض طرح أفكار من هذا القبيل سوف يؤدي بطبيعة الحال إلى أن يتصدى العلماء لتوضيح ما سيلتبس على فكر الأمة، وهو الأمر الذي سيؤدي بالنتيجة إلى أن تنشغل بعض من الطاقات بعيداً عن المعركة الحقيقية، وهذا الانشغال سوف يزداد كمّاً ونوعاً كلّما اتسعت رقعة المناقشة طولاً وعرضاً ـ إن صح التعبير ـ وهو الأمر الذي حصل بالفعل، فبعيداً عن جدوى طرح هذه الأفكار، فضلاً عن مدى قيمتها العلمية، يمكننا التأكد الآن ـ أكثر من أي وقت مضى ـ عن مدى اتساع رقعة المشاغلة السياسية والفكرية والوجدانية ـ الاجتماعية التي أحدثها فكر هذا الرجل للغالبية العظمى من رجالات المذهب[53]، وهذه ـ بما لا ريب فيه ـ من أجلّ الخدمات التي يمكن أن ينالها الاستكبار العالمي، فمقارعة الاستكبار لن تكون بتصريح يصدر من هنا أو هناك، فيما تكون الممارسة السياسية أو الفكرية أو الاجتماعية تعمل على اضطراب الصف المقاوم للاستكبار، ولو كان الأمر كذلك فمن غير شك سيغدو طاغية العراق صدام حسين من أشدّ المقارعين للاستكبار وقواه الإقليمية والعالمية، في الوقت الذي لم يبق من يشك بأن هذا الطاغية رغم كل تصريحاته المعادية لأمريكا والكيان الصهيوني فإنه قام بتقديم خدمات لم تكن تحلم بها كل قوى الطغيان في المنطقة!!.

هذا وقد ساق البعض هذه الشبهة وهي أن الرجل حتى لو لم يؤمن بالولاية التكوينية، فليس من المفروض أن يُعارض بهذه الصورة، ويضيف هذا البعض هب أنه لم يؤمن بظلامة الزهراء (عليها السلام) فهل يستحق ما آل إليه الأمر حينما أعلنت المرجعية الدينية العليا في قم المقدسة رسمياً، وكذا ما أعلن عنه العديد من مراجع النجف أو تحدثوا عنه بشكل غير رسمي بكونه منحرفاً وخارجاً عن المذهب؟ ومن بعدهم المئات من العلماء الأعلام معتبرين أن هذه الأمور هي من جملة المناطق التي يمكن للعلماء أن يختلفوا فيها، وبالتالي فإنه لا يستحق كل هذا الوصف.

وللجواب عن ذلك نقول: تارة إما أن تكون هذه المعارضة ـ كما يعبّر هو تكراراً ومراراً ـ نتيجة عوامل نفسية كالعقد والأحقاد والحسد وما إلى ذلك، أو عوامل سياسية أو قومية كصراع الفرس مع العرب حول شؤون المرجعية، أو أن ضحيّة هجوم التيار الرجعي في الحوزة العلمية، أو أنه ضحيّة الذين يأخذون كلماته على طريقة (ويل للمصلين) فيقطّعون كلماته ويصلون قطع متناثرة منها كي تبدو صياغاتها صياغة انحراف، أو أن ضحية المؤامرات المتكررة لأمريكا والموساد ومفاعيل قمة شرم الشيخ وأمثال ذلك وهذه كلها قد دفعت بمعارضيه أن يشنوا هجومهم عليه كي يسلبوه ما هو فيه من جاه ومال وما شاكل[54].

فالملاحظ عليها أولاً: أن الواقع خلاف ذلك تماماً، والتأمل في هذه اللغة الاتهامية يظهر خلفيتها السياسية والتضليلية التي تحاول أن تعمّي على حقيقة الأمور، فصف المعارضة لأفكار هذا المتهم ـ وهو صفّ الأغلبية العظمى للأمة ـ تختلط فيه التيارات السياسية الإسلامية جميعاً؛ فالخطّ الثوري والتغييري بل حتى أشدّ الناس في هذا الإتجاه، والخطّ المحافظ والتقليدي بل حتى الذي ألف عنه عدم تدخله في الشؤون العامة ومنهجه أقرب إلى الاعتزال منه إلى شيء أخر يشترك في مصاف واحد في شأن هذه المعارضة، والمرجعيات الدينية الإيرانية والعربية على حد سواء من هذا الأمر، وبالتبع لها الحوزات العلمية فالعربية والفارسية والباكستانية وغيرها سواسية في هذا الشأن، ولا يعقل أن تشترك كل هذه القطاعات بأمر واحد وتتفق على قول واحد.

ومن الطبيعي إن تعرّض البعض لنقض فكرة واحدة أو إثنتين أو حتى عشرة من تلكم التي لا تستلزم هدم الأركان الأساسية للمذهب، لن يفعّل معارضة بهذا المستوى، بحيث نرى أن كل الألوان حتى تلك التي لم تجتمع في يوم ما، اجتمعت ها هنا، فإن ذلك قد يعبّر عن مستوى الخطر الذي يتهدد المذهب نتيجة طروحات هذا الرجل، بحيث يصل الأمر ولربما لأول مرة في تأريخ المذهب في عصر الغيبة أن تتصدى المرجعية الدينية العليا لتعلن خروج رجل من المذهب وتعلن عن انحرافه عنه[55].

هذا الأمر يقودنا إلى المفردة الثانية من هذه المناقشة وهي أن تسفيه هذا الرجل للمفردات العقائدية الكبيرة منها والصغيرة ليست من القلّة بحيث يمكن أن ينظر إليها ضمن معايير إختلاف الرأي، أو أن نقول عنها هفوات يمكن أن يشطّ عنها الفكر أو القلم، ولا هي بالمسائل التي تدخل ضمن الحيز الذي لا يصل إلى الخطوط الاعتقادية الحمراء، بل لقد تجاوز الكثير من هذه الخطوط فيما أعلن عنه لحد الآن، مما ينحو بنا إلى القول بأن مجموع عقائده المعلنة تشكّل خطاً مخالفاً لخط العقدية المحقّة وأساسيات الإسلام، ولا يسع المجال هنا لذكر ذلك، والمرجع فيها إلى الكتب المختصة والنشرات التي صدرت في هذا المجال، لا سيّما كتاب خلفيات كتاب مأساة الزهراء للعلامة الحجة السيد جعفر مرتضى العاملي (أيّده الله بتأييده).

ومحض القول بأن هذا الرجل له فكر المذهب ولكنه يجتهد مثله مثل غيره من المجتهدين لا ينفع في درء التهمة عن لسببين:

أولهما: أن المسائل الاعتقادية ليست بمسائل اجتهادية لنختار منها ما نشاء ونأخذ ما نشاء، وإنما هي كالبنية الهندسية التي تشكل مجموع أساس أي بناء، ومن الواضح أن أي خلل ـ حتى لو تبدى بحجم عُشر الملميتر ـ يمكن أن يلصق بهذه البنية، لا بد وأن يبدو بحجم الأمتار مع اتساع البناء، فكيف الأمر مع منظومة عقائدية يراد لها أن تستمر ما دامت السماوات والارض، وأنها تجرّعت ولا زالت تتجرّع ألواناً من العنت العقائدي والعنف الفكري بما لا يمكن لأحد أن يقول بأنه جرى على غيرها من العقائد عبر تأريخ العقائد والأديان، هذا ناهيك عن القمع الاجتماعي والسياسي والأمني وما إلى ذلك.

وإنما هي مجموعة من الأفكار والمفاهيم ـ في خطوطها الأساسية ـ وضعها مؤسس العقيدة (ص) وآله الطاهرين (عليهم السلام)، وقام العلماء الأعلام ووجوه الصحابة وتحت إشراف الأئمة الأطهار (عليهم السلام) منذ البداية[56] بعرض تفاصيل هذه العقيدة، وبذلت من أجل ذلك جهوداً مضنية تكبها جميع من اشترك في هذه الصياغة، وبناء على القواعد العامة وتفاصيلها التي وضعها هؤلاء سار ركب العلماء في عصر الغيبة الكبرى لتصوغ أقلامهم الشريفة الصورة الأكثر تفصيلا لمتبنيات العقيدة الطاهرة، ولا يمكن نعت هؤلاء جميعا بعدم القدرة على صياغة مفردات هذه العقيدة، وفيهم من عرف بقوة الجدل وكثرة التحقيق.

ولا يمكننا فهم الإمام (عليه السلام) ـ أي أمام منهم صلوات الله تعالى عليهم) ـ إن قلنا بأنهم (صلوات الله عليهم)  رغم كل ما رأوا من ذلك الجهد المحموم للإساءة إلى خط أهل البيت (ع) وتشويه معالمه وطمس آثاره ومحو عقيدتهم، وهو الجهد الذي لم يتوان حين واتته الظروف من أن يسفك أعزّ الدماء وأقدسها عند الله، ورغم كل ما تكبدوه من آلام ومحن وممرارات أوهنت الصم الصلاب، والتي عبرت عنها بأصدق تعبير القديسة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) بقولها وهي تخاطب الرسول(ص):

صبت عليّ مصائب لو أنها صبّت على الأيام صرن لياليها ورغم كل ما رأوا من محاولات التحريف المناصبة أو المغالية، فإنهم رغم كل ذلك لم يبالوا بما جرى عليهم، وجلسوا واضعين أكفّهم على خدودهم، دون أن يبينوا معالم الدين وأصول العقيدة بكل تفاصيله، وهل يمن لأحد أن يتصور أن الإمام (ع)  الذي عايش فتن وضلال المغالين والناكثين والنواصب، وكذا شبهات وشكوك الذين خرجوا عن الصف من الواقفة والفطحية والإسماعيلية والزيدية وغيرهم، لم يبال بشيعته فلم يبين لهم ما عليهم القيام به وما عليهم الإعتقاد به؟!، فإذا ما كان رجلنا الذي نتحدث عنه قد وعى ـ حسب ما يدعي ـ مشكلة الوضّاعين في حديث الأئمة(ع) كالمغيرة بن سعيد العجلي وابن أبي الخطاب الأسدي وأضرابهم،  فراح يدعو للتدقيق بحديث أهل البيت (عليهم السلام)[57] فهل أن ما تنبّه إليه تراه قد غاب عن ذهن الأئمة (عليهم السلام)  وأصحابهم، فلم يتنبهوا إلى الآفة التي تبعد الناس عن طريقهم، وتضلّ الأمة عن حقائق الاعتقاد وأصوله؟! رغم كل التأكيدات التي صدرت عنهم (صلوات الله تعالى عليهم)  لأصحابهم بتنقية الحديث وسهرهم على ذلك!!.

أيعقل أن ثمل الإمام الكاظم (صلوات الله عليه) الذي عرف الرشيد وظلمه يقف الوقفة المشهودة في قبال الرشيد وعلى مرأى ومسمع من الملأ، ليجابه الرشيد لأنه أراد أن يزيف واحدة من حقائق الأمور، فتراه لا يتحمل زيف الرشيد في طبيعة سلامه على رسول الله (ع) بلفظة يا ابن العم، فينتفض الإمام (ع) ليصحح مسار الأمور، ورغم ذلك لا يبادر إلى تصحيح مسارات العقائد التي يدعي رجلنا أنه قد وضع من قبل الغلاة والوضّاعين؟!.

لا أعتقد أن ثمة مسلم يستطيع أن يتجرأ للتلفظ بمثل هذه الأمور فضلاً عن الاعتقاد بها، ولعمري إن هذا الأمر لربما ينهل من نفس المنهل الذي ورده أهل العامة فرأوا الرسول(ص) يشرّع لهم آداب التخلي، ويغفل عن التشريع لهم بمسائل الإمامة وأصول التشريع!!.

 

¯¯¯

 

 وفي هذه الطبعة ثمة أمور جديدة نشير إليها عبر النقاط التالية

أ ـ ما أشكل على البعض في شأن عدم تيسير الدليل العقلي للشارع الشعبي حاولنا جاهدين في هذه الطبعة أن نزيد لغة الإيضاح فيه بشكل يمكن معه أن نتلافى ما أشار إليه هؤلاء الأعزاء في هذا المجال.

ب ـ وقد وصلتني من أحد العلماء الأعلام مشكوراً بعض الملاحظات التي يمكن معها للكتاب أن يستوعب الكثير من تفصيلات مادة الموضوع، وإني إذ أعرب عن عظيم امتناني لتفضّله بذلك، إلا أنني لم ألتزم ببعض هذه الملاحظات لسبب جوهري، وهي أنها تمثل أبحاثاً عالية المضامين وجدية المحتوى، لم أجد أن وظيفة الكتاب الحالي بقادر على استيعابها.

ج ـ تمنّى أحد الأعلام مشكوراً أن أتحدث عن التوفيق بني الروايات المتعارضة بشأن علم الإمام (صلوات الله عليه) ورغم أن هذا البحث يحتاج إلى حيز يختلف عن حيز هذا الكتاب، إلا أننا تحدثنا عن بعضه بمقدار ما يتناسب مع علاقة موضوعة علم الإمام (عليه السلام) مع الولاية التكوينية، على أمل أن نخصّه ببحث مستقل.

د ـ هذا وقد لاحت لنا أفكار جديدة طرحها التيار التحريفي حاولنا استيعاب الرد عليها.

هذا وإني إذ أعرب عن شكري وإمتناني لجميع الذين ساهموا بنقد هذا الكتاب، وفي كل صور هذا النقد، أتمنى على الجميع أن يتابعوا نقدهم وتقويمهم لما قد أكون زللت فيه أو هفوت عنه، رغبة مخلصة مني للوصول إلى الأفضل.

وأخيراً أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا لعمل قربة خالصة له، وأن يجعله ذخراً لي ولوالدي يوم لا ينفع الإنسان إلا ما قدمت يداه، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم نعم المولى ونعم المعين. ولآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله الأمين وأهل بيته الغرّ الميامين وسلم تسليما كثيراً.

                                             جلال الدين علي الصغير

                          المهجر في 17/ صفر الخير 1419هـ

الجمهورية العربية السورية ـ دمشق

   السيدة زينب(ع) ص. ب 625


مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد المصطفى، وعلى الهداة الميامين من آله الطيبين الطاهرين.

شهدت الساحة العقائدية مؤخرا عودة الجدل إلى جملة من الأبحاث الفكرية التي لها سمة البنية الأساسية في الفكرة الإسلامي، وذلك على أكثر من صعيد، وكأن هذه العودة تأتي تلبية لمتطلبات الإيحاء الغربي لرجال الفكر الرامي لحثّ هؤلاء على التنقيب أولاً في العقائد المتداولة بعنوانها بديهيات أو مسلمات عقائدية ومحاولة اكتشاف حقيقة احتلالها لموقع البديهة في البناء الفكري وذلك تحت ما يسمى بـ (حفريات المعرفة). وهي متطلبات تعود إلى الرغبة في إيجاد جو من التشكيك بالمسلمات العقائدية، بصورة يمكن معها تمييع الإحساس بقدسية المقولة العقائدية، ومن ثم قتله، وهو أمر إن حصل فسيؤدي لا محالة إلى تهشيم هالة القدسية تجاه النص الإلهي أو تهميشها، لأن هذه العقائد تقوم على أساس فهم ولده النص الشرعي، وحيث إن هذه لم تصمد، فإن من البديهي عودة ذلك لما تستند إليه من مقدمات فكرية وعقلية.

ولو نظرنا إلى الأمور بصورة ثاقبة فإن من السهل علينا أن نلحظ أن المتطلبات الغربية هذه تحكي مهمة حضارية غربية ضخمة هدفها يرتبط بعوامل السيطرة على منابيع حركية الأمة، في وقت شهدت ـ ولا زالت ـ معادلات السياسة الغربية إزعاجات وتنغيصات كبرى كان سببها والوعي الحركي الإسلامي، وحيث لم يجدوا في الإجراءات الإرهابية من قتل وتدمير وقمع وما شاكل تأثيراً على حركية الأمة، بل ظلّت هذه الحركية تتوقّد أكثر، راحوا يستعيرون من دروس نهضتهم الحضارية درس التشكيك العقائدي الذي هزم الكنيسة الأوربية أما زحف البرجوازية الرأسمالية بفضل جهود بعض مفكّريهم حتى تمخض ذلك عن الشك بكل شيء وفق ما طرحته الفلسفة الأوروبية من خلال الفيلسوف عمانوئيل كانت، والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارات في مقولته الشهيرة: (أنا أشك إذن أنا موجود).

وحيث إن هذا الشك مكنهم من تدمير عقيدة شعوبهم، وبالتالي مكّنهم من إعادة صياغة عقولها، جاؤوا ليحاولوا إعادة التجربة مع هذه الأمة، مستعينين بطبقة من أبناء هذه الأمة ممن ترعرع في جامعاتهم واحتضنته رساميلهم وأبواقهم الإعلامية، فمنهم من راح يسعى بكل جدية لإعادة صياغة العقلية العربية والإسلامية[58] بحسب زعمه، ومنهم من راح يبذر مفاصل عزلة الأمة عن الإسلام[59] . . وهكذا.

لقد كان الغرض لدى هؤلاء جميعاً إضفاء ظلال من الشك في قلوب الناس وعقلوهم حول سلامة معتقداتهم، وزينت لهؤلاء فكرة التحديث في الفكر ، والإنعتاق من إسار الارتباط بالفكر القديم، مما استغفل طائفة من مثقفيهم وجرهم للوقوع في حبائل هذا المخطط، فُتحت اسم الأكاديمية وشروط البحث العلمي وضعوا لعقولهم مسارات تتحكم بها آليات منطقية غريبة عنّا، مما أضاع عليهم بصيرتهم، فجعلهم ينكرون هذه الفكرة، ويشككون بتلك، ومن ثم ليقودوا بخديعتهم هذه سلسلة من التأثيرات الفكرية على بعض من حمل جانباً من الثقافة الإسلامية، ليدخلوهم في داخل اللعبة، لأمر الذي بدأ ينشأ لنا تيارات تدخل في المسمى الإسلامي ، ولكنها تفترق في المحتوى العقائدي، لنحصل بالنتيجة على حصيلة غير مباركة من الأفكار والمعتقدات القائمة على مبدأ الشك أكثر من تسلّحها بالدليل أو البرهان . .

¯¯¯

 

ومن جملة هذه الأبحاث التي طالها الجدل مؤخراً، موضوع (الولاية التكوينية) ، الذي طُرح مؤخرا في أكثر من مجال، إثباتاً ونفياً، وتفاوتت فيها الآراء بين رأي مثبت يراها خصيصة لازمة من خصائص اللطف الإلهي يوليها إلى خاصة أوليائه، وبين نافٍ لها يعدها من مجعولات الغلاة على الفكر الإسلامي.

وقد كان البحث للأمس القريب بمعية الكثير من الأبحاث مورد تجاذب جدلي ما بين الفكر الملتزم بمدرسة أهل البيت(ع)، ومعه لفيف من علماء الفكر الإسلامي ممن لا ينتمون إلى هذه المدرسة، وما بين بعض الحشوية ومن ثم أنصار الوهابية بصورتيها القديمة والحديثة. ولهذا شهدت ساحة الجدل ما بين الفريقين ردوداً فكرية وأخرى مضادة لها وثالثة نافية للضد . . وهكذا دواليك.

وأظنني لا أكون مبالغاً إن قلت أن المعنيين بشؤون الفكر الإسلامي، ومنذ مطلع السبعينات حسبوا أن الحاجة لطرق موضوعات من هذا القبيل قد خف مرة لمدى الوضوح الفكري الذي بلغته، وأخرى لأن حجم الهجمة الثقافية والفكرية والسياسية المسلطة على الأمة، وما يفرضه ذلك من تحديات تواجه مستقبل الأمة وهويتها الحضارية، يستدعي التفرغ لإفرازات تلك الهجمة، لاسيما وأن الإسلاميين غدو اليوم أصحاب مؤسسات لها فاعليتها في الشأن الحياتي اليومي للأمة الإسلامية على شتى الأصعدة.[60]

إلا إننا شهدنا في الآونة الأخيرة عودة للبدء، وفي هذه العودة، تعرضت الكثير من متبنيات الفكر الإمامي لحملة تشويه وتشكيك، ولا غرو من القول بأن ذلك جاء منسجماً، بل وتلبية لما طرح ـ مؤخراً ـ في الكثير من الأدبيات السياسية الغربية من عدّ التشيع أحد أهمّ المخاطر التي تهدد المصالح الغربية، والتي ينبغي مواجهتها والتصدي لها، وليس من العسير ملاحظة جهد محمود يبذل من مدة من قبل بعض أدعياء الثقافة لترديد نفس تفاهات الأمس ولكن بمغلف يحمل مرة أسم الحداثة، وأخرى اسم لغيرة على الإسلام، ودواعي البحث الموضوعي.

وقد تميّز الغزو الثقافي هذه المرة بتجنيد أسماء شيعية ـ وإن كانت نكرة ـ للطعن بفكر الإمامية[61] حيث انبرت بوعي ومن دونه في خضم ذلك.

¯¯¯

 

وعلى خلاف رأي العديدين من رجالات الفكر الإسلامي الذين رأوا في ما طرحه هؤلاء محاولات خدش فكري لا تستلزم الرد لكونها لا تترك أثراً في الساحة الفكرية المعاصرة، أو لأنها ليست بذي قيمة، أعتقد أن المسائل العقائدية مهما بدت صغيرة يمكن لها أن تترك آثاراً جمّة في حياة الفرد الخاصة أو العامة، فموضوع مثل موضوع (الولاية التكوينية)، والتي قد يعتقد البعض أن لا مساس لها في الحياة العامة، نجد أنها تدخل في صلب العديد من الأمور الجوهرية للإنسان المسلم، فعلى هذه الموضوع ـ مثلاً ـ تتّكأ نظرية غيبة الإمام المنتظر المهدي (عج)، ومن دون مقولة الولاية التكوينية لا يمكن التحدث بهذه النظرية وفق التفكير الإسلامي الإمامي، ومعلوم أن هذه النظرية يبتنى عليها العديد من نظريات العمل السياسي والفقهي، وما إلى ذلك، لذا لا أعتقد أن من المبرر لهؤلاء أن يتهاونوا تجاه أي تشكيك في المسائل العقائدية، مهما بدا المشكك واهناً في الاسم أو العنوان.

¯¯¯

 

ويأتي هذا البحث وما سيعقبه ـ إن شاء الله ـ تلبية للحاجة المترتبة على الهجوم العقائدي المعلن على الفكر الإمامي.

وقد قسمنا الحديث فيه إلى عدة أبوب أساسية، تناول أولها: محاولة إيضاح المقصود بمفهوم الولاية التكوينية، فيما تكفّل الثاني: البحث في الأدلة التي نستفيد منها ثبوت مبدأ الولاية التكوينية، وقد قسمنا هنا الحديث إلى عدة محاور، أولها: خصصناه لدليل الإمكان العقلي الذي سنجد أنه يتيح للمرء الإمكانية العقلية والفلسفية اللازمة للقبول بمبدأ الولاية التكوينية، وثانيها: تكفل بتحدي الدليل القرآني الذي لا نجده يقف إلى الضد من هذا المبدأ كما وصفه أحد المعارضين له[62]، بل على العكس من ذلك يفيض بالحديث عن مبدأ هذه الولاية الممنوحة للأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وأكثر من ذلك نجد أن القران يتحدث عن إمكانية تمتع حتى الناس الذين لم يمنحوا درجة النبوة والرسالة بمقام الولاية التكوينية، كما في قصص آصف بن برخيا، والخضر، و(ذو القرنين(عليه اسلام)) ، وفي المحور الثالث حاولنا تلمس الدليل من السنة الشريفة في موثوقات الصدور وصحيحها.

ثم أفردنا الباب الثالث للحديث عن الشبهات والردود التي طرحت حول مبدأ الولاية . .

 

¯¯¯

 

إنني ومن خلال البحث أستطيع أن أقول أن مبدأ الولاية التكوينية، لا يمكن أن ينفك عن الإيمان به أي مسلم، فهو مبدأ قرآني ثابت، وهو يحتل في العقل الفكري والفلسفي الإسلامي درجة القطع، بل أن مسلمات العقيدة المحمدية في المعصومين من أنبياء وأئمة (على نبينا الأقدس، وآله الميامين، وعليهم جميعأً صلوات الله وسلامه) إن من أبسط حقوقهم الطبيعية في ممارسة مهامهم الرسالية هو أن يتمتعوا بخصائص الولاية التكوينية، وإن الذي ينكر هذا الحق إنما يعبّر عن عدم فهم لخصائص المعصوم (عليه السلام)، وجهل بدوره، وبطبيعة علاقته مع الرب المُرسل، والأمة المرسل إليها[63].!!!

أسأل الله أن يجعل هذا الجهد المتواضع بذلة في سبيله، وقربة لنبيه الأكرم وآله الطاهرين، فهو ما كان ليكون لولا الرغبة في الانتصار لهم وإعلاء لدينهم القويم، وصراطهم المستقيم . . إنه نعم المولى ونعم المستعان . .

كما وأتمنى على القارئ الكريم أن يتقبّل هفوات البحث ـ إن كان ثمة هفوات فيه ـ بعين الرضا، فعذري أنها غير مقصودة، والبحث أعد على عجل، ولم تتسنّ لمراجعة ما كُتب في هذا المجال من قبل من سبقني، فإن جاء البحث مُرضياً فللّه المنّة وله الفضل، وإن كان ثمّة ما لا يبعث على الرضا، فعذري أن لم أتقصد ذلك، وما غايتي فيه غير أن أكون معذوراً أني لم أتقصد ذلك، وما غايتي فيه غير أن أكون معذوراً أمام الله ولنبيه (ص) ولآل بيت النبي (ص) حينما رأيت بعضاً من شؤون الدين عرضة لتلاعب المغرضين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

جلال الدين علي الصغير

دمشق 25/ محرم الحرام/1418هـ

حزيران 1997

 

الإهداء

إلى خاتمة المعصومين ومنار الهدى في بحر الظلمات، وأمل المستضعفين والمحرومين في زمن الطواغيت . . . بضاعة مزجاة بين يديك الطاهرتين . . يا بقية الله وحجته، يا قائم آل محمد الإمام المهدي المنظر عجل الله فرجه الشريف.

 

تصدير

مقتضيات البحث والحوار العلمي

في البدء لا بد من أن أشير إلى أنّ هذا البحث هو في الأصل سلسلة من المحاضرات كنت قد ألقيتها في فضاءات عامة[64]، أو أنها ألقيت على مجموعة من طلبة العلوم الدينية، وقد رافقت المحاضرات سلسلة من ردود الفعل السلبية التي اتسم البعض منها ـ وللأسف الشديد ـ بالشتائم وأسلوب الاتهامات التي لا علاقة لها بالفكر، وكان الغرض من هذه الردود في الأعم الأغلب أن أتخلى عن الرد على موجة التشكيك  التي طالت بعض أطراف الساحة الفكرية، مرة لأن الردود كالت بعض المقامات التي كان لها هيمنة على بعض هذه الساحة، وأخرى لأنها فهمت كمواجهة سياسة  مع طرف سياسي زجّ نفسه في متاهات التشكيك ـ وكان حرياً  به ألاّ يفعل ـ ، هذا فضلا عن الجهد المحموم الذي بذله الطرف الذي تصدت المحاضرات للرد عليه وسعت إلى تفنيد شبهاته.

ولا أنوي هنا الدخول في تفسير نوايا أصحاب هذه الردود فهو ليس من شأني، ولا يهمني في ذلك إن كانت تنطلق من نوايا حسنة أو خلافها، ولكن ما يهمني هو أن أشير إلى جملة من القواعد التي افترض أنها بديهيات في قواعد البحث والحوار العلمي، حيث أجد أن تلك الردود قد خالفتها وشذّت عنها إلى حد بعيد.

 ومن جملة هذه القواعد أذكر ما يلي:

أ ـ  إن البحث العلمي ـ أي بحث كان ـ لا يعتمد ـ قوة أو ضعفاً ـ ما لم يكن معصوماً ـ مهما كان المقام سامقاً، فدليل قوة البحث هو سلامة المقدمات العلمية وقوة الأدلة والبراهين المقدمة للتدليل على فكرة ما، كائناً من كان قائلها، ويستتبع ذلك أن الكثرة العددية المحشورة وراء قبول فكرة ما، لا تدخل في دلائل سلامة الفكرة، إلا أن تكون هذه الكثرة تقف على أدلة فكرية ومنطقية مقبولة، فتكون بمثابة الداعم المعنوي للفكرة لا أكثر؛ فأن يكون أكثر من نصف العالم  المعاصرة الآن لا يعترف بحقّانية الإسلام، فليس ذلك بدليل على عدم أهلية الإسلام لقيادة الركب العالمي نحو برّ الأمان، وقد علّمنا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن لا نتهيّب طريق الحق إن قلّ من يسلكه بقوله: لا تستوحشن طريق الحق وإن قلّ سالكوه.

ب ـ إن التشكيك بأي فكرة أو عقيدة  هو من أسهل الأمور الفكرية، وإن قدرة شخص ما على حشر عدد كبير من التشكيكات ليس دليلاً على علميته، وبالتالي ليس دليلاً على وهن الفكرة المشكك بها، والعبرة في ذلك تبقى دوماً في قدرة التشكيك على نقض الفكرة منطقياً، فمن السهولة بمكان أن تشكك بفكرة وجود الله، وأن تحشر بين يدي عملية التشكيك هذه مجموعة من أشباه الأفكار، ولكن من المتفق عليه علمياً أن ذلك لا قيمة له في قبال عدم تمكّن عملية التشكيك هذه في نقض الدليل الفكري المقدم لإثبات فكرة وجود الله.

ويتحول موقف التشكيك مريباً، بحيث قد يخرجه في بعض الأحيان من دارة الفكر، إلى دوائر مشبوهة، إن اتّسم بصفتين: ـ

الأولى: أن تطرح الفكرة التشكيكية لغرض التشكيك فحسب، مجردة عن أي بديل أو دليل فكري بالمقابل، كما فعل أحدهم حينما قال أن جميع الأدلة التي جاء بها العلماء القدامى حول العصمة لا تقوى على رد النقد المعاصر الموجه إلى فكرة العصمة، دون أن يسمعنا من جهة ما هو النقد المعاصرة لهذه الفكرة، ولا يعرّفنا على مكانات عيّ أدلة العلماء القدامى عن ردّ النقد المعاصر، هذا فضلاً عن أن يأتي هو بدليل يفنّد فهي النقد المعاصرة المزعوم، وكل ذلك في محاضرة عامة أذيعت عبر جهاز الراديو.[65]

الثانية: أن المشكك يستخدم في سبيل الترويج لتشكيكه أساليب بعيدة عن منطقية العملية الفكرية، فمن المعروف أن منطقية أي فكرة تعتمد إما على طريقة الإستقراء أو على طريقة الإستنباط في استخراج البرهان الفكري، مما يعني أننا لو آمنا بمبدأ عام، فإن من البديهي الحدود التي يحددها هذا المبدأ، والعكس صحيح أيضاً، فلو جمعنا تفاصيل شتى ووجدنا أنها مجموعة ضمن إطار يقودنا إلى مبدأ كلي، فمن الواجب عندئذ أن يكون إيماننا بهذه التفاصيل طريقنا للإيمان بذلك المبدأ، ولكن حينما نجد عملية تشكيكية تناقض طريقي الاستقراء والاستنباط في تجميع وتفكيك المفردات الفكرية ، ويكون همها أن توقعك بالشك، عندئذ هي إما أن تخبرك بشكل مباشر أنها لا تؤمن بما تعلن الإيمان به، أو أن قصدها هو تخريب التركيبة الفكرية التي تعتمدها الأمة، كما نجد في محاولة البعض في التحدث عن موضوعات فكرية( كفكرة العصمة)[66] مستعيناً بمشارب فكرية متعددة منها ما ينقض العصمة، ومنها ما يثبتها جزءاً أو كلاً، وذلك في الحديث عن تفصيلاتها، فمثل هذا الشخص إما أن يريد أن يقول لك أنه لا يؤمن بالعصمة مطلقاً، ويحاول عبر هذا التضبيب الفكري أن يمهّد لجرأته في إعلان عدم إيمانه، أو أن لديه غرضاً يتعدى مسألة القبول والرد لهذه الفكرة إلى ما شاء الله من الاحتمالات المريبة.

 وتزداد  درجة هذه الريبة عنفواناً إذا كان طريق التشكيك يعتمد أسلوب الكذب والتمويه والمماطلة الفكريين والتعامل الإرهابي مع الطرف المقابل كما هو الأمر الحاصل بالفعل مع ما كنا نسميه بتيار المشككة!.[67]

ولهذا فمن الحريّ أننا حينما نستمع إلى تشكيك ما بفكرة هي موجودة بالأساس أن نتفحص قدراتها الفكرية والمنطقية في التفاضل على ما سبقها من أفكار، كائناً نم كان قائلها، لأن التشكيك ألحق أساساً بفكرة كانت تحظى بالقبول سابقاً، ومن دون أن تدعم عملية الشك هذه البراهين الكافية على سلامتها، فإن محض التشكيك لا يعني نبذ الفكرة المشكك بها.

 ج ـ إن أسلوب الشتائم و الاتهام غريب كل الغرابة عن أسلوب البحث العلمي، هذا فضلاً عن مخالفته لبديهيات الأخلاق الإسلامية، والمطلوب دائماً هو مقارعة الحجة بالحجة والفكر بالفكر، أما مواجهة الفكرة بالتشهير فهو عنوان للعيّ والعجز تكتشف معه هوية الفكر.

د ـ إن طبية الأمانة العلمية في التعامل مع الأمة نقتضي أن يخوض المشكك بأي فكرة حواراً متكافئاً معها، بمعنى إنني حينما أريد أن أخوض بفكرة خلاف ما هو متسالم لدى الناس، فإن من المنطق بمكان أن أخوض بها في وسط متخصص جدير بمناقشة الفكرة، أما أن أطرح هذه الفكرة في فضاءات عامة غير مزودة بآليات موضوعية للحوار[68] وعبر وسائل الاتصال الجمعية، بعنوانها من المسلمات الفكرية، فإن هذا الأمر ينطوي على خداع وتغرير بعقل الناس[69]، ويكون مثل من لديه ثقافة بسيطة في الطب حينما يتحدث به وسط الفلاحين، فما من ريب سوف يتصور هؤلاء أنه لو تحدث بذلك وسط أهل الخبرة في هذا المجال فإنهم وحدهم الذين سيعرفون مدى ضحالة  الخبرة الطبية لدى هذا الذي عدّه الفلاحون نابغة فيه!!.

ومشكلة ثقافة التشكيك أنها أول ما طرحت، طرحت في فضاءات اجتماعية مفتوحة عبر المحاضرات العامة والراديو والتلفزيون والصحف والمجلات والكتب العامة، مستغلة بعض الوجوه التي لها سيماء الجاذبية الروحية الظاهرية، فكان أن قدم لها ثقافة قيل لها أنها ثقافة أهل البيت (عليه السلام) ، فيما كان الواقع يقف خلاف ذلك، وحينما يكون الأمر كذلك، فإن من البداهة أن يأتي دور أصحاب الفكر والتخصص العقائدي ليكشفوا عمق الخلل الكامن في ذلك، ومن المفارقات الطريفة هنا أن أهل الفكر هؤلاء بمجرد أن انطلقوا بعملية الرد حتى طولبوا بأن لا يطرحوا ذلك على الجمهور والاكتفاء بحوار الجدران الأربعة المغلقة!! بعد أن كان هؤلاء يطالبون تيار التحريف بضرورة اقتصار الطروحات التي تناقش المسلمات العقائدية في منديات متخصصة وتجنيب الشارع الشعبي نقاشات لا يستطيع أن يبتّ بها موضوعياً، لعدم إمتلاكه الأدوات التي تمكنه من خوض حوار مسؤول، فكان رد هذا التيار المتّسم بالتقريع بأنكم لا تحترمون عقل الأمة، فدعوها تتعرف على الأمور وتحكم بنفسها.

وبقدر ما تبدو الفكرة برّاقة، فإنها تنطوي على خداع مفضوح، وهو يعرب عن غاياته من خلال أن تسمع هذه الأمة ـ التي يكثر الناطقون المزيفون باسمها ـ من خلال تيار التحريف فقط، أما أن ينبري لمناقشة أفكار التحريف والتضليل، فهو ممنوع بحجة حفظ وحدة الأمة!!.

إن من المسلم به أن البحث العلمي كلما انحصر في دائرته التخصصية كلما آتى ثماره، ففي هذه الدوائر لا محذور من بحث أي شيء مهما رقى  في جردة القداسة الفكرية، ولكن الخطاب إن كان جماهيريا فإن من الأمانة  أن يرعى هذا الخطاب الكثير من الحدود التي من شأنها أن تضبط حركية هذه الجماهير وطبيعة تفاعلها مع العقيدة، إذ من شأن هذا الخطاب أن يتعامل مع آمال وآلام وطموحات الناس أو قُل بالبعد الوجداني لهم، وأي تفعل غير مسؤول لهذا البعد، يمكن أن يترك من الآثار الخطيرة ما يصعب توقع فداحته، ولهذا حينما انطلقت ثقافة التشكيك وهي تتنكر لهذه المسلمة الفكرية والاجتماعية، ومن ثم لتلقي بكلكلها  على عاتق عقيدة الأمة عبر وسائل الاتصال الجمعية متدرّعة بإمكانيات مالية ضخمة،[70] فإن من الضرورة  بمكان أن يتحول الحديث من غرف المتخصصين المغلقة إلى الدائرة الجماهيرية المفتوحة، لأن ذلك يشبه إلى حد بعيد بسريان المرض المعدي خارج دائرة المراقبة، الأمر الذي يجب فيه عدم الإكتفاء بهذه المنطقة، فالمسائل العقائدية لها هذه الطبيعة وأبحاثها  لها صفة الانتشار السريع الأمر الذي يجب فيه معها مواجهة تيارات الانحراف والتشكيك، وعدم التغاضي عن مخاطرها، لا سيما تلك التي قد تتخذ طريق الخداع التغرير بعيداً عن معايير البحث الموضوعي المجرد.

هـ ـ إن مناقشة فكرة كان لا ينبغي أن يفهم على أساس أنه تجريح أو تشهير بشخصية صاحب هذه الفكرة بالغاً من بلغ صاحبها ما لم يكُ معصوماً، بالفكرة متى ما انطلقت من فم قائلها أصبحت صالحة للقبول والرد من قبل الآخر الذي سمعها، ولكما ألقيت هذه الفكرة على مساحة اجتماعية أوسع لكما غدت عرضة أكثر للنقاش على أساس الرد والقبول، ولهذا فما من حق لأحد أن يطرح فكراً، حتى إذا ما جوبه بالرد والنقد، راح يتباكى ومن ثم ليكيل التهم لمنتقديه[71]،  إن واقع الحال يكشف أن التباكي لا يعبر عن شيء من المظلمية بقدر ما يعبر عن جهل المتباكي ، أو عيه عن رد النقد، بنقد فكري مماثل، هذا إذا لم نقل أن التباكي قد يخفي وراءه غاية تتعدى الفكر إلى عوالم السياسة والاجتماع، فالمسالة الفكرية أياً كانت قدسيتها، فهي لا تحتاج إلى تباكي واتهامات، ,إنما تحتاج إلى رد فكري مماثل.

على أننا لا نعرف طريقاً لتضليل وعي الأمة وقتل حركيتها  الفكرية، مثل طريق عدم القبول بنقد الفكر، وإحالة عقل الأمة إلى الجمود، لأن فلاناً أو فلاناً من أصحاب الأسماء الرنانة قد قالوا كلمتهم في هذا المجال أو ذاك، لأن في ذلك إغلاق لأبواب الفكر والمعرفة، وقد اعتاد علماؤنا الأعلام (أعلى الله مقاماتهم) على عدم التحرج من نقد غيرهم مع مراعاة عدم خروج النقد عن دائرة اللياقة والأمانة الاجتماعيتين.

و ـ  إن الحوار العلمي هو الحوار المبني على تحلي طرفي بشجاعة تبني آرائهم، حتى يعرف كل طرف موضوع الحوار، أما أن تطالب بالحوار ويأتيك من يتحدث معك على طريقة (قلت ولم أقل) أو بالتعبير الدارج يتكلم بابن عم الكلام! فهو خداع يحاول أن يقتنص منك إعترافاً بقضية لم تعترف بها، فالذي يتحدث في مكان عن قضية وفي مكان آخر عن  خلافها، على ماذا ستحاوره، هل تحاوره على إثباته أم تحاوره على نفيه، أو الذي يتحدث عن قضية مطلقة حتى إذا ما جابهته  بالنقد والاعتراض قال لك أني أتحدث عن قضية مقيدة، كما فعل البعض في مواضع كثيرة، فمثلاً في مكان قال: أن حديث الكساء ضعيف السند[72]، وحينما تحدثت عن قوة الحديث سنداً ومتناً قال إنه لم يقصد حديث الكساء العام، وإنما قصد حديث الكساء المنشور في كتب مفاتيح الجنان!! وأمثال ذلك كثير.[73]

زـ  إن علمية التشكيك حتى لو تمت بحجج تبدو برّاقة كإدعاء الرغبة في التجديد والتطور وما إلى ذلك من مصطلحات قد تستوي البعض، خصوصاً أولئك الذين يعانون أكثر من وطأة الحضارة الغربي ومفاهيمها، فإن ذلك لا يخرجها  من حاجتها إلى المستند الفكري الذين يعرب عن صلاحيتها وسلامتها، أما مسالة التجديد تحت وطأة الفعل الحضاري الغربي، فغن دين الله وأفكاره لا ينساق وراء ضغوط أعدائه، لكي يرضخ هنا ويخضع هناك، فإن كان الغرب لا  يخجل من أفعاله وأفكاره وعاداته وتراثه الفلكلوري وأمثال ذلك وهي في عمومها الغالب مما يندى له جبين العالم خجلاً واشمئزازاً، فأي مبرر يدعونا إلى أن نسايرهم في عدم الخجل من أفعالهم والخجل من أفكارنا وتراثنا وعاداتنا؟.

قد يكون الغرب بتلك العادات والتقاليد أشاد له نمطاً حضارياً عزّزه بتقدم تقني هائل، ولكن هذا لا يمنع من أن يبقى هذا النمط مداناً في أفكاره وأخلاقياته حول طرق جمع الثروة التي أدت إلى ذاك التقدم التقني، وما أصابنا  من تخلف وتقهقر قُبال حضارة الغرب لا يعني لنا أن نتنكّر عن معاييرنا الفكرية، فهذه المعايير هي هويتنا التي نحيى بها ونموت من أجلها، إننا قهرنا تقنياً في البداية، وجاء الغرب ليقنعنا بالهزيمة النفسية التي تبيح لنا الهزيمة الفكرية.

 إننا أعداء الخطأ أينما كان، وقد حبانا الله بدينه ودين رسوله وآله الميامين لكي نسير بعيداً عن الخطأ ، ولهذا فإننا إن وجدنا أفكارنا متطابقة مع ما تعلمناه من هذا الدين أعتبرناه منهاجاً فكرياً وروحياً وسلوكياً نتعبد به ، وإن وجدنا يتنكّر لأي شيء من ذلك تنكرنا له كائناً من كان قائله ومهما متّ إلينا بصلة: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبآءهم  أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوب الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}.[74]


الباب الأول

ما هي الولاية التكوينية؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 قبل أن نتطرق إلى دلائل ثبوت الولاية التكوينية، لابد لنا من أن نحدد وبدقة المقصود من الكلمة مصطلحاً ومفهوماً، ولابد في البدء من الإشارة إلى أننا لسنا في قبالة نص شرعي يحدد الإسم، وإنما جاء الاسم، وإنما جاء الاسم ليشير ـ وبإشارة موفقة ـ إلى مفهوم شرعي تضمنته العديد من النصوص الشرعية، وبكلمة أخرى أن اسم الولاية التكوينية لم يرد لا في آية قرآنية ولا في سنة شريفة، فالنص الريف يخلو من هذه التسمية، ولكن هذه التسمية استخدمت في وقت متأخر لتشير إلى مفهوم تداولته العديد من الآيات القرآنية، والنصوص الشريفة، وبقدر عدم أهمية الاهتمام بمن وضع هذه التسمية من علماء الكلام من علمائنا الأبرار ـ قدّس الله أنوارهم ـ إلا أننا نجد أن من الحق الإشارة إلى أن من وشع التسمية قد وفّق  أيما توفيق في الوصف  الدقيق للمفهوم، وهو ما سيتضح لنا بعد قليل إن شاء الله تعالى.

¯¯¯

 

نستفيد من معاجم اللغة وجود عدة معان تنطوي عليها كلمة (الوليّ)، وهي بشكل مجمل تدلّنا على المعاني التالية:

الله الوَليُّ: أي المتولّي لأمور العالم والخلائق القائم بها، والوَاليّ، مالك الأشياء جميعها المتصرف  فيها. ونُقل عن ابن الأثير قوله: أن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل.

والوَليُّ: من يلي أمر الشيء ويقوم على كفايته.

ورجل أولى من رجل بأمر أجدر منه وأحق به وأحرى.

والوَليُّ والمولى: الوريث.

والوَلاية: السلطة على الشيء، وفلان وَليَ فلان أي تسلط عليه وتمكن منه تغلّب عليه.

والشيء يلي الشيء فهما متواليان: أي متعاقبان ومتتابعان ، يشير أحدهما خلف الآخر يتبعه ويليه.

والمولى: الدنو والقرب.[75]

ويمكن جمع هذه المعاني في التمكن من الشيء والتسلط عليه، ولأن السلطة على الشيء تعني القدرة على كفاية أمره، وأن تتسلط على شيء ويكون أمره بين يديك، فهو تابع لك ويعقبك، ولهذا فهو دائماً قريب منك ودانٍ إليك.

¯¯¯

 

 وباعتبار أن الفعل الكوني ـ في وجه من وجوهه ـ هو تعبير عن إفرازات مبدأ العلية وإطّراد قانون العلة والمعلول  في عموم الظاهرة الكونية.

لذا فإن  الوَلاية التكوينية تعني القدرة على التسلّط  على الظاهر الكونية، من خلال آلية يفترض أن تتفاعل مع مكونات الفعل  التكويني إن على نحو التسلّط عليها، كما يتسلّط الدواء على الداء، وإن على نحو التقرّب من مصدره.

وباعتبار أن أحد مكونات الفعل التكويني وهو مبدأ ، من المبادئ التي يمكن اختراقها ـ كما سيتبين لنا ـ فهو بطبيعته إذن قابل فلسفياً لأن يكون خاضعاً لمن لديه القدرة على إخضاعه، وإلى هذا الأمر يتوجه أمر الولاية التكوينية التي تتم عبر التسلّط على مادة هذا المبدأ، فمن له الولاية التكوينية يمارس هذه الولاية من خلال تمتعه بقدرة مفترضة على اختراق نظام العلية، لكونه ـ أي هذا النظام ـ قابلاً للاختراق.

ولكن وبسبب أن المكوّن الثاني للفعل الكوني،  ـ وهو الإرادة الإلهية المباشرة ـ غير قابل للاختراق كما عبّر عن ذلك النص الشريف: (إنما  أمره إذا أراد شيئاً أن يقوله له كن فيكون) [يس/82]، لذا فإن آلية الولاية هنا مستحيلةـ فلسفياً ـ من خلال التسلّط، ولكنها قابلة وممكنة من خلال التقرب من مصدر هذا المكوّن، واستحصال القدرة على ممارسة الولاية منه، وهو ما عبّرت عنه نصوص كثيرة كما في قوله تعالى وهو يخاطب النبي عيسى (عليه السلام): (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذن تخرج الموتى بإذني) [المائدة/ 110] ، فهنا يشير النص الشريف إلى وجود قدرة لدى عيسى (ع) على ممارسة الولاية التكوينية، وهذه القدرة حسب ما يشير الآية السياق قدرة فعلية، وأن إذن الله هنا ليس إذنا إنشائياً، بمعنى أنه ليس إذناً جبرياً  يمنح في كل مرة يريد عيسى أن يمارس الولاية وفق ما أشارت إليه الآية الكريمة، وفق معادلة لعل ما جاء في الحديث القدسي الشريف يفصح عن أسرارها: (عبدي أطعني تكن مثل تقل للشيء كن فيكون).  وأمثال ذلك كثير،  وكلها تشير إلى وجود عناية إلهية خاصة بشخص ما تؤهله للتمتع بالولاية على الفعل الكوني، وأن هذه العناية  بشكل عام تنشأ من قرب هذا الإنسان من معدن القدرة الإلهية المقدسة.

 وبناء عليه يتضح لنا المقصود بمفهوم الولاية التكوينية، وقد أضحى هذا المفهوم ـ ضيقاً واتساعاً ـ مورد تجاذب ما بين من تطرّق إليها وبين خط مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كما بين لاحظنا من قبل، وسنعالج في البحث القادم الإمكانية العقلية لحدوث مثل هذا النمط من التفاعل مع الظاهرة الكونية ـ صغرت أم كبرت ـ أو لا. وعلى الله الاتّكال. .    

الباب الثاني

أدلة ثبوت

الولاية التكوينية

إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أنّ لأئِمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.

الإمام الخميني (قدس سره)

في إثبات وجود الولاية التكوينية يقع الكلام في مقامين أولهما في إمكان ذلك عقلاً، والآخر في تحقق ذلك الإمكان فليس كل ممكناً قد تحقق، وهنا لدينا العديد من الأدلة، وسنتحدث هنا عن ثلاثة منها هي دليل الإمكان العقلي والذي بموجبه سنحاول التوصل إلى أن نظام العلية ومفرداته ليس بتلك الصرامة بحيث أنه لا يمكن اختراقه، وليس هو الوحيد في تفسير الفعل الكوني، وسيعقب الحديث عن الدليل العقلي الدليل القرآني، وقد آخّرناه عن دليل الإمكان العقلي، ليكون الأول ممهّداً لفهم الثاني لدى القراء الذين آخذ منهم الفكر المادّي مأخذه بحيث إنهم بدءوا يستغربون إمكانية اختراق المادة من قبل عوامل خارجة عن عالمها، أما بالنسبة لمن لم يأخذ العالم المادي بريقه لديه، فإن عسر عليه فهم الدليل الأول فإن الدليل الثاني والثالث ـ وهو الدليل الروائي ـ سيعيناه على فهمه، أو أنهما سيكفيانه بأمر وجود هذا النمط من الولاية، والدليل الثالث سنخصصه للدليل الروائي فيما صحّ صدوره من قبل المعصوم (عليه السلام) ضمن منهج التشدد السندي، ليس لأن الأحاديث التي لا يقبلها هذا المنهج غير صحيحة الصدور، وإنما لأن هذا المنهج يمثل الحالة الصارمة التي لا تقف بعدها حالة في تمحيص الأحاديث وجرح وتعديل رجال أسانيدها، وفي كل هذه الأدلة سنستعين بنماذج نقدمها للتمثيل فحسب وليس على مستوى الحصر والاستقصاء، وبالله نستعين على أمرنا كله، والحمد لله رب العالمين.

 

أولا: دليل الإمكان العقلي

في البداية ستكون مهمتنا البحث في الإمكان الفلسفي والعقلي لعملية التحكم والهيمنة على مبدأ العلة والمعلول والسبب والمسبب، إذ يتيح لنا إثبات اطراد هذا الإمكان في حيز معين تعميمه على كل الساحة الكونية، فوجود هذا الإمكان يعني وجود القابل،[76] وما قَبِلَهُ شيء، قَبِلَه ما يناظره، ويمكننا أن نقوم بعملية البحث هذه من خلال تحليل الآلية التي يسير وفقها مبدأ العلة والمعلول، ومحأولة التعرف على ما إذا كان من الممكن تحقيق اختراق لمسارات هذا المبدأ أو لا، إذ أن إثبات حصول ذلك، يمكّننا من القول بأن امتلاك سلطة ما ـ وهي السلطة التي بموجبها حصل الاختراق الذي نتحدث عنه ـ يتيح للإنسان أن يتحكم بهذا المبدأ، ويهيمن عليه.

 

¯¯¯

 

الفعل ـ أي فعل ـ لا يأتي من لا شيء، ولا يبرز إلى الوجود بصورة عبثية، وإنما هو مرتبط بمادة هي مصدر وجوده، ولو أردنا أن نحلّل هذا الفعل سنجد أنه يأخذ صورته الفعلية في الظاهرة الاجتماعية، والظاهرة الكونية ـ وفق التصوير القرآني ـ عبر آليتين:

الأولى: هي صورة العلية القائمة على أساس أن الفعل يبرز إلى الوجود ويتحرك فيه عبر نظام من العلل المترابطة التي تتسبب بوجوده.

وعلى الرغم من أن الحديث القرآني يطفح بالحديث عن إرجاع أصل هذه العلل إلى الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى في خصوص الظاهرة الاجتماعية: (ولا تقولنّ لشاء إنّي فاعل ذلك غداً ¯ إلا أن يشاء الله)[77]، وقوله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى)[78]، وكذا ما تحدثت عنه الآيات الشريفة في اتساق الظاهرة الفيزيقية ـ الطبيعية ـ ضمن سياق مبدأ العلية واطراد هذا المبدأ على كل المجالات كما في قوله تبارك وتعالى: (وآية لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون ¯ والشمس  تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم ¯ والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم ¯  لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكل في فلك يسبحون)[79].

إلا أن هذا الحديث ينبأ أيضاّ بأن الله قد أولى الإنسان ـ كنموذج ـ نمطاً من الولاية على هذا الفعل، بحيث يمكن معه أن يقال بأن شيئاً من اختيار صورة هذا الفعل قد جُعل ما بين يدي هذا الإنسان، وتحت سيطرته، وهذه الولاية مُنحت إلى (الإنسان ـ الفرد) كما أشار إلى ذلك النص الشريف: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) [الإنسان/3]، وكذا إلى (الإنسان ـ الجماعة) وهو ما أفصح عنه قوله تبارك وتعالى: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)[80].

 كل ذلك من دون أن تتخلى الإرادة الإلهية عن قدراتها الأزلية[81] في الحد من هذه الولاية متى ما اقتضت المصالح الإلهية ذلك، وفق المبدأ القرآني: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)[82].

وعلى هذا المقدار من الولاية تعلق الحساب الإلهي في صورتي الثواب والعقاب الفردي والجماعي، سواء كان هذا الحساب يأخذ بُعده الدنيوي؛ إن في وراثة الأرض وإعمارها وهو ما يتبدّى واضحاً في الآية القرآنية الكريمة: (وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً)[83]، وإن في الهلال والدمار فيها كما أشارت إليه الآية الكريمة: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمّرناها تدميراً)[84]. أو بُعده  الأخروي المتمثل بنعيم الجنة وعذاب النار، وفق ما عبّرت عنه الآيتان الشريفتان: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً¯  اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)[85]، وكذا قوله تبارك وتعالى: (وترى كل أمة جاثيةً كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ¯  هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ إنّا كنّا  نستنسخ ما كنتم تعملون)[86].

وهذه الصّورة من الاختيار كما نجدها في الإنسان نجدها في الجّن أيضاً باعتبارهم النموذج المختار الثاني الذي يحدّثنا عنه القرآن الكريم.

والثانية: هي صورة الفعل المسير بفعل الكينونة الإلهية المباشرة المبتني على أساس سلطة الله ـ جلّ شأنه ـ على مخلوقاته، والقرآن المجيد يطفح بالآيات الكريمة التي تشير إلى ذلك، بصورة توهّم معها أهل الكلام في المدرسة الجبرية بأن هذا المبدأ هو الأول والأخير في حركة الفعل الإنساني، ولا أجد ضرورة لذكر الشاهد القرآني هنا للكثرة القرآنية في هذا المجال من جهة، ولأن جهة لها قدرة خلق مثل هذا العالم، لهي أقدر على تصريف شؤونه كيفما شاءت وأنّى أرادت، من جهة ثانية.

 

¯¯¯

 

ولا نحتاج إلى كثير جهد لمعرفة أن مبدأ القدرة الإلهية له هيمنة وتسلط على مبدأ العلة والمعلول، مما ينفي عن مبدأ العلة والمعلول صفة الأزلية،[87] الأمر الذي يجعل هذا المبدأ قابلاً لكل مواصفات ممكن الوجود في كونه قابل للاختراق،[88] ومحض أن يكون قابلاً للاختراق يفترض وجود المخترق، ولا إشكال في أن القدرة الإلهية هي المهيمنة على ذلك، ولكننا نلحظ أن هذه القدرة حينما منحت الإنسان نمطاً  من أنماط الولاية على فعله بحيث يمكنه أن يخرج من إسار بعض مسارات العلل ليختار مسارات أخرى، كما نراه حينما يختار جانب الحركة على الجاذبية، والخصوبة على جانب الجدب، والسرور على الحزن، والعافية على البلاء.. وما إلى ذلك، فإن من الطبيعي جداً أن نقول بأن هذا الإنسان ـ أي إنسان ـ بما منح أساساً من ولاية  وهيمنة على بعض الأشياء، فإنه قد منح أساساً ولاية طبيعية على اختراق عمودي[89] لنظام العلة والمعلول، أي أنه   يمتلك القدرة على تغليب بعض روابط العلل على بعضها الآخر لينتخب ما يناسبه من ظاهر كونية، وهذا الأمر يكون في العادة قبل بدء تفاعلات العليّة، فمن يريد أن يحصل على مادة كيميأوية معينة ككلوريد الصوديوم (الملح) مثلاً يمكنه أن يجمع ما بين مادتي الكلور والصوديوم في ظروف حرارية معينة فتنتج له ملحاً، غير أن هذا الإنسان حتى وإن وضع أمامه المادتين عينهما، ولكنه رغب في الاستفادة من المادتين لأغراض الحصول على مادة أخرى غير الملح فيجمع الصوديوم مثلا مع الكربون والأوكسجين ليستخرج منها مادة أوكسيد الصوديوم مثلا، أو يجمع ما بين الأوكسجين والهيدروجين مع مادة الكلور ليحصل في ظروف كهربائية معينة على مادة الكلور ليحصل في ظروف كهربائية معينة على مادة حامض الهيدروليك، كما ويمكنه أن يتدخل في معادلات العلية حتى أثناء تفاعل العلة والمعلول ليستحصل معلولاً آخر كما لو قام بجمع الكلور مع الصوديوم وأثناء تفاعلهما ادخل معهما عنصرا ثالثا كالكاليسيوم، عندئذ يمكننا أن نشاهد مادة أخرى هي نتاج المادتين أثناء تفاعلهما العلي مع دخول عنصر جديد عليهما، لينتج معلولا جديداً.

إن هذا الأمر يبين لنا عدم حديدية مبدأ العلية في اتجاهه العمودي التراتبي،[90] وقابلية اختراقه من جهة، ويبين لنا من جهة أخرى مصداقية المبدأ الفلسفي المعروف: (إن كل شيء هو كل شيء) بمعنى أننا شاهدنا قدرة الإنسان على الانتخاب ما بين مواد العلل، وهذه القدرة كلما زادت كلما أتاحت للانسان قدرة أكبر على الحصول على معاليل إضافية، غير إن هذه القدرة تحكي في جانب آخر قدرة التحكم في نتاج أي مادة طالما اقتربنا من علتها الأولى، الامر الذي يعني أن الإنسان قادر ـ كلما اقترب من المعدن الأصلي للأشياء ـ أن يبرز أي مادة، فلو قدرنا أننا دخلنا مختبراً كيميأوياً يحتوي شتى المواد الكيميأوية، فإن من الطبيعي بمكان أن نتصور خياراتنا الموسعة في انتخاب أي شيء تتيحه هذه المواد، وكلما اتسعت مقدراتنا المعرفية عن خصائص هذه الأشياء وميزاتها، كلما توسعت لدينا قدرة الانتخاب. ولو افترضنا قدرة علمية وتقنية أكبر من لك، فهذا الأمر هو الآخر في معرض الاطراد،[91] وهذا هو القانون الإلهي المستخلص من معادلة الخلق،وكيف أن كل هذه المخلوقات كانت نتاج علّة أولى، إذ بالقرب منها يغدو كل شيء قابل لأن يكون أي شيء.

بعد هذا الاستطراد، نضع أمامنا هذا الافتراض العلمي، وهو: إذا ما كانت عملية اختراق نظام العليّة ـ بالصورة التي عرضنا لها ـ جائزة علمياً وفلسفياً في أشياء محددة من الظاهر الكونية نتيجة تسليط علّة أكبر تجعل النظام ينحاز إلى المعادلة الأقوى، فهل يا ترى يمكن للانسان دائما أن يتحكم بمعادلات العلة والمعلول؟.

إن الإجابة المنطقية هي الإيجاب لأن حصول شيء ما، نتيجة أي ظرف كان، يجعل هذه الشيء في حدود الإمكان، وطالما أن الإمكان الفلسفي مسافته بين الوجود والعدم متسأوية[92]، لذا فإن قدرة الإنسان البسيطة على الاختراق، يمكن أن تخرج من طور البساطة، إلى طور الاتساع، لأنه بمجرد ما كان قادراً على اختراق ما، فانه يمكن أن يطوّر علمية الاختراق هذه نوعيا، ويحولها من الكم البسيط إلى النوع المعقّد، وهذا الأمر هو بعينه ما يطرحه لنا القرآن الشريف على شكل قانون كوني يسميه بالسلطان وفق قوله تعالى (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان)[الرحمن/33]، حيث يطرح القرآن علمية الاختراق الضخمة المفترضة هنا لقانون الجاذبية ـ وهي هنا للتمثيل وليس للحصر ـ على شكل إمكان كوني، وهذا الإمكان موضوع تحت تصرف الثقلين من الجن والإنس، ومعلوم أن هذه الإمكانية الممنوحة لهين الثقلين، إنما منحت فلسبب تكويني مرتبط مرة بقابلية الظاهرة الكونية للاختراق، لأنها لو لم تكن تتميز بهذه القابلية لكانت علمية خرق أقطار السماوات والأرض عملية مستحيلة، ولهذا لم يكن القرآن ليتحدث عنها،[93] وأخرى مرتبط بكونهما أعطوا سلفاً نحواً من الولاية في أفعالهما،[94] وهو نفس المبدأ الذي جعل خطاب العبادة متوجه إليهما فحسب، دون سائر المخلوقات، وفق ما أشارت إليه الآية الكريمة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات/56]، وهذه الولاية في الوقت الذي مكنتهما من الاختيار ما بين العلل وموادها، هي نفسها التي تمنحهما القدرة على مضاعفة وتطوير هذا الاختيار، نتيجة القدرات التي يتيحها العقل الممنوح لهما في التلفيق المزج ما بين الأشياء، وكذا في التفريق ما بينها، خصوصاً إذا ما تعرفنا على حقيقة أن كل القوانين الطبيعية كقوانين الحرارة والحركة والجاذبية والمغناطيسية وما إلى ذلك تقف من حيث الأصل في عرض واحد، وطبيعة الظرف الفيزيائي هو الذي يتيح لها أن تتقدم أوتتأخر، وتتغلب أو تندحر.. وهكذا.

ولربما نستفيد من القرآن أن هذا الإمكان يمكن للإنسان أن يطاله في معظم الظاهر الكونية أو قل كلها، وذلك من خلال ما يتبدّى لنا من قوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان)[الأحزاب/72]، إذ أن منطق الأمانة يفترض تسلط الإنسان على ما ائتمن عليه، وتمكنه منه، ولربما في هذه الآية نلمس دلالة أخرى وهي أن الإنسان بقدر ما يلتزم بمؤديات الأمانة فإن الإمكان الذي نتحدث عنه يصبح متاحا، والعكس بالعكس، ولربما نلمس في قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) [لقمان/34] إن ما خرج عن هذه المستثنيات يمكن أن يدخل في حيز العلم الممكن الحصول عليه، رغم وجود دلالات أخرى تشير إلى أن هذه المستثنيات يمكن أن يطالها عالم الإمكان إن شاء الله ذلك.

 

¯¯¯

 

إن هذه المقولة تجعلنا في قبالة حقيقة موضوعية هي: أن ما نراه خارقاً للعادة في فعل بعض الناس من أصحاب المواقع العلمية أو الروحية الخاصة، ليس من الضرورة أن يدخل في باب الإعجاز المبني على مقولة اختراق النظام الكوني العام، وإنما قد يكون استفادة من قوانين الإمكان الفلسفي الذي تحدثنا عنه، بمعنى أنها قد تكون عملية تطبيقية لقوانين طبيعية لها طبيعة السلطان الأقوى على السلسلة المألوفة لحركة العلة والمعلول[95]، مثلها في ذلك مثل تصورات مسلمي العصور الأولى تجاه آية النفوذ من أقطار السماوات والأرض، وتصوراتنا الحالية عن ذلك، ففي عصرنا نعتبر العملية نتاج طبيعي للإمكانية التي وضعها بين أيدينا التقدم التقني، ولا نجد في أنفسنا أدنى ريب في أن العملية تتم من دون أن تخرق نظام العليّة أفقياً، وإنما تمت من خلال خرق عمودي لمسارات العلل وتغليب علة على أخرى، بينما لو أتيح لأولئك المسلمين أن يعرفوا بالذي يجري حاليا لاعتبروا عملية غزو الفضاء ـ مثلا  معجزة تقف دونها بقية المعاجز!!.

وإذا ما أرجعنا ذلك إلى الطبيعة التقنية المتفوقة التي بلغها العلم الحديث، فمن الطبيعي أن نقول بأن العلم الذي يوصل إلى هذا التقدم يمكن لكل إنسان أن يحصل عليه إن امتلك الأسباب الخاصة بامتلاكه،[96] وإذا ضممنا إليه حقيقة أن ما وضلت إليه التقنية المعاصرة تبقى قاصرة عن استيفاء كل المواد العلمية الموجود في هذه الكون، حيث لا زلنا كل يوم نسمع باكتشاف علمي جديد، مما يعني أن ما لم يكتشف بعد هو اكبر بكثير مما تمت اكتشافه.

إن ذلك كله يرينا عدم ممانعة نظام العلية من حيث المبدأ لخضوعه لعملية الاختراق وهو الأمر المناظر للولاية التكوينية، إذ ليس هناك من يقول من أنصار الولاية التكوينية، إنها تلغي نظام العلية كما توهمه بعضهم، إذ أن نظام العلية من حيث الوجود نظام لا ينفكّ عن الوجود ما دامت السماوات والأرض، وهذا ما عنينا القول به بعدم إمكانية الاختراق الأفقي لهذا النظام، وإنما تتم العملية من خلال إعادة تراتبية العلل بشكل عمودي صعوداً ونزولاً وتقديماً وتأخيراً.

وهذا الأمر ينسجم مع المقولة القرآنية التي ترى أن الأشياء مترابطة مع بعضها، فالاختراق العمودي يبقى لحدث الولاية التكوينية، ترابطه مع سائر الأشياء، بينما لو قلنا بالاختراق الأفقي لأمكن القول بأن الترابط بين الأشياء سينقطع، لأنه يحتاج إلى علة أولى من غير سنخ العلة الأولى التي أوجدت التفاعل العلّي العمودي، وأن الحديث سوف يحتاج إلى عملية تفسير الوجود، وهو أمر لا يقول بإمكان حدوثه أحد.

 

¯¯¯

 

هذا على صعيد نظام العلية باعتباره أحد الوجهين المكونين للظاهرة الكونية، أما على صعيد المكوّن الثاني وهو تدخّل القدرة الإلهية المباشرة، فهو الآخر لا يمنع من وجود هذا النحو من الولاية.

إذ من الممكن لهذه القدرة المقدسة أن تضع بعض مفاتيحها بيد من تشاء وتهبه لمن تريد وفق مصلحة ترتئيها، وهذا من حيث الإمكان العقلي ممكن نتيجة لما نألفه من الممارسة الإلهية مع هذه الخليقة، وهو أمر نحسّ به بشكل طبيعي، فإذا كانت  قدراتنا في الاختيار هي جعلاً إلهياً لنا، وهذا الجعل يمثل ولاية واضحة على مقدار من الظاهر الكونية، ثبت ان لا ممانعة إلهية ـ من حيث المبتدأ ـ على منح نمط  من أنماط الولاية لأحد من الناس أو لمجموعة منهم، كأن تكون على نحو التقدير والتمييز لهؤلاء، أو على نحو الائتمان، خصوصاً وأننا نجد أن القدرة الإلهية سبق لها وأن أوكلت شؤوناً من هذه الولاية إلى عناصر متعددة، كأن تكون طبيعية كما في ولاية العلل على بعضها، كأن تبخّر النار الماء، أو يطفئ الماء النار، أو يزيل الدواء الداء، أو أن تعمل الجبال كرواسي في الأرض، أو في تخصيص عمل الملائكة، فيكون هذا ملك للموت، وذلك ملك يتوسط ما بن الله وأنبيائه، وآخر خازن للجنة، ورابع خازن للنار، وخامس للنفخ في الصور، وسادس للعذاب، وسابع للرزق وما إلى ذلك، فهذا بمجموعه يجعل إمكانية الايلاء والجعل الإلهي قائمة.[97]

وليس ثمة محذور عقلائي من وجود هذا الجعل، ففي العادة يمكننا أن نفكّر ببعض المحاذير والموانع التي تمنع من هذا الجعل، كأن يقال بأن المجعول له يمكن أن يسيء التصرف بما جُعل له، أو أن تؤدي طبيعة الاستفادة إلى تداخل في مسيرة النظام العام، فيؤدي ذلك إلى اضطراب المسيرة الكونية، أو أن من جعلت الولاية له لا يراعي حدود الأمانة ومقتضياتها، أو أن يؤدي ذلك إلى وهم يخدش بمسار التوحيد الإلهي، حيث يمكن للعمل الخارق أن يوهم المجعول له، أو الرائي لتصرفاته الولايتية بأن له نديّة ونظرائية مع القدرة الإلهية أو ما شاكل.

وهذا بمجموعه مردود، مرة لمواصفات الجاعل ـ وهو الله جل شأنه ـ، وأخرى لمواصفات المجعول له ـ وهو الإنسان ـ، ولربما لمواصفات المادة المجعولة ثالثا.

إذ حاشى لله أن تكون إرادته وقراراته تتم على التخمين والظن، إذ أن هذه الأمور من شأنيات البشر أما الله فهو العليم الحكيم الخبير، يعلم لمن يولي هذه الأمانة، وخبير في جعلها لمن يرى فيه أهلية النوء بحملها، وحكيم في وضع هذا الأمر في محله، خصوصا وأن الآيات القرآنية التي تحدثت عن عمليات إيلاء هذه الولاية حفلت بتعليق ذلك المشيئة الإلهية، ومفروغ عن أن هذه المشيئة هي عين الحكمة، لذا حاشى لله أن يهب هذه الولاية لمن يمكن أن يسيء رعايتها،[98] وهي على أي حال ولاية في كنف ولاية الله، وتابعة لها، لذا فالحديث عن الإمكانيات التي افترضوها معطلة تماما، حتى وإن افترضنا جدلا بإمكانية الانحراف.

هذا من جهة الجاعل، إما من جهة المجعول لله، فهو في المصاف الأول النبي الأكرم (ص)، وسائر الأنبياء والأئمة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وهؤلاء كلهم لا يمكن ان يرد عليهم ما اشروا إليه،ـ إذ لو كانوا غير جديرين بهذا الأمر، فهم من باب أولى غير جديرين بالنبوة والإمامة، لأن مرتبة الولاية التكوينية ـ بمقدارها ـ دون مرتبة النبوة والإمامة ـ بمقدارها[99] ـ بما لا يمكن المقايسة بينهما، وإذا كان الله قد اشترط أن لا ينال عهده الظالمون، إذ أن ذلك يشترط فيهم العصمة، فمن الطبيعي إذ أن ما أشكلوا عليه باطل..!!

ولربما نفهم من الآية الكريمة: ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغأوين)[100]  إن هناك خصائص مرتبطة بطبيعة مادة الجعل،[101] بحيث أن سنخيتها لا تنسجم مع آية خيانة لما أوجب مجعوليتها، الأمر الذي يجعلها غير قابلة للتنفيذ إن حصل ما لا يتناسب وهذا الجعل، والله العالم.

أما من جهة الوهم الذي قد ينشأ في ذهن الرائي والمعايش لحدث الولاية التكوينية، مما قد يؤثر سلباً على مسار التوحيد أو في نشأة الغلاة ـ كما يدّعي البعض ـ، فهو كلام يمكن إيراده مع غياب الحرص الإلهي وحرص المتمتع بهذه الولاية على إخفاء بشريته، أما مع انتفاء ذلك فلا مبرر لهذا الحذر، إذ من الواضح أن القرآن الكريم وقف بكل حزم قبالة هذا الوهم، فأحد أولا على تعليق هذه الولاية على الله ـ جل وتعالى ـ ثم عضدها بالتأكيد على بشرية الرسول بمعنى انه ركّز كثيرا على سلب الاستقلالية من أي بشر ثم جعل الولاية الممنوحة بالتبع لمطلق الولاية الإلهية لا أنها مستقلة عنها، كما يتجلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية ولعل أبرزها قوله تعالى فيما حكاه في قصة عيسى بن مريم (عليه السلام) فبعد أن سرد جملة من ممارسات النبي عيسى(عليه السلام) في الولاية قال: (وإذ قال يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسك ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علّام الغيوب)[المائدة/116] أو قوله عن الرسول (ص): (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً¯ أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا¯ أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسافاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً¯ أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤوه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا)[الإسراء/90ـ93] بكل توهّم معه البعض أن التركيز على بشرية الرسول هو دليل على انتفاء هذه الولاية،[102] ولكن هذا التركيز ينبغي أن يوضع في موضعه الطبيعي ـ وهو نفي الاستقلالية ليس إلا ـ وبغير ذلك فعلى هذا (البعض) أن يتمحل كثيراً ويجهد نفسه في تطويع عشرات الآيات القرآنية قسراً، كي يبعدها عن ظهورها الواضح في حديثها عن الولاية التكوينية، لا سيما وأن الآيات التي تتحدث عن وجودها هي أوضح من الشمس في رابعة النهار كما سيتضح فيما بعد.

 

¯¯¯

 

يبقى أمر آخر وهو إن الله ـ جلّ وعلا ـ حينما أولى الأمانة إلى الإنسان، وهذه الأمانة ضمن مفهومنا ـ أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ـ تنقسم إلى عامة وخاصة، غير أن ذلك العام هو بالتبع لهذا الخاص، فالعامة لعامة النّاس، والخاصة لأكثرهم أمانة وأجدرهم بحملها وهم الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، ولا بد للمؤتمن أن يضع كل مكنونات وأسرار هذه الأمانة بيد من ائتمنه عليها، كي تتم عملية التسليم بصورة عادلة وطبيعية، وهذا ما يقتضي وجود ولاية للاحتفاظ بهذه الأمانة، وأن تحتفظ بشيء وتحافظ عليه، فأنت أكبر منه وتملك بيدك مقاديره بمقدار ما أتاحه لك من ائتمنك عليه، وهذا الأمر بحدّ ذاته يفسّر لنا المبدأ الذي يتكلم عنه الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون)، فهذا الحديث يلتقي مع مفهوم الآية، إذ من الصحيح أن الأنبياء تسلّموا هذه الأمانة وسيكونون المصاديق العملية التي تحافظ على هذه الأمانة، إلا أن سلوك الأنبياء هذا هو أنموذج لما ينبغي أن يسير عليه الإنسان، لذا فهو كلّما اقترب من درجتهم ـ بطاعة الله ـ كلما كان مؤهلا لحفظ الأمانة، وكلما كبر في هذا المجال، كلما منح قدرة على التصرف بأسرار هذه الولاية.

ويمكن لنا أن نلمس في الآية القرآنية: (وهو الذي خلق السمأوات والأرض في ستّة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً)[103] ما يضفي على ما أشرنا إليه بعداً تأكيدياً، فعملية الخلق هنا بكلّ تفاصيلها الكبيرة والصغيرة علّلت بعلّة البلاء من أجل وجود أحسن العاملين، كما تكشف (لام التعليل) الموجودة في كلمة (لِيَبلُوَكُمْ)، وتعليل عملية الخلق بوجود أحسن العاملين، يقتضي في المقام الأول أن عملية تسخير السماوات والأرض الممنوحة للإنسان وفق مفاد الآيتين القرآنيتين: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهره وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم  ولا هدى ولا كتاب منير)[104] وقوله تعالى: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه)[105] ستكون مقترنة بجهة أحسن العاملين، وسائرة بيدها، أو على أقل التقادير فإن التعرف على أسرار التسخير ستكون في حدود الإمكان،[106] ومن الطبيعي أن التعرف على مكنونات وآليات هذه المخلوقات، ومن ثم القدرة على التصرف فيها ستكون من بديهيات عملية التسخير هذه.

هذا من جهة، وتقتضي في المقام الثاني أن عدم وجود أحسن العاملين، يقتضي انتفاء الهدف من وجود هذه الخليقة[107]، وكلا الأمرين من أسس الولاية التكوينية، فبمقتضى المقام الأول تصبح جهة (أحسن العاملين) قادرة على التصرف بالظاهرة الكونية أنّى شاءت، وبمقتضى المقام الثاني نفهم تعلّق الوجود الكوني على وجود جهة (أحسن العاملين)، وبغض النظر عمّن تكون هذه الجهة[108]، إلا أنه من الواضح أن هذا الحديث يؤكد إمكانية وجود الجهة ـ بغض النظر عن هويتها ـ التي يمكن أن تمنح ولاية واسعة في التصرف بالظواهر الكونية إلى الدرجة التي يعلّق القرآن الكريم وجود الكون بكلّ ما فيه على وجودها، وهذا مفاد الكثير من الآيات القرآنية والروايات الشريفة كما سنشير إليه عما قريب إن شاء الله تعالى.

 

¯¯¯

 

تُرى في قبال كل هذه الحقائق العملية الواضحة ماذا لو حصل عروج روحي متميز من إنسان الأرض لرب السماء، وقدّر لهذا الإنسان أن يهبه الله جلّ جلاله التعرف على مكنونات هذه الطبيعة الزاخرة، ويضع ما بين يديه مفاتيح ألغاز العالم وأسراره؟.

ألا يمكن لهذا الإنسان أن يمارس ولاية على الحدث التكويني بالطريقة التي يراها مناسبة؟ فيغلّب قانونا على آخر، ويستنفر إمكانات قانونية كونية على أخرى فيقدم بالظاهر أو يأخّرها بالشكل الذي يحكي لنا في المحصلة عن تحكم فيها وهيمنة عليها..

من الواضح أن لا مانع على مستوى الإمكان الفلسفي والعقلي الإسلامي، وسنرى أن هذا الأمر لم يطرحه القرآن على مستوى التنظير المجرّد، وإنما تحدث عن مصاديقه الشاملة وبصورة جلية بقوله سبحانه وتعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة  ويؤتون الزكاة وهم راكعون)[109].

ونحتاج من أجل أن نكسي هذه القضية ما يناسبه من المصداقية إلى شواهد ربانية، ودلائل إلهية، ولا نعثر على دليل لذلك افضل من القرآن الكريم، وهذا ما سيكون موضوع الحديث القادم إن شاء الله تعالى.

 

ثانيا: الدليل القرآني

 

بين يدي الدليل القرآني

لا بد من التنبيه في البدء إلى حقيقة أن أمر الولاية التكوينية هو أمر يخرج عن دائرة العقل المادي، ولهذا إذا أردنا أن نبحث هذا الأمر وفق مقاييس هذا العقل وآلياته، فإننا لن نجد شيئاً يستحق الإثبات، ومثل الولاية التكوينية مثل الكثير من المفاهيم الإسلامية بما فيها القرآن الكريم، الذي إن لوحظ ضمن معايير العقل المادي البحث فإن الكثير من مفرداته تصبح بعيدة عن دائرة المعقول المادي، أو أن تفسير بتفسيرات بعيدة عن مفاهيم القرآن كالسحر وما إلى ذلك، فما معنى أن يُخلق آدم (عليه السلام) من الطين، أو أن يضرب موسى (عليه السلم) الحجر فينبجس منها اثنتا عشرة عيناً، أو أن يلقي عصاه فتنقلب حية تسعى، وما معنى أن تخرج يده بيضاء تبهر عيون الناظرين، أو يضرب البحر فينشق له ولأصحابه عن أرض يابسة، ثم يضربه أخرى فيرتد ليطبق على فرعون وقومه، أو أن يولد عيسى (عليه السلام) بنظام إيلاد غير نظام الايلاد المعتاد، أو أن يحيى عيسى (عليه السلام) الموتى، أو يبرء الأكمه والابرص، أو ينزل مائدة من السماء، أو أن يفعل دأود وسليمان (عليهما السلام) أفاعيلهما من تكليم الحيوانات وتسيير الرياح وطي الأرض وما إلى ذلك، أو أن تتحول النار بردا وسلاما على ابراهيم (عليه السلام)، أو أن يُسرى بمحمد (ص) من الحجاز إلى القدس ومن ثم يعرج به إلى السماء، وأمثال ذلك مما يكثر انتشاره والحديث عنه في مطأوي القرآن الكريم.

وهذا ما يدعونا إلى أن نستبدل آليات العقل المادي بآليات الفهم القرآني الذي جعل الإيمان بوجود العالم الغيبي، من أولى المسلمات العقلية حتى جعلها من أولى صفات المتقين كما هو واضح من قوله تعالى: (ذلك الكتب لا ريب فيه هدى للمتقين¯ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)[110].

ومن يلتفت إلى القرآن وطريقة حديثه عن العلل المادية والعلل الأخرى الكامنة في سر الغيب يجد انه يجعل علل العالم الغيب، أقوى بكثير من علل العالم المادي، بما لا يمكن المقايسة بينهما، بحيث أنه يعطيها القدرة على إبطال كل مفاعيل العلل المادية، فانظر إلى الجبل الذي يتحرك ليطير فوق رؤوس أصحاب موسى (عليهم السلام)، والى الطير التي يقطعهن إبراهيم (عليه السلام) وينثر أشلائهن فوق قمم أربعة أجبل، فيناديهن فيأتين سعياً، وإلى الشجرة التي تتكلم، والىالبقرة المذبوحة التي يضرب جسد الميت بها فيحيى، والى عرش بلقيس الذي ينقل من مكانه في اليمن إلى مكان سليمان (عليه السلام) في الشام في عملية ينعدم فيها الزمن، وإلى محمد(ص) الذي يرقى إلى حيث ينعدم المكان فيصبح على قاب قوسين أو أدنى أو إلى الجبل الذي يتصدّع من خشية القرآن، والقمر الذي ينشقّ، والقرآن الذي تحلّ فيه علة الشفاء من المرض.

إن كل ذلك يفضي بنا إلى حقيقة قرآنية صارخة نجدها مطبوعة في كل مكان من أرجاء القرآن، وهي أن عالم الملكوت الإلهي عالم لا ينحصر على العالم المادي، بل إن العالم المادي هو الأضعف من بين بقية العوالم الأخرى التي يتبين أنها تتفاعل بنظام علية غير نظامنا، ومع هذا النظام تستحيل العلل المادية إلى علل ضعيفة، لا تقوى مجابهة علل ذلك العالم بشكل تتحول معه صيحة ذلك العالم إلى عنصر فناء شامل لعالمنا المادي.

إن ذلك ينبؤنا بأن ثمّة علل على مقربة منا ليست من سنخ العلل المادية يمكن أن يكون لها تأثير الهيمنة والسيطرة على العلل التي تحكم عالمنا، غاية ما في الأمر أننا لا نملك قدرة التحكم بهذه العلل، لأننا لا نعرفها، ومثلها في ذلك مثل من يرى أن الوجود تهيمن عليه قوانين المغناطيسية والجاذبية الأرضية ـ فرضا ـ ولكنه وبطريقة ما حينما يفعّل قوانين الكهروطيسية النووية يجد أن مفاعيل قوانين المغناطيسية والجاذبية قد تلاشت بحيث أنها أصبحت أسيرة مفاعيل القوانين الجديدة، وهذا الأمر يقودنا إلى هذه الحقيقة: وهي أن عدم رؤية الشيء لا تعني نكران وجود هذا الشيء، فقوانين الكهروطيسية النووية كانت وما زالت تعيش الوجود إلا أنها كانت كامنة على مقربة منّا، ولا يعني اكتشافنا إياها أنها كانت غير موجودة وعملية الاكتشاف هي التي أوجتها، بل تدلل على أننا كنا جاهلين بوجودها رغم وجودها في عالمنا المادي، ومثلما أن زوال تفعيل قوانين الكهروطيسية يعني رجوع تأثير قوانين الجاذبية وما إلى ذلك بمعنى أنه لم يفنها، وهذا ما عنيناه بالاختراق العمودي الطولي، كذلك قوانين العالم الآخر، فهي حينما تلغي تأثير العلل المادية لا تنشأ خرقا أفقيا بحيث تحتاج إلى نفي علل العالم المادي، لتحل محلها عللاً آخر، وإنما تتدخل طولياً عبر تعطيل دور العلل المادية، حتى إذا ما زال تأثير قوانين العالم الآخر رجع تأثير العلل المادية إلى سابق عهده وأوانه، ولعل هذه الأمر هو ما توضحه الآية الكريمة: (وقبل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين)[111] فبعد حصول الإعجاز وانتهاء أغراضه بواسطة العلل الغيبية، عادت علل العالم المادي إلى سابق عهد عملها.

ويظهر من خلال جملة من الآيات القرآنية أن العوالم[112] من وجهة نظر القرآن هي ثلاثة، وفي كل عالم من هذه العوالم نظام علّية غيره الذي في العالم الآخر، وهذه العوالم هي:

أـ العالم المادي: وهذا العالم هو العالم الذي نحياه، ونظام العلية فيه هو ما نألفه.

ب ـ عالم الجن: وهذا العالم تحدّث عنه القران الكريم في مواضع متعددة ومن خلاله نجد أن سنخية علله تغاير التي في عالمنا المادي، ونظام الخلقة غير ما عالمنا، فهم مخلوقات خلقت من مارج من نار، بمعنى أنها قد تكون لها لطافة[113] النار، ومن خلال الوصف القرآني فإن هذه المخلوقات ـ وإبليس من بينها ـ تتمتع بمزايا تتفوق من بعض الجهات على مزايانا في عالمنا المادي، كأن تكون قادرة على التسلل إلى النفس الإنسانية لتوسوس لها وتمنيها، وإن تكون قادة على التصرف مع مسائل الزمان والمكان بقدرات اكبر من القدرات الإنسانية، كما توحي إليه الآية الكريمة في قصة عرش بلقيس (قال عفريت من الجن أنا آتيك قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين)[114]، وهكذا بقية ما تصفه العديد من الآيات والروايات المعنية بالحديث عنها.

ج ـ عالم الملكوت: وهو العالم الذي له مواصفات تختلف كلية عن مواصفات العالم المادي، وهو الذي يكون ساحة عمل الولاية التكوينية، وسيأتي تبيان بعض خصائصه في متون الحديث.

ويمكننا ملاحظة أن  بعض علل العالمين الأول والثاني لا تختلف في الشكل فقط، وإنما تختلف أيضا في المضمون، فلربما نجد بعض علل العالم الأول أضعف منها في العالم الثاني غير أن بعض علل العالم الأول أقوى منها في العالم الثاني وهكذا رغم أنها  قد تتحد في جملة من العلل حيث المضمون كما هو في شؤون الحيز والحركة والسكون وما يشبهه غير أن علل العالم الثالث هي أقوى العلل، بحيث يمكن أن نجد معها انعدام الزمان والمكان، وانعدام قانون الكائن الحي والجماد، وما إلى ذلك

ومن خلال جملة من الآيات القرآنية  يمكننا أن نتفهم أن الإنسان، أي انسان، يمكن له أن يطلع على ما في العالمين، بل والتصرف بمقاديرهما، وذلك من خلال تخطي عتبة معيّنة من عتبات المعرفة الروحية مع فرق بين الاثنين، ففي مسألة عالم الجن يبدو أن الأمر متاح دون ضرورة لتدخل اللطف الإلهي، وهذا ما يشير إليه تسخير سليمان (عليه السلام) للجن، وكذا ما تشير إليه الآية الكريمة (وانه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاَ)[115]، أما بالنسبة لعالم الملكوت، فان الظاهر أن ثمة منزلة روحية ينبغي عروج الروح إليها كي يمكن خوض عبابه، وهذه المنزلة لها سلم تصاعدي وبالعكس، فالآية الكريمة التي تتحدث عن قصة بلعم بن باعوراء، تشير إلى أن بلعم هذا سبق له أن رقى روحياً إلى هذه المنزلة ولكنه سقط منها (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغأوين)[116] كما يظهر التمعن فيها، فالانسلاخ من آيات الله يشير إلى انه وصل إلى منزلة تمكّن فيها من أن يحصل على معين من لطف الله (آتيناه آياتنا) ولكنه خرج عن هذه المنزلة فأتاح للشيطان أن يغوبه، وربما نجد في الآية نحو دلالة على أن تدخّل الشيطان الإغوائي، لا يبقى إذا ما اجتاز الإنسان عتبة هذه المنزلة، أو لربما يراد أن يقال أن العروج إلى هذه المنزلة يتم في مراحله الأولى من خلال التحرر من إغواء الشيطان بحيث أنك ترقى إلى درجة لا وجود لإغواء الشيطان فيها.[117]

وهذا ما يؤسس حقيقة جوهرية وهي أن شأن الولاية التكوينية شأن اكتسابي يمكن أن يناله كل إنسان إن عرف طريقه إلى ذلك، وإن ارتاض بالرياضات الروحية اللازمة  لذلك، وهي لا تختص على هذا الأساس بنبي أو وصي فحسب، وإنما هي متاحة في حدودها الأولية المرشحة للتنامي لكل إنسان، وتزداد وتقلّ حسب المنزلة التي يرقى إليها الإنسان أو يتقهقر عنها على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.

 

أولا: الدليل القرآني في أبعاده الكلية

 

ونعني بذلك البحث عن الدليل القرآني في مفهومه الكلي من دون الخوض في التفاصيل، ومرادنا الذي نريد أن نتوصل إليه هنا هو هل أن ولاية الله جلّ وعلا على كل شيء ـ بمعنى تصرفه وتسلطه على كل شيء ـ قابلة لأن تمنح لغيره بالتبع أو لا يمكن ذلك؟ ويتبدّى لنا هنا وفي أول وهلة، أن الله سبحانه هو الولي المطلق على كل مخلق، والقرآن يفيض بالآيات التي تتحدث عن ذلك كما في قوله تعالى: (هنالك الولاية لله هو خير ثواباً وخيرعقباً)[118] وقوله تعالى: (إن الله له ملك السماوات والأرض يُحي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)[119] وقوله تعالى: (الله الذي خلق السماوات  والأرض وما بينهما في ستّة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكرون)[120] وقوله تعالى: (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير)[121] وقوله تعالى: (وهو الذي ينزل الغيث من  بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ¯ ومن آياته  خلق السماوات والأرض وما بثّ فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ¯ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير¯ وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)[122] وغير بذلك من الآيات التي تشير بما هو مفروغ عنه بأن لله الولاية الحق، ومحض أن تكون له الولاية، فلا محذور من أن يلي من أمره ما يشاء فهو صاحب الأمر وما أولاه لغيره، إنما يعبر عن كمال ولايته، وهذا الأمر نجده يتجلى في العديد من الآيات التي تحدثت عن أن الله (جل علا) قد أولى جملة من الخلائق بعضا من شؤون ولايته كما نجد ذلك في الآيات التي تتحدث عن الملائكة، فبعضها خصص لشؤون الوحي كما يشير إليه قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)[123] وهناك الملائكة التي وصفت بأوصاف متعددة بناء على ما تقوم به من أعمال هذه الولاية كما في قوله تعالى عن أصناف الملائكة التي عبّر عنها في الآيات الكريمة: (والصفات صفاً¯ فالزاجرات زجراً¯ فالتاليات ذكرا)[124] وكذا في الملائكة التي سميت بالمقسّمات في الآية القرآنية الكريمة: (فالمقسّمات أمراُ)[125]، وهناك مجموعة الملائكة التي وصفت في سورة المرسلات: (والمرسلات عرفا¯ فالعاصفات عصفاً¯ والناشرات نشراً¯ فالفارقات فرقاً¯ فالملقيات ذكراً¯ عذراً أونذراً)[126] وهناك أيضاً مجموعة الملائكة التي وصفت في صورة المنازعات بقوله تعالى: (والنازعات غرقاً¯ والناشطات نشطاً¯ والسابحات سبحاً¯ فالسابقات سبقاً¯ فالمدبرات أمراً)[127]، وفي نفس السياق هناك ملائكة البشارة والعذاب الدنيوي والتي عبّر عنها في القرآن بقوله تعالى عن ضيوف إبراهيم (عليه السلام): (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق من وراء اسحق يعقوب) إلى قوله تعالى: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط¯ إنّ إبراهيم لحليم أوّاه منيب¯ يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود¯ ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب) إلى قوله تعالى: (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا أمرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب¯ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا علينا حجارة من سجيل من سجيل منضود)[128] وكذا ملائكة العذاب الأخروي والبشارة الاخروية كما في قوله سبحانه وتعالى: (ونادوا يا مالك ليقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون)[129] أو قوله تعالى: (الين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوء بل إن الله عليم بما كنتم تعملون¯ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين¯ وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خير للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الاخرة خيرٌ ولنعم دار المتقين¯ جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجري الله المتقين¯ الذين تتوفّاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)[130]، وكذا حديثه عن ملك الموت: (قل يتوفّاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون)[131] وكذا مجموعة الملائكة الذين وصفوا بمرافقة الروح لابلاغ من يتنزلون عليه في كل ليلة قدر من كل سنة بأمر كل شيء كما في قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)[132]، وغير ذلك كثير جدا لذا كان لدينا تسميات ملائكة العرش وملك الموت وملائكة الرزق وملائكة الوحي وملائكة المطر وملائكة الأعمار وملائكة الدعاء وملائكة الأقدار وغير ذلك مما تفيض به الآيات الشريفة والروايات الصحيحة مما تواتر لدى السنة والشيعة على الإطلاق، وهذه بمجموعها إنما تشير إلى حقيقة أنها تلي من أمر الله ما الله سبحانه أولاها إياه، دون أن يعني ذلك أي سلب لمقدرة الله (جل وعلا) بل على العكس تؤكد كمال ولايته، فالله ضمن منطق عدم الإيلاء يفترض انه لا يولي من أمره شيء، ولكن الصورة القرآنية المقدمة هنا تقف على خلاف هذا المنطق، فها نحن نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أولى الملائكة الكثير من شؤون ولايته، من دون أن يجد في التحدث عن ذلك أي غضاضة!.

ونفس هذا الأمر يؤكد المفهوم المتنزل عن ذلك وهو أن الله جعل بينه وبين خلقه وسائط تدبر شؤون العالم، من دون أن يعني ذلك أن هذه الوسائط تقوم بعمل له سنخ الاستقلالية عن الله جل وعلا، ومن دون أن يكون ذلك تعبيراً عن حاجة الله للإعانة كما قد يوحي البعض غاية ما في الأمر أن الله ـ وهو الحكيم المتعال ـ أراد ذلك لمصالح رآها، ففي الوقت الذي عبّر القرآن الكريم عن الله بالصورة التالية: (إن ربي على كل شيء حفيظ)[133] وكذا قوله تعالى: (وربك على كل شيء حفيظ)[134]، غير أن هذه القدرة المطلقة على الحفظ لم تمنع من أن تتحدث بلهجة أخرى لتعطي شان الحفظ إلى ما اسمتهم بالحفظة وكأنها قد أوكلت جميع الحفظ إليهم حتى تلبّسوا باسمه كما في قوله تعالى: (وهو القاهر فوق ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرطون)[135]، والتوفية المطروحة في الآية الأخيرة هي الأخرى تشير إلى نفس المفهوم فلقد عبرت الآيات الكريمة عن أن الله هو الذي يتوفى الأنفس كما في قوله تعالى: (ولكن أعبد الله الذي يتوفّاكم)[136] وقوله: (والله خلقكم ثم يتوفّاكم)[137] وكذا قوله: (الله يتوفى الأنفس حين موتها)[138] ولكن ذلك لم يمنع انه في نفس الوقت أوكل أمر الموت إلى ملك الموت فصار وكان جميع أمر الموت إليه (قل يتوفكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون)[139].

وحينما يكون الأمر بهذه الشاكلة فإنه يطرح أمامنا حقيقة عدم وجود مانع يمنع ممن أن يولي الله جلّت قدرته من شؤون ولايته لغيره من مخلوقاته ما يشاء، ولهذا فإن الموضوع من جهة القضية الكبرى لا تطرح أمام وجود الولاية التكوينية ـ بمعزل عن كل التفاصيل ـ أي مانع، طالما أن مصاديق التحقق مطروحة بشكل موسع في القرآن، وهو الأمر الذي سنتلمسه واضحاً في المبحث اللاحق.

ولو كان الأمر متاحاً إلى الملائكة بهذه الصورة، فما من ريب أن الذي يفضّل على نفس الملائكة ـ كما تشير إلى ذلك قصة آدم (عليه السلام) وسجودهم له ـ لا يمتنع عليه هذا الأمر، بل على العكس يكون حمله لهذا الأمر مفروغاً عنه، وعليه فإننا نجد في الظهور القرآني البارز في آية سورة المائدة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)[140] دلالة ضخمة على أن هذه الولاية قد منحت بالفعل للإنسان الممثل هنا بالرسول (ص) ومن سمته بالذين آمنوا بالوصف الذي استعرضته الآية الكريمة، بغض النظر عن مسمّاه، إذ يكفينا هنا أن يكون إنساناً قد منح صفة الولاية بالطريقة المطلقة التي تحدثت عنها الآية الكريمة. فلا تغفل!.

فالولاية المشار إليها هنا في من سنخ ولاية الله تعالى حيث يشير الظهور القرآني هنا إلى أن ما تحدث عنه من الولاية هو ولاية واحدة حيث جعل كلمة (وليّكم) في قبالة كلمات (الله ورسوله والذين آمنوا) وعطف بولاية الله على الرسول والذين آمنوا، ولو كان غير هذا الأمر ولوجدناه يفصل ما بين الولاية المنسوبة لله، وما بين الأخرى المنسوبة للرسول والذين آمنوا، ويؤكد هذا المفهوم ما أعقبه من كلام مباشرة بعد هذه الآية (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)[141] والحديث عن الفصل بين الولايتين مجرد تمحّل في الكلام لأن الظهور القرآني هنا واضح، ولعدم وجود قيد يخصص هذا الإطلاق.

 

ثانيا: مصاديق الدليل القرآني

 

يطفح القرآن الكريم بالكثير من الآيات الشريفة التي تتحدث عن الولاية التكوينية حدوثا وإمكانية، ورغم أن العديد منها قد ورد عبر سرد قصصي لحادثة ما، إلا أنها تعتني بتقديم الدلالة الواضحة على إمكانية أن ينال الإنسان إمكانات فوق إمكانات عالمه المادي هي إمكانات ما نعبر عنه بالولاية التكوينية ضيقا واتساعا، وأول ما يجابهنا في هذه الآيات والقصص أنها تعبر عن حقيقة أن شأن الولاية التكوينية شأن اكتسابي، لا يتعلق بالأنبياء والأوصياء فحسب، بل بكل إنسان يتمكن من اجتياز الاستحقاق الرباني في ذلك والذي تتحدث عنه الآية القرآنية: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا)[142]، ولذلك نراها تتحدث عن انفتاح الإنسان (غير النبي والإمام) على عوامل الملكوت، فها هي زوجة إبراهيم (عليه السلام) وهي تخاطب الملائكة، والملائكة هي الأخرى تتحدث معها (وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها بإسحق ومن وراء اسحق يعقوب¯ قالت: يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب¯ قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)[143]، وها هي أم موسى (عليه السلام) ينفتح عالم الغيب عليها كما يشير قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)[144]، وكذا قوله تعالى: (إنّا أوحينا إلى أمك ما يوحى¯ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليقله اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له)[145]، وفي قصص السيدة مريم (عليها السلام) القرآنية الكثير مما يقال على هذا الصعيد، فعالم الملكوت سنجده هنا يقيّض لها فرصاً ضخمة ويومية للتفاعل مع أفياءه كما يشير إليه قوله تعالى في هذا المجال: (كلما دخل عليها ذكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)[146] وكذا قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين¯ ويكلم الناس  في المهد وكهلا ومن الصالحين)[147]، وكذا قوله سبحانه وتعالى: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا¯ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا¯ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا¯ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولمت أك بغيا¯ قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا)[148]، وكذا قوله تعالى في حديثه عن عالم بني اسرائيل: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا)[149]، وكذا فيما يتعلق بحديثه عن الخضر (عليه السلام) وهو ليس بنبي كما تشير إليه العديد من الروايات (فوجدا [150] عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)[151]، وكذلك ما نجد في حديثه الشريف عن ذي القرنين: (ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً¯ إنّا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا)[152]، وكذا حديثه عن أصحاب الكهف (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا¯ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا¯ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا¯ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا إلى قوله تعالى: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقا¯ وترى الشمس إذا طلعت تزأور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا¯ وتحسبهم ايقاطا وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا)[153].

إن هذه القصص والشواهد، كلها تتعلق بأناس ليس لهم خاصية النبوة أو الإمامة.

أما فيما يتعلق بالحديث عن الشواهد المرتبطة بالأنبياء والأئمة، فالحديث فيه مستفيض جدا[154]، وفي هذا المجال نجد أن حديث القرآن عن ذلك يتشعب إلى قسمين هما:

الأول: يتمحور في الحديث عن الأخبار المجرد بأن لديهم قدرة الولاية التكوينية، كما في قوله تعالى وهو يتحدث عن عيسى (عليه السلام): (أنى قد جئتكم بآية من ربكم أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين)[155] وكذا في حديث القران الكريم عن داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين)[156]، وكذا قوله تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علما وقلا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين¯ وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)[157]، وكذا قوله تعالى في سورة سبأ: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنّا له الحديد)[158]، وكذا في حديثه عن سليمان (عليه السلام) كما في قوله تعالى: ( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي تاركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين¯ ومن السياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين)[159]، وكما في قوله تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين¯ وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين¯ وحُشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون)[160].

ففي كل هذه الآيات الكريمة لا نجد القرآن يتحدث عن شأن الولاية التكوينية بعنوان القضية المنجّزة أي أنها قد حدثت تأريخيا في البقعة الفلانية والوقت الفلاني، وإنما يشير هنا إلى أن من تحدث عنه في هذه المفردات القرآنية كان له قدرة الفعل دون أن يشير إلى انه قد استخدم هذه القدرة أو لا.

والثاني: يتمحور في الحديث عن المسألة بعنوان القضية المنجّزة تأريخيا، والحديث عن ذلك كثيرا جدا، إلا أننا نلحظ هنا أن الحديث هنا هو الآخر يتشعب إلى محورين:

الأول: يختص بإخبار الله للنبي بأنه قادر على التصرف في شؤون الكون، ففي قصة إبراهيم (عليه السلام) نستمع إلى قصة إحياء أولي للموتى كما في قصة الطير التي قطعهنّ إبراهيم وخلطهنّ ثم وزعهنّ على أربعة أجبل (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهم إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم)[161]، أو كما في قصص موسى (عليه السلام) الكثيرة جدا في هذا المجال كقوله سبحانه وتعالى: (ولقد أوحينا الىموسىان اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى)[162]، أو قوله عزوجل: (فأوحينا إلى موسى ان أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)[163] وكذا في قوله جل جلاله: (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون)[164]، وكذا في قوله الشريف: (وان ألق عصاك فلما رءاها تهتز كأنها جان ولّى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين¯ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم اليك جناحك من الرهب فذلنك برهانانمن ربك إلى فرعون وملاءيه إنهم كانوا قوما فاسقين)[165]، وكذا في قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الججر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله)[166]، ومثله قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون)[167].

والثاني: هوتعبير الله عن القضية بعنوان حدوثها واستعمال النبي لها كما نجد ذلك في قصص عيسى (عليه السلام) الواردة في تعبيره سبحانه وتعالى: (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أتيك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمة والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذنبي وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين)[168] وكذا العديد من قصص موسى.

وكل ذلك لا بد وان يدلنا على حقيقة ثبوت الدليل القرآني الوارد في شأن الولاية التكوينية إلى درجة استفاضة الحديث عنه في مواقع كثيرة من القرآن.

 

ثانيا: دليل الفكر القرآني

 

ونعني به هنا الدلائل التي نستوحيها من القرآن الكريم وإن لم يتحدث عن الولاية التكوينية، وإنما يمكن أن نلحظ أن الولاية التكوينية هنا تأتي كقضية جزئية ضمن قضية أكبر جعلت حقا للمعصوم (عليه السلام)، وتحقق الشيء الأكبر هو في الحقيقة تحقق لما هو أصغر منه.

وفي الواقع أن شواهد هذا الدليل هي كثيرة جدا، ولنأخذ منها البعض:

أـ الكون أمانة بيد المعصوم:

تظهر آية الأمانة الواردة في القرآن بقوله تعالى: (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)[169] أن الله سبحانه وتعالى حينما عرض أمانة مسؤولية الكون كل الكون ـ ضمن سياق القدرة التكوينية[170] ـ حملها الإنسان فهذا العرض لازمه وجود المؤهل الذاتي لدى الإنسان على الحمل، وهذا الحمل لازمه أنه لا بد من وجود جهة خاصة قادرة على النوء بمسؤوليات هذه الأمانة، لأن الله لن يضع أمانته بيد كل من هبّ ودبّ، إذ لا يمكن مع ذلك تحقق مقتضيات الحكمة من هذا الجعل، ولهذا لا بد وأن تكون هذه الجهة في مصافّ التكامل المقتضى الحكمة منها الجعل، ولهذا لا بد وأن تكون هذه الجهة في مصاف التكامل المقتضى لعناية الحكمة الإلهية، ولهذا قال أهل التفسير أن هذا الإنسان الذي حُمّل هذه الأمانة لا بد وأن يكون كاملا حتى يمكن للحكمة الإلهية أن تكون مستوفاة، وحيث انه لا خلاف في حقيقة أن هذا الإنسان هو رسول الله (ص)، فقد ثبت أن الرسول (ص) قد أولي مهمة أمانة الكون، وحيث أن مقتضيات هذه الأمانة ينبغي أن تستمر حتى بعد رسول الله (ص) لذا لابد وان تنتقل هذه المسؤولية إلى الجهة الممثلة لرسول الله في البعد الرسالي وهم في مفهومنا أهل البيت (عليهم السلام) وحيث ثَبُتَ ذلك، ثبت علق الولاية التكوينية للمعصوم، لأنه من الواضحان شأن الولاية التكوينية اصغر شأنا من تحمل الأمانة، فمن أولى البهديهيات ان يتعرف المؤتمن على تفاصيل الأمانة كي يتمكن من الحفاظ عليها، وهذا ما يقتضي أن ينكشف له عالم الملكوت لأنه من مكونات هذا الكون.

 

ب: تعلق الوجود الكوني على وجود المعصوم[171]:

يطرح القرآن المجيد هذه الحقيقة في الآية الكريمة الواردة في سورة هود: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)[172] فهنا يصرح بأن خلق الكون كان معلل لوجود جهة من وصفهم بالأحسن عملا، وحسن العمل تكامله وخلوه من الخلل والعيب، وهذا مقتضى العصمة، فحيث انه خلق الكون كان معللا لوجود جهة من وصفهم بالأحسن عملا، وحسن العمل تكامله وخلوه من الخلل والعيب، وهذا مقتضى العصمة، فحيث أنه خلق الكون وبرر عملية الخلق بأنها إنما تمت فمن أجل وجود من هو أحسن عملا، اقتضى ذلك وجود هذه الجهة التي تعبر عن حسن اعمل وتكون مصداقا له كي تكون بمثابة الحجة المصداقية على بقية البشر، لهذا يكون وجود الكون متعلقا بوجود هذه الجهة، لأن عدم وجودها يقضي بانتفاء المبرر الذي اختفى وراء لام التعليل الموجودة في كلمة: (ليبلوكم)، وهذا هو مؤدى الأحاديث المتواترة عن النبي (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) والتي تقضي بهذا المؤدى.

ففي صحيحة ثقة الاسلام الكليني فيما رواه عن العدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض وليس فيها إمام؟ قال: لا.[173]

وفي صحيحة علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام)[174] قال: إن الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل.[175]

وفي صحيحة علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن الامام الرضا (عليه السلام) قال: قلتك اتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: فإنا نروي عن ابي عبد الله (عليه السلام) انها لا تبقى بغير إمامت إلا ان يسخط الله تعالى على أهل الأرض أوالعباد، فقال: لا، لا تبقى إذا لساخت.[176]

وبنفس الإسناد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، قلت لأبي عبد الله: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.[177]

ومثل ذلك كثير، وتؤكده وبنفس الطريقة الآية الكريمة: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)[178]، فهنا علل عدم نزول العذاب بسبب وجود المعصوم (ص).

وفي نفس السياق يتجه مفاد الآية الكريمة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[179]، فهنا الآية كسالفتها تعلل عملية الخلق بوجود الجهة العابدة، وحيث أن العلة لا تتخلف عن وجود المعلول بل هي مرتبطة بهن فلا بد ان تكون هذه الجهة قد خلقت مسبقا[180] وإلا ما تمت عملية الخلق التي علق تحققها على وجود تلك  الجهة، وهذه الجهة حيث وصفت بالعبادة لا بد وان تكون عبادتها كاملة مما يقتضي عصمتها، وما من ريب في أنها تتحقق بأفضل العابدين وميزهم عند الله وهو رسول الله (ص) ومن له امتداد رسالي معه وهم أهل البيت (عليهم السلام). وإذا ما ثبت هذا الأمر فإن من البديهي ثبوت تفاصيله، وما من شك في أن شأن الولاية التكوينية هو اصفر بكثير من شأن تعلق الوجود الكوني على وجود المعصوم (عليه السلام)، فلا تغفل!!.

ج: الإنذار والتبشير في عالم الجن:

من المسلّم به قرآنيا هو أن مسألة الإنذار والتبشير الموكلة إلى الرسول (ص) تشمل الجن كما شملت الإنس كما يتجلى ذلك في سورة الجن: (قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجبا¯ يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)[181] والسؤال البديهي هنا هو كيف يمكن للرسول أن يتواصل مع عالم الجن من دون قدرات الولاية التكوينية؟ من الطبيعي أن الجواب على ذلك ليس عسيرا بعد كل ما قدمنا، لا سيما وأننا ندرك تماما أن مسؤولية الهداية والإنذار تفوق في الشأنية كل شؤون الولاية التكوينية.

دـ تنزل الروح في ليلة القدر:

سورة القدر من جملة السور التي تقرأ كثيرا، ولكنها تنطوي في مجال بحثنا هذا على أهمية عظمى، فعلى من تتزل؟ وبأي أمر تتنزل؟ وما هي غايات التنزيل؟ فلدينا هنا فعل مضارع (تتنزل) وهو يشي بطبيعته إلى الاستئناف، وفعل كهذا يؤكد على أن شأن ليلة القدر لا زال مستمرا من حيث نزول الملائكة بمعية الروح حتى الساعة، وهو ما يتأكد أيضاً بوجود عبارة: (من كل أمر)[182] فهذه العبارة على ما تفيده بعض اتجاهات التفسير لدى الخاصة،ت وبعض اتجاهات التفسير لدى العامة، ومنها تفسير محمد حسين فضل الله.[183] متعلقة بالأرزاق والآجال وبكل ما يتعلق بشؤون الكون الأرضي ـ على ما يشير إليه فضل الله ـ ولو كانت كذلك فمثل هذا الأمر لو كان مختصا برسول الله (ص)[184] لكفانا وحده بالقول بوجود ولاية له على سائر موجودات الكون الأرضي، فمن أجل أي شيء يحتاج الرسول لكي يتعرف على كل أمر لولا منحه الولاية على هذه الأشياء، أما لو تماشينا مع الاتجاه العام للتفاسير الخاصة المعتمدة على الموثوق من حديث أهل البيت (عليهم السلام) والمؤيدة من وجود فعل المضارعة بأنها لا زالت تتنزل إلى يومنا المعاصر هذا وستبقى حتى يتوفى الله الكون وما فيه، فالتساؤل عن هذا الذي ما زلت تتنزل عليه عندئذ لن تجدن غير الإمام الشاهد،[185] وعلم كهذا، واتصال ملكوتي كذلك، وشهادة كونية كهذه تستلزم الولاية التي تحدثنا عنها، فتأمل!.

 

ه ـ إذا ثبت للمفضول شيء ثبت للفاضل أشياء:

إذا ثبت أن بإمكان إنسان ما القيام بشيء معين نتيجة ميزة معينة، فإن من البديهي بمكان أن نقول بأن من يتفوق على ذلك الإنسان في المزية التي جعلته قادرا على القيام بذلك الشيء هو اقدر على القيام بهذا الشيء، ولذا إذا كان بمقدور الأنبياء السابقين لرسول الله (ص) النوء بأعباء شأنية الولاية التكوينية، فإن من المفروغ عنه أنه (ص) ومن يمثله أقدر وأولى من أولئك في المقدرة على هذه الشأنية، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: (قال الذي عنده علم من الكتب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فقد اعتبرت الآية الكريمة أن آصف بن برخيا قد تصرف بظروف الزمان والمكان ـ ضمن تفصيل سيأتي عما قليل ـ نتيجة ما عنده من علم الكتاب، مع عنايتها بكلمة (علم ـ من ـ الكتاب) التبعيضية لتشير إلى انه لم يكن لديه علم من الكتاب إلا بعضه، ولكن كيف الحال بمن يمتلك كل علم الكتاب المشار إليه الآية القرآنية: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)[186] فهذا الرجل[187] ينبغي ان يكون افضل من آصف بن برخيا منزلة، وكذا في طبيعة قدراته على التصرف بشؤون الولاية التكوينية، ولهذا ليس من الصحيح أن يكون هذا الرجل هو من علماء أهل الكتاب كما تذهب إليه بعض مرويات العامة[188] وإلا لكان آمن برسول الله (ص) فور بعثته واصطفاه الرسول لمنزلته هذه، لما يفترض انه يعلم مسبقا ببعثة الرسول الصادق[189]، وحيث انه لمت يحصل ذلك، يتبين لنا أن هذا الرجل ذو المنزلة العظيمة عند الله والذي اختاره الرسول (ص) للقيام بهذه المهمة لن يكون من أهل الكتاب، ولن يكون الرسول نفسه، وأن الكتاب المقصود ليس التوراة والإنجيل ولا غيره من الكتب السماوية لأنها قد حرّفت أولا، وثانيا لعدم صلاحيتها لأن تكون موضع استشهاد من له منزلة كمنزلة الرسول (ص)، على أننا نلمس من القرآن عدم استخدامه للشواهد على صحة نبوة أي نبي غير كتاب النبي ومعجزاته، وبهذا يخرج أي احتمال لتصديق دعوى أن يكون الكتاب هو كتاب أهل الكتاب، فضلا عن أن يكون الشاهد منهم.

ولا يبقى عندئذ غير احتمالين فهو إما أن يكون المقصود بالكتاب اللوح المحفوظ المدونة فيه أسرار عالم الملكوت[190] كما أشارت العديد من مرويات المفسرين، أو الكتاب العزيز[191]، ولا يصلح لكليهما غير الإمام علي (عليه السلام) والذي نصّت عليه المرويات الإمامية بالإجماع[192] وعدد غير قليل من مرويات أهل العامة[193].

و: من لديه علم القرآن كيف لا تكون لديه ولاية!

من الواضح أن الرسول (ص) هو المؤتمن على القرآن، وبالتالي كان هو المطلع على كل أسرار القرآن الذي حوى كل شيء، وفقا لقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)[194] ومن هو أولى منه بذلك، ومنه سار الأمر بالتتابع إلى بقية الأئمة (عليهم السلام)، وإذا ما كان ذلك صحيحا، فإن من البداهة بمكان أن أسرار الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن ثمة قدرات في القرآن تمنح المطلع عليها القدرة على التصرف بالظاهر الكونية كما في قوله تعالى: (ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)[195] وقوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله)[196]، فإذا كانفي القرآن مزايا تسيير الجبال وتصديعها وتقطيع الأرض وتكليم الموتى، فأي مبرر لنا يجعلنا ننأى بعلم رسول الله (ص) بذلك، هو العالم بكل أسرار القرآن!!

وإذا كان القرآن قد استفاض في الحديث عن ظواهر الولاية التكوينية، فكيف يمكن لنا أن نتعقل عدم علم الرسول (ص) بذلك!؟ (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)[197].

 

¯¯¯

 

من كل ذلك أن نلحظ حقيقة أن شأن الولاية التكوينية هو شأن استفاض القرآن الكريم في الحديث عنه.

يبقى أن نشير إلى أننا هنا كنا في معرض التمثيل والاستدلال وليس الحصر.

 

ثالثا: الدليل الروائي

ونقصد في هذا الدليل هو ما صح نقله عن المعصوم (عليه السلام) في حديثه عن مختلف شؤون الولاية التكوينية كي تكتمل لدينا الصورة، فما نعتقده أن حديث المعصوم (عليه السلام) وهو ما نعبر عنه بالسنة هو صنوان القرآن وعدله، وسوف لن نتوقف عنده كثيرا، إلا بمقدار ما نقتطف منه باقة من بعض الروايات ذات الدلالة الهامة لمبحثنا هذا[198] معتمدين في ذلك نفس ما أشرنا إليه في الهامش السابق، وهو أننا سوف لن ندرج أية رواية إلا وفق منهج التشدد السندي الذي لا يتسامح في شؤون الجرح والتعديل لرجالات الأحاديث ورواته، أي إننا لن ندرج هنا رواية إلا من خلال من وصفهم منهج التشدد السندي بالثقات.

يبقى أن نشير إلى حقيقة مهمة وجوهرية بالنسبة لنا نحن الشيعة الإمامية، وهي أن إثبات صدور حديث أو أكثر عن المعصوم( عليه السلام ) في قضية ما، فان ذلك يعني أننا على إلزام بقبول هذه القضية، طالما أن ذلك لا يتعارض مع القران الكريم  فنحن أناس نعتقد بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع[199]، ولهذا فإن سنة المعصوم إن أبلغتنا بشكل قطعي[200] بوجود الولاية التكوينية، قولا أو فعلا أو إمضاءاً، فإن ذلك يلزمنا بقبول العقيدة بذلك وفقا لمفاد قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)[201] وبغيره فإن من الصعب تصور عدم خروجنا عن الإيمان بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وكيف يكون إيمان بهذا المذهب وأنت لا تصدق بموثوقات الصدور عن الأئمة (عليهم السلام)، ولا تعمل بها، والآن لنعد كي نتعرف على ما في جعبة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من ذلك، علما بأن ما سندرجه هنا من أخبار وروايات له طابع التمثيل لا الحصر، لأن الثاني يحتاج إلى جهد ووقت وحيز كبير لا نتوفر عليه الآن[202] مع العلم أن الحديث عن هذا الأمر في سنة المعصوم (عليه السلام) كثير ومستفيض جدا.

1ـ ففي صحيحة علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبي عبد اله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)[203] قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (ص) وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت.[204]

2- وكذا في صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى، غير محمد (ص) وهو مع الأئمة يسددهم.[205]

3ـ وكذا عن محمد بن عبد الجبار، عن أبي عبد الله البرقي، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان مع عيسى بن مريم حرفان يعمل بهما، وكان مع موسى (عليه السلام) أربعة أحرف، وكان مع إبراهيم ستة أحرف، وكان مع آدم خمسة وعشرون حرفاً، وكان مع نوح ثمانية وجمع ذلك كله لرسول الله (ص)، إن اسم الله ثلاثة وسبعون حرفاً، وحجب عنه واحدا.[206]

4ـ وكذا عن احمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، عن أبي الذي إذا سأله أعطى، وإذا دعا به أجاب، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا.[207]

5ـ وعن إبراهيم بن هاشم، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد الله بن جندب انه كتب إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام): أما بعد فإن محمدا (ص) كان أمين الله في خلقه فلما قبض كنا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ومولد الإسلام.[208]

6ـ وعن احمد بن محمد[209]، عن علي بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وقلت لهما: أنتما ورثة رسول الله (ص)؟ قال: نعم، قلت: فرسول الله وارث الأنبياء علم كل ما عملوا؟ فقال لي: نعم، فقلت: أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤوا الأكمه والأبرص فقال لي: نعم بإذن الله، ثم قال: ادن مني يا أبا محمد فمسح يده على عيني[210] ووجهي وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار قال: أتحب ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصاً، قلت: أعود كما كنت قال: فمسح علي عيني فعدت كما كنت.

قال علي[211]: فحدثت به ابن أبي عمير فقال: اشهد أن هذا حق كما أن النهار حق.[212]

7ـ وعن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف، والحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) مُحدِّثا وكان سلمان مُحدّثا، قال: قلت: فما آية المحدث؟ قال: يأتيه ملك فينكت في قلبه كيت وكيت[213].

8ـ وعن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحرث بن المغيرة النضري[214]، عن حمران، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): إن عليا كان مُحدّثا فخرجت إلى أصحابي (أصحابنا خ.ل) فقلت لهم:ت جئتكم بعجيبة قالوا: ما هي؟ قلت: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان عليا محدثا، قالوا: ما صنعت شيئا ألا سألته من يحدثه؟ فرجعت إليه فقلت له: إني حدثت أصحابي بما حدثتني قالوا: ما صنعت شيئا ألا سألته من يحدثه؟ فقال لي: يحدثه ملك قلت: فنقول إنه نبي؟ قال: فحرَّك يده هكذا[215]، ثم قال: كصاحب سليمان[216] وكصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما بلغكم انه قال: وفيكم مثله[217].

9- وعن العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأل علي (عليه السلام) عن علم النبي (ص) فقال: علم النبي علم جميع النبيين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة، مثقال: والذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي (ص) وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة[218].

10- وعن احمد بن محمد، ومحمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس[219] قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول، وأناس من أصحابه حوله: إني اعجب من قوم يتولّونا ويجعلوننا أئمة ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله، ثم يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصون حقّنا ويعيبون لك علينا من أعطاه الله برهان حق معرفتنا بالتسليم لأمرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم، فقال حمران: جعلت فداك، [أ]رأيت ما كان من قيام علي بن أبي طالب (عليه السلام والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله وما أصيبوا به من قبل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا، فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قّدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه، ثم أجراه، فتقدم علم رسول الله إليهم في ذلك قام علي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) ويعلم صمت من صمت منا، ولو انهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله دفع ذلك عنهم، وألحّوا فيه في إزالة ملك الطواغيت إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان الذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغها فلا تذهبن فيهم المذاهب بك[220].

11ـ وفي موثوقة[221] محمد بن الحسن، عن حماد، عن إبراهيم بن عبد الحميد[222]، عن أبيه[223]، عن أبي الحسن الأول[224] (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك النبي (ص) ورث علم النبيين كلهم؟ قال لي: نعم، قلت: من لدن آدم إلى ان انتهى إلى نفسه؟ قال: نعم، قلت: ورّثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة والعلم؟ قال: ما بعث الله نبيا إلا وقد كان محمد (ص) أعلمنه قال: قلت: إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله، قال: صدقت وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير قال[225]: وكان رسول الله (ص) بقدر على هذه المنازل فقال: إن سلمان ابن داود قال للهدهد حين فقد هو شك في أمره (فقال مالي لا أرى الهدهد أم اكن من الغائبين)[226] وكانت المردة والريح والنمل والإنس والجن والشياطين له طائعين، وغضب عليه فقال (لأعذبنّه عذابا شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتيني بسلطان مبين)[227]وإنما غضب عليه لأنه كان يدلّه على الماء فهذا وهو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان، وإنما أراده ليدله على الماء فهذا لم يعط سليمان، وكانت المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه.

إن الله يقول في كتابه: (ولو ان قرءاناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلم به الموتى)[228] فقد ورثنا نحن هذا القرآن فعندنا ما يُقطع به الجبال، ويُقطع به البلدان ويُحيى به الموتى، بإذن الله ونحن نعرف ما تحت الهواء، وإن كان في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاه الله الماضين النبيين والمرسلين إلا وقد جعله الله ذلك كله لنا في أم الكتاب،إن الله تبارك وتعالى يقول: (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين)[229]، ثم قال جل وعز: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)[230]، فنحن الذين اصطفانا الله فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء.[231]

12ـ ورد بأسانيد موثوقة وصحيحة منها ما عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: ( وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض)[232] قال: كشفت له السماوات والأرض حتى رآها ورأى ما فيها والعرض ومن عليه قال: قلت: فأوتي محمد مثل ما أوتي إبراهيم؟ قال: نعم وصاحبكم هذا.[233]

وروي قريب منه بإسناد احمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن مسكان، عن الإمام الصادق (عليه السلام)[234].

وكذا عن البرقي، عن النضر بن سويد،عن يحيى الحلبي، عن أبي بصير.[235]

13ـ وفي صحيحة ثقة الاسلام الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد، عن عبد الله الحجال، عن احمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله  (عليه السلام) فلت: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة إلى أن قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله (ص) علم علياً (عليه السلام) بابا يفتح له منه ألف باب؟ قال: فقال: يا أبا محمد علّم رسول الله (ص) علياً (عليه السلام) ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال: قلت: هذا والله العلم قال: فنكت ساعة يالأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذلك.. ثم سرد حديثا طويلا إلى أن قال (عليه السلام): وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟ قال: قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من آدم[236] فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل... إلى أن قال (عليه السلام): وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام)، وما يدريهم ما مصحف فاطمة (عليها السلام)؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد...

إلى أن قال (عليه السلام): إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال: قلت: جعلت فداك هذا واله هو العلم، قال: إنه علم وليس بذلك. قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل النهار، الامر بعد الامر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.[237]

 

¯¯¯

 

هذه باقة من مجموعة مئات الأحاديث والروايات الصحيحة والموثوقة والحسنة والمعتبرة التي تجمع على وجود الولاية التكوينية لدى المعصوم (عليه السلام) وبعدها هل يبقى لنا كر من حجة؟.

وإذا ما كانت هذه الروايات بمجموعها الكثير جدا قد خرجت على لسان المعصوم (عليه السلام) فإن الناكر لها لا يخلو من واحد من اثنين، فإما أن يكون منه لم يطّلع على هذه الروايات وتلك الآيات، وعلى هذا الأساس لن يكون بالمستوى الذي يستحق أن تسميه صاحب علم لأن هذه الروايات موجودة في كتب يطلع عليها كل من سعى في المراحل البدائية لطلب العلم وأي كتبا اشهر من كتاب الكافي، وكم من الرواة له شهرة محمد بن الحسن الصفار مؤلف كتاب بصائر الدرجات.

أقول هذا تاركا المجال للقارئ الكريم لأن يتأمل في أي قدرة للتحقيق الفكري لهاذ الناكر، وهي العملية التي تحتاج إلى الوقوف على مجموع الأخبار والروايات، وتمحيصها قبل نكران المادة التي تحدث عنها.

ولربما أراد الرجل تغليف جهله بالروايات بطابع من العلم حيث وسمها جميعا بالضعف في السند أو الدلالة فقال: وأما الأخبار الواردة في لذلك فهي ضعيفة سنداً ودلالة.[238]

وهذه الحجة المألوفة لا نصيب لها من أي صحة، فلا الروايات ضعيفة السند كما قد رأيت بعضها[239]، ولا يرفضها، هذا علي المستوى الأول، فكيف وأننا نجد في المستوى الثاني أن الكثير من آيات القرآن تؤكد الأمر حتى وكأن الروايات جاءت لتفسر تلك الآيات.[240]

ولعمري أراد الرجل إثبات علم فألبس نفسه رداء الجهل حتى غيب أطرافه بكمية.!!

وإما: أو يكون من غير المؤمنين أصلا بسنة المعصومين (عليهم السلام)، وبعقيدتهم، وكلا الأمرين على سواء، فهي مما تجعل هذا الناكر خارج مصاف المؤمن بولايتهم وإمامتهم (عليهم السلام).

وهي على أي حال تظهر بما لا مجال للشك فيه أن هذا الناكر يبقى جاهلا بعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، مهما ارتدى لعلومهم جلبابا.

 

¯¯¯

الولاية التكوينية الشمول والتقييد

يبقى أمامنا بعد كل ذلك الجواب على سؤال قد تبرزه طبيعة الحديث فيما سلف، وهو: إن الولاية التي تحدّثنا عنها هي  شمولية بحيث أن المعصوم يمكنه من التصرف بكل الظواهر الكونية في أي وقت شاء، أم أنها  مقيدة بجانب دون آخر؟.

وللجواب على ذلك يمكننا من خلال استعادة بعض ما ورد في الصفحات السابقة أن طبيعة تصرف أصحاب الشأنية في هذا الباب كان متفاوتاً، ففي وقت رأينا عجز موسى(عليه السلام) عن التمتع بما لدى الخضر (عليه السلام)، وعجز يعقوب عما لدى يوسف(عليه السلام) في قصة إلقاء القميص، وعجز زكريا (عليه السلام) عما لدى مريم(عليه السلام)، فإن ما من شك يتبقى في أن بعض هذه المقامات كل لها ولاية محدودة، وهو أمر واضح بعد أن تبين لنا أن شأن الولاية التكوينية شأن اكتسابي يستطيع المرء أن يناله إن سلك الطريق المقتضي للحصول عليه، فسلوك طريق ـ أي طريق ـ يقتضي تعدد السائرين فيه تقدّماً وتأخراً، الأمر الذي ينبأنا بأن البعض يستطيع أن ينال كثيراً، والبعض الآخر أقل منه وهكذا.

ولكن هل هذا يعني أن لا ولاية مطلقة لأحد؟.

في الواقع تظهر لنا آية الولاية (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا) وكذا الآيات التي تحدثت عن تعلّق الوجود بوجود المعصوم(عليه السلام)، وكذا جملة كثيرة من الروايات أن الرسول(ص) الذي بلغ في عمله أعلى درجة الحسن في العمل وبالتالي تعلّقت غاية الخلق بوجوده وفق مفاد الآية الكريمة(وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيُكم أحسن عملاً)[241] أنه يستحق أن تكون ولايته مطلقة، فمن علّق كل الكون بوجوده ما أسهل تصور أن ينقاد له هذا الكون كله، سيما وأنه بلغ من المنزلة عند الله ما لم يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما تظهر آيات سورة النجم الأولى، ولهذا يمكن القول أن ولاية الرسول(ص) على هذا الكون هي ولاية مطلقة، ومن ولايته نستنج تماثل ولاية أهل البيت(عليه السلام) مع ولايته(ص) بناء على دلالات الآية الكريمة: )أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا و أنفسكم)[242].


الباب الثالث

شبهات  وردود

نحاول في هذا الباب أن نردّ على أهم الشبهات والإشكالات التي يجوبه بها هذا المفهوم، وأهمها ما يلي:

 

1ـ هل الولاية تعني التفويض؟

 يثير البعض أن الاعتقاد بوجود الولاية التكوينية يقتضي الإعتقاد بأنه ولاية تفويضية من الله إليهم، بمعنى إن الله قد فوّض أمر الكون إليهم بعد خلقه، ولربما كان منشأ هذه الشبهة ـ التي أخذ بها الغلاة والمنكرون كل على حسب مراده ـ هو بعض الروايات التي قد يفهم منها هذا المعنى[243]، كما في موثوقة يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي أسامة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إن الله خلق محمد (ص) فأدبه حتى إذا بلغ أربعين سنة أوحى إليه وفوض إليه الأشياء.[244]

وكذا في موثوقة[245] محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة، عن زرارة أنه سمع أبا عبد الله(عليه السلام) وأبا جعفر(عليه السلام) يقولان: إن الله فوّض إلى نبيه(عليه السلام) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم.[246]

ولهذا قال أهل الإنكار بأن التفويض يستلزم التعارض مع قدرة الله لأنهم تصوروا أن الولاية تعني أن الله خلق ثم فوّض شؤونهم إلى الأنبياء والأوصياء، مما يستلزم تعطيل القدرة الإلهية، هذا الكلام مرادف لكلام اليهود حينما قالوا: (وقالت اليهود يد الله مغلولة)[247].

فيما تصور الغلاة أن التفويض يستلزم وجود ولاية عرضية في قبال ولاية الله، وليست هي ولاية بالتبع لولاية الله، الأمر الذي يفترض لأصحاب الولاية التكوينية نمطاً من القدرات الخالقية والفاعلية بمعزل عن إرادة الله، ولهذا فرضوا لهم مقامات يغر مقاماتهم، وأنزلوهم منازل تبرؤوا من ادعائها.

وليس تفنيد حجة الغلاة بعسير سيما إذا تطلعنا إلى إصرار القران على تأكيد مفهومين:

أولهما: التأكيد على بشرية الرسل وبالتالي الأوصياء كما في قوله تعالى:(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً¯ أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار وخلالها تفجيراً¯ أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً¯ أو يكون لك يبيت من زخف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كن إلا بشراً رسولاً)[248]، وكذا قوله تعالى:(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد)[249] وأمثال ذلك كثير، والتبع لمفهوم بشرية الرسول (ص) أكد القرآن على القدرة المحدودة للعلم البشري فقال عزّ من قائل:(ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم)[250]، وكذا قوله تعالى:(قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلى)[251]، وكذا قوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعأً ولا شراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)[252]، وأمثال ذلك مما تفيض به آيات الكتاب العزيز.

ولكنه مع تأكيده على بشرية الرسل قام بتأكيد المفهوم الثاني من خلال التحدث عن الولاية التكوينية ولكن من خلال وضعها تحت إطار إذن الله كما في حديثه عن آيات عيسى(عليه السلام) الكونية (ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بأية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طياً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين)[253] وكما في قوله تعالى: (إذ اقل الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذا أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيا فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرئيل عنك إذا جئتهم بالبينات)[254]، ومثل هذا التأكيد يؤكد أن عملية التفويض المشار إليها في حديث الغلاة مناقضة للمفهوم القرآني، فلا القرآن يعطي لرسول إستثناءات خالقية، ولا هو يجعل إرادته الإعجازية بمعزل عن إرادة الله بل يجعلها مرهونة بإرادة الله.

على أن من الواضح أن حديث الغلاة يجرنا إلى مطبات الإشراك بالله وثلم شمولية التوحيد الإلهي، وهذا ما لا يقرّ به عاقل، فضلاً عن مسلم.

وليس حديث المنكرين بأعسر في الرد من حديث الغلاة، فلو كان التفويض بمعنى عزل قدرة الله عن قدرة أنبيائه ورسله وأوليائه، فهذا ما لم يقل به أحد من الإمامية، وكيف يقال عنهم ذلك وهم من عرفوا بأنهم أصحاب مبدأ:(لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين)، ولهذا لا ينقضي العجب حينما تسمع من يردد بأن عقيدة الولاية التكوينية مرادفة لهذا الإعتقاد فيقول بلهجته العامية: (الولاية التكوينية شنو[255] الولاية التكوينية، إحنة[256] بنقول ولاية تكوينية يعني بعض الناس بيقول أنه يعني الأنبياء والأئمة مشاركين الله مثل ما الله ولي الكون هنة[257] أولياء الكون!![258]).

ونحن إذ نؤكد أن هذا الكلام كذب وتزوير للمفهوم كما هو واضح من مطاوي البحث، فليس ثمة من يقول بتفويض من هذا القبيل، بل إن الذي يقول ذلك يعد لدلا الإمامية من الغلاة الذين يتبرؤون منهم ويلعنونهم، وما قصة لعن المغيرة بن سعيد العجلي وجماعته المغيرية وابن أبي زينب الخطاب الأسدي وفرقته الخطابية الوارد على لسان الإمام الصادق والكاظم والرضا(ع) إلا بسب  إيمانهم بهذا المفهوم وأضرابه.

وكيفما يكن فإننا نعتقد إن التفويض المشار إليه هنا يستلزم نفي التنزيه الإلهي لهذا فهو مرفوض، أما ما ورد في الروايات الآنفة، فالتفويض المشار إليه لا يستلزم الإستقلالية عن الإرادة الإلهية، وإنما هو بالتبع لها وفي طولها.

 

1ـ هل الولاية فعلية أم إنشائية؟

تتمحور هذه الشبهة بالتأكيد على أن هذه الولاية ولاية إنشائية، وليست فعلية بمعنى إنها إن أعطيت لأحد فلا تعطلا إلا بعد بروز الحاجة إليها إن برزت، لا بمعنى أنها تمنح لصاحبها منحاً إلهياً بحيث أنه يستطيع أن يتصرف بشؤونها متى ما شاء،  ولست بمسبوق بأن أحداً قبل مثيرها قد أثار هذه الشبهة، فقد تحدث عن ذلك بالقول عن شخصية الرسول (ص) بما نصه: (إنه لا يملك علم الغيب في تكوينه الذاتي، ولا في الواقع الفعلي بشكل مطلق، فهو لا يعرف ـ من خلال هذا النص  القرآني[259]ـ ماذا يحدث له في الغد من عافية وبلاء، وضعف وقوة، وذلك من خلال الفرضية الواقعية، وهي أنه لو كان يعلم الغيب في طاقته العلمية لأمكنه أن يجلب الخير لنفسه ويستكثر منه من خلال اطلاعه على فرص الغيب في الحاضر والمستقبل، وأن يدفع عن نفسه السوء الذي تجتمع عناصره الآن وغداً، ولكن الواقع أن البلاء قد يصيبه بشكل مفاجئ، وإن الخير قد لا يحصل لديه من خلال العناصر الخفية في الزمان والمكان والأشخاص[260]، لأن هذه المسألة لا تتصل بمهمته الرسالية في الإنذار والتبشير، لأن ذلك لا يرتبط بعلم النبي للغيب في واقع الحياة.

وقد جاء ذلك في قوله تعالى:(قل ما كنت بدعاً من الرّسل وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ وما أنا إلا نذيرٌ مبين)[261] فإنها تدلّ على نفي الفعلية في واقع الذات وحصر المسألة فيما يأتيه من الوحي، فهو خارج هذا النطاق  لا يملك علم الواقع  من ناحية فعلية، وبهذا يرد على ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن علم الغيب المنفي عن غير الله وارد على نحو الأصالة فلا ينافي علم غيره بالتبعية مما يصدر منه، فإن الظاهر من كل الآيات نفي العلم الذاتي حتى على نحو التبعية[262] بمعنى جعل النبي علاماً بالغيب بحيث يملك علم الغيب في ذاته بقدرة الله في عطائه له كما أعطاه ملكاته الأخرى بل المسألة هي مسألة مفردات الغيب في حاجاته له من خلال الوحي أو بطريقة أخرى.

وفي ضوء ذلك نستطيع أن نجد في النص القرآني الرد على الفكرة تجعل للنبي الولاية على الكون بأن يغيّره ويبدله ويتصرف فيه من خلال القدرة العظيمة التي أودعها الله في شخصه ما يطلق عليه اسم (الولاية التكوينية) وإن هذه الفكرة لا تلتقي بالنصوص القرآنية)  . .  إلى أن يقول: (وعلى ضوء ذلك فلا مجال ـ في النص القرآني ـ لفكرة (الولاية التكوينية) للنبي أو للأنبياء كافة، وإذا كان الله قد أعطى للأنبياء القيام بالمعاجز فإنها تتصل ـ  بشكل مباشرـ بحاجة النبوة إلى ذلك أمام التحديات الموجهة إليهم)[263].

وقال في مكان آخر: إن قوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعأً إلا ما شاء الله).[264] ظاهرة في نفي الفعلية لا في نفي الاستقلال.[265]

وهنا رغم أننا نجد أن الكاتب يثير أكثر من شبهة، إلا إننا هنا سنقتصر على شبهة نفي فعلية الولاية، وسنعالج البقية في مواضعها، ومعالجة هذه الشبهة لها أكثر من طريق، فهي أولاً  ليست مبرهنة ولا دليل علمي عليها، وما أسماه بالدليل مردود جملة وتفصيلاً كما رأينا وسنرى في البحث القرآني، فما الموجب لأن تكون إنشائية خصوصاً أن القرائن العقلية والقرآنية تقف إلى الضد من ذلك وتكذبها؟ وما المانع لأن تكون فعلية  لاسيما وأن هناك من القرائن الداعمة لأمر الفعلية المؤكدة لها ما يفوق العدّ والحصر؟ فالرب الذي إئتمن لرسول على دينه وخلقه وكتابه، ما المبرر لأن يمنحه شيئاً دون ذلك من الأهمية ثم يسترده؟ وما هو المحذور من بقائه  بحيث إننا نثير هذه الزوبعة؟ فمن الناحية العقلية يظهر المنح الإنشائي وجود المؤهل الذاتي، وهذا المؤهل إن أمكن وجوده في مرة أمكن إيجاده في مرات، بمعنى إن القرآن إذ يظهر لنا أن الولاية منزلة يبلغها ن يمكن أن تسلب منه كما رأينا في آية: (وأتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) فهي أيضاً منزلة يمكن أن تتعاظم، كما تظهر آية: من (عنده علم من الكتاب) كيف أن لديه مقدار من علم الكتاب، فيما نجد آية من عنده علم الكتاب تلغي ذلك التبعيض للتحدث عن شخصية أخرى لديها علم الكتب كله،[266] وهذا التفاضل يظهر أن الولاية شأن يمنح بناء على مواصفات ذاتية، وما دام الأمر على هذا النحو، فما المانع إن ظلّ المؤهل الذاتي ـ الذي منح الإنسان على ضوءه الولاية لمرة ـ موجوداً في أن تظلّ هذه الولاية، هذا فضلاً عن أن تتعاظم إن زادت قدرات وكفاءات هذا المؤهل؟.

ومن كل ذلك نستخلص أن المبرر في نفي الفعلية لا وجود له خصوصاً مع معرفة حقيقة أن من يمنح هذه الولاية  إنما يُمنحها وفقاً لكفاءاته في التوحيد الإلهي العملي، وكلما ازداد يقيناً في شؤون التوحيد، ازدادت منزلته في هذا المجال، الأمر الذي يعني أن الممنوح هو الذي يدافع عن فكرة عدم استقلالية إرادته ما تظهر الآية الكريمة: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت  قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب)[267] فتأمل!.

هذا ثانياً على أن كل ذلك لا يختص بالجنبة العقلية وإنما تعضده جملة كبيرة من الآيات القرآنية الواضحة الدلالة على أن شأن الفعلية ثابت، ولربما من أوضح هذه الآيات هي آية: (ولقد فتّنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب¯ قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهّاب¯ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب¯ والشياطين كل بناء وغواص¯ وآخرين مقرنين في الأصفاد¯ هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)[268] فبعد تعداد جملة من شؤون الولاية جاءت الآية الأخيرة للتحدث وبمنتهى الوضوح عن أن هذا العطاء الرباني موكول إلى سليمان (عليه السلام) يتصرف به كيفما يشاء، وحيث ما يمنح له هذا لقدر فإنه لا ريب ينجّرُ إلى أنه (عليه السلام) يستطيع فعله متى ما شاء.

وكذا الأمر في مسألة عيسى (عليه السلام) التي تشير إليه الآيات القرآنية بوضوح تام أيضاً: (ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بأية من ربكم أن أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين)[269] وكذا قوله تعالى:( إذ قال الله يا عيسى ابن رميم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلّم الناس في المهد وكهلاً وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتوراة واِلإنجيل وإذ تخلق من أطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تُخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنكم إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين)[270] فلو لم تكن الولاية فعلية لما كان بإمكان عيسى (عليه السلام)  أن يتحدث مع قومه بهذه الطريقة التي قد تتكرر في كل آن، وفي كل مكان كان يحلّ فيه عيسى (عليه السلام) وليس عيسى (عليه السلام) بأفضل من الرسول (ص).

وتنطوي قصة عرش بلقيس هي الأخرى على أمور هامة لمبحثنا هذا، في تأكيدها على فعلية الولاية، فقد قال الله جلّ وعلا على لسان سليمان(عليه السلام): (قال يا أيها الملؤا أيّكم  يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين¯ قال عفريت من الجن أنا أتيك  به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين¯ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أتيك به قبل أن يرتدّ إليك  طرفك فلما رءاه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غنيٌّ كريم)[271].

فهنا نجد أطرافاً ثلاثة تتجاذب  الحديث حول موضوع محدد وهو جلب عرش بلقيس من اليمن  إلى قصر سليمان(عليه السلام) في بلاد الشام أو بلاد فارس على مفاد بعض الروايات، وهذه الأطراف هي سليمان(عليه السلام) الذي يطالب مجالسيه بأن يأتوه بعرش بلقيس، عد ذلك ينبري عفريت من الجن، وحسب الظاهر كان هذا هو كبير الجن المسخر أمرهم بيد سليمان(عليه السلام) فيقول إنه يأتي بالعرش قبل أن يقوم سليمان من مجلسه هذا، وهذا الأمر رغم ما فيه من إغراء عظيم في الإمكانية، ورغم ما فيه من ضخامة في استعراض القوة، لا يروق لسليمان (عليه السلام)، فيحس بغرضه وزيره  ووصيه(الذي عنده علم الكتاب) هو آصف بن برخياـ كما تشير إلى ذلك الروايات ـ فيعرض استعداده للإتيان به قبل أن تطرف عين سليمان، وربما تشير القدرة  التصويرية الفائقة في تعبير آصف: (أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) على أنه كان يمتلك القدرة على الإستفادة من إمكانات  تفوق إمكانات الزمان والمكان، وإنه إنما جاء بكلمة قبل الظرفية، من أجل تقرب صورة انعدام الزمن لذهن البشري الذي لم يألف انعدام الزمن فتأمل!.[272].

ولو لم تكن لدى ابن برخيا المقدرة الفعلية على الفعل الذي أخبر عن إمكانية النوء به حتى من دون شفعه بالإذن الإلهي الذي استبطنه، لما تعهد بهذا العمل الذي لا يمكن تعقله في الحساب المادي، ومعلمو أي دلالة يمكننا أن نستوحيها من استباق الكلام بكلمة: (أنا آتيك به).

هذا ثالثاً، ولقد لحظنا رابعأً فيما روى الصادقين من آل محمد(عليهم السلام) فيما ذكرنا من روايات أن مجموعها يؤكد على وجود الفعلية في هذا الولاية، ولا يوجد أي مسوّغ شرعي ولا في مقتضيات علم الحديث لرد كل تلكم الأحاديث الشريفة المجمع على صحتها وموثوقية صدروها.

على أن ما ذكره من آيات قرآنية مفسّر بكل ما ذكرنا من قرائن قرانية وروائية وعقلية، فهي وإن نفت علم الغيب عن الرسول وعدم تمكنه من إجابة مقترحات المشركين ، إلا أنها تُحمل ضرورة على نفي الاستقلالية عن الاذن الالهي وهو أمر جوهري في التربية التوحيدية، وواضح أن الآيات لا يمكن حملها على الاطلاق لوجود مقيدات جلية في الآيات التي ذرنا، والتي تشير إلى وجود قدرة التصرف في شؤون الولاية.

يبقى أمامنا شيء وهو أن الولاية إن سيقت بمعنى الإنشائية وليست الفعلية، فلا مندوحة من أنها ستلقينا في متاهات بحث الجبر، فلا يمكن تصور الإنشاء هنا من دون أن تواجهنا مشكلة الجبر في إرادة المعصوم[273]، ومعلوم أن الجبر في الإرادة الإنسانية مرفوض لدينا أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).

 

3ـ لماذا لم يستخدم المعصوم(عليه السلام) الولاية لو كانت لديه؟

أشار نفس صاحب المقال السابق إلى شبهة أخرى، وهي أن المعصوم لو كانت لديه قدرة التصرف بشؤون الولاية التكوينية لاستخدمها في جلب الخير لنفسه ومنع الضرّ عنها، ويساوقه في هذه الشبهة الشبهات التي تتحدث عن أن المعصوم (عليه السلام) لو كان لديه علم  خاص لما تعرّض للأذى والقتل وما إلى ذلك، فبإمكان النبي (ص) أن يدفع عنه أذى قريس وثقيف  والأحزاب، وبإمكان الأئمة(عليهم السلام) أن لا تقع عليم كل هذه المظالم لو كانوا يعلمون مثل هذا العلم الخاص.

ولربما يعود منشأ هذه الشبهة هو أن المنكرين يستصحبون أفهامهم ويقيسون المعصوم (صلوات الله عليه) على هذه الأفهام، ولهذا تجدهم يتساءلون عن المبررات الواقعية لحركة الإمام(عليه السلام) بحيث أنهم إن لم يجدوا مثل هذه المبررات في أذهانهم دعوا إلى إهمالها فها هو محمد حسين فضل الله يقيس بفهمه أقوال الأئمة(عليهم السلام) حتى إذا لم يجد ما يتناسب مع هذا الفهم يدعو إلى إهمال مفادات هذه الأقوال، ففي حديثه عن علم الإمام(عليه السلام) والولاية التكوينية والرجعة والبداء قال: لكن التأمل يفرض عليناـ بالإضافة إلى ذلك أن نجد تفسيراً للمضمون الفكري من حيث انسجامه مع طبيعة الأشياء المتصلة بالمضمون، وذلك كما هو الحديث عن مسألة الولاية التكوينية التي يذهب إليها الكثيرون من علماء الإمامية انطلاقاً من الأحاديث الدالة على ذلك،[274] ومن عدم وجود أية ممانعة عقلية في تجويزها،[275] فقد يبرز سؤال في ذلك عن ضرورتها، ما دامت الرسالة التي أمروا بالحفاظ عليها، كما أمر النبي(ص) بتبليغها لا تفرض ذلك، وما داموا لم يمارسوها في حياتهم بشكل آخر، لا سيما أن النبي(ص) ينفي عن نفسه هذه القدرة فيما حدثنا القرآن عنه في جوابه للمشركين الذي اقترحوا عليه القيام ببعض الأفعال الخارقة للعادة وذلك بقوله:(سبحان رب هل كنت إلا بشراً رسولآً)[276] ما يوحي بأن الرسولية لا تفرض وجو د مثل هذه القدرة في دوره ومهمته.

ويستمر فيقول: وهكذا نجد السؤال يفرض نفسه في الأحاديث التي تدل على أن الله خلق الكون لأجلهم، فإننا لا نستطيع أن نجد له تفسيراً معقولاً حتى على مستوى المضمون في لتصور الفكري، فهل القضية واردة فنطاق التشريف، أو في  نطاق الدور الرسالي، أو في نطاق الهداية أو ما إلى ذلك؟.

إن القضية ليست في الحديث عما هو في الممكن والمستحيل في الجانب التجريدي من حيث الحكم العقلي، بل هي في إيجاد المبررات الواقعية للمضمون على أساس العلاقة بين النبوة أو الإمامة وبين هذه الأمور لا بد ,أن يرد علمه إلى أهله، فإن ذلك يفرض علينا إهماله وعدم  اعتباره من أصول العقائد باعتبار أن العقيدة لا بد أن تمثل وعياً في الفكر وقناعة في الوجدان.[277]

ولا أحسب  أن هذه الشبهات بأقل وهناً من سالفاتها، وحيث أن تلك  الشبهات أظهرت عيأً واضحاً في فهم القرآن، وإعراضاً صريحاً عن سنة المعصوم(ع)، فإذن هذه الشبهة تظهر علاوة على ذلك قصوراً جلياً في فهم المعصوم (عليه السلام).

والجواب عنها يتمحور أولاً في ضرورة تشخيص طابع الضرّاء وطاب السرّاء، فمن الواضح أن الضراء والسرّاء من المفاهيم الاعتبارية، أي إن تفاعلها مع النفس الإنسانية يختلف من شخص لآخر حسب الاعتبار والأهمية التي وليها هذا الشخص أو ذاك لمصداق الضر والخير، فلربما كان البعض ممن يحسب أن كسب المال هو قمة الخير بينما لا يوليه الآخر نفس هذه القيمة، لأن المال لديه ليس بنفس القيمة الموجودة في نفس الأول، بل قد نجد أن البعض قد يعد المال مصداقاً من مصاديق الضر، ولربما كان البعض من سحب أن التعرض إلى البلاء الفلاني هو قمة الضر، فيما بعده البعض الآخر ليس بهذه الصورة من الشر أو قد يحسبه البعض من صور الخير، كما في تعرّض الجبان إلى الموت، وإقدام  المجاهد عليه.

وهذا هو مفاد الآية القرآنية (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم)[278]، وكذا قوله تعالى: (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه كثيراً)[279].

ومثلما يصح هذا الأمر على المصداق في وقت، قد نجد أن الموقف من هذا الأمر على المصداق في وقت، قد نجد أن الموقف من هذا المصداق هو غيره في وقت آخر، كما أشار الإمام  المهدي (عليه السلام) في دعاء الافتتاح: ( ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي).

ولهذا نرى أن الإفهام في موقفه من الخير والضر تبقى متفاوتة، وهو الأمر الذي يعكس حالة المواقف الإرادية المتفاوتة تجاه مسائل الخير والضر، وأسباب ذلك متعددة، منها ما يعود إلى طبيعة العلم بالمفهوم، كأن يعرف الإنسان أن هذا المفهوم يعني له الضر أو غيره، ومنها ما يعود إلى طبيعة الإنسان  وموقفه من المفهوم، يمكن أن يغفل هذا الإنسان عن حقيقة هذا المفهوم، والعكس بالعكس، وعليه فليس في المقدور تشخيص المفهومين إلا بمقدار اقتراب الإنسان من الحقيقة اليقينية، وإدراكه لمقاصد الشارع المقدس في حال ارتباط الموضوع في الأمور الرسالية، ولهذا تجد الإنسان إذا ما وعى شيئاً يقينياً، فإن ردة الفعل الغالبة ستكون واحدة، كما هو الحال لمن عرف أن النار محرقة، عندئذ سنجد هذا الإنسان لن يقترب منها.

من هذا المنطلق نقول إن تشخيص ما نتصوره ضراً قد يكون لدى غيرنا هو الخير بعينه، ولهذا فتصورنا في أن المعصوم (عليه السلام) علم يبحث عن الخير مسألة متوقفة ويغر تامة، لأننا لم ندرك كنه الخير الذي في إدراك  المعصوم، خصوصاً  وأنه لا يدخل في حساباته البعد الذاتي في شخصيته، وإنما ينظر دائماً وأبداً إلى مصالح العهد الرباني الذي بين يديه، وهو لم ينله إلا بعد أن آلى على نفسه أن يتحمل الضر في سبيل مصلحة العقيدة والرسالة الربانية، وهذا ما توضحه الآية الكريمة: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)[280] ومعلوم أن مصالح الشريعة لا تدرك بالضرورة من غير المعصوم(عليه السلام)، ولهذا فإن كان المعصوم يعتبر خدمة الشريعة تفوق في الاعتبار أي ضرر شخصي يتوجه إليه، فإنه سوف يتحمل هذا الضرر بكل رضاً، وما أروع النبي يوسف (عليه السلام) حينما يعبر عن هذا المفهوم بقوله:( قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)[281]، فهو يتحمل ضراء السجن وما يترتب عليه، من أجل خدمة العقيدة والرسالة الموكلة إليه، ولا يتحمل ذلك فحسب، وأنّا يذهب إلى حد حب هذا الضر وطلبه.

ومن قبل يوسف (عليه السلام)، كان لنا قصة ذبح إسماعيل من قبل إبراهيم (عليهما السلام) المشار إليها في الآية الكريمة: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدين إن شاء  الله من الصابرين)[282]، فهنا نجد الأب إبراهيم، والابن إسماعيل (عليهما السلام) في مقام الرضا والتسليم بالضر الظاهري.

وعليه يمكن عندئذ أن ندخل الكثير من موارد التصرف بشؤون الولاية التكوينية في مضمار جلب الخير ودفع الضر، ألا تحسب معي أنّ سليمان حينما جلب عرش بلقيس ضمن مقايس التصرف بالولاية قد جلب الخير لنفسه، مع ملاحظة أن نفسه هنا قد تمازجت مع رسالته بحيث أصبح الاثنين واحداً، وهذا هو مقام الخُلّص من أولياء الله، وهو لمفاد الذي جعل القرآن الكريم يمازج ما بين نفس النبي (ص)  ونفس الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله تعالى في آية المباهلة: (وأنفسنا وأنفسكم)[283].

على أننا ينبغي أن نعي حقيقة أن التفاضل المطروح بين الأولياء، إنما هو في الصبر على البلايا، ولهذا تجد منهم من آثر أمر تحمل العناء على أمر التصرف بشؤون الولاية التكوينية مع قدرته عليه، كما نجد ذلك في قص نوح(عليه السلام)، لذلك أثني عليه وصف بالمحسنين كما توضحه الآية الشريفة:(سلام على نوح في العالمين¯ إنا كذلك نجزي المحسنين)[284]، ووصف المحسنين إنما يمنح لمن يقوم بأداء الحق، فلا يكتفي بالذي عليه من الحق، بل يعمد إلى تنجيز ما هو أكثر منه، ومنهم من لم يتحمل ذلك، فآثر العكس ولم يصبر كما في قصة يونس(عليه السلام)، لذلك عوتب من قبل الله جل وعلأن وهذا ما يفيدنا أن النبي والأئمة  حينما قبلوا بمبدأ استقبال البلاء والضراء فبسبب رغبتهم في التفاضل والتمايز،وقد مر معنا قبل ذلك من روايات صحيحة أن الإمام علي والحسن و الحسين(عليه السلام) لو أرادوا التخلص من الظلم الذي حيق بهم، لدعوا الله ونجّاهم منه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك لطلبهم المنزلة التي يريدونها من الله، والتي لن ينالونا إلا من خلال قبول البلاء والصبر عليه توخياً لمصلحة الشريفة، وحينما لا يتصرفون بالشأن الكوني نصرة لأنفسهم رغم استطاعتهم، إنما يعبّرون عن مدى تسابقهم عن رضوان الله الأكبر، وتفانيهم في ذاته وفي عشقه، وهو أمر لا يتمكن من إدراكه إلا من تذوق حاوة التفاني في ذات الله(عظمت آلاؤه وتقدست أسماؤه)!.

فهاهو إبراهيم(عليه السلام) صاحب معجزة النار التي صارت برداً وسلاماً كما في حديث القرن حتى في أشد الحالات هلعاً وفي الظروف التي يمكن للإنسان أن يتشبّت بكل شيء وإن وهن هذا الشيء تراه وهو في الحالة التي يرمي بها إلى موقد النار العظيم الذي اصطنعه له نمرود، يأتيه مثل جبرئيل (عليه السلام)[285] فيقول له كما يحدث الشيخ الصدوق في صحيحته عن أبيه، عن سعد ابن عبد الله الأشعري، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد أبن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: أخبرني أبي، عن جدي، عن النبي(صلوات الله عليه) عن جبرئيل (عليه السلام) في الهواء وهو يهوي إلى النار، فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟!! فقال: أما إليك فلا!! فيما ظل منشغلاً بمخاطبة الله كما تنص بقية الخبر.[286]

ولربما هذا هو سر الذي جعل الرسول (ص) وآل بيته(عليه السلام) لا يستخدمون قدراتهم الولائية، لأنهم آثروا الصبر والتحمل على ما سواه، خصوصاً إذا ما كان تحمل الضر الدنيوي يقدم خدمات نوعية للرسالة، والتأمل الأولي في مفاد قولي الإمام الحسين(عليه السلام) لأخيه محمد ابن الحنفية(رضوان الله عليه) وهو يودع المدينة خارجاً إلى كربلاء: (شاء الله أن يراني قتيلاً) وعن نسائه: شاء الله أن يراهن سبايا) . . ولعل في هذا كله ما يكشف لنا بعضاً من أسرار قول الرسول الأعظم(ص): ما أوذي نبي مثلما أوذيت، فالذي يتأذى على شيء يتمكن من رفعه إن أراد، غير ذلك الذي يتأذى على أمر لا يستطيع رفه، فلا تغفل!.

ونلفت الإنتباه هنا في الخاتمة إلى أن المعصوم(عليه السلام) حينما يتصرف بالشأن الكوني فليس من أجل مصالحه الشخصية، وإنما من أجل المصالح النوعية التي يتوخاها خدمة لرسالته، وحيث أن هذه المصالح ـ في مقاصدها الكلية ـ لا تدرك من قبل الناس إلا ن خلال تصرّفه (صلوات الله عليه) من خلال إستصحابنا لحالات الضر والخير التي نرقبها في أفهامنا، وإذا كان مثل موسى(عليه السلام) قد حجب عنه العلم الذي كان للخضر (ع) فراح يلاحقه بناء على مقتضيات التشريع الظهرية، أفلدينا قدرة على  الإدعاء بأننا نفهم كل ما عمد إليه الإمام المعصوم(عليه السلام) الذي هو إمام إن قام وإن قعد!! ما لكم كيف  تحكمون؟!!.

ورغم أن الحديث عن هذا الموضوع يقتضي أن يجرنا إلى الحديث عن هوية علم المعصوم(عليه السلام)، إلا أننا سنخصص له بحثا مستقلاً بعون الله.


4ـ علم المعصوم(عليه السلام)

تتبانى مدرسة أهل البيت (عليه السلام) على أن المعصوم(عليه السلام) له علم خاص به، يتميز به على جميع خلق الله، وهذا العلم لا يختص بزمان ولا مكان، بل هو علم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة،[287] ورغم أن موضوع علم المعصوم(عليه اسلام) يحتاج إلى حيز أكبر من هذا الكتاب إلا أن إرتباطه بموضوع البحث جعلنا نفرد هل هذا المقدار المخصص للرد على شبهة المشكك بذلك، تاركين الأمر للأبحاث المتخصصة.[288]

تعتمد غالبية أبحاث الولاية التكوينية[289] نفياً وإثباتاً على الموقف من مسألة علم المعصوم(عليه السلام)، فالذي نفى قال إن المعصوم لا يمتلك علماً خاصاً به كما فعل صاحب الشبهات التي مرّت، والذي قال بالإثبات أكد أن للمعصوم(عليه السلام) علماً خاصاً به لم يتح لأحد غيره، وهذا العلم لا يقتصر على ما ورثه عن غيره، وإنما هو قابل للتجدد، وتجدده غير اكتسابي، وإنما هو إلهامي.

وعلى الرغم من أن صاحب الشبهة لم يأت بدليل إلا ما ذكره من وجود بعض الآيات التي تتحدث عن اختصاص علم الغيب بالله سبحانه  وتعالى،[290] وما أردفه من شبهة استجلاب الخير ونفي الضر، إلا أنه تغافل أو أغفل أن الآيات لم تتحدث عن هذا الاختصاص فحسب، وإنما تحدثت عن وجود استثناءات أيضاً فها هو قوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً¯ إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً)[291]، وهذا الاستثناء الملحوق بكلمة (إلا) يظهر بوضوح أن ثمة مقدارا من علم الغيب ستفيض به الذات الإلهية على من وصف  بأنه رسول مرتضى من قبله جلّ وعلا وهذا المقدار مهما كان حجمه يلغي فكرة الإختصاص الصارم الذي لا يتخلف ولا تفل صرامته، وواضح أن الله جل وعلا إن أرتضى رسول أن فلن يتخلف عن رضائه لرسول الله(ص)، وكل شيء صلح لرسول الله (ص) صلح للإمام (عليه السلام) ، وما دام الأمر كذلك؛ فما المانع في ف أن نقول أن الله جل جلاله أفاض علم غيبه إلى الرسول وما يمثل مقامه الرسالي، لا سيما وأن العديد من الآيات قد تحدثت عن وجود إيحاء إلهي بعلم الغيب لرسوله ما في قوله: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك)[292]، وقوله: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها)[293]، وقوله: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك)[294] كما وتحدثت جملة أخرى من الآيات من إيتاء علم  خاص للنبي ما في وقله عن لوط(عليه السلام): (ولوطاً أتيناه حماً وعلماً)[295]، وقوله عن سليمان وداود(عليه السلام): (ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكماً وعلماً)[296]، وكذا قوله تعالى: (ولقد أتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباد المؤمنين)[297]، وكذا عن موسى(عليه السلام) (ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكماً وعلماً)[298]، ولم يكن الأمر ليتوقف عند النبي فحسب، بل امتد ليشمل من له درجة الولي كما في حديث القران عن الخضر(عليه السلام)[299] (فوجدا عبداً من عبادنا أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً)[300] وكل هذه تتحدث وبوضوح عن وجود جعل إلهي للمعصوم(عليه السلام) يتمثل بإصطفاء علمي له من قبل الله، ومعلوم أن هذه العلوم ليست علوماً بمستطاع البشر العادي أن ينالها، ضمن طرق تحصيل العلم المادية والمتعارفة، وإلا لما قرنت بكلمة(الإيتاء) التي نستوحيه منها معنى الهبة الخاصة والمتميزة.

ولئن كان في حديث صاحب الشبهة عن إنشائية الولاية التكوينية وعدم فعليتها ما يمكن تعميمه على شبهة نفي علم المعصوم(عليه السلام)، فردّه يكون بنفس الرد وبنفس الدليل.

من كل ذلك نجد أن الشبهة في مفادها الأول سالبة بإنتفاء الموضوع، يومكن التخلص من تبعاتها من خلال مفهوم عدم الاستقلالية العلمية ، وكون علم المعصوم (عليه السلام) يأتي في طول العلم الإلهي وهو كل عليه، وليس في عرضه مما يستلزم القول بالاستقلالية.

ولكن ذلك لا يمنع من أن ننساق إلى الحديث عن مواصفات علم المعصوم(ع) الذي تحدثت عنه آيات كثيرة، وفصّلته روايات متواترة ومستفيضة، خصوصاً ,أن هناك أسئلة جدية حول الكثير من الوقائع التاريخية التي تقف من موضوع علم المعصوم(عليه السلام) موقفاً يوحي بالتضاد، وقد التبس أمره على الكثير ممن لديهم مقدار من العلم، فكيف بعامة الناس.

¯¯¯

 

وسنسير في البحث ضمن الحديث عن عدة مقامات  منها:

 

أـ معرفة علم الغيب منزلة روحية:

تفيد العديد من الآيات القرآنية أن التعرف على مقامات علم الغيب هو منزلة روحية يستطيع أن ينالها من لديه قدرة الوصول إلى هذه المنزلة، بمعنى أنها في المقام الأول إكتسابية[301] كما قوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين¯ لترون الجحيم¯ ثم لترونها عين اليقين)[302] فهذه الآية تتحدث عن رؤية الجحيم لو تم اكتساب علم اليقين، وما هو مفروغ عنه أنها ليست من آيات يوم القيامة، ففي يوم القيامة يطلع الجميع كفرة ومسلمين على الجحيم، فليس ثمة حاجة لعلم اليقين عندئذ، وليس أدل على ذلك من مجيء آية (ثم لترونها عين اليقين) بعد ذلك مباشرة لتشير إلى وجود رؤيتين الأولى سببها علم اليقين، وأخرى لا يعلل سببها، وإنما يجعل مشاهدتها شاملة للجميع، لذلك لم يعبر عنها بالعلم، وإنما بالرؤية المحضة، وعليه فلئن لم تكن الآية الشريفة ناظرة إلى يوم القيامة فإنها  حتما ناظرة إلى الدنيا، ومن ثم للتحدث عن إمكانية الإطلاع على أمر من أمور الغيب دون أن تقيده بقيد النبوة أو الإمامة  أو ما إلى ذلك، بل للتحدث عن مفهوم كلي.

هذا وللعلامة الطباطبائي(أعلى الله مقامه) كلام لطف في هذا المقام منه: (الظاهر أن المراد رؤيتها قبل يوم القيامة رؤية البصيرة، وهي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين على ما يشير إليه قوله تعالى: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات  والأرض وليكون من  الموقنين)[303]، وهذه الرؤية قبل يوم القيامة غير محققة لهؤلاء المتلهين، بل ممتنعة في حقهم لامتناع اليقين عليهم، ثم قال عن الآية الأخرى: المراد بعين اليقين نفسه، والمعنى لترونها محض اليقين، وهذه بمشاهدتها يوم القيامة، . . فالمارد بالرؤية الأولى رؤيتها قبل يوم القيامة، والثانية إذا دخلوا).[304]

 ومثل ذلك الكثير من الآيات التي تتحدث عن رؤية الأبصار والأفئدة كما في قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض  لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)[305]  وكذلك قوله:(وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)[306] وفي كلا الآيتين تأكيد على أن ثمة رؤية غير رؤية البصر العادية التي يشترك فيها كل الناس، هي رؤية القلوب ويؤكدها قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى)[307]، ومثل ذلك قوله تعالى: (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)[308].

ولا يحتاج المرء إلى عسير فهم حتى يتبين له إن هذا التأكيد على رؤية البصيرة والفؤاد، إنما تكون بصورة غير مادية، لأنها لو كانت مادية، لاشترك بذلك الكافر والمشرك مع الموحّد والمؤمن على حدّ سواء، ولكن ولأنّ القرآن يعتبر رؤية البصائر ميزة من مزايا التقوى الإلهية العالية كما عبّر في مدحه لإبراهيم وذريته وإسحاق ويعقوب(عليه السلام) في قوله تعالى:(واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار)[309] إذن فإن هذه الرؤية غير مادية، وأن تكون غير مادية فهي ناظرة إلى علم الغيب حتماً.

 

ب ـ الاطلاع على علم الغيب أمر ناجز:

 تلهج العديد من آيات القرآن بأن الاطلاع على الغيب ليس ممكنا  وحسب على مستوى النظرية، وإنما هو أمر سبق وأن ناله العديد من شخصيات  التأريخ من أنبياء وأوصياء وغيرهم، كما يظهر ذلك من قوله تعالى: (كذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) فهنا يتحدث القرآن عن ان الله قد أراه كل ملكوت السماوات والأرض كما يفيد إطلاق الآية، وكما توضحه الروايات الخاصة بتفسير هذه الآية، وكذا ما تفيده قصة الخضر(عليه السلام) مع نبي الله موسى (عليه السلام)، وكذا ما تفيده الآية الكريمة  التي جاءت على لسان نوح (عليه السلام) (وأعلم من الله ما لا تعلمون)[310]، وكذا ما جاء على لسان يعقوب (عليه السلام) (وأعلم من الله مالا تعلمون)[311] ومثل ذلك كثير.

بل لو تأملنا في القرآن لوجدنا انه يتحدث عن أن العلم بالغيب ناله أناس عاديون لم يكونوا بدرجة الأنبياء والرسل والأوصياء، فها هي أم موسى (عليه السلام) تحدث بمستقبل ابنها، وما سيؤول إليه مصيره، من دون أن تقترن عملية الإيحاء بالمهام الرسالية حتى: (وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عيه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)[312].

وان يحصل ذلك مرة فما الضير في حدوثه مرات ومرات؟ ولئن أرى الله جل جلاله بعض عباده جانبا من علم الغيب تُرى أيضاً على من مثل رسول الله (ص) بذلك؟.[313]

ولو تفحصنا في آيات القرآن لرأينا أنها أولت الرسول (ص) مقامات ومشاهد يكون معها أمر علم الغيب من الأمور البسيطة، فالذي يلغ ما بلغ عند سدرة المنته، وبالطريقة التي يتحدث فيها القرآن عنها في سورة النجم: (والنجم إذا هوى¯ ما ضلّ صاحبكم وما غوى¯ وما ينطق عن الهوى¯إن هو إلا وحي يوحى¯علّمه شديد القوى¯ ذو مرة فاستوى¯ وهو بالأفق الأعلى¯ ثم دنا فتدلّى¯ فكان قاب قوسين أو أدنى¯ فأوحى إلى عبده ما أوحى¯ ما كذب الفؤاد ما رأى¯ أفتمارونه على ما يرى¯ ولقد رءاه نزلة أخرى¯ عند سدرة المنتهى¯ عندها جنة المأوى¯ إذ يغشى السدرة ما يغشى¯ ما زاغ البصر وما طغى¯ لقد رأى من آيات ربه الكبرى)[314] أقول: من له هذه المرتبة ترى أيعصى عليه أمر دونها بكثير؟! فما لكمت كيف تحكمون؟.

ج ـ حجية قول المعصوم (عليه السلام) في ذلك

لدينا جمع غفير من الروايات الصحيحة الصادرة عن المعصوم (عليه السلام) ولاتي تجمع على انه له (عليه السلام) علمه الخاص الذي لا ترقى إليه علوم البشر، وان هذا العلم هو ما ورثه من الأنبياء (عليهم السلام)، وما أوحاه إليه روح القدس، وأنه لا يتعلق الماضي فحسيب، بل أنه يزداد في كل لحظة، حسب ما يقتضيه مقام الرسالة، وقبل أن نورد مقتطفات من روايات أهل البيت (عليهم السلام) وهي إننا لو قلنا بأن آدم علم علماً وصفه القرآن الكريم بهذا النص: (وعلم آدم الأسماء كله ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤوني بأسماء هؤلاء إن كنتم هؤلاء إن كنتم صادقين¯ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)[315]، وأن هذا العلم مما لم تطاله نفس الملائكة كما توضح الآية، ثم تفضل الله جلت قدرته بتعليم أنبيائه وصلا إلى نبينا (ص) بعلوم الغيب وما إلى ذلك وبالضرورة التي توضحها العديد من الآيات الكريمة، فهل يا ترى كان ذلك لغاية خدمة أهداف الرسالة أم لأن فإذا كان ذلك من اجل خدمة هذه الأهداف، فهل انتفت حاجة الرسالة إليها بعد الرسول )ص( بحيث أن هذا العلم لم يبق وجوده مبرراً على سطح الأرض فرفعه الله إلى السماء؟‍‍!.[316]

من الواضح أن لا أحد يتجرأ لقول ذلك لأنه قول لا يمكن التدليل عليه أبدا، وحيث أن الثابت اليقيني هو نزول العلم، وان ارتفاعه مما لا يمكن التدليل عليه، بل إن نفس الحاجة التي استدعت نزولهما زالت قائمة حتى بعد رحيل النبي الخاتم (ص)،[317] إذن اصبح من المنطقي القول بأن من خلف رسول الله )ص( هو الذي ورث العلم الإلهي،[318] خصوصا وأننا نجد في قصة الخضر (عليه السلام) ما يجعلنا نرى أن ولياً من أولياء الله مكن من علم لم يمكن منه نبي عصره وهو موسى (عليه السلام) بحيث أن نفس هذا النبي يطلب من الخضر أن يعلمنه كما تشير الآية: (قال له موسى هل اتبعك على أن تعلّمنِ مما عُلمت رشدا)[319]، وهي قصة تجعلنا لا نتأبي أن يعلم الوصي علم النبي، وهذا ما يؤكد صحة ما تواتر على نقله أصحاب الحديث عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام): علمني ألف باب من العلم يتفتح لي من كل باب ألف باب.[320] فتأمل.

وهذا الفهم تؤكده الروايات الصحيحة الكثيرة المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو مفادها أذكر منها ما يلي:

1ـ ففي صحيحة الفضيل فيما رواه محمد بن الحسين، عن احمد بن ممد بن محمد بن أبي نصرن عن حماد عثمان، عنه، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: كانت في علي سنة ألف نبي وقال: أن العلم الذي نزل مع آدم لم يرفع، وما مات علام فذهب علمه، وان العلم ليتوارث، أن الأرض لا تبقى بغير عالم.[321]

2- وعن العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة في صحيحته، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العلم لم يزل مع آدم لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان علي عالم هذه الامة، وانه لن يهلك منّا عالم إلا خلفه من أهله من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله.[322]

3ـ وعن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الحداد[323]، عن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده أبو بصير فقال أبو عبد الله (عليه السلام): عن دواد ورث علم الانبياء، وإن سليمان ورث داود، وإن محمدا (ص) ورث سليمان، وإنا ورثنا محمدا (ص) وإن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى فقال لو بصير: إن هذا لهو العلم، فقال: يا أبا محمد ليس هذا هو العلم[324]، وإنما العلم ما يحدث بالليل والنهار، يوما بيوم وساعة بساعة.[325]

4ـ وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن ثعلبة ، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لولا إنّا نزاد لنفذنا، قال: قلت: تزادون شيئا لا يعلمه رسول الله )ص( قال: أما انه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا.[326]

5ـ وفي موثوقة[327] محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن حماد بن عثمان، عند عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قد ولدني رسول الله (عليه السلام) وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق، وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر المساء وخبر الأرض وخبر الجنة خبر النار، وخبر ما هو كائن اعلم ذلك كأنما انظر إلى كفي أن الله يقول: فيه تبيان كل شيء[328].

6ـ وفي موثوقة[329] محمد بن عيسى، عن الحسين ابن سعيد، عن جعفر بن بشير، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا بصير إنّا أهل بيت أوتينا علم المنايا والبلايا والأنساب والوصايا وفصل الخطاب، عرفنا شيعتنا كعرفان الرجل أهل بيته.[330]

7ـ وفي صحيحة يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: علم رسول الله )ص( عليا (عليه السلام) ألف باب ففتح له من كل باب ألف باب.[331]

8 ـ وفي صحيحة احمد بن محمد، عن الحين بن سعيد، عن فضالة بن ايوب، عن داود بن فرقد، عن الحرث بن المغيرة النصري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك الذي يسأل عنه الإمام وليس عنده فيه شيء من أين يعلمه؟ قال: ينكت في القلب نكتا، أو ينقر في الأذن نقراً.[332]

9ـ وفي صحيحة احمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن الحرث بن المغيرة النصري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما علم عالمكم جملة يقذف في قلبه وينكت في أذنه؟ قال: فقال: وحي كوحي أم موسى.[333]

10ـ وفي صحيحة يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع قال: سمعت ابا الحسن (عليه السلام) يقول: الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون.[334]

11ـ وفي صحيحة احمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن ضريس قال: كنت مع ابي بصير عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال له ابو بصير: بما يعلم عالمكم جعلت فداك قال: يا أبا محمد إن عالمنا لا يعلم الغيب، ولو وَكَلَ[335] الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم، ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة.[336]

12ـ وفي مؤيدة[337] أحمد بن محمد، عن أبي عبد الله البرقي والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحبي، عن بشير الدهان، عن حمران بن أعين، عن جعيد الهمداني قال: سألت علي بن الحسين: بأي حكم تحكمون؟ قال: نحكم بحكم آل داود فإن عيينا شيئا تلقانا به روح القدس.[338]

13ـ وفي صحيحة محمد بن الحسين، عن صفوان ابن يحيى، عن أبي خالد القماط، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أنبياء أنتم؟ قال: لا ـ إلى أن قال ـ: قلت: فبما تحكمون؟ قال: بحكم آل داود فإذا ورد علينا شيء ليس عندنا تلقانا به روح القدس.[339]

14ـ وفي صحيحة احمد بن محمد، عن الحسين ابن سعيد، عن النصر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي الصباح الكناني، عن ابي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان)[340]قال: خلق من خلق الله أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله (ص) يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده.[341]

وفي الباب وغيره من الأحاديث التي مرت عشرات الأحاديث فراجع مظانّها إن رغبت بالزيادة.

 

¯¯¯

 

ولكن ما بال الأخبار المتعارضة؟

ومن الطبيعي بعدئذ أن نواجه هذا الاعتراض، وهو وجود بعض الروايات التي تشير إلى أن الإمام لم يكن لديه العلم الذي تتحدث عنه ما مر من لروايات ومن جملتها رواية الاحتجاج[342] التي ينقلها محمد بن علي بن هلال الكرخي[343]عن الإمام الحجة المنتظر(عليه السلام) والتي يقول فيها: يا محمد بن علي تعالى الله وجل عما يصفون سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في عمله ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه:( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)[344]

وأنا وجميع آبائي من الأولين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد رسول الله و علي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، إلى مبلغ أيامي ومنتهى  عصري عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل:(ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى¯ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً¯ اقل كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)[345] يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه.

فاشهد الله الذي لا إله إلا  هو وكفى به شهيدا، ورسوله محمداً صلى الله عليه وآله، وملائكته وأنبياءه، وأوليائه وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا أني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول: إنا نعلم الغيب، ونشاركه في ملكه، أو يحال محلاً سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدى بنا عمّا قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي.[346]

ومن جملة الروايات التي اعتمدت في هذا المجال هي صدر رواية سدير فيما رواه عند عباد بن سليمان،[347] عن محمد بن سليمان الديلمي، [348] عن أبيه،[349] عن سدير قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير الرقي ف مجلس ابي عبد الله (عليه السلام) إذ خرج إلينا وهو مغضب فلما اخذ مجلسه قال: يا عجباه لأقوام يزعمون إنا نعلم الغيب ما يعلم الغيب إلا الله، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي!![350].. وبقية الخبر يناقض صدره تماما.[351]ولكن اعتاد المعترض ان يذكر ذلك للإستشهاد ينفي العلم الخاص بالمعصوم (عليه السلام) وأمثال ذلك.

وما نلاحظه على هذه الروايات وأمثالها بعد غض النظر عن أسانيدها[352] ما يلي:

أـ إن هذه الروايات ونظائرها ناظرة في الأصل إلى نفي الاستقلالية عن الله، بل إن علومهم (صلوات الله عليهم) هي تابعة عليه تبعية الفرع للأصل، وما تراه في الأحاديث المتواترة عنهم بأنهم يعلمون علم الغيب، إنما يصح مع نفي الاستقلالية، وما من أحد يمكنه القول بأن علمهم (صلوات الله عليهم) في المغيبات ناجم عن استقلالية عن علم الله جلت قدرته، ولهذا فإن قولهم (عليهم السلام) بأنهم لا يعلمون الغيب ليس مطلقا وما يقيد هذا الإطلاق هو أقوال القرآن الكريم المؤكدة لوجود مستثنيات في هذا المجال كما في قوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد¯ إلا من ارتضى من رسول)[353] وهي مقيدة مرة ثانية بما تحدثوا عنه ومارسوه بالفعل بكونهم يعلمون.

ب ـ أن هذه الروايات وما يماثلها إن كانت صحيحة فهي تبقى قليلة قياسا إلى الكثرة المتواترة التي تخالفها، ولهذا فإن هذه الكثرة كاشفة عن أن تلك القلة إما من الصنف الذي ينبغي تأويله كي ينسجم مع تلك الكثرة، وإما من المكذوب عليهم لذا لا ينبغي التوجه إليه.

ج ـ مسألة علم الغيب والأنبياء عن المغيبات مسألة لا تتحملها العقول العامة، وإنما هي مسألة من مسائل خاصة الناس، ولهذا فقد يأتي النفي وهو يتخذ من التقية ستاراً، خصوصا وان البواعث الموضوعية للإلتزام بذلك كانت متوفرة بشكل كبير ودائم، وهذه البواعث ليست بالضرورة تتخذ صفة سياسية، بل لربما تتخذ صفة اتقاء جهل بعض العوام من الذين لا تحمل إفهامهم قدرة النظر إلى هذه الأمور بالطريقة التي ينبغي النظر فيها اليها، فيتجهون إما إلى التكذيب والتشنيع والاتهام، وإما إلى الغلو وكلاهما يتقيهما المعصوم (عليه السلام)، أو تتخذ صفة طائفية فيرتدّ الأمر بصورة سلبية عليهم وعلى عقيدتهم (صلوات الله تعالى عليهم).

دـ ولربما يشار إلى التعارض في بعض الأخبار التي توحي بأن المعصوم (عليه السلام) قل الإخبار بالموضوع كان يسأل عنه مستفهما، وهذه الطائفة من الأخبار إن صحّت ولم يمكن تأوليها لتنسجم مع تلكم الأخبار الكثيرة، فإنها لن تكون في مسائل الرسالة وكل ما يمكن ارتباطه بالقرآن فهما وتأوليا، لأن من المفروغ عنه أن المعصوم (عليه السلام) يعلم بكل شؤون الرسالة وأدق تفصيلاتها، ولهذا فهذه الطائفة من الأخبار تبقى في دائرة الموضوعات الخارجية، وفي العلم بالموضوعات الخارجية تتباين آراء الطائفة المحقة (أعلى الله شأنهم)، فمنهم من لا يشترك ذلك، ولكنه لا يعثر على خبر أو أثر يؤكد عدم التزامه لذا تراه وإن لم يلتزم بها في العنوان الأولي فإنه يلتزم بها في العنوان الثانوي، حيث تفيد الأخبار المؤكدة انهم لم يكونوا يعلمون بها فحسب وإنما كانوا يعلمون بعض أصحابهم عن أحوالها كما هو حال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تعامله مع سلمان الفارسي وميثم التمار ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق وكميل بن زياد النخعي الذين كانوا على إطلاع ببعض علوم الغيب كما في علم المنايا والبلايا والخطوب، ومنهم من اشترط ذلك معتمدا على مثل هذه الأخبار، ونحن نعتقد أن عدم الاشتراط هذا تحوم عليه بالفعل بعض الإثارات الواقعية منها:

أن عدم هذا الاشتراط هو شأن عقلي في خصوص إمامة الدين، فهو مع إمكانه العقلي فلربما أن إمامة الدين لا تحتاج إلى العلم بالموضوعات الخارجية، غير انه لا دليل من الأخبار يدلّ عليه، وهذا الإمكان يضيق بنفسه كثيرا إن نظرنا إلى أن القرآن الكريم قد تحدث عن موضوعات خارجية أو لها نحو مساس بالموضوعات الخارجية، وهم (صلوات الله عليهم) بالنظر لكونهم أمناء على هذا القرآن، فمن الطبيعي أن يعلموا بهذه الموضوع وبكل ما يتعلق بها من تفصيلات ، ويضيق هذا الإمكان أكثر إن قلنا بأن الإمامة إمامة الدنيا أيضاً، ومن الواضح إننا نقول بالإمامتين من دون فصل، وطالما أننا نقول بذلك، فإن الكثير من الموضوعات الخارجية كالشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية وما إلى ذلك تدخل ضمن دائرة ضرورات الإمامة الدنيوية، وما نتحدث عنه من اشتراط عقلي دلّت الأخبار الصحيحة على عدم الالتزام به، وتزداد هذه الدائرة ضيقا إلى حد التلاشي إذا ما أضفنا إلى إمامة الدين والدنيا الإمامة الشهادة في الدنيا والآخرة،[354] والتي تستدعي الشهادة على كل شيء جرى في الحياة الدنيا وهذه الشهادة لن تستوفي من دون وجود علم بكل تفاصيل الحياة لدنيا حتى يمكن معها الشهادة، فتأمل.

ومنها: إن لياقات الإمامة توجب أن يكون الإمام (عليه السلام) عالما بكل ما يجعله متفوقا على غيره، إذ ليس من المناسب أن يكون الإمام (عليه السلام) في مجلس ما ـ مثلاـ وفيه من يفوقه علما في شأن خارجي فيكون الإمام (عليه السلام) كل عليه،ـ في الوقت الذين يفترض أن الإمام (عليه السلام) لا يحتاج إلى أحد غير الله، ولنا في جملة الشواهد المؤكدة ما يرد هذا الأمر، كما في بخوع الأطباء وعلماء الكيمياء والفسلجة والفلك والجبر وما إلى ذلك في زمانهم لعلومهم وهذه بمجموعها من شؤون الموضوعات الخارجية، وحيث انه لا شاهد عليها من أن الإمام (عليه السلام) تلقى هذه العلوم بطرق الكسب الطبيعية، فلن يبقى إلا القول بأنه تلقاه من لدن طرق الغيب.[355]

ومنها: أن الإمام (عليه السلام) لم نسمع منه ما يقيّد مقدار علمه بالغيب، بل لربما تشير بعض الروايات إلى انهم متى ما أرادوا العلم علموا،[356] وأن ما ينفتح عليهم من طرق هذا العلم لكفي في أن يجعل طرق تدارك مثل هذه العلم ميسورة، بل إن ذلك دون ما لديهم من علوم بما لا يمكن المقايسة به.

وهناك ملاحظات أخرى لا يسع المجال لتدوينها ولكن لربما يجمعها جامع هو ما أشارت إليه روايات صحيحة متعددة في شأن أن العلم بالموضوع الخارجي كان متاحا للأئمة (عليهم السلام) كما في الصحيحة التي يرويها محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بنيحيى، عن شعيب (بن أعين الحداد)،[357] عن ضريس ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنما العلم ما حديث بالليل والنهار يوم بيوم وساعة بساعة.[358]وكذا صحيحة احمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن ضريس قال: كنت مع أبي بصير عند أبي جعفر (عليه السلام)  فقال له أبو بصير: بما يعلم عالمكم جعلت فداك؟ قال: يا أبا محمد إن عالمنا لأي علم الغيب، لو وكل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة.[359]

وفي صحيحة محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الحداد، عن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال أبو عبد الله إن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى فقال أبو بصير: إن هذا لهو العلم! فقال: ليس هذا العلم إنما هو الأثرة قال: إنما العلم ما يحدث بالليل والنهار يوم بيوم وساعة بساعة.[360]

وإذا ما كان هذا العلم متاحا فإن الادعاء بخلاف ذلك لا يصح لعدم قيام الدليل عليه على أقل التقادير.

 

لماذا يتجنب المعصوم المخاطر والضر؟

يبقى علينا العودة ولو باختصار إلى ما تشير إليه الوقائع التاريخية من أن المعصوم (عليه السلام) لم يتجنب المخاطر إن كان علم بها مسبقا، الأمر الذي يجعله يقدم على التهلكة في حسب بعض الأفهام.[361]

والجواب عن ذلك وإن كان الحديث عن الشبهة السابقة قد استوفاه، ولكن نضيف إليه ما يقتضي المقام هنا: فقد عرفنا أن علم المعصوم (عليه السلام) من صنفين، صنف هو كعلمنا مع ما يمتازون به من صفاء ونقاء في التفكير، وصنف آخر من جهة علم الملكوت، وهم بهذا العلم يعلمون مستقبل الأمور، وعلم الملكوت فيه حسب الظاهر علم مبرم لا يختلف ، وقسم آخر علم يمكن أن تغير فيه حالات كثيرة كما في حالات البداء وآثار الدعاء والأعمال الصالحة كصلة الرحم والصدقة وما إلى ذلك، فإن كان مستقبل المعصوم (عليه السلام) مرتبطا بالقسم الأول من هذا العلم، فهو يستقبله استقبال التسليم والرضا بقضاء الله، ومن هو أولى منه في التعبد بالآية الشريفة: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)[362] وفي ذلك لدينا روايات كثيرة.

وإن كان مرتبط بالقسم الثاني، فهو علاوة على ما ينبغي أن نذكر به من انه ما من ضرورة تدعو لتطابق معيار السراء والضراء الموجودة لدى المعصوم (عليه السلام) مع معيار غيره من الناس، أقول: مع ذلك هو مخير كما تشير الروايات بين أن يستخدم الأساليب التي تنحو به إلى مجال التنحي عن الضراء، وبين أن يتحمل آثارها صابرا محتسبا طلبا لثواب الله وعطائه[363]، وفي كل الحالات لا يكون تعرّضه للضراء أمرا معيبا طالما أن لديه علم مصالح الشريعة،وهي المصالح التي قد تتحقق بطرق التعرض للبلاء أكثر من غيره، والذي يتأمل أدنى تأمل في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وما تميزت به من تعرض الحسين (عليه السلام) إلى مظلوميات مأساوية شديدة، يدرك بركات الدرس الحسيني في تحمل الضر.

وقد يقال هنا كيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين القضاء المحتوم؟ فإذا كانت صيغة القضاء المحتوم والمبرم قد حددت موته مثلأ، فكيف يقال أن الإمام مخير في انتخاب اجله كما قال ثقة الاسلام الكليني (أعلى الله مقامه)[364]وللجواب عن ذلك هناك عدة اتجاهات ولكن نشير هنا وعلى عجل إلى: أن مسائل القضاء المبرم يمكن تخطيها بمسائل الدعاء وأمثال ذلك، والأمر الآخر الذي يمكن فهم هذه المسألة من خلاله هو أن المعصوم يمكن أن يخير ما بين عدة صور للموت، عندئذ ينتخب الصورة التي تتناسب مع ما يرغب من فضائل وكرامات عند الله، وهذه احدى الأمور التي يتمايز بها الأولياء. والله العالم.

هذا ما أردنا تبيانه في شأن إثبات الولاية التكوينية وكنها حقا طبيعيا للمعصوم  (صلوات الله عليه) فإن كان فها من فائدة للقارئ الكريم في التعرف على أحوال أئمته (عليهم السلام) فإنه أملي، وان كان فيه أمر يحمد فالأمر إليهم (صلوات الله على أنوارهم)، وإن كان العكس ـ والعياذ بالله ـ فعذري أني لست بقاصد غير مرضاة الله وأهل بيت نبيه 0صلوات الله عليهم) والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً.

 

¯¯¯

 

استدراك

لم يكتف البعض بظلم المراجع العظام حتى مال إلى ظلم المرجع المظلوم الإمام الخوئي (قدس الله نفس الزكية) من خلال الكذب عليه وتقويله ما لم يقل، وكان من جملة هذه الأكاذيب هي قوله بأنه لم يكن يؤمن بالولاية التكوينية، وفضحاً لهذه الفرية الشنيعة أورد نص كلامه (رضوان الله تعالى عليه) حيث قال ما نصه:

أما الجهة الأولى[365] فالظاهر انه لا شبهة في ولايتهم على المخلوق بأجمعهم كما يظهر من الأخبار لكونهم واسطة في الإيجاد وبهم الوجود،وهم السبب في الخلق، إذ لولاهم لما خلق الناس لكنهم، وإنما خلقوا لأجلهم وبهم وجودهم وهم الواسطة في الافاضة، بل لهم الولاية التكوينية لما دون الخالق، فهذه الولاية نحو ولاية اله تعالى على الخلق.[366]

هذا وقد طلب مني بعض الأعزة بأن ادرج أقوال العلماء والمراجع في هذا الصدد،[367] فما وجدت في الوقت سعة إلى ذلك.

ــــــــــــــــ

المصادر والمراجع  التي اعتمدنا عليها

1ـ القرآن الكريم.

2ـ الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، المكتبة الثقافية ـ بيروت

3ـ الإحتجاج: للطبرسي، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

4ـ الاختصاص، للشيخ المفيد، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت

5ـ البرهان في علوم القرآن، للزركشي، دار الفكر ـ بيروت.

6ـ بصائر الدرجات، للحسن بن محمد الصفار، مؤسسة الأعلمي ـ طهران.

7ـ بينات الهدى، نشرة عقائدية تصدر في بيروت.

8ـ تأريخ القرآن، د. محمد حسين علي الصغير، الدار العالمية ـ بيروت.

9ـ تفسير الرازي للفخر الرازي دار الفكر ـ بيروت.

10ـ التوحيد للشيخ الصدوق. نشر الحوزة العلمية في قم المقدسة

11ـ جاء الحق دراسة نقدية لشيخ محمد أبو السعود القطيفي، دار زينب ـ بيروت.

12ـ الجامع الأحكام القرآن، للقرطبي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.  13ـ الحوزة العلمية تدين الإنحراف للسيد محمد علي الهاشمي المشهدي.

14ـ الخرائج  والجرائح، للراوندي، مؤسسة النورـ بيروت.

15ـ روح المعاني، للآلوسي، دار الفكر ـ بيروت.

16ـ زاد المسير في علم التفسير، للجوزي، دار الفكر ـ بيروت.

17ـ الصحاح، للجوهري، دار العلم للملايين ـ بيروت.

18ـ قصص الأنبياء للقطب الراوندي، مؤسسة المفيد ـ بيروت.

19ـ الكافي، للكليني، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت.

20ـ لسان العرب، لابن منظور، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

21ـ مصباح الفقاهة في المعاملات؛ أبحاث خارج الإمام الخوئي للميرزا محمد علي التوحيدي ـ دار الهادي ـ بيروت.

22ـ مقتل الحسين(ع) للسيد عبد الرازق المقرّم، دار الثقافة ـ قم المقدسة.

23ـ الميزان في تفسير القرآن، للعلامة الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

24ـ النصر، جريدة كويتية.

25ـ ينابيع المودة، للقندوزي الحنفي، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

 

كتب محمد حسين فضل الله

1ـ الكتب والمقالات:

25ـ الاجتهاد وإمكانيات التجديد في منهج التفكير؛ مجلة المنطلق العدد111.

26ـ أسئلة وردود من القلب حوار أجراه وصاح الحلو.

27ـ الأصالة والتجديد؛ مجلة المنهاج العدد الثاني.

28ـ تأملات إسلامية حول المرأة الطبعة الخامسة ـ دار الملاك ـ بيروت.

29ـ تأملات في آفاق الإمام موسى الكاظم، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت.

30ـ حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع؛ إعداد نجيب نور الدين، دار الملاك بيروت ط1.

31ـ رؤى ومواقف؛ ج1 دار الملاك ـ بيروت ط1.

32ـ صورة النبي محمد في القرآن الكريم؛ مجلة الثقافة الإسلامية العدد 65.

33ـ مع الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد؛ مجلة الفكر الجديد العدد 9؛ دار الإسلام ـ لندن.

34ـ فقه الحياة؛ حوار أجراه أحمد أحمد وعادل القاضي؛ مؤسسة العارف للمطبوعات بيروت ط1.

35ـ في رحاب دعاء كميل دار الملاك ـ بيروت ط1.

36ـ للإنسان والحياة؛ حوار أجراه شفيق الموسوي؛ دار الملاك ـ بيروت ط1.

37ـ من وحي القرآن دار الزهراء ـ بيروت ط1.

38ـ الندوة؛ تنظيم عادل القاضي، دار الملاك ـ بيروت ط1.

 

2ـ الجرائد والمجلات والرسائل

39ـ جريدة فكر وثقافة، تصدرها حوزة المرتضى(دمشق) عدد أعداد.

40ـ جريدة منبر السبت العدد الأول.

 

ب ـ المجلات: (أعداد خاصة عن أفكاره)

41ـ مجلة المرشد(دمشق) العدد 3ـ 4.

42ـ مجلة المعارج الأعداد 28ـ 31.

43ـ مجلة الموسم العدد: 21ـ 22.

 

ج ـ الرسائل:

45ـ رسالته إلى المرجع الديني الكبير الميرزا جواد التبريزي (دام ظله الشريف).

هذا إضافة إلى عدد من التسجيلات الصوتية.

 

المحتويات

فاتحة الكتاب.

مقدمة الطبعة الثانية.

مقدمة الطبعة الأولى.

الإهداء.

تصدير: مقتضيات البحث والحوار العلمي.

الباب الأول: ما هي الولاية التكوينية؟.

الباب الثاني: دلائل ثبوت الولاية التكوينية.

أولاًـ الدليل العقلي.

ثانياًـ الدليل القرآني.

بين يدي الدليل القرآني.

أولاًـ الدليل القرآني في أبعاده الكلية.

ثانياًـ مصاديق الدليل القرآني.

ثالثاًـ دليل الفكر القرآني.

أ ـ الكون أمانة بيد المعصوم.

ب ـ تعلق الوجود على وجود المعصوم.

ج ـ الإنذار والتبشير في عالم الجن.

د ـ تنزل الروح في ليلة القدر.

هـ ـ ما ثبت للمفضول ثبت للفاضل.

و ـ من لديه علم القرآن كله.

ثالثاًـ الدليل الروائي.

الولاية بين الشمول والتقييد.

الباث الثالث: شبهات وردود.

1ـ هل الولاية تعني التفويض؟

2ـ هل الولاية فعلية أم إنشائية؟

3ـ لماذا لم يستخدم المعصوم ولايته؟

4ـ علم المعصوم.

أ ـ معرفة علم الغيب منزلة روحية.

ب ـ الإطلاع على علم الغيب أمر ناجز.

ج ـ حجية قول المعصوم(ع).

ولكن ما بال الأخبار المتعارضة.

لماذا لم يتجنب المعصوم المخاطر؟

استدراك.

المصادر والمراجع.

المحتويات.

 

أبحاث المؤلف

الدراسات والأبحاث المطبوعة

1ـ العالم طبيعته ومصدر (دار التعارف ـ بيروت 1980).

2ـ حيثيات وآفاق القرار السياسي للحرب المفروضة(طهران 1985)

3ـ نشوء القومية في العالم الإسلامي (المعهد الإسلامي ـ لندن 1985).

4ـ القائد القيادة والإنقياد في سيرة أمير المؤمنين(ع) (دار الزهراء ـ بيروتى1990).

5ـ التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية (الدار العالمية ـ بيروت 1990). (ترجم إلى اللغة الفارسية وطبع من قبل مركز نشر رجا ـ طهران).

6ـ اتجاهات الدفاع الاجتماعي في الإسلام (دار البلاغة ـ بيروت 1993).

7ـ دور التقوى في الحركة الاجتماعية ( دار الأعراف للدراسات والنشر ـ بيروت 1993).

  الشهادة وحياة الأمة (دار الأعراف للدراسات والنشر ـ بيروت).(الطبعة الثالثة)

9ـ الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم (ع).(دار الأعراف ـ بيروت).(الطبعة الثانية).

10ـ من عنده علم الكتاب؟ (دار الأعراف للدراسات ـ بيروت).

إضافة إلى العديد من المقالات والدراسات التي نشرت في العديد من المجلات الإسلامية.

 

الدراسات و الأبحاث غير المطبوعة

1ـ الإمامة بحث في الضرورة والمهام.

2ـ العصمة.

3ـ اتجاهات النفوذ البريطاني في العراق.

4ـ الصراع الإجتماعي في الإسلام.

5ـ بحوث في المذهب الاجتماعي في الإسلام.

 6ـ مجتمع المتقين في القرآن.

7ـ المدلول الاجتماعي لحب الدنيا.

8ـ انتظار الفرج ودوره في حياة المسلم.

9ـ سلوكية الأزمة في العمل الإسلامي.

10ـ تعليقة على كتاب إقتصادنا.

11ـ مفتاح الميزان

12ـ تفسير سورة الفاتحة.

13ـ تحت أفياء دعاء كميل.

14ـ في ظلال الديار المقدسة.

15ـ الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس.

16ـ الفقه الإباحي إباحة فقه أم استباحة دين؟.

17ـ التحريفية الجديدة: المعالم والتداعيات.

18ـ عاشوراء في مدرسة أهل البيت(ع).

19ـ دور الوجدان في حركة الأمة (الشعار الحسيني نموذجاً).

 

التحقيقات المطبوعة

1ـ الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي؛ دار الأعراف للدراسات والنشر بيروت؛ 1993.

2ـ الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة؛ للشهيد الأول؛ دار الأعراف للدراسات والنشر ـ بيروت 1993.

  كامل الزيارات لابن قولويه (تحت الطبع) بيروت 1998.

 

التحقيقات غير المطبوعة

1ـ تفسير نور الثقلين للحويزي.

2ـ تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي.

3ـ عدة مجلدات من كتبا بحار الأنوار للعلام المجلسي.

4ـ إثبات الهداة في النصوص والمعجزات للحر العاملي.

5ـ جامع الأخبار للفيض الكاشاني.

6ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للطبري.

7ـ نوادر الراوندي للسيد الراوندي.

 

عنوان المؤلف

يود المؤلف أن يستمع لرأي الأخوة القراء واستفساراتهم وتعليقاتهم، سواء تلك المتعلقة بهذا الكتاب أو بأي كتاب آخر له، أو أي أمر يخطر ببال القارئ ومستعداً للإجابة عن هذه الأسئلة، والإستماع إلى تكلم التعليقات مهما كانت طبيعتها، ولهذا يضع المؤلف عنوانه الحالي تحت إختيار الأخوة الأعزاء:

الجمهورية العربية السورية ـ دمشق ـ منطقة السيدة زينب(ع) ص.ب 625.

 

 

 

 

 

 



[1] - الرعد: 43.

[2] - صدر كتابنا (من عنده علم الكتاب؟) مؤخراً ويستطيع المرء أن يستجلي حقيقة المخالفات الكبرى التي اقترفها المعني بعيداً عن خط أهل البيت (عليهم السلام).

[3] - يمكن الإطلاع على مقدار مهم من هذه المخالفات في كتابنا (الإمامة: بحث في الضرورة المهام) الذي نأمل أن يرى النور عما قريب إن شاء الله، وكذا على مقدار أكبر في الكتاب الموفق لسماحة الأخ الحجة السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه الله تعالى) الموسوم بخلفيات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام، وكذا على كتابينا القادمين: الفقه الإباحي (فقه إباحة أم استباحة دين)، وكذا كتاب التحريفية الجديدة المعالم والتداعيات.

[4] - ينتشر الحديث عن نفي الولاية التكوينية في مواضع عديدة من كتب الرجل وأبحاثه، فعلاوة عن مقال: صورة النبي محمد(ص) في القرآن المنشور في العدد 65 من مجلة الثقافة الإسلامية الصادرة من دمشق، وهناك أيضاً مقال: مع الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد المنشور في مجلة الفكر الجديد الصادر في لندن، العدد التاسع، وكذا في مجلة المعارج الصادرة في دمشق: 28ـ 31. هذا علاوة على العديد من المحاضرات المسجلة صوتياً.

[5] - أقول ذلك لأننا اكتشفنا مؤخراً ـ فيما لدينا من أجزاء كتابه من وحي القرآن ـ أنه لم يذر آية تتعلق بحق أهل البيت عليهم السلام إلا وصرفها عنهم، أو أعمل فيها منطق: (وسعوها تتسع) أي أنه أخرجها من قيدها بخصوص أهل البيت (عليهم السلام) لتشمل غيرهم أيضاً، أو أحال ـ في الواضحات ـ إلى كتب الشيعة والسنة لتراجع، دون أن يبدي أي تعليق على طبيعة الفهم الشيعي جاعلاً الفهمين السني والشيعي في عرض واحد، أو أنه أهمل موضوع علاقة الآية بأهل البيت (عليهم السلام) بشكل مطلق، وهذه الأمور لا تحصل اعتباطاً، أو بشكل غير مقصود، وإنما يحرّكها منهج للتعامل معها، ولربما لو خرج كتابه بأجمعه لرأينا أنه قد فعل ذلك مع جميع هذه الآيات.

[6] - النساء: 59.

[7] - آل عمران: 61.

[8] - الرعد: 43.

[9] - البقرة: 143.

[10] - هود: 17.

[11] - البقرة: 124.

[12] - الأعراف: 46 ـ 48.

[13] - الأعراف: 159.

[14] - آل عمران: 7.

[15] - أنظر مقال: الأصالة والتجديد المنشور في مجلة المنهاج البيروتية/ العدد الثاني.

[16] - أنظر فقه الحياة: 267 ـ 274، ومقال مع الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد المنشور في العدد التاسع من مجلة الفكر الجديدة الصادرة في لندن.

[17] - من وحي القرآن 25: 66 ـ 67.

[18] - مقال مع الشيخ المفيد.

[19] - تأملات إسلامية حول المرأة: 8 ـ9.

[20] - الندوة 1: 422، وكتاب للإنسان والحياة: 257.

[21] - مجلة الموسم: العدد21 ـ 22 ص314 ـ 315.

[22] - من شريط مسجل بصوته نحتفظ به.

[23] - تنتشر هذه الأقوال ومثيلتها على رقعة واسعة من كتبه: من وحي القرآن، والحوار في القرآن، وحركة النبوة في مواجهة الإنحراف، ودنيا الشباب والندوة، وفي العديد من الأشرطة الصوتية التي نحتفظ ببعضها فراجع المواضع المتعلقة بما يسميه أهل التفسير والكلام بهفوات الأنبياء.

[24] - عبس: 1.

[25] - أنظر جميع هذه الأقوال في من وحي القرآن 24: 61 فما بعدها.

[26] - أنظر الندوة 1: 58، ونشرة بينات في عددها: الخامس والثلاثين بتأريخ 30/5/1997.

[27] - أنظر أسئلة وردود من القلب: 63 حواره مع وضاح الحلو واسماعيل الفقيه.

[28] - يعتبر في كتابه للإنسان والحياة ص318 أن إعتراض الصحابة على النبي كان يمثل حالة وعي!!، فإذا كانت هذه الحالة وعي، فمن أعترض عليه يقف في قبالة هذا الوعي، فلا تغفل.

[29] - أنظر في رحاب دعاء كميل: 94، و159، و169، و276.

[30] - هذه الأقوال وغيرها موجودة لدينا بشريط نحتفظ به، ويمكن مراجعة نصوصها في كتاب الحجة الجليل السيد جعفر مرتضى العاملي (نصره الله) مأساة الزهراء (عليها السلام) شبهات وردود ناقلاً إياها عن لسان البعض.

[31] - من شريط نحتفظ به.

[32] - للتمثيل لا على الحصر أنظر: الندوة 1: 312 ـ 313، وحوارات في الفكر والسياسة والإجتماع: 527، والحوار في القرآن: 110، تأملات في آفاق الإمام موسى الكاظم: 12، ومجلة الموسم: 309 ـ 310، وعشرات المواقع الأخرى.

[33] - من وحي القرآن 5: 14، والموسم: 303.

[34] - الزيارات والأدعية التي كذب بها أو انتقدها كلا أو جزءاً، كثيرة منها: زيارة عاشوراء، زيارة الأربعين، الزيارة الجامعة، زيارة الناحية، دعاء التوسل، دعاء الندبة، دعاء الفرج..

[35] - أنظر تأملات في آفاق الإمام موسى الكاظم: 11.

[36] - مجلة الموسم العدد 21 ـ 22: 299، و74.

[37] - الطريف أن عقيب انتشار مجلة المعارج هذه عمد إلى طباعة صورته بعشرات الآلاف من النسخ، فصورة الإمام الخميني (قدس الله نفسه الزكية) تثير شعور الصنمية أما صورته فلا!! ولربك في خلقه شؤون!!.

[38] - مجلة المعارج العدد 28 ـ 31 فصل: فضل الله ووعي السيرة النبوية: 624 ـ 625.

[39] - جريدة منبر السبت العدد الأول، ورؤى ومواقف 1: 138.

[40] - من شريط نحتفظ به بصوته.

[41] - من شريط نحتفظ به بصوته.

[42] - من الناحية الموضوعية فإن ميزان الفقاهة لدى الإمامية (أعلى الله شأنهم) ميزان دقيق لا يتسامحون فيه، ويقوم إما على شهادة خبير كشهادة الاستاذ لتلميذه، أو شهادة مالكي الخبرة العلمية للمعني من خلال البحث والامتحان وما إلى ذلك، وإما على ما تفيده أبحاثه العلمية فيشهد لها أهل الخبرة من حيث المتانة والدقة في التفاعل مع أدلة الأحكام وما يشبهها، وكلا الأمرين يكذّبان الرجل، فلا هو ما حاز على أي شهادة تثبت ذلك، بل على العكس كل شهادات المراجع الأعلام تقف على خلاف ذلك حيث لا يجوزون العمل بفتاواه، وآخر هذه الشهادات شهادة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني ـ على ما أصدره مكتبه في قم المقدسة ـ بعد شهادات الآيات العظام والمراجع الكبار الشيخ الوحيد الخراساني والشيخ الميرزا جواد التبريزي النجفي والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ الميرزا علي الغروي والشيخ محمد تقي بهجت والشيخ بشير النجفي الباكستاني والسيد محمد الصدر والسيد مهدي المرعشي النجفي والسيد الشاهرودي النجفي والسيد علي البهشتي وغيرهم ممن لا يسع المجال لاستعراضهم.

ولا هو من حاز على شهادة خبير واحد ممن يصح عليه مفهوم أهل الخبرة، ومن شهد له في القائمة التي أصدرها مكتبه مراراً لا يصدق عليهم هذا الوصف باي شكل من الأشكال فهم إما من لا عهد له بفقه فضلاً عن خبرته، وإما حزبيون مقدوحة شهادتهم أصلاً، يجرّون النار إلى قراصهم، وإما لا معرفة لهم بعقائده وحاضره، فحملوا الأمر على صورة تأريخه الظاهر دون دراية بما طرحه من عقائد وفقه وأفكار وما يتعلق بكل توجهاته العقائدية التي بان بعضها مؤخراً!.

وأما أبحاثه الفقهية، فأنا أقول بضرس قاطع أن الكثير من العلماء كانوا قبل هذه الأبحاث يظنون أن له نصيب من الفضل في هذا المجال، ولكن هذا الظن سرعان ما رحل ليحل اليقين بدلا عنه بما عبّر عنه أحدهم بأن أبحاثه المنشورة وفتاواه تصلح أن تسمى بالكارثة الفقهية أكثر من تسميتها بأي شيء آخر، وقد فصّلنا هذا الأمر في بحثنا: (الفقه الإباحي: إباحة فقه أم إستباحة دين) نأمل أن يرى النور عما قريب.

وإنما قلت في بدء هذا الكلام: من الناحية الموضوعية لكي أخرج ضابطة الإيمان والعدالة وما إليها من شرائط الفقاهة، وفيهما من الحديث ما يفجع القلب!.

[43] - فرار عثمان من معركة أُحد، أحد مصاديق هذا المثل: (ذهب بها عريضة) على لسان المؤرخين حيث كان قد بلغ في فراره من المعركة أنه وصل إلى بيته في المدينة واختبأ فيه!!.

[44] - أنظر مقالة: المنهج الإستدلالي عند محمد حسين فضل الله المنشور في مجلة المرشد العدد 3 ـ 4 في الصفحات 244 ـ 245.

[45] - أنظر في ذلك تأملات في افاق الإمام موسى الكاظم: 43، وكذا أنظر: الاجتهاد وإمكانيات التجديد في منهج التفكير المنشور في العدد: 111 من مجلة المنطلق: 77 ـ 79.

[46] - متأثراً بذلك على ما يبدو أو مشتركا بالفهم مع كتابات المصري نصر حامد أبو زيد سيما إشكاليات القراءة وآليات التأويل، وكذا النص السلطة الحقيقة، والليبي الصادق النيهوم في كتابه إسلام بلا إسلام، وكذا السوري محمد شحرور في كتبه الثلاثة لاسيما الكتاب والقرآن قراءة معصرة ويلوح لي تأثره أيضا بكتابات اللبناني على حرب في هذا المجال، والله العالم.

[47] - أنظر النص والتأويل وآفاق حركة الإجتهاد المنشور في مجلة المعارج 28 ـ 31 ص259 وانظر مقالة وجيه قانصوه: جدلية النص والواقع المنشورة في فضل فضل الله وآمال المرجعية المؤسسة في نفس العدد ص119 ـ 120.

[48] - وهي الحقائق التي وصفها في مقالة الأصالة والتجديد [مجلة المنهاج: العدد الثاني] بأنها ما تسالم عليها جميع المسلمين بحيث لا تقبل المناقشة ثم عدد مصاديق ذلك ليشمل أصول الدين لدى العامة وفروعه، على عكس تلك الأمور التي لم ترق إلى درجة الحقيقة بإعتبار أنها ما زالت خاضعة للنقاش سلباً وإيجاباً، وذكر الأمور الخاصة بعقائد الإمامية وفروع الدين لديهم، معتبراً أن الصنف الأول هو المقدّس وما سواه بأنه غير مقدس، دون أن ينسى تقديم نصيحته لنا بعدم تضليل وتكفير من لا يؤمن بمقدساتنا!.

[49] - يلحظ اختصاص الحديث بكلام الله ورسوله(ص) دون الأئمة (عليهم السلام).

[50] - حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع: 480 الطبعة الأولى بيروت ـ دار الملاك.

[51] - وهو نفس الأمر الذي أشار إليه الحجة الشيخ جعفر السبحاني في رسالته للرجل المؤرخة في 20/شعبان المعظم/ 1417 هـ وذلك في معرض إدانته المهذبة لمنهجه في نبش الكثير من الأفكار المتسالم عليها عند الطائفة مقترحاً عليه أن يبحث في العديد من المسائل المهمة التي تشغل بال المفكر الإسلامي. (أنظر نص الرسالة في كتاب: الحوزة العلمية تدين الإنحراف: 138).

وقد أجاب على رسالته بالكثير من إدعاء التنكر لهذا المنهج وأنه يسير بالفعل بإتجاه معالجة المشاكل التي يشير إليها الشيخ السبحاني، ولكن إطلالة صغيرة على المجموعة الفكرية الضخمة التي شكلت تصوراته العقيدية والوجدانية والمسلكية عن المذهب وخاصة المنهجية منها، والتي يخالف فيها المذهب جملة وتفصيلاً، ومقارنتها بقراءة متأنية وواعية لما أضافه إلى عالم الفكر، لوجد أن جعبته في الأولى ملأى، وكأنها هي الشغل الشاغل له، فيما تجد أن جعبته في الثانية خاوية على عروشها، اللهم إلا من بعض الشعارات التي أطلقها هنا وهناك، دون أن تشكل أي مضمون في حقل المعالجات الجادة، بل حتى في عالم الإثارات الفكرية، ولعل إطلالة صغيرة على كتاب: خلفيات كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام) وسائر الكتب التي عالجت أفكاره تكشف لنا أي لغة تجديدية يحملها الرجل، وهل أنه كان حائراً في الجديد، أم أنه كان مولعاً بالقديم من أجل طرح ما هو أقدم منه، وأكثر حيرة!!.

[52] - هذه الأقوال بمجموعها وردت في كتابه للإنسان والحياة: 195.

[53] - لا ينبغي الظن بأن الفكر كان من العظمة بحيث أنه استقطب كل هذا الحشد الذي نتحدث عنه، فلا شيء من ذلك بالمرّة، وإنما بسبب كون هذا الرجل ينطق بالأفكار المغايرة لعقيدة أهل البيت بعنوانها عقيدتهم عليهم السلام، مستعينا بزيه وبسمعته التاريخية الظاهرية، ويستخدم لذلك الطاقات المغرر بها من المؤمنين الذين لم يمكنهم وعيهم من إدراك حقيقة أفكار الرجل وطبيعة ما أوغل به بعيداً عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

[54] - في تكذيب هذه الإتهامات الرخيصة وردّها يراجع العدد الثاني والثالث من نشرة بينات الهدى.

[55] - أنظر نصوص الفتاوى في كتاب الحوزة العلمية تدين الإنحراف: 146 ـ149.

[56] - كسليمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي وأبي ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان وأبو الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر ومالك الأشتر وقيس بن سعد بن عبادة وكميل بن زياد النخعي وعباية بن ربعي والأصبغ بن نباتة وعبد الله بن عباس وهاشم المرقال وميثم التمار ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق وضرار بن ضمرة، وصعصعة بن صوحان، ومالك الأشتر النخعي والحارث الأعور الهمداني ومحمد بن أبي بكر وجابر بن عبد الله الأنصاري وعدي بن حاتم الطائي ومحمد بن الحنفية وأبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني وحجر بن عدي وسليم بن قيس العامري في عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقسم من هؤلاء إضافة إلى سليمان بن صرد الخزاعي ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، والعباس بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وإبراهيم بن مالك، وسليم بن قيس الهلالي، والطرماح بن عدي بن حاتم وأبي الأسود الدؤلي والمنهال بن عمرو الأسدي، في عهد الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام)، وبعض هؤلاء وأبان بن تغلب وأبي حمزة الثمالي وثوير بن أبي فاختة والحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وزيد بن علي بن الحسين، وزيد بن الحسن بن علي أبن أبي طالب، وصهيب وابنه حكيم وحفيده سدير بن حكيم الصيرفي، وسعيد بن جبير وسعد بن طريف المعروف بالإسكاف، وسلام بن المستنير وأبي خالد الكابلي ومعروف ابن خربوذ المكي وعمران بن ميثم التمار، في عهد الإمام زين العابدين عليه السلام، وبعض هؤلاء وأبي الصباح الكناني وإبراهيم بن عمر اليماني، وإسماعيل بن جابر الخثعمي وبكير بن أعين، وبريد بن معاوية العجلي وجابر بن يزيد الجعفي والحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي وحمران بن أعين وأخيه زرارة وأخوته عيسى وعبد الرحمن وعبد الملك وعبد الجبار وحمزة بن محمد الطيار وخيثمة الجعفي وابي عبيدة الحذاء وصالح بن عقبة وعبد الله بن بكير وعبد الله بن عجلان وعبد الحميد بن عواض الطائي وأبي بصير ليث المرادي وعبد الله بن غالب الأسدي والفضيل بن يسار وكليب بن معاوية الأسدي والكميت بن زيد الأسدي وعلقمة بن محمد الحضرمي ومحمد بن مسلم الثقفي ويعقوب بن شعيب بن ميثم وإخوته وأيوب بن الحر في عهد الإمام الباقر (عليه السلام)، وبعض هؤلاء وغيرهم كإسماعيل بن جعفر بن محمد (عليه السلام) وأخوته إسحاق وعلي وإسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي والسيد الحميري وإسماعيل بن محمد وإسحاق بن عمار الصيرفي وإخوانه يونس ويوسف وقيس وإسماعيل وإسحاق بن شعيب بن ميثم وإسحاق بن عبد الله الأشعري القمي وإسحاق بن عبد العزيز المعروف بأبي السفاتج وأبان بن عثمان وبشير الدهان وبكر ابن محمد الأزدي وثعلبة بن ميمون وجميل بن دراج والحسين بن ثوير ابن فاختة والحسين بن المختار وأخيه الحسن والحسين بن أبي العلاء وحماد بن عيسى الجهني وحماد بن عثمان وحفص بن غياث والحارث بن المغيرة النصري وحديد بن حكيم وإخوته مرازم ومحمد، والحسين والحسن وعبيد ورومي ويحيى أولاد زرارة بن أعين وخالد القلانسي وخالد بن سعيد القماط وداود بن فرقد والربيع بن محمد المسلي وسليمان بن مهران الأعمش وسنان وابنه عبد الله وسماعة بن مهران وسيف بن عميرة النخعي وشعيب بن يعقوب العقرقوفي وشهاب بن عبد ربه وأخيه عبد الخالق وأبيهم عبد ربه بن أبي ميمون وصفوان بن مهران الجمال وضريس بن عبد الملك الشيباني وعبد الله بن أبي يعفور وعبد الله بن الوليد وعبد الله بن بكير وعبد الله بن ميمون القداح وعبد الله بن جندب وعبد الله بن غالب الأسدي الشاعر وعبيد الله بن موسى العبسي وعبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحيم القصير وعبد الصمد بن بشير وعبد الأعلى بن أعين وعلي بن أبي المغيرة والعلا بن رزين وعقبة بن خالد وعنبسة العابد وعاصم بن حميد والعيص بن القاسم البجلي وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن شريك العامري وعبد الرزاق بن همام والفضل بن عبد الملك والفضيل بن عياض الزاهد والفيض بن المختار الجعفي وفطر بن خليفة والقاسم بن بريد العجلي والقاسم بن محمد الجوهري ومحمد بن الحسن بن أبي سارة ومحمد بن سنان ومحمد بن الفضيل بن غزوان، ومحمد بن قيس الأسدي الكوفي ومحمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن الطاق وموسى بن بكر الواسطي ومالك بن عطية البجلي ومعاوية بن عمار البجلي الدهني ومعاوية بن وهب والمعلى بن خنيس المدني والمثنى بن القاسم الحضرمي ومنصور بن حازم البجلي ومسعدة بن زياد والمفضل بن عمرو الجعفي ومعمر بن راشد وميسر بن عبد العزيز ونوح بن دراج وهارون بن خارجة وهشام بن سالم الجواليقي وهشام بن الحكم الكندي ويونس بن يعقوب بن قيس في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) وبعض هؤلاء وغيرهم كإسحاق بن محمد وإبراهيم بن عبد الحميد وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي  وثعلبة بن ميمون وجميل بن دراج وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وحنان بن سدير والحسن بن محبوب والحسن بن الجهم الشيباني والحسين بن خالد والحسن بن محمد بن سماعة وداود بن كثير الرقي وداود بن فرقد وزرعة بن محمد الحضرمي وسليمان بن جعفر الجعفري وصفوان بن يحيى وعمر بن يزيد وعمر بن أذينة وعبد الكريم بن عتبة الهاشمي وعمار بن موسى الساباطي وعلي بن يقطين وعبد الله بن جندب البجلي وعبد الله بن المغيرة وعبد الله بن جبلة وعلي بن الحسن الطاطري وفضالة بن أيوب الأزدي ومحمد بن أبي عمير ومحمد بن عذافر ومحمد بن يونس ومحمد بن اسماعيل بن بزيع وموسى بن سعدان الحناط والنضر بن سويد ويحيى بن عمران الحلبي ويونس بن عبد الرحمن في عهد الإمام الكاظم (عليه السلام)، وبعض هؤلاء وغيرهم كأحمد بن محمد بن عيسى الاشعري القمي واحمد بن عامر بن سليمان الطائي وادريس بن عيسى الاشعري القمي وابراهيم بن ابي محمود واسماعيل بن سعد الأحوص الاشعري القمي واسماعيل بن مهران السكوني واحمد بن عمر الحلّال وابراهيم بن ابي البلاد وأيوب بن نوح بن دراج واسحاق بن محمد الحضيني وابراهيم بن هاشم القمي وابراهيم بن محمد الهمداني وجعفر بن محمد بن عيسى اليقطيني وأخيه محمد وجعفر بن بشير الوشاء البجلي والحسن بن علي بن فضال والحسن بن سعيد الأهوازي وأخيه الحسين والحسن بن علي الخزاز الوشاء والحسن بن علي بن يقطين وأخيه الحسين والحسين بن عمر بن يزيد والحسين بن يسار المدائني والحسين بن يزيد النخعي النوفلي وحمدان بن سليمان النيسابوري وداود بن القاسم الجعفري ودعبل بن علي الخزاعي الشاعر والريان بن الصلت وزكريا بن عبد الصمد القمي وسليمان بن جعفر الجعفري وسعد بن سعد الأحوص الأشعري القمي سعيد بن سعيد القمي وعبد الله بن المغيرة وعلي بن سويد وعبد العزيز بن المهتدي وعبد الله بن الصلت التيمي وعبد السلام بن الصلت الهروي وعبد الله بن محمد الحجال وعمران بن محمد بن عمران وعلي بن مهزيار وعلي بن حديد وعلي بن يحيى بن الحسن وعلي بن المسيب وعلي بن الحكم وأخيه جعفر وعلي بن سيف بن عميرة والعباس بن موسى النخاس والعباس بن معروف وعلي بن النعمان وعلي بن إسماعيل بن شعيب الميثمي وعبيس بن هشام الناشري الأسدي وعبد الرحمن بن أبي نجران ومحمد بن الفضل الأزدي ومحمد بن خالد البرقي ومحمد بن الفرج الرخجي ومحمد بن عبد الحميد العطار ومحمد بن عبد الله الأشعري القمي وموسى بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي ومحمد بن أورمة ويعقوب بن يزيد بن حماد الأنباري الكاتب ويعقوب بن يقطين في عهد الإمام الرضا(عليه السلام)، وبعض هؤلاء وغيرهم كاسحاق بن إبراهيم الحضيني وأحمد بن محمد بن خالد البرقي وأحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي وأحمد بن حماد المحمودي وإبراهيم بن مهزيار وأخيه داود وجعفر بن محمد بن يونس الأحول والحسين بن أسد والحسن بن راشد وشاذان بن الخليل والد الفضل وعلي بن بلال وموسى بن عمر بن بزيع والمختار بن زياد العبدي ومحمد بن عبد الجبار ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات ومحمد بن الحسن الواسطي ونوح بن شعيب البغدادي وأبو الحسين بن الحصين الحضيني في عهد الإمام الجواد (عليه السلام)، وبعض هؤلاء وغيرهم كأحمد بن حمزة بن اليسع القمي وأحمد بن محمد بن عيسى القمي وإبراهيم بن إسحاق واحمد بن إسحاق الرازي والحسين بن مالك القمي ورجاء العبرتائي وصالح بن محمد الهمداني وعبد العظيم بن عبد الله الحسني وعلي بن الحسين الهمداني وعلي بن جعفر وعبد الله بن جعفر الحميري وعلي بن الحسن بن فضال وعلي بن محمد بن زياد الصيمري وعلي بن الريان وعثمان بن سعيد العمري والفضل بن شاذان ومحمد بن الحسن الصفار ومحمد بن سعيد بن كلثوم المروزي ومحمد بن علي بن مهزيار ومحمد بن مروان الجلاب ومحمد بن الريان بن الصلت والنضر بن محمد الهمداني في عهد الإمام الهادي (عليه السلام)، وبعض هؤلاء وغيرهم من أمثال إسحاق بن إسماعيل النيسابوري واحمد بن إدريس القمي المعلم وجعفر بن سهيل والحسين بن اشكيب المروزي والحسن بن موسلا الخشاب والحسن بن علي بن النعمان والحسين بن الحسن بن أبان والسندي بن الربيع وسعد بن عبد الله الأشعري والعمركي بن علي البوفكي ومحمد بن علي بن بلال ومحمد بن إبراهيم بن مهزيار ومحمد بن أحمد القمي الجعفري ومحمد بن صالح بن محمد وهارون بن مسلم في عهد الإمام العسكري (عليه السلام)، والآلاف من غيرهم ممن لم يسع المجال لذكره ضمن هذا الاختصار بما فيهم العشرات من أولاد الأئمة (عليه السلام)، من بعدهم المئات ممن عاصر الإمام المهدي (صلوات الله عليه) سيما النواب الأربعة، ومن بعده المئات ممن تتلمذ على يد أصحاب الأئمة (عليه السلام) بشكل مباشر أو ما يقرب منه : احمد بن إبراهيم وأخيه محمد المعروف بعلان الكليني ، وإبراهيم بن محمد الختلي وأحمد بن عيسى بن جعفر العلوي العمري وإبارهيم بن نصير وأحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة وابنه محمد وأحمد بن محمد الزراري وأحمد بن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري وأحمد بن إبراهيم بن أحمد العمي وأحمد بن محمد بن عياش وأحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر وإبراهيم بن محمد الثقفي وأحمد بن أبي زاهر وأحمد بن عبد الله بن مهران وأحمد بن إبراهيم الجلودي وأحمد بن على الفايدي وأحمد بن محمد بن نوح السيرافي وأحمد بن على المعروف بالنجاشي وأحمد بن يحيى المكنى بأبي النصر وجعفر بن علي بن أحمد القمي الرازي وجعفر بن محمد بن مالك وجعفر بن محمد بن أيوب وجعفر بن محمد بن قولويه وأولاده علي ومحمد وجعفر بن محمد بن مسعود العياشي وأبيه محمد بن مسعود العياشي وجعفر بن محمد الدوريستي والحسن بن موسى النوبختي والحسن بن علي الخياط الرازي  وحيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي وحمدويه بن نصير وحميد بن زياد والحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق ووالده وأخيه محمد والحسين بن الحسن بن محمد بن موسى بن بابويه  والحسين بن عبد الله الغضائري وابنه أحمد وعلي بن أحمد بن علي الخزاز وعبد لله بن أحمد بن نهيك وعلي بن محمد بن الزبير وعبد العزيز بن عبد الله بن يونس الموصلي وعلي بن حاتم  بن أبي حاتم القزويني وعلي بن الحسين السعد آبادي وعلي بن الحسين الموسوي الملقب بالشريف المرتضى وأخيه الشريف الرضي وعبد العزيز بن يحيى الجلودي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن علي بن يحيى بن ماجيلويه القمي ومحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري ومحمد بن علي بن محبوب ومحمد بن همام البغدادي ومحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار ومحمد بن يعقوب المعروف بالكليني  ومحمد بن نصير الكشي ومحمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي ومحمد بن محمد بن الأشعث الكوفي ومحمد بن أحمد بن عبد الله الصفواني ومحمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد ومحمد بن جرير بن رستم الطبري ومحمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي وهارون بن موسى التلعكبري وغير هؤلاء من الآلاف من العلماء الذي يتبعونهم بما فيهم أساطينهم كابن إدريس والمحقق الكراكجي  وابن شهراشوب وعلي بن عيسى الاربلي وابن فهد الحلي والسيد ابن طاووس والعلامة الحلي  والمحقق الحلي والخواجة نصير الدين الطوسي.

[57] - انظر الندوة 1: 539.

[58] - أنظر في هذا المجال المحاولات الفكرية لمحمد عابد الجابري، ومحمد أركون، وحسن حنفي، وبرهان غليون، ونصر حامد أبو زيد . . وغيرهم.

[59] - أنظر محاولات طيب تيزيني، وعزيز العظمة، وهادي العلوي، وصادق جلال العظم . . وغيرهم.

[60] - بغض النظر عن حجم هذا التمثيل وصدقيته، ومدى إفصاح هذه الفاعليات عن حقيقة التمثيل الإسلامي.

[61] - أنظر ما لفقه ـ مؤخراً ـ أحمد الكاتب (عبد الرسول اللاري) في منشوراته حول الإمام المهدي سيما في كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي، وما نشره في نشرته المدعاة بالشورى، وكذا ما نشر من تزييف وتجديف من قبل أياد الركابي في الكتابين المنسوبين له تحت اسم نقد العقل الإسلامي وعلم الإمام المستل من الكتاب الأول، ومقدمة في التصحيح والإصلاح الديني!!!.

وكذا ما تضمنه كتاب سيرة النبي وأهل بيته المنشور من قبل دار البلاغ من تزييف للوعي العقائدي وللحقائق التاريخية المرتبطة بعقائد أهل البيت (عليه السلام).

[62] - انظر محمد حسين فضل الله في مقالته صورة النبي محمد(ص) في القرآن، مجلة الثقافة الإسلامية (دمشق)، العدد: 65 (1416هـ ـ 1996م) ، ص71 ـ 72. وكذا ما أشار إليه في محاضرة مسجلة بصوته أحتفظ بها.

[63] - في ضمن عرضه لفهم ساذج لحقائق الإمامة  ذكر أحد المعارضين تبعا لأستاذه في درس حوزوي ألقاه أمام النساء في دمشق في معرض رده لمقولة الولاية التكوينية أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن لديه ولاية تكوينية لأنه لو كان يمتلك مثل هذه الولاية فما له لم يناول الطفل الرضيع بضع قطرات من الماء؟ فقالت له إحدى الطالبات: أعتقد أن الله جلّ جلاله ليس لديه ولاية تكوينية أو ليس لديه رحمة، لأنه ـ وحسب افتراضك ـ أولى من الإمام الحسين  بذلك ومأساة الطفل الرضيع تتم على شهادة منه، فما له لم يسق الرضيع حاجته من الماء!! بل ماله لم يخلص الإمام الحسين من القتل!!.

[64] - ألقيت في مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام) في دمشق تحت عنوان التحديات المعاصرة لعقيدة أهل البيت(عليهم السلام) في عام 1417هـ ـ 1996م. وقد كان بحث الولاية التكوينية قد تصدّر هذه المحاضرات تلاه بحث العصمة ثم القضاء والقدر ثم الشفاعة.

[65] - نحتفظ بها مسجلة بصوته.

[66] -  سنتحدث عن تفصيلات ذلك في بحثنا عن العصمة إن شاء الله.

[67] - وذلك للتطور البديهي في عملية التشكيك، فهي تنطلق تشكيكا، ولكنها غن وجدت في نفسها قدرة المتابعة، أصبحت معارضة، فمن حيث الواقع أودت المواجهات الفكرية والاجتماعية وما استتبعت من مقام المرجعية الديني  العليا من إصدار حكمها بتصنيف داعية التشكيك ومن يتبعه بعنوان الضلال والإضلال وبكونه خارج المذهب الشريف.

[68] - كأن تكون مطلعة على تفاصيل الرأي الآخر، ومعزرة بفهم يعينها على إدراك حقيقة ما يطرح عليها، وما هي حقيقة الملابسات التي تحيط بالموضوع المطروح، ولديها من الوعي الإجتماعي والسياسي بحيث تعي الخلفية التي تنبثق منها هذه الموضوعات، والمعطى الذي سيترتب على ذلك في الساحتين الاجتماعية والسياسية، لا سيما وأن الساحة الإسلامية بشكل عام والشيعية منها بشكل خاص لم تعد معزولة عن الحركتين السياسية والاجتماعية، بل على العكس قد نجدها في الكثير من الأحيان على مساس مباشر مع أحداث الساحتين، ولهذا ليس من السهولة بمكان أن تمر عملية إحداث التغييرات ذات الطبيعة المريبة دون أن تجابه بالنقد والتفحص الكافيين.

[69] - أغلب هؤلاء قد يكتفي بتقرير عن الفكرة المطروحة من حيث القبول بها أو عدمه ولا يطلب الدليل عليها، لا سيّما إذا كان المتحدث له صفة رجل الدين أو الفكر.

[70] - لا أعرف لم لا يتم مساءلة هذه الجهة عن منابع امبراطورية المال التي يتربعون عليها!!.

[71] -  من الطريف جداً هؤلاء الذين جابهوا فكر الأمة بأفكار تشكيكية راح يكيل التهم العجيبة لمن ينتقده فتراه مرة يقول: أن 99 , 99 بالمائة من الكلمات التي تقال ضده هي بتعبيره (كذب وافتراء وبهتان)، وأخرى يدعو أنصاره لحساب منتقديه على مخلفات قمة شرم الشيخ المشبوهة والاستكبار العالمي والموساد والمخابرات الأمريكية، وثالثة تراه يوزع إتهامات عدم الورع والتقوى وعدم التثبت والحسد والغوغائية والجهل وعدم الفهم وعدم امتلاك الثقافة، ووجود عقد في أنفسهم، وما إلى ذلك!!

والأكثر من ذلك طرافة أنه بعد أن يكيل مثل هذه الاتهامات يشفعها بالدعوة للحوار!!، وإن عشت أراك الدهر عجباً.!! (أنظر جريدة فكر وثقافة في العدد 12 الصادر في دمشق في 7/9/ 1996 على سبيل المثال).

[72] - أنظر مجلة الموسم في العدد:21 ـ22 ص314 ـ 315.

[73] - نقدم بين يدي القارئ الكريم ثلاثة شواهد على طبيعة الخداع التي تمارس في هذا المجال، وهذه الشواهد لا نقدمها على سبيل الحصر، وإنما كأمثلة إخترناها عن قضايا كثر الكلام بشأنها، وهذه الشواهد هي:

أولاً: إنحناءة أما العاصفة:

من الواضح أن الرجل قال في ظلامة الزهراء(عليها السلام) ما قال نفياً وإساءة لقدسية الزهراء(عليها السلام)، ولكننا بعد أن برزت المواقف الغاضبة للعلماء الأعلام، رأينا الرجل يرسل رسالة إلى العلم الجليل والمحقق الكبير السيد جعفر مرتضى العاملي (حفظه الله تعالى) يذكر فيها أنه قال ما قال لأنه لم يكن مطلعاً على المصادر، غير أنه رأى: أخيراً أن الحديث عن محسن السقط ورد في كتب الخاصة والعامة، كما أن حديث الإسقاط بالاعتداء جاء في رواية دلائل الإمامة للطبري، وهكذا وردت أحاديث متعددة حول كسر الضلع ونحوه من الفظائع. (أنظر الرسالة الثانية المرسلة إلى السيد العاملي المنشورة في كتاب جاء الحق: 224).

ولكنه بعدها بمدة قليلة قال عبر إذاعته: أما الحكي أننا اعتذرنا في الواقع لم يكن هذا إعتذار، ولكن كان مواجهة للحملة الظالمة التي كادت أن تتحول إلى فتنة في قم، وطلب مني الكثيرون من الفضلاء أن أتحدث بطريقة تمنع الآخرين من إثارة الفتنة، لذلك تحدثت بطريقة ليس فيها اعتذار، ولكن فيها تخفيف من طبيعة الموضوع. (من شريط نحتفظ فيه بصوته).

وهو الأمر أفصح عنه غاية الإفصاح حينما عاد ليطرح المسألة من جديد دفاعا عن رأيه تارة، وتصعيدا في الموقف اخرى، حتى بلغ به الأمر أنه في حج عام 1418هـ صرّح في مكة وأما محفل من الحضور في مكتب صاحبه الهمداني بأن الزهراء حنيما تسمى بالشهيدة فإنها بمعنى أنها تأتي شاهدة على الناس لا بمعنى أنها مقتولة!.

وكان قبله قد حرك أنصاره لكي يدفعوا عنه ذلك السيل من الحجج الدامغة التي قدمها السيد العاملي في كتابه الموفق مأساة الزهراء (عليها السلام) شبهات وردود فكتب له أحدهم هوامش نقدية، كتب الثاني مأساة كتب المأساة، والثالث مرجعية المرحلة وغبار التغيير، وسرعان ما تبين أن هذه الكتب هي كتب إدانة له أكثر مما هي كتب دفاع عنه، ويمكن للقارئ الكريم أن يراجع كتاب الفضيحة في رده على الأول، وجاء الحق في ردّه على الثاني، وحتى لا تكون فتنة في رده على الثالث.

ثانياً: علي (عليه السلام) وشرب الخمر!

في طبعته الجديدة ـ التي لم تطبع، لكن انتشرت نسختها ـ للجزء السابع من تفسيره من وحي القران أورد ذكر رواية عن الطبري بعنوان أسباب النزول يذكر فيها أن آية (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) [ النساء/ 43] نزلت في علي وعبد الرحمن بن عوف ورجل آخر كانوا قد شربوا الخمر.

وقد هاله أن الأمر قد كشف، وبدأ الناس بالتساؤل الجدي عن هذا الموضوع، فقدم هو وجريدته أعذاراً مختلفة تعبر عن مدى الكذب والافتراء الذي يتملك هذا التيار، فمرة قال:

الطبعة الجديدة دس هذا الكلام فيها من قبل بعض الناس الغافلين، واستغلها بعض الناس الذي كان يتولى صف الأحرف. (محاضرته في السبت 12/10/96 في حوزة المرتضى التابعة له).

ولكنه في العدد 17 من جريدة فكر وثقافة صرح بما يلي: إن هذا الكلام قد دس في الطبعة الجديدة من قبل من كان يتولى صف الأحرف. (فكر وثقافة، العدد: 17).

وفي أجوبته المؤرخة بتأريخ 16/ جمادى الثاني/ 1417هـ قال ردا على سؤال وجه إليه في هذا الخصوص: ناقضنا هذه المقولة الباطلة والمفتراة علينا أكثر من مرة، والذي صف حروف  التفسير للطبعة الجديدة، لم يصف مناقشتنا لهذه المقولة خيانة منه وكيدا وحسابه على الله سبحانه. ( أنظر كتاب جاء الحق: 253).

وهو كما ترى هنا يلقي بمسؤولية إيراد الرواية في الكتاب على بعض المغفلين في جهازه الإعلامي، فيما يكون دور الذي تولى صف الأحرف هو الإستغلال، وفي الثانية كأنه يبرأ ذاك المغفل الذي أشار إليه في المرة ألأوىل، ويلقي بكامل مسؤولية الدس على من تولى صف الأحرف، ولكنه في الثالثة برأ من ولى صف الأحرف من مسؤولية الدس، بل أشار ضمنا إلى وجودتها غير أنه ألقى عليه مسؤولية حذف المناقشة التي أوردها ضد هذه الرواية!!.

فأي منها نعتمد في النقاش لو أردنا مناقشته في أمر صغير كهذا، ولكن دفعاً للبس والإيهام نقول:

أولاً: جانب الرجل الشرع الشريف في شأن من ولى صف الأحرف فهو مرة اتهمه في الاستغلال، وأخرى اتهمه بالدس وثالثة بالحذف والكيد، وكون هذه الاتهامات متناقضة التي تعبر على أدنى تقدير أنه لم يكن على بينة مما قام به هذا الرجل، وهي إتهامات من دون دليل.

ثانياً، أعقد أن كل من له أدنى خبرة في عالم تهيئة الكتب  يعلم أن من تولى صف الأحرف لا يمكنه القيام بذلك لسبب بسيط هو أن الكتب في العادة تصحح لمرتين على  الأقل بعد صف الأحرف من قبل نفس صاحب الكتاب، وهو وحده  الذي يعطي الضوء الأخضر في شأن تمام الكتاب، وفي علمنا الخاص أن الكتاب كان قد صحح ثلاثة مرات من قبل إدارة المركز الثقافي الإسلامي، وقد أنزل إلى المطبعة بعد أخذ موافقته النهائية على طبع الكتاب (كما صرح بذلك ب. ش مدير دار الملاك) ، وأمر كهذا لا يمكن أن يمر معه من يتولى صف الأحرف ـ إن كان يردي ذلك ـ سوى بضع كلمات هنا وهناكن أما أن يتولى الدس بقطعة ذات عنوان رئيسي من 8 سطور كما يظهر في الصفحة 183 من الكتاب المذكور، فهو أمر لا يعقل أقول ذلك على مفاد ما ذكره في جريدة فكر وثقافة، أما على مفاد جوابه الثالث فإن الرجل لم يدس وإنما قام بحذف مقطوعة  من صفحتين ونصف الصفحة وهو المقدار الذي وزعه المعني مؤخراً، وهو أمر هو الآخر لا يمكن تعقله مع وجود تصحيح لمرات ثلاث من قبل أناس يركن إليهم بثقته.

ثالثاً:  أشار في الجواب الأول أن الذي دسّ الكلام هو بعض الناس الغافلين، وتعبير كهذا يفرض أن هؤلاء من المحبين ولكنهم غفلوا عما قاموا به، ولعل تعبيره هذا فيه شيء من الصحة، وليس كل الصحة، فالذي قام بعملية تجديد الكتاب هو المركز الثقافي الخاص به وكان يديرها ( م. الحاج علي)، وقد سال عن مدى علم الرجل فيما يقومون به فقال إنهم لا يمكنهم القيام بأي شيء من دون علمه وتوجيهه، فهو يعطيهم خطة العلم، وهو يتحركون بناء على توجيهه!.

وهناك مناقشات أخرى، نرجئه إلى حين صدور الطبعة الجديدة من الكتاب، كي لا نقول ما يمكن حذفه بعد ذلك من الكتاب، على أن الذي يطلع على نظرة  الرجل إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجودة في كتبا في رحاب دعاء كميل لن يستغرب أن يدعي أن الإمام (صلوات الله عليه) كان يشرب الخمر!.

 ثالثاً: الحسينيون العراقيون يشربون الخمر!

في العدد الأول من جريدة منبر السبت( فكر وثقافة لاحقاً) الصادر في 20/ 6/1996 قال ما نصّه: (ثمة أناس في العراق كانوا يحتفلون في يوم عاشوراء بشرب الخمر، فأي حزن على الحسين(عليه السلام) عندما يصبح الإنسان في غيبوبة، لقد كان البعض يشرب الخمر ليلة العاشر من المحرم من أجل الإحماء).

وحينما قامت قائمة العلماء وعامة الناس على هذه الفرية قال معتذراً بعذر لا يقل في القبح عن الفعل بأنه إنما عنى بعض القرى: التي لها وضع خاص وفيها الكثير من الإنحراف العقيدي فإن الناس هناك يعيشون هذا الجو، وربما هم لا يتبعون التشيع بالمعنى الصحيح ... إنما جاء الحديث عن مناطق  تسيء إلى التشيع في يوم عاشوراء. (فكرة وثقافة: العدد 3 بتأريخ 29/ 6/1996).

ثم قال بعده بمدة ناسياً أو متناسياً بعض ما قاله في العدد 3 من فكرة وثقافة: لقد أوضحت في العدد الثاني!!، ولا اعتقد أن هناك تناقضاً!! بل كان هناك توضيح للحديث الأول!!.  (أنظر أجوبته في 7/ رجب/1417هـ على أسئلة وجهت إليه في هذا الخصوص).

وكان قد ذكر في وقت مقارب بأنه إنما عنى بعض اليزيدية وفرقة الشبك وأمثالهم الذين يعيشون في شمال العراق، ومعلوم أن هؤلاء لا يقيمون أي احتفالات لها علاقة بالتشيع في يوم عاشوراء، والفرقة الأولى تصنف صنم المانويين والمجوسيين ولا علاقة لهم بالإسلام، أما الثانية فهي خليط كردي من الغلاة والصوفية، تأثر بالنصرانية، ولكنهم في ليلة ويوم عاشوراء لهم شأن خاص، ويسمون يوم عاشوراء بيوم الكفشة لأنهم في هذا اليوم يخلعون أحذيتهم ويمشون حفاة إجلالاً لما جرى في هذا اليوم على آل الرسول (ص)، ومن يعرفهم يعرف أن لهم في اليوم والليلة حالة عظيمة من النواح والبكاء على آل الرسول(عليهم السلام) فأي علقة لهؤلاء بالتشيع.

هذا إذا كان الأمر متعلقاً بهؤلاء أما إذا كان متعلقا بأهل القرى الذين يسيؤون إلى التشيع بزعمه فهو أنكى، لأن هؤلاء في الأعم الغالب لديهم دين فطري قل أن تجد له  نظيراً، وفي نفوسهم هيبة لأهل البيت(عليهم السلام) لا ينافسهم به أحد، وحتى لو صح أنهم يشربون الخمر، فمن المحال أن يتقربوا منه في يوم عاشوراء، سيان في ذلك السنة منهم أو الشيعة، فالسنة من هؤلاء لديهم أيضاً هيبة خاصة لأهل البيت(عليهم السلام) خاصة للحسين(عليهم السلام) وأكثر خصوصية للعباس (عليهم السلام).

ثم إذا كان هذا الأمر له ثمة علاقة بالتشيع ، فهل أن الإنسان الحكيم حينما يتكلم بالمطلقات يريد الأمر الشائع خصوصاً إذا كان المعنى المبادر نم لفظه لن يحمل إلا على الأمر الشائع  كما هو حال كلامه  الأول.

وعلي أي حال فقد كنت على أثر هذه الظلامة التي لحقت بالعراقيين  في أعز ما يعتزون به قد كتبت إلى المراجع العظام بشأن ذلك وفي غيرها من الأمور التي ترتبط بعقائد الرجل فيما عرف فيما بعد بالمسائل العراقية، وكان في جملة من كتبت له حامي العقيدة آية لله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ جواد التبريزي النجفي (مدّ ظله الوارف) وفيما يلي أنقل نص السؤال ورده على جواب المرج التبريزي:

س18: ما رأيكم بمن يقول: ثمة أناس في العراق كانوا يحتفلون في يوم عاشوراء بشرب الخمر، فأي حزن على الحسين(عليه السلام) عندما يصبح الإنسان في غيبوبة، لقد كان البعض يشرب الخمر ليلة العاشر من المحرم من أجل الإحماء.

وحينما رد المرجع التبريزي وبقية المراجع (أيدهم الله تعالى) بما يناسب المقام من الشدة والبراءة من هذا القول، ردّ الرجل على مجموع الأجوبة بتأريخ 11/ جمادى الثاني/ 1417هـ فقال: لم أقصد الشيعة في كلامي الذي حرّفه المحرّفون!! بل قصدت بعض الناس في شمال العراق من غير الشيعة!! من أهل الفرق الباطلة، وعلى هذا فإن حساب هذا المحرف على ربه يوم القيامة. (أنظر أجوبته على فتاوى المرجع التبريزي في11/ جمادى الثاني/1417هـ ص: 17).

وهنا تجده يدعى أولاً أن كلامه قد حرّفه المحرفون، ومن يرجع إلى نص ما هو موجود في منبر السبت وما هو موجود في الاستفتاء لا يعثر على أي فرق على الإطلاق، وتجده ثانياً يدعي عدم قصده للشيعة في الوقت الذي وجدناه يتحدث عن المناطق التي تسيء إلى التشيع، فإذا لم يكُ يقصد الشيعة فما باله تحدث عن هذه المناطق؟ وإذا كانت هذه الفرق باطلة فمم الحذر؟!.

وإذا كان هذا القول محرّفاً ـ بناء على أن فرض المحال ليس بمحال ـ فما لنا نجد هذا القول يتسرّب إلى كتابه رؤى ومواقف حيث يقول في الجزء الأول منه: (لا يمكنك أن تشرب الخمر من جهة إحياء الشعائر، من قبل ما كان يحصل في العراق، حيث كان بعض الناس يحتفلون في عاشوراء بشرب الخمر مما ينحو بنا غلى القول أي حزن هو هذا على الحسين عندما يصبح الإنسان ف غيبوبة). (أنظر رؤى ومواقف 1: 138 الطبعة الأولى ـ دار الملاك ـ بيروت.

ولولا أن الفرصة لا تسع لاستطراد أكثر لأرينا  القارئ الكريم العديد من الأمثلة التي تخرس لها الألسن تعجباً من شدة التلاعب والمراوغة في الإفصاح عن مكنوناتها.

¯¯¯

بعد كل ذلك كيف يمكن محاورة  رجل لا إثبات ولا نفيه نفي، فإن أثبت توقّعت رجوعه، وإن تراجع توقعت  رجوعه عن الرجوع!!.

[74] - سورة المجادلة:22.

[75] - أنظر على سبيل المثال: لسان العرب لابن منظر الإفريقي 15: 400 ـ405، وكذا الصحاح للجوهري: 2528 ـ 2531.

[76] - ونعني بذلك أن وجود حيز ما يتفاعل مع قضية ما،إنما يحكي عن حقيقة وجود القابلية على التفاعل ما بين ذلك الحيز وهذه القضية، فحينما نقول أن الإنسان الفلاني وصل إلى النقطة الفلانية إنما نعبر في ذلك عن وجود قابلية لدى هذا لإنسان الوصول إلى هذه النقطة، والقابل يحتاج دوما إلى الفاعل، فمن دون وجود الأعلى يبقى القابل معلقا، على عكس الممتنع الذي ينتفي فيه وجود القابل أو الفاعل لذا يغدو ممتنعا في صورة من صور الامتناع.

[77] - سورة الكهف: 23ـ24.

[78] - سورة الانفال: 17.

[79] - سورة يس: 37ـ40.

[80] - سورة الرعد: 11.

[81] - كما هو قول القدرية من المسلمين ممن أوقف القدر، وكما هول قول اليهود أيضا ممن عبّرت عنه الآية القرآنية الشريفة: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) [المائدة:64].

[82] - سورة يس: 82.

[83] - سورة الجن: 16.

[84] - سورة الاسراء: 16.

[85] - سورة الاسراء: 13 ـ14.

[86] - سورة الجاثية: 28ـ29.

[87] - لأن هذا المبدأ إن لم يكن عليه هيمنة من جهة اكبر منه لاستدعى الحال أن يكون غير محتاج، وان يكون كذلك فإنه يغدو قديما، وهذا محال.

[88] - لكونه يقبل الهيمنة عليه من قبل جهة أخرى.

[89] - الاختراق البشري في حالة حدوثه لن يكون إلا اختراقا عموديا، أي انه اختراق في تراتبيه التأثير، لأن الثابت فلسفيا أن نظام العلة والمعلول ـ حتى مع حدوث خرق له كوما في المعجزة وما إلى ذلك ـ لا ينتفي من الوجود، وإنما يمكن تسليط قوانين لها صفة الهيمنة والتسلط أكثر من فعالية العلية التي تحكم ما بين علة ومعلول معينين، كما هو الحال في إمكانية التخلص من الجاذبية الأرضية، بتسليط قانون آخر عليها، كالحركة مثلاً.

[90] - نقصد بالاتجاه العمودي للعلل هي مجموعة العلل التي ترجع إلى اصل واحد، وتقف جميعها بنفس النسبة تجاه ما ترجع إليه، غاية ما هناك أن أحدها قد يتقدم طولياً على الآخر بسبب تحقق وجود القابل والفاعل، فيمكن الآخر، وهذا ما عنيناه بالتراتبية بين العلل، أي أن هناك علة أقوى من أخرى، وعلى عكسها الاتجاه الأفقي الذي يعني وجود مجموعة من العلل لا ترجع إلى اصل واحد، وإنما تعود إلى علل متعددة، وهي مستحيلة لأنها تستلزم وجود اكثر من علة أولى، مما يستلزم الشرك في الخلق.

[91] - أي أنه سيتيح لنا إمكانية اكبر على توسيع رقعة اختياراتنا.

[92] - بمعنى أن كل ممكن بما انه ليس واجبا ليصبح وجوده ضروريا، وليس مستحيلا ليصبح عدمه ضروريا، فإن المسافة الواصلة بينه وبين الوجود، وكذا بينه وبين العدم، تبقى متساوية.

[93] - وهذا الأمر هو الذي سميناه آنفا بالقابل.

[94] - وهو الذي سميناه  بالفاعل.

[95] - انظر للتفصيل تعليقنا على كتاب معجزات النبي (ص) في كتاب بحار الأنوار، طبعة دار التعارف للمطبوعات، وكذا تعليقانا على البحوث القرآنية للسيد الشهيد الصدر (رحمه الله ) والتي طبعت تحت عنوان: التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية. الدار العالمية ـ بيروت.

[96] - فهذه الأسباب كانت متاحة منذ الأزل، إنما هي قدرات الإنسان التي لم تكتشف هذا الأمر.

[97] - انظر حديثنا عن ذلك في مباحث الدليل القرآني.

[98] - حديثنا هنا عن الولاية الكونية المطلقة والمجعولة لسيدنا ونبينا محمد ـ عليه افضل صلوات الله وسلامه ـ وكذا للأئمة (عليهم السلام)،أو ما دونها بدرجة كتلك الممنوحة لسائر الأنبياء والأوصياء والملائكة (عليهم افضل الصلاة والسلام).

[99] - قولنا هنا وهناك بمقدارها تبعا لمنزلة من جعلت لهذه المنازل المقدسة.

[100] - الأعراف: 175.

[101] - لا بد من أن نلفت الانتباه هنا إلى أن مادة الجعل هنا ليست كبقية المواد، وإنما هي شأن روحي، وهذا الشأن متعلق بمقام روحي، ولهذا فإن الارتباط ما بين المقام والجعل كالنسبة الطردية كلما زاد الأول زاد الثاني وكلما قل الأول قل الثاني.

[102] - انظر: صورة النبي محمد (ص) في القرآن الكريم، مصدر سابق.. ص71ـ72.

[103] - هود: 7.

[104] - لقمان: 20.

[105] - الجاثية: 13.

[106] - يلحظ بدقة قوله تعالى:( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) ومكان جميعاً من قوله السماوات والأرض،مما يعني أن التسخير المتحدث عنه شامل لكل ذرات الوجود، فلا تغفل!.

[107] - تحدثنا عن ذلك مفصلا في مبحث العصمة ضمن ردودنا على شبهة أحمد الكاتب ومحمد حسين فضل الله حول عدم الترابط ما بين إصلاح العالم والعصمة، المطروح في كتاب (تطور الفكر السياسي الشيعي) ومقالة فضل الله: (مع الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد) المنشور في مجلة الفكر الجديد.

[108] - سنتحدث عنها في الأسطر القادمة إن شاء الله.

[109] - المائدة: 55.

[110] - البقرة: 2ـ3.

[111] - هود: 44.

[112] - ليس المقصود هنا بالعوالم هو كل ما أشار إليه القرآن في مجال الحديث عن ما يراه من عوالم مادية وغيبية، وإنما المراد هنا هو حصر ما يتعلق بموضوعنا هنا، وقد أدخلنا الملائكة بطبيعة الحال ضمن عالم الملكوت.

[113] - اللطيف: الدقيق.

[114] -  النمل: 93.

[115] - الجن: 6.

[116] - الأعراف: 175.

[117] - وهذا ما يستتبع القول بأن إنحدار الإنسان في مهاوي الضلال ليس بسببه الشيطان فحسب، بل تدخل أهواء النفس وتعللاتها من غرور وعجب وكسل وما إلى ذلك، في جملة أسباب الضلال، وهي ذات الأمور التي أسقطت إبليس في مهاوي المعصية، فمنطوق الآية يوحي أن بلعم بن باعوراء قد وصل إلى الدرجة التي تلخص فيها من إغواء الشيطان، بحيث أن هذا الإغواء لا تتحدث عنه الآية إلا بعد أن ينسلخ من هذه الدرجة فيجد على أعتاب الانسلاخ حضور الشيطان وتتبعه له.

[118] -  الكهف: 44.

[119] - التوبة: 116.

[120] - السجدة: 4.

[121] - الشورى: 9.

[122] - الشورى: 28 ـ31.

[123] - الشورى: 51.

[124] - الصافات: 1-3.

[125] - الذاريات: 4.

[126] - المرسلات: 1-6.

[127] - النازعات: 1-5.

[128] - هود: 71-82,

[129] - الزخرف: 77.

[130] - النحل: 28-32.

[131] - السجدة: 11.

[132] - القدر: 3.

[133] - هود: 11.

[134] - سبأ: 21.

[135] - الأنعام: 61.

[136] - يونس: 104.

[137] - النحل: 70.

[138] - الزمر: 42.

[139] - السجدة: 11.

[140] - سورة المائدة: 55.

[141] - المائدة: 56.

[142] - فصلت: 30.

[143] - هود: 71-73.

[144] - القصص: 7.

[145] - طه: 38-39.

[146] - آل عمران: 37.

[147] - آل عمران: 45-46.

[148] - مريم: 17ـ21.

[149] - الأعراف: 175.

[150] - من الواضح أن الضمير يرجع إلى موسى (عليه السلام) وفتاه الذي تشير الروايات إلى أنه كان وصيه من بعده يوشع بن نون (عليه السلام).

[151] - الكهف: 65.

[152] - الكهف: 83-84.

[153] - الكهف: 8-18.

[154] - إن مما يثير العجب والدهشة بعد كل هذه الشواهد ومما سيأتي أن يدعي مدع ليتشدق بالقول: (أنا من الناس الذين لا يرون الولاية التكوينية، لأنني أصور أن كل القرآن دليل على عدم الولاية التكوينية). (من تسجيل صوتي لأحدهم احتفظ بنسخة منه، ونشرته جريدة النصر الكويتية في عددها 35 ص16).

ترى أي قرآن وعوه، وأي قرآن فهموه!!.

[155] - آل عمران: 49.

[156] - الأنبياء: 79.

[157] - النمل: 15ـ 16.

[158] - سبأ: 10.

[159] - الأنبياء: 81-82.

[160] - النمل: 15-18.

[161] - البقرة: 260.

[162] - طه: 77.

[163] - الشعراء: 63.

[164] - الدخان: 24.

[165] - القصص: 31ـ33.

[166] - البقرة: 60.

[167] - الأعراف: 117. وكذا قوله تعالى: (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى).[طه: 69].

[168] - المائدة: 110.

[169] - الأحزاب: 72.

[170] - لم تكن عملية العرض هنا عملية سؤال وجواب تشريعيين بمعنى أنه لم يكن هناك حوار بين الله ومخلوقاته قال الله فيه للسماوات والأرض والجبال أن يحملن عبئ أمانة السماء فجاء جوابهن أنهن رفضن العرض، وإنما كان الحوار ضمن سياق قدراتها التكوينية، ولأن الطبيعة التكوينية للإنسان كونه مختارا ويتمتع بقابلية العقل وهو أمر لازم لخمل الأمانة، لذا فقد حمل الأمانة المعبر عنها في الآية الكريمة.

ولا يعني وصفه بالظلم والجهل انه يسري لكل أفراد هذا الإنسان، لأن ذلك تعني أن الله جل وعلا قد كلف الظلوم الجهول بهذه الأمانة في الوقت الذي كان سبحانه وتعالى قد تعهّد على أن لا ينيل الظالم عهده كما أوضحته الآية القرآنية: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [البقرة:124]. وحيث أن عرض الله سبحانه لا يتخلف لذا لا بد من وجود جهة يتعلق بها هذا الحمل، وهذه الجهة تتصف بعدم الظلم والجهل مما يقتضي كونها معصومة، ولربما يذهب بعض المفسرين إلى القول بأن الإنسان كلما ابتعد عن الظلم والجهل كلما كان جديرا بحمل هذه الأمانة، وهو غير متعارض مع ذلك، إذ عنده يكون المعصوم هو جهة الإنسان الكامل، وما سواه مما يسير باتجاهه فتأمل..

[171] - تعرضنا إلى هذه الحقيقة بالتفصيل في بحثنا: (الإمامة بحث في الضرورة والمهام) الذي نأمل أن يرى النور قريباً إن شاء الله تعالى.

[172] - هود: 7.

[173] - الكافي1: 1789ح1.

[174] - أي الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام).

[175] - الكافي1: 178 ح5.

[176] - الكافي1: 179 ح11. ومثله في بصائر الدرجات عن أحمد ابن عمر والحسن الوشاء. (بصائر الدرجات: 509 ج10 ب12 ح6-7.

[177] - الكافي1: 179 ح10.

[178] - الأنفال: 33.

[179] - الذرايات: 56.

[180] - الخلق هنا ليس خلقا جسمانيا، وإنما هو خلق أنواري كما تفيد الكثير من الروايات الصحيحة.

[181] - الجن: 1-2.

[182] - القدر: 4.

[183] - من وحي القرآن 24: 406.

[184] - وهو ما يأباه وجود فعل المضارعة (تنزّل).

[185] - انظر تفاصيل ذلك في كتابنا: من عنده علم الكتاب؟ فقد بيّنا ما فيه إرواء للمستزيد.

[186] - الرعد: 43.

[187] - العجيب أن أغلب تفاسير العامة قالت أن من عنده علم الكتاب هو الله جل جلاله، وقد تعسّفوا لذلك تعسّفات كانوا في غنى عنها، رغم وضوح أن الواو هنا عاطفة، ولكنها الطائفية العمياء!! انظر تفصليها في كتابنا: من عنده علم الكتاب؟.

[188] - وذهب إلى ذلك في جملة مخالفاته الأخيرة  للإمامية محمد حسين فضل الله في جوابه لسؤال وجّه في جوابه لسؤال وجّه إليه حول هذا الخصوص، فنفى ان تكون الآية قد نزلت بحق الإمام علي (عليه السلام)، مدّعياً أن الأقرب هي نزولها بحق علماء أهل الكتاب، ولذا قال ما نصه: (هناك رواية تقول انه علي(عليه السلام)، ولكن هناك روايات تنطلق من سياق الآية أي ان النبي (ص) كان يستشهد بالأشخاص الذين يملكون علم الكتاب حتى يعرّفوا المسلمين بأن النبي (ص) مذكور في التوراة والإنجيل، ولعله الأقرب، لأن الإمام (عليه السلام) كان مع النبي فكيف يستشهد به وهم لا يقرّون علمه). (انظر: جريدة فكر وثقافة الصادرة عن حوزة المرتضى في دمشق العدد: 22الصادر في تاريخ: 23/1/1996، والجريدة والحوزة تتبع له).

وما فعل ذلك إلا ليكمل مسعاه المتعلق بعقيدة أهل البيت ومن جملته نفي الولاية التكوينية عن الأئمة (عليهم السلام)، وواضح أن المغالطة فيها صريحة جدا، فعدد الروايات الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) متواترة جدا كما سنذكر ذلك بعد حين، وقد كان يكفيه رواية واحدة صحيحة الند، فكيف والأمر يتعدى إلى الكثرة المتكاثرة وإلى إجماع علماء الشيعة على ذلك، أما موضوع الشهادة فلعمري كيف يشهد هؤلاء وهم أنفسهم لم يؤمنوا برسول الله (ص) في وقت نعلم فيه أن الكتاب الموجد لديهم كتاب محرف، وكيف يشهدهم رسول الله (ص) ويعرض نفسه للإحراج المل، وهم قد كذبوا عليه من قبل وكذبوا على أنفسهم وقومهم من قبل، فما بالهم إذا علموا انه رسولا من الله لم يؤمنوا به؟!! ولقد أجاد الفخر الرازي في تفسيره للآية حينما قال: إن إثبات النبوة بالواحد والاثنين مع جواز الكذب على أمثالهم لكونهم غير معصومين لا يجوز، فلا معنى لتفسيرها بابن سلام واصحابه، (تفسير الرازي 19: 70).

ولو كانت المسألة متعلقة بحاجة الرسول إلى من يشهد له بأنه مذكور في الكتب السماوية السابقة، فقد كان يكفيه بدلا من هذه الشهادة التي تنطوي على المغامرة، أن يأتي بهذه الكتب، ويستخرج المواضع التي ما زال ذكره فيها رغم وقوع التحريف فيها، ويشهد أهل الكتاب على ذلك، وعندئذ فإن الشهادة تكون أبلغ.

هذا رغم أن الرسول كما القرآن أكد أن كتب أهل الكتاب باتت محرّفة، فكيف يعطي قيمة علمية وموضوعية إلى درجة المراهنة بسمعته ومصداقية كلماته ورسالته لعالم بكتاب محرّف.

على انه ما المغزى الذي يجعل الذين كفروا بحاجة إلى شهادة علماء أهل الكتاب، ومتوضعهم من حيث المصداقية الإجتماعية هو نفس مصداقية الرسول إذا لم يكن الرسول افضل منهم لكونه كان معروفا بعدم الكذب؟.

وقد ناقشنا في كتابنا من عنده علم الكتاب؟ كل التفاصيل المتعلقة بهذا الشأن بما فيه الشبهات التي طرحها محمد حسين فضل الله في هذا المجال.

[189] - علما أن سورة الرعد ـ في الأعم الأغلب ـ سورة مدنية، ويفيد محتواها أنها نزلت بعد اشتداد إحنة أهل الكتاب على الرسول (ص)، بمعنى أنها نزلت في وقت متأخر بعد قدوم رسول الله إلى المدينة. (انظر البرهان في علوم القرآن 1: 251 للزركشي)، وقريب منه (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1: 134) وكذا تأريخ القرآن للأخ الدكتور الشيخ محمد حسين علي الصغير: 60، ويذهب الزركشي إلى أن بعض آياتها نزل في الحديبية (1: 255).

أما على رواية بعض المفسرين المتقدمين، وبعض المتأخرين كالعلامة الطباطبائي في تفسير الميزان (11: 285) في كونها مكية فالكلام فيها أبلغ، فإذا كان المقصود في رواياتهم هو عبد الله بن سلام وأضرابه كتميم الداري، فهؤلاء إنما أسلموا في المدينة، فلا يبقى غير علي (عليه السلام).

[190] - وقد يؤيده الآيات السابقة له، وتدعمه آية (الذي عنده علم من الكتاب).

[191] - وقد يؤيده مفتتح السورة (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق) كما يشير إلى ذلك العلامة الطباطبائي (الميزان في تفسير القرآن 11: 383ـ384) ويؤكده أنه الشاهد على صحة الرسالة التي تضمنها بإعتبار أنه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)[فصلت: 42].

[192] - ليس بالمقدور استقصاء ذلك ضمن هذه العجالة ولكن سأكتفي ببعض الروايات الصحيحة السند فذلك ضمن قاعدة التشدد السندي، (*) وفقاً لمنهج المقدس الراحل السيد الخوئي (قدس سره)، ففي صحيحة علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن ابن ابي عمير، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عمن ذكره، عن ابن ابي عمير جميعا، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر (عليهم السلام): (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (ص).[الكافي1: 229ح6]. ونفس الرواية ولكن عن محمد بن الحسين ويعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير في بصائر الدرجات: 234ـ235 ج5 ب1 ح12.

وعن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن احمد بن محمد، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) هو [أهو خ.ل] علي بن أبي طالب (عليه السلام)،؟ قال: فمن عسى أن يكون غيره.[بصائر الدرجات: 235 ج5 ب1 ح15].

وفي موثوقة يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عنده فذكروا سليمان وما أعطي من العلم وما أوتي من الملك، فقال لي: وما أعطي سليمان بن دأود، إنما كان عنده حرف واحد من الاسم الاعظم، وصاحبكم الذي قال الله: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) وكان والله عند علي (عليه السلام) علم الكتاب، فقلت: صدقت والله جعلت فداك. [ن.م: 232 ج5 ب1 ح1].

وفي صحيحة احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحبي، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، والنضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، وفضالة بن أيوب، عنابان، عن محمد بن مسلم، والنضر بن سوي، عن القاسم بن سليمان، عن جابر جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجلك (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).[ن.م: 235 ج5 ب1 ح14].

وفي موثوقة محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عن مثنى الحناط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام)  في قول الله عز وجلك (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علكم الكتاب) قال: نزلت في علي (عليه السلام) عالم هذه الامة بعد رسول الله (ص). [ن.م: 236 ج5 ب1 ح17].

وغير ذلك كثير من الأحاديث الموثوقة والمعتبرة، وكذا الأحاديث التي يجبر ضعف بعضها المتأتي من الإرسال والمجهولية في حال بعض الرواة تواتر الخبر عن غير طريق عن الأئمة (عليهم السلام)، كما رأينا آنفاً.

(*) العجيب والمضحك أن أحد المعترضين من تيار التحريف حاول أن يبرر لأستاذه موقفه من كل هذه الأحاديث وما سيمر فقال: إن المشكلة بينك وبين فضل الله هو انك تعتقد بمنهج التشدد السندي، وهو لا يعتقد بلك، لذلك هو أخذ من روايات العامة التي صلح في هذا المجال، ولا أدري إن كان مثل هذا المنطق يستحق الرد أو لا! ولكني أشير هنا إلى أن منهج التشدد السندي إنما تحتاجه في مقام الفتوى وليس في مجالات كهذه حيث يمكن الاستدلال عليها عقليا لدخولها في دائرة المعتقدات إن جاء فيها نص، فكيف وقد تظافرت النصوص، ونحن إن استخدمنا هنا هذا المنهج فلسبب واضح هو حاجة الحجاج إلى ذلك بحيث لا تبقي أمام من تحاججه حجة التذرع بضعف السند وما إلى ذلك ليس إلا!! هذا إن كان إمامياً!!.

[193] - انظر للمثال ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 102ـ104، والقرطبي في تفسيره 9: 336 بسندين، والجوزي في زاد المسير في علم التفسير 4: 252 والآلوسي في تفسيره بسندين نقلا عن البحر المحيط 9: 176.

[194] - النحل: 89.

[195] - الرعد: 31.

[196] - الحشر: 21.

[197] - النجم: 28.

[198] - آثرنا  أن نقتطف من كل مورد من موارد الولاية حديثا أو حديثين، علما أن ما سنذكره هنا يوجد في أبوابه موارد متعددة من الأحاديث الصحيحة والموثوقة والحسنة والمعتبرة تربو على العشرات.

[199] - نقصد بالسنة فعل المعصوم وقوله وتقريره.

[200] - وهذا يمكن حصوله من طرق متعددة كأن يبلغ الأمر حد التواتر من في المنقول عن المعصوم، أو أن يتعدى الخبر خبر الواحد، ويتصل سنده بصلة صحيحة أو موثوقة بالمعصوم (عليه السلام).

[201] - الأحزاب: 36.

[202] - ننصح القارئ الكريم إن أرادت المزيد مراجعة الجزء الأول من الكافي لثقة الاسلام الكليني، وكذا كتاب بصائر الدرجات للمحدث الجليل محمد بن الحسن الصفار، وكذا كتاب مختصر بصائر الدرجات الخاص بسعد بن عبد الله الأشعري لمؤلفه المحدث الخبير الحسن بن سليمان، وكذا كتاب الخرائج والجرائح للفقيه المحدث القطب الراوندي، وكتاب إثبات الهداة في النصوص والمعجزات للمحدث الجليل الحر العاملي وغيرها كثير، مع ملاحظة ان هذه الكتب تحتوي في بعض طياتها على الخبر الضعيف.

[203] - الإسراء: 85.

والسؤال هنا عن الروح.

[204] - الكافي1: 273 ح3.

[205] - الكافي1: 273 ح4.

[206] - بصائر الدرجات: 229 ج4 ب12 ح4.

[207] - ن.م: 231 ج4 باب نادر من باب12 ح2.

[208] - ن.م: 287 ج6 ب2 ح5.

[209] - أحمد بن محمد حينما يأتي في بداية سند الحديث الثقة هنا فهو إما أحمد بن محمد بن خالد البرقي، أو أحمد بن محمد ابن عيسى، وإذا ما جاء بالقرب من اسم المعصوم فهو البزنطي أحمد بن محمد بن أبي نصر، وفي هذا الحديث هو احمد بن محمد بن عيسى على الأغلب.

[210] - وقد كان ضريراً.

[211] - أي ابن الحكم.

[212] - بصائر الدرجات: 289 ج6 ب3 ح1.

[213] - ن.م: 342 ج7 ب6 ح4.

[214] - كذا في المصدر، والصحيح النصري نسبة إلى نصر بن معاوية، وهو خطأ شائع.

[215] - أي بالنفي.

[216] - علي ما في نسخة البحار.

[217] - بصائر الدرجات: 341 ـ342 ج7 ب6 ح3.

[218] - ن.م:147 ج3 ب6 ح1.

[219] - هو ضريس الكناسي الثقة.

[220] - بصائر الدرجات: 144 ـ145 ج3 ب5 ح3.

[221] - لموضع إبراهيم بن عبد الحميد.

[222] - واقفي ولكنه ثقة.

[223] - كعبد الحميد بن سالم الثقة.

[224] - الامام الكاظم (عليه السلام).

[225] - كذا في الاصل، واغلب الظن هي تصحيف لكلمة قلت.

[226] - النمل: 20.

[227] - النمل: 21.

[228] - الرعد: 31.

[229] - النمل: 75.

[230] - فاطر: 32.

[231] - بصائر الدرجات: 134 ـ135 ج3 ب1 ح3.

[232] - الأنعام: 75.

[233] - بصائر الدرجات: 127 ـ128 ج2 ب20 ح5.

[234] - نفسه: 127 ح2.

[235] - نفسه: 127 ح4.

[236] - أي من الجلد.

[237] - الكافي: 238ـ240 ح1.

[238] - انظر ردوده على أجوبة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي (دام ظله الوارف) على السؤال رقم 11 من أسئلتنا ص12.

[239] - اعلم أن الروايات الصحيحة والموثوقة والمعتبرة والحسنة والمؤيدة من الكثرة بمكان بحيث أنني لو أردت استقصاء جميع ما في الباب من حديث لاحتجت إلى كتاب جديد، لأنها مهمة تفوق حدود هذا الكتاب.

[240] - انظر حديثنا اللاحق في شأن ما أسماه بالآيات المعارضة للولاية التكوينية.

[241] - هود: 7.

[242] - آل عمران : 61.

[243] - أنظر للمثال: بصائر الدرجات: 398 ـ 407 ج8 ب4و5.

[244] - بصائر الدرجات: 398 ج8 ب4 ح1.

[245] - هي موثوقة لموضع ابن فضال منها، لكونه غير مقطوع بانصرافه من مذهب الواقفة رغم ثقته، وإن كنا نعتقد بانصرافه ضمن تفصيل ذكرناه في ترجمته ضمن تعليقاتنا على كتاب بحار الأنوار التي تضمنتها طبعة دار التعارف.

[246] - ن.م:  398 ج8 ب4 ح2.

[247] - المائدة: 64.

[248] - الإسراء: 90 ـ 93.

[249] - الكهف: 111.

[250] - هود: 31.

[251] - الأنعام: 50.

[252] - الأعراف: 188.

[253] - آل عمران: 49.

[254] - المائدة:110.

[255] - بمعنى ما هي.

[256] - بمعنى نحن.

[257] - بمعنى هم.

[258] - من شريط مسجل بصوت المتحدث نحتفظ به.

[259] -  قوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون).

[260] - سنتعرض لهذه الشبهة لاحقاً.

[261] - الأحقاف: 9.

[262] - ولكن أين تضع علم الخضر(عليه السلام) حينما عبر الله عن علمه بالغيب(فوجداً عبداً من عبادنا أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً) [ الكهف: 65].

[263] - صورة النبي محمد (ص) في القرآن الكريم، محمد حسين فضل الله، مجلة الثقافة الإسلامية العدد: 65 ص71 ـ 72.

[264] - يونس: 49.

[265] - أنظر ردوده على أجوبة المرجع التبريزي (أعلى الله مقامه):11.                 

[266] - أنظر للتفصيل كتابنا من عنده علم الكتاب؟.

[267] -  المائدة: 116.

[268] - ص: 34 ـ 39.

[269] - آل عمران: 49.

[270] - المائدة:110.

[271] - النمل: 38 ـ 40.

[272] - من الطريف أن الإمام الهادي (عليه السلام) سئل من قبل أخيه موسى المبرقع (رحمه الله) عن السر الذي جعل سليمان (عليه السلام) لا يأتي بالعرش هو بنفسه وذلك تعقيباً لسؤال سأله عنه يحيى ابن أكثم حيث قال للمبرقع: (أنبي الله كان محتاجاً إلى علم آصف)؟ فكتب الإمام جواباً لأسئلة ابن الأكثم: سألت عن قول الله عزّ وجلّ: (قال الذي عنده علم من الكتاب) فهو آصف ابن برخيا لوم يعجز سليمان من معرفة ما عرف، لكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه الله ذلك لئلاً يختلف في إمامته ودلالته كما فهم سليمان في حياة داود ليعرض إمامته ونبوته من عبده لتأكيد الحجة على الخلق.[الاختصاص: 93].

وقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): وقد أخبرنا ا لله سبحانه عن آصف بن برخيا وصي سليمان (عليه السلام) وعن ما أتى به من المعجز من عرش ملكة اليمن وكان سليمان (عليه السلام) يومئذ ببيت المقدس فقال وصيّه: (أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) وارتداد الطرف ما لا يتوهم فيه ذهاب زمان ولا قطع مسافة، وكان بين بيت المقدس والموضع الذي فيه عرشها باليمن مسيرة خمسمائة فرسخ ذاهباً وخمسمائة راجعاً، فأتاه به وصيّة من هذه المسافة قبل ارتداد الطرف، فلو فعله سليمان لكان معجزاً له، فلما أراد أن يدل أهل زمانه على وصيه ومن يقوم مقامه بعده، قام به وصيه [بإذن الله] وهذا أقوى من النص. [الخرائج والجرائح: 17ـ 18].   

[273] - وهو نفس الأمر الذي وقع فيه صاحب الشبهة في موضوع العصمة، حينما قال بأن العصمة جبرية، كما تحدث عن ذلك في مقاله: (مع الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد المنشور في العدد التاسع من  مجلة الفكر الجديد الصادرة في لندن عن دار الإسلام ص61 ـ62، وقد تحدثنا عن هذه الشبهة استعراضاً وتفنيداً في محاضراتنا عن العصمة، والتي ستجد طريقها إلى الطابعة عما قريب بحول الله).

[274] -  ارجع إلى حديثه عن الأحاديث الضعيفة السند والدلالة المار آنفاً!.

[275] - أنظر إلى تناقضه الآخر مع نفسه حينما يعتبر الولاية التكوينية:(قضية فلسفية أساساً ما حدا بيعرفهه ( لا يعرفها أحد) ). (من شريط بصوته نحتفظ به).

[276] - الإسراء: 93.

[277] - أنظر مع الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد: 13 المنشور في العدد التاسع من مجلة الفكر الجديد، وكذا المنشور في العدد 28 ـ 31 من مجلة المعارج: 327 ـ 328.

ولا أدري أي أقواله أكثر عجباً، ولكن في مقتضى القول الأخير سندعو من لا دراية له في مسائل العقائد أن يهملها ولا يترك الأمر  إلى أهله!.

على أن هؤلاء الذين يقولون بوجوب ترك الأمر إلى أهله والذين وصفهم بـ (البعض) هم أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وعنهم جاءنا الخبر الصحيح الذي يرويه أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سمعته يقول: أما والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم بحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إلي الذين إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، اشمأز منه وجحده وكفر بمن دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا سند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا.

(بصائر الدرجات: 557 ج10 ب22 ح1).

وكذا ما ورد عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن جعفر بن بشير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر )عليه السلام( أو أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تكذبوا بحديث أتاكم [به ظ] أحد فإنكم لا تدرون لعله من الحق، فتكذبوا الله فوق عرشه.

(بصائر الدرجات: 558 ج10 ب22 ح5).

وهؤلاء الذين وصفهم بالبعض هم الواجب لدينا ـ نحن شيعة أهل البيت ـ إتباعهم وإطاعتهم في كل ما يقولون!! وهو مفاد وقوله تعالى: (فسئلوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل/43]. فتأمّل!!. 

[278] - البقرة: 216.

[279] - النساء: 19.

[280] - السجدة: 24.

[281] - يوسف: 33.

[282] - الصافات: 102.

[283] - آل عمران:61.

[284] - الصافات:79 ـ 80.

[285] - لاحظ هنا أن جهة الإنقاذ لها قوة كقوة جبرئيل، ومن له قوة إنقاذ كجبرئيل لا يركن إلى أساس ضعيف.

[286] - قصص الأنبياء لقطب الراوندي: 104 ب4 ح97.

[287] - هذا البحث موجه إلى المعتقدين بإمامة أهل البيت)عليهم السلام( فقط، أما غيرهم فإن الحديث له وجهة أخرى ليس مجالها هذا الكتاب.

[288] - لعلنا نتوفر على توفيق البحث المستقل عن الموضوع في فرصة قريبة  إن شاء الله، وقد اطلعت مؤخراً على كتاب (بحث حول الجفر وعلم المعصوم) عليه السلام( من خلال الآثار) للسيد عمار صدر الدين شرف الدين، وبمقدار الإطلاع العاجل على الكتاب وجدته ملمّاً بالكثير من أطراف الموضوع من وجهة النظر الإمامية، فليراجع لمن أراد اللإستزادة.

[289] - من العجيب أن أحد المدافعين عن أفكار التحريفية الجديدة، وفي معرض عرضه لأدبه الجمّ في الحوار! اعتبر أن الولاية التكوينية هي العلم بما كان وبما سيكون!. (مرجعية المرحلة وغبار التغيير: 24 الطبعة الأولى ـ دار الأمير ـ بيروت).

[290] - لصاحب الشبهة توجهين أولهما نلحظه في مقالة (الأصالة والتجديد المنشور في مقالة مجلة المنهاج في عدها الثاني، والذي عبّر فيه عن كون علم المعصوم من جملة الأمور المتحولة التي لم يحس النقاش الشأن بيقينيتها!).

وثانيهما ما صرّح به في مقال (صورة النبي محمد (ص) في القرآن الكريم) المار، والذي ينفي وجود هذا العلم لدى الرسول (ص) فضلاً عن غيره، وهو القول الذي قال به بعض المتشددين من أهل العامة على خلاف ما يذهب الكثير منهم إلى عكسه من خلال التحدّث عن الإمكانية الواقعية لأن يمتلك شخص ما العلم بالمغيبات بالتبع لاستقلالية  العلم الإلهي ورجوع أولي إلى كتاب دلائل النبوة للبيهقي أو أبو نعيم وابن حجر في الفتاوى الحديثية وابن أبي الحديد العتزلي في شرح النهج يكشف ذلك.

 ومن خلال ملاحقتي لأفكار الرجل وطبيعة طروحاته أعتقد أن الإتجاه الثاني هو ما يعوّل عليه وليس الأول.

[291] - الجن: 26ـ 27.

[292] - آل عمران: 44.

[293] - هود: 49.

[294] - يوسف: 102.

[295] - الأنبياء: 74.

[296] - الأنبياء: 79.

[297] - النمل: 15.

[298] - القصص: 14.

[299] - لم يثبت لدى أهل التحقيق كون الخضر(عليه السلام) كان نبيّاً، وقد أبهمت الروايات الشريفة التي تحدّثت عن حياته وشؤونه هذه الخاصية، والذي عليه الإجماع أنه كان وليّاً نم أولياء الله، وقد ناقش البعض كونه إماماً، ولكن رُدّ بأن الإمام ينبغي أن يلحق نبياً مشخصاً فيكون وصيّاً له، وحيث أن الخضر لم يتبع نبيّاً محدداً، وحياته الطويلة مرّت بالعديد من الأنبياء فيهم نبيّنا(ص)، فلا يصح عندئذ عدّه إماماً، وهو الأقرب والله العالم.

[300] - الكهف: 65.

[301] - هذا الكسب ليس هو الكسب المتعارف بحيث يكون هذا العلم علماً حصولياً، وإنما ـ وكما تظهر الكثير من الروايات الصحيحة ـ هو كسب قائم على أساس تمرّس ومران روحي خاص، وقد عبّرنا عنه بالكسب هنا مجازاً كي نوضح مقصودنا أعلاه، ولربما نجد توضيح ذلك فيما كتبه الإمام الصادق(عليه السلام) لعبد الرحيم القصير على يد عبد لملك بن أعين: سألت عن المعرفة ماهي؟ فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عز وجل في القلب مخلوقة، والجحود صنع الله في القلب مخلوق، وليس للعباد فيها من صنع، ولهم فيهما الاختيار والاكتساب فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة، فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالاً وذلك بتوفيق الله لهم، وخذلان من خذله الله فبالإختيار والإكتساب عاقبهم الله وأثابهم. (التوحيد: 226 ـ 227 ب30 ح7).

وهنا يظهر لنا أن هذا العلم ليس علماً من النوع الكسبي الحصولي ـ أي ما يمكن الحصول عليه بوسائل الكسب المتعارفة ـ وإنما هو نور يتأتى من إزالة الحجب والرين الموجود على القلوب نتيجة مجاهدة الآثام والإمتناع عن مقارفة الذنوب فينفتح صاحب هذا القلب ـ وكل حسب إستعدادته ولياقاته الذاتية ـ على عالمين وبصورة تدريجية، أولهما، عالم  مضى أو ما نسميه بعالم الذر يوم أشهد الله الخليقة على أنفسهم بمفاد قوله تعالى:  (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين) [الأعراف/ 172]. فهذه رؤية والرؤية كي تتم تحتاج إلى إزالة ما يحجب عنها.

والعالم الثاني هو عالم الحاضر وفي ذلك أخبار كثيرة. 

[302] - التكاثر: 5-7.

[303] - الأنعام: 75.

[304] - الميزان في تفسير القرآن 20: 352.

[305] - الحج: 46.

[306] - الأعراف: 198.

[307] - النجم: 11 .

[308] - النور: 44.

[309] - ص: 45.

[310] - الأعراف: 62.

[311] - يوسف:86.

واستباقاً لما قد يتعرض عليه البعض بالقول بأن مراد الآية هو أنه ينفي عنهم علم ما لم يعلموا من الشؤون العامة التي لا تعني بالضرورة علم الغيب، والاعتراض ليس في محله، لأن نفي النبي (عليه السلام) هنا هو نفي كلي عن أهل زمانه، ولو كان العلم الذي يتحدث عنه علماً عاماً، فإنه ليس في محله، لأن نفي النبي (عليه السلام) هنا هو نفي كلي عن أهل زمانه، ولو كان العلم الذي يتحدث عنه علماً عاماً، فإنه ليس من المستبعد عقليا أن يأتي من يعلم هذا العلم، ولهذا فإن وصف هذا العلم بأنه من الله، واقترانه بنفيه عنهم نفياً تاما يستدعي أنهم لن يدركوه مهما أوتوا من قوة.

[312] - القصص: 7.

نقدم ذلك لنقول أن الأمر ليس بالضرورة يقترن بحاجة الرسالة إلى ذلك كما يدّعي الرجل في مناسبات عديدة، وإنما هي كرامة من الله جل وعلا يؤتيها من يشاء من عباده.

[313] - نقل المرحوم السيد عبد الرزاق المقرّم (رحمه الله) في كتابه مقتل الحسين (عليه السلام) عن الحسكاني المفسّر قوله: إن امتناع الكرامة من الأولياء: إما لأن الله ليس أهلا لأن يعطي المؤمن ما يريد، وإما لأن المؤمن ليس أهلاً لذلك.

وكل منهما بعيد فإن توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده، فإذا لم يبخل الفيّاض بالأشرف، فلأنْ لا يخل بالدون أولى. (مقتل الحسين (عليه السلام): 53ـ54 نقلا عن النور السافر في أعيان القرن العاشر لعبد القادر العيدروسي ص85).

[314] - النجم: 1-18.

[315] - البقرة: 31-32.

[316] - وهذا مفاد الكثير من الروايات الصحيحة اذكر منها على سبيل المثال: ما في صحيحة يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن ربعي بن (*) عبد الله بن الجارود، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن العلم الذي هبط مع آدم لم يرفع، وان العلم يتوارث، وما يموت منّا علام حتى يخلفه من أهله من يعلم علمه أو ما شاء الله. (بصائر الدرجات: 134 ج3 ب1 ح1).

(*) كذا هو الصحيح وما في الأصل: عن وهو تصحيف ظاهر.

وفي موثوقة يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي بن فضال قال: حدثنا محمد بن القاسم، عن أبيه الفضيل بن يسار، (**) قال سمعت أبا جعفر (الباقر) (عليه السلام): إن العلم الذي نزل مع آدم على حاله، وليس يمضي منّا عالم إلا خلفه من يعلم علمه، كان علي عالِم هذه الأمة. (بصائر الدرجات: 136 ج3 ب1 ح6).

(**) كذا هو الصحيح وفي الأصل: عن أبيه عن الفضيل بن يسار، وما فيه من تصحيف ظاهر، ومنشأ التوثيق تابع لابن فضال لما تقدم من القول بشأن واقفيته.

وفي صحيحة احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: العلم الذي نزل مع آم ما رفع، وما مات عالم فذهب علمه. (نفس: 136 ج3 ب1 ح7).

وفي صحيحة أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية العجلي، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن علياً كان عالماً، وإن العلم يتوارث، ولن يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله. (نفس: 138 ج3 ب2 ح2).

[317] - بل إن كل الدواعي التي تبرهن على الإمامة تستلزم البرهنة على هذا العلم. فلا تغفل!.

[318] - وفي ذلك روايات كثيرة أخرى سنشير لبعضها عما قريب.

[319] - الكهف: 66.

[320] - انظر في ذلك كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، لأحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني وهو من أئمة محدثي العامة، فكيف بك مع الخاصة المجمعين على ذلك!.

[321] - بصائر الدرجات: 134 ب1 ح2.

[322] - نفسه: 135 ج3 ب1 ح4.

[323] - سند البصائر هكذا: أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الخزاز، ومعلوم أن الخزاز هنا تصحيف لكلمة الحداد، كما لا يخفى.

[324] - أي ليس تمامه.

[325] - الكافي1: 225 ب33 ح4. وبصائر الدرجات: 155 ج3 ب10 ح1.

[326] - الكافي1: 255 ح3.

[327] - لموضع الحسن بن علي بن فضال، رغم أن بعض الأخبار تؤكد انه رجع عن واقفيته.

[328] - بصائر الدرجات: 217 ـ218 ج4 ب8 ح2. وقوله (عليه السلام) الأخير إشارة إلى قوله تعالى في سورة النحل: ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).

[329] - لموضع عبد الكريم وهو عبد الكريم بن عمرو، وإن كانت روايته هنا قبل وقفه، ورغم أنّ هناك كلام في واقفيته.

[330] - لبصائر الدرجات: 288 ب2 ح13.

[331] - نفس: 322 ج6 ب16 ح1.

[332] - نفسه: 336 ج7 ب3 ح1. وقوله : ينكت من النكت بمعنى التأثير في الشيء. (لسان العرب 14: 277ـ278).

أما النقرة والمناقرة فهو: مراجعة الكلام بين اثنين وبثهما أحاديثهما وأمورهما. (لسان العرب 14: 257).

[333] - نفسه: 337 ج7 ب3 ح10.

[334] - نفسه: 339 ج7 ب5 ح1.

[335] - وكل: ترك.

[336] - نفسه: 345 ج7 ب7 ح2.

[337] - لموضع جعيد الهمداني صاحب الرسول (ص( وأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام)، حيث وردت نفس الرواية وبنفس النص ولكن عن الإمام الصادق (عليه السلام) مما أجبر الضعف الناشئ من كون جعيد يعد مُهملا.

[338] - نفسه: 471 ج9 ب15 ح2. وبنفس المؤدي في معتبرة عمار الساباطي عن الإمام الصادق ح3.

[339] - نفسه: 472 ج9 ب15 ح5.

[340] - الشورى: 52.

[341] - نفسه: 475 ج9 ب16 ح2.

[342] - وهي نفس الرواية التي وزعها ـ كمنشور ـ تيار الانحراف في الشام ليغرر بالعامة ويدفعهم عن معتقدهم الخاص بالعلم الإلهي لأهل البيت (عليهم السلام) في أواخر عام 1997.

[343] - محمد بن علي هذا  مجهول الحال لم يذكره أحد من علماء الرجال، فلا يعوّل على الخبر من جهة السند، وطريق صاحب كتاب الإحتجاج إليه مبهم إذ أنه أرسل الخبر إليه إرسالاً كما هو عادته في الكثير من الأخبار، ولهذا فإن القيمة السندية للخبر لا وجود لها.

[344] - النمل: 65.

[345] - طه: 124ـ 126.

[346] - الاحتجاج: 473 ـ 474.

[347] - مجهول الحال.

[348] - ضعيف ومتهم.

[349] - ضعيف ومتهم.

[350] - إلى هنا ينتهي صدر الرواية المشار إليه، وسترى أن ما بعده يناقض صدره تماما.

[351] - بصائر الدرجات: 250ـ251 ج5 ب6 ح5. ونفس الرواية باسناد مضطرب فيه تصحيف عن ابراهيم بن هاشم عن محمد بن سليمان بن سدير (الصحيح إبدال ابن هنا بعن) وبأدنى فارق. (بصائر الدرجات: 233 ج5 ب1 ح3).

[352] - فهي كما ترى في ضعفها، ولكن منهجنا ـ تبعا لعلمائنا الأعلام هو أنّ التشدد السندي إنما يطلب في مقام الفتوى فحسب، وأما الروايات المتعلقة بالعقائد وأمثال ذلك فإنما يطلب فيها أن تكون هادياً ودليلاً على صحة المعتقد وحدوده، وحيث أن أمور المعتقد من الشؤون العقلية التي لا يجوز التقليد فيها، لذا فإن التشدد السندي لا يبقى ملحّاً بصورة دائمة كما هو الأمر في عالم الفتيا!.

[353] - الجن: 26ـ27.

[354] - أنظر للتفصيل وللاستدلال كتابينا الإمامة بحث في الضرورة والمهام، ومن عنده علم الكتاب؟.

[355] - انظر في ذلك بعض خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديثه عن دقائق في علوم الفيزياء والحيوان والفلك والطب وكذا أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) عن شؤون الفسلجة وعلوم الحيوان والطب والفلك في الكتابين المنسوبين له(*) (الاهليلجة وتوحيد المفضل) المطبوعين في بحار الأنوار، وكذا علوم جابر بن حيان في الجبر والكيمياء المستقاة من حديث الأمام الصادق (عليه السلام).

(*) انظر كلامنا في تأكيد النسبة له (صلوات الله عليه) في تعليقتنا على المجلد الأول من كتاب بحار الأنوار في طبعة دار التعارف.

[356] - كما في موثوقة أحمد بن الحسن بن علن بن فضال، عن عمر[و] بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، أو عن أبي عبيدة، عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن الإمام أيعلم الغيب؟ قال: لأن ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء علّمه الله ذلك. (بصائر الدرجات: 335 ج7 ب2 ح4).

وهذه الرواية تؤيّد ما ورد عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن ابي الربيع الشامي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): العالم إذا شاء أن يعلم علم. (بصائر الدرجات: 335 ج7 ب2 ح1).

وكذا ما ورد عن سهل بن زياد، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن أبي ربيع الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمام (العالم خ.ل) إذا شاء أن يعلم علم. (بصائر الدرجات: 335 ج7 ب2 ح2).

[357] - ما بين القوسين منّا للتوضيح.

[358] - بصائر الدرجات: 344ـ345 ج7 ب7 ح1.

[359] - نفسه: 345 ج7 ب7 ح2.

[360] - نفسه: 345 ج7 ب7 ح6.

[361] - وهي أحد الشبهات التي يطرحها تيار الانحراف المعاصر.

[362] - الأحزاب: 36.

[363] - كما في الصحيحة التي يرويها ثقة الاسلام الكليني عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أنزل الله تعالى النصر على الحسين (عليه السلام) حتى كان ما بين السماء والارض، ثم خيّر: النصر أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالى. (الكافي1: 260 ح8).

[364] - وصف الشيخ الكليني (رضوان الله تعال عليه) أحد أبواب الجزء الأول من أصول الكافي بهذا العنوان: أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا بإختيار منهم. (الكافي1: 258).

[365] - أي الولاية التكوينية.

[366] - انظر: مصباح الفقاهة في المعاملات تقريرات الميرزا محمد علي التوحيدي على أبحاث الخارج لأية الله العظمى السيد الخوئي 5: 33 دار الهادي ـ بيروت.

[367] - أرسل لي أحد الأخوة اللبنانيين الأعزاء ـ ممن لم أعرف ـ مصوّرات أقوال بعض الأعلام، ولعله كان يريد مني أن أدرجها في الكتاب، ولكن حيز الكتاب لا يتسع ذلك فله اعتذاري أو لأن أما شكري له فلساني أعجز لمن أن يشكر مثل هذا الأخ العزيز، سائلا المولى العلي القدير أن يتولى شكره.