عبقات ولائية

محاضرتان للشيخ التبريزي والوحيد

بالإضافة إلى بعض الأسئلة

 

محاضرة الشيخ التبريزي

 

نص ترجمة خطاب سماحة آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي في درس خارج الفقه صباح يوم 12 جمادى الأولى 1418 هـ بخصوص شهادة الزهراء (عليها السلام) والإنكار على تشكيك بعض المضلّين.

... وعندما بلغ بنا الكلام إلى هذا الموضع فإنّني سأتعرض لأمر أصبح محل ابتلاء في زماننا هذا، فالبعض يظن والآخر يتعمد في أن يصوّر أن التآلف والمماشة مع العامة ـ وهم مسلمون وإخواننا في الدين، ويجب أن نعتبر حقوقهم وأموالهم محترمة - يعني رفع اليد عن عقائد الشيعة. ولقد سعى البعض جهلاً والبعض الآخر عن عانى أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) وعلماؤنا المصاعب الجمة طوال الأزمنة للحفاظ عليها، وهي أساس التشيع. إن هؤلاء يحرفون أولئك الشباب الذين لا اطلاع لهم ولا فحص لديهم في حقائق المسائل الدينية وتاريخ الإسلام ولا معرفة لديهم بالمباني والأسس التي يجب أن تؤخذ منها المطالب والعقائد الحقة.

إن هؤلاء المضلّين يتحدثون بأمور لمجرد أن يستسيغها ويتقبلها أولئك الشباب (غير المطلعين، وبدلاً من أن يبينوا الحقائق ليتعلم منها شباب الشيعة (فإنهم يحرفون شباب الشيعة أنفسهم!!).

إن طريقة ترويج مذهب الشيعة كانت قائمة على بيان الحقائق وفي كل فرصة مناسبة باللسان اللين (وبالأسلوب الأمثل)، أما في المواضع التي لا تكون كذلك فإن الواجب هو الإمساك والتحرز عن التحدث. وهؤلاء (المضلون) بدلاً من أن يوصلوا عقائد الشيعة ويبينوا أدلتها ومداركها فإنهم ـ وفضلاً عن حيرتهم الشخصية في عقائد الشيعة ـ يلقون هؤلاء الناس المساكين في الضلالة.

إن قضية التشيع وما يقوله الشيعة واضحة جداً، فلو كان لأي شخص وصية ما (فإن وصية) رسول الله (ص) باتفاق الفريقين هي: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، ونحن نأخذ فيما يرجع إلى الإسلام من الأئمة (عليهم السلام).

ومن الأدلة القاطعة للشيعة التي لا مجال للخدشة فيها ولا يمكن أن يقع فيها الجهل وعمى البصيرة ـ لمن كانت له بصيرة! ـ هو ما يتعلق بفاطمة الزهراء (عليها السلام)، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) كان ينزل بعد رسول الله (ص) على فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وكان يحدثها بما سيجري على ذريتها، وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يكتب ذلك[1].

ولقد أكثر رسول الله (ص) من الوصية بابنته، ولكن هذه البنت توفيت بعد خمسة وسبعين يوماً من وفاة أبيها، ودفنوها في الليل، وغسلوها في الليل (يتعالى صوت البكاء في المسجد الأعظم) فماذا حدث الزهراء (عليها السلام)، فما الذي حدث بحيث دفنت في الليل وأخفي قبرها؟!

إن هذا آية للجميع، فقد تم على أساس الحكمة، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) أوصت بذلك في وصيتها وعمل المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) بتلك الوصية بحذافيرها، وهذا (العمل إنما كان لغرض) إقامة الحجة على الأجيال اللاحقة لكي تفكر في ذلك، ولماذا كان قبرها مخفياً؟

فالكليني ينقل رواية صحيحة عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بثلاث وسائط فقط، فقد روى عن محمد بن يحيى العطار، عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر أخ الإمام، عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (إن فاطمة صدّيقة شهيدة)[2]. إنها صدّيقة شهيدة (بكاء الحضور).

إن الزهراء (عليها السلام) كانت تبين مقام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكانت تقول إن بعلي جاهد وقدم الخدمات الجليلة للإسلام، وأخبرت أن الحق معه، (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ولن يفترقا).

إن فاطمة (عليها السلام) كانت صدّيقة شهيدة، ولا حظوا تلك الرواية التي رواها الكليني[3] وجاء فيها أن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما دفن فاطمة الزهراء (عليها السلام) حوّل وجهه نحو قبر رسول الله (ص) وقال: (قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري)، (أصوات البكاء) فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي صبر خمساً وعشرين سنة، وهو الذي قال: (صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى)، وهو الذي صبر في القتال والجهاد، يقول بعد وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام): (قل يا رسول الله صبري)! ثم يقول في نفس هذه الرواية: (وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها) (ارتفاع أصوات البكاء) التفتوا جيداً إلى ما سأقول، لقد فسروا الهضم بالظلم، والهضم في أصله بمعنى النقص، وعندما ينقصون شيئاً من شخص فهذا ظلم له، والنقص تارة يرد على الحق فيقال هضمها حقها كما في غصب فدك، لا، (ولكن الهضم هنا لم يكن كذلك) فقد أسند الهضم هنا إلى نفس الزهراء (عليها السلام)، فإذا ضممنا هذا إلى قول ولدها موسى بن جعفر (عليه السلام) (فامة صدّيقة شهيدة) فماذا ستكون النتيجة؟

ولكن ظهر أشخاص وبعضهم معممون ومنتسبون للسادات، (ذرية النبي (ص)) فهؤلاء ينكرون (شهادة الزهراء (عليها السلام)) يعني ينكرون قول موسى بن جعفر (عليه السلام) من أنها صدّيقة شهدية، فاحذروا ونبّهوا غيركم!

وقد سمعت - وإن شاء الله لا يكون الأمر كذلك - إنهم في هذه الحوزة العلمية يريدون أن يعقدوا مجلساً باسم شهيد عظيم وأن يدعو ذلك الشخص الضال المضل ليخطب في تلك الجلسة، ونسأل الله أن لا يتم الأمر بهذا النحو، فهذه الحوزة هي ركن التشيع، والحوزة هي المكلفة بحفظ التشيع، وهؤلاء الذين هم على هذه الحال (من الضلال) يجب أن لا يتخذ معهم هذا النوع من التعامل في هذه الحوزة بحيث ينعكس الأمر عند الشباب ويكون دليلاً لهم على حسن حاله، ويقال إن مثل هذا الشخص ذهب إلى الحوزة وكانت له جلالة واحترام في مجلس ابن آية الله الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، فقد جعلوا ذلك الشهيد العظيم (السيد مصطفى الخميني) قميص عثمان وهو الذي خدم الإسلام والشيعة وهذا البلد، إنهم يريدون أن يعقدوا باسم هذا الشهيد مجلساً ومؤتمراً ليأتي مثل هؤلاء الأشخاص (المضلين) ويحاضروا.

إنني أقول والله شاهد على ما أقول إن قلوبنا ممتلئة دماً و قيحاً)، فهؤلاء يفسدون عقائد الشباب، والرسائل التي تصل إلينا من الخارج جعلتنا في حيرة من الأمر. إن الترويج لأولئك فيه إشكال شرعي وغير جائز إلا أن يعود هذا الشخص ويقول إن ما قلته من الكلام كان اشتباهاً، ولا عيب في ذلك فالإنسان غير معصوم، وحينها سيكون أخاً لنا وشخصاً كبيراً، ولكنه ما دام باقياً على حاله فلا.

لقد قلنا إننا نريد الاتحاد ولكن ليس بالشكل الذي نحذف فيه عقائد الشيعة ونبطلها، كلا فنحن لا نريد الاتحاد بهذا النحو، وإن إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) يتألم قلبه من ذلك (هذا الشكل من الوحدة)، وإن ما نصبوا إليه هو التآلف.

ولقد ذكرنا في أول حديثنا إن الأسلوب الذي ينبغي أن يبلّغ الإنسان فيه هو (الأسلوب الأمثل) (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وهذا الأسلوب والخطاب شامل للكفار فضلاً عن إخواننا في الدين. إن أكثر هؤلاء المخالفين قاصرون، وهؤلاء لا يعذبون يوم القيامة لأن أكثرهم لا يعلمون (الحقيقة)، ولقد سافرت كثيراً للتبليغ إلى شمال العراق حيث يمتزج السنة وبالشيعة، وذات يوم سألت سنياً: ما هو مذهبك؟ فأجاب: حنفي، قلت له: هل إن اسم أبي حنيفة مذكور في القرآن؟ فقال: بالطبع! ويجب أن يذكر اسمه في القرآن، وهل يعقل أن لا يكون اسمه موجوداً! ولم يكن يعلم بحقيقة الأمر، وكانوا قد لقّنوه بذلك (فصدق مقولتهم)، فهؤلاء معذورون، وأنا لا أقول إن هؤلاء القاصرين يدخلون جهنم، وهؤلاء إخواننا، وكذلك الآخرون المقصّرون هم أخوة لنا أيضاً، ووظيفتنا في زمان الهدنة هي مداراتهم لا أن نرفع اليد ونتناول عن عقائدنا.

إن أساس الدين قائم على التبليغ، وهو الدور الذي تضطلعون به، وعليكم أن توصلوا هذه الأمور التي ذكرناها إلى الناس، وأن تظهروا الحزن على فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي يصادف وفاتها يوم غد، وأن تذكروا مصائبها لأنها تذكر بيننا وفي مجالسنا الخاصة، فالموالون صفتهم أنهم (يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا).

وكما ذكرنا سابقاً عن رواية الكليني فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطاب رسول الله (ص) بعد دفن فاطمة (عليها السلام).

(فأحفّها السؤال، واستخبرها الحال) أي اسألها كثيراً عما أصابها من هذه الأمة، (فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً)، فقد أضمرت في قلبا الكثير من المصائب ولم تجد في الدنيا موضعاً لكي تتحدث بغصصها، ويعلم من هذا أنه كان في قلبها بعض المصائب التي لم تذكرها حتى لعلي (عليه السلام) (بكاء الحاضرين).

أقسم على الله بعزته وجلاله أن يهدينا وإياكم (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، إن هذه أبواب أهل البيت (عليهم السلام) التي أظهرها الله لنا، فلو لم يكن لطف الله ورحمته لم نكن لنحظى بهذه الهداية، واعلموا أن أهل البيت الذين لاقوا هذه المصائب في هذه الدنيا فلن يضيع أجرهم عند الله، أما ما تعقد الأمة (المؤمنة) آمالها عليه للحصول على شفاعة رسول الله (ص) وخاصة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهو هذا البكاء وهذه المجالس، فهذه أسباب الشفاعة، فإذا خاطبت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الله سبحانه وتعالى يوم المحشر، وقالت: إن هذا قضى عمراً وهو يبكي على أولادي، (ارتفاع أصوات البكاء) فالله لا يرد ولا يلغي شفاعتها، ويجب أن نغتنم أسباب النعمة التي في أيدينا لكي تبقى في أيدينا إلى الختام إن شاء الله تعالى.

وأسأل الله أن يوفقكم وجميع المؤمنين للعمل والتمسك بأهل البيت (عليهم السلام)، ونسأله أن يهدي من يقبل الهداية من هؤلاء الأشخاص الذين يمشون على هذا الطريق (الضلال وإنكار شهادة الزهراء) سواء عن علم أو جهل، أما الآخرون (الذين لا يقبلون الهداية) فالله تعالى هو الأعراف بما فيه الصلاح فيما سيفعله معهم.

والحمد لله رب العالمين

 


[1] الكافي: ج 1، ص 241، ح 5.

[2] الكافي: ج 1، ص 458، ح 2.

[3] الكافي: ج 1، ص 458، باب مولد الزهراء (عليها السلام)، ح 3.

 

 

 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 

 

محاضرة الشيخ الوحيد

نص ترجمة خطاب سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني في درس خارج أصول الفقه صباح يوم 12 جمادى الأولى 1418 هـ ول منزلة الزهراء (عليها السلام) والإنكار على تشكيك بعض المضلين.

بمناسبة يوم غد فإنني سأتطرق لرواية مشتملة على خصوصيتين:

الأولى: صحة السند، فالرواية صحيحة السند، ورواة الحديث هم: أحد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب، ومن الناحية الفنية فإن سند الرواية مشتمل على قلة الوسائط إلى الإمام (عليه السلام)، وفيما يرتبط بالوثوق بالصدور فإن احتمال عدم الصدور وبحساب الاحتمالات الرياضية يكون ضعيفاً، هذا مع أن السند مشتمل على أحد أصحاب الإجماع (الحسن بن محبوب).

الثانية: فقه متن الرواية، ففي هذه الرواية يُسأل الإمام عن شخصين، أحدهما راو للحديث له فقه، ويقابله من ليس له رواية، وكان جواب الإمام (عليه السلام) عن هذا السؤال أن راوية الحديث المتفقه في الدين أفضل من ألف عابد ليس له رواية، وبعد الفراغ عن مرحلة صحة السند فإن فقه وفهم نفس هذا الحديث أيضاً محتاج إلى دقة النظر.

فالإمام (عليه السلام)جعل الموضوع لمحمول الأفضلية من ألف عابد مركباً من جزأين، ولابد أولاً أن يكون المفضّل عليه عابداً، وأما ما هو المقصود من العبادة فذلك بحث عميق، فما هو الحد الذي يجب أن يبلغه الفرد لكي يصح أن يطلق عليه عنوان العابد؟ فلو وصل عدد مثل هذا العابد إلى الألف فإن الألف يصير مفضولاً، أما الأفضل فهو من اجتمع فيه أمران وعنوانان، أحدهما أن يكون متفقهاً في الدين، والثاني أن يكون راوية للحديث.

والبحث في هذين العنوانين أيضاً يلزمه مجاله واسع، فما هي الشرائط التي يجب توفرها لكي يتعنون (يصدق على) الشخص بكونه راوياً للحديث، وما هي الخصوصيات التي يلزم وجودها لكي يكون الشخص متفقهاً، ذلك التفقه الذي يكون ظرفه الدين، فمثل هذا الرجل يصل إلى مقام بحيث يكون أفضل من ألف عابد، ذلك الألف الذي يستحق أن يطلق عليه في رأي الإمام الصادق (عليه السلام) عنوان العابد. (نص الرواية كما رواها الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب، قال: (سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين أحدهما فقيه راوية للحديث، والآخر عابد ليس له مثل روايته، فقال ك الراوية للحديث المتفقه في الدين أفضل من ألف عابد لا فقه له ولا رواية)[1].

والسر في ذلك أن جميع الآلام و (المصائب) منشؤها السفاهة، وعلاج جميع الأمراض هو الفقاهة، ولو أن الإنسان وصل للسفاهة ولو كان ذلك الإنسان تحت عمامة وذا لحية عريضة كثة، فإنه سيرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) مثل (وفي مستوى) مرأة عادية ويرى مقامها قابلاً للنيل من قبل بقية النساء، فهي إمرة ولكنها ربة بيت مثالية! وهي امرأة نموذجية في القيام بالوظائف النسوية في العبادات والوظائف، جاءت وماتت وقضي الأمر!

أما لو وصل الإنسان إلى حد الفقاهة فسيرى حينها أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليست امرأة، بل لو أراد أن يعبر عنها فلابد أن يكون تعبيره مركباً من كلمتين لكي تستطيع تلك الكلمتان الحكاية عنها، وتلك الكلمتان هما (الإنسية والحوراء).

فلو وصل الإنسان إلى حد ومستوى الفقاهة فإن المسألة ستصل إلى هذا الحد، وتنتهي إلى هذه الحقيقة وهي أنها ليست امرأة، بل هي المرأة التي عندما عرج النبي (ص) ليلة المعراج إلى العالم الأعلى، وعندما فتحو باب الجنة للنبي الخاتم (ص) رأى أنه كتب على ذلك الباب: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي حب الله، والحسن والحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله). وليس هذا مذكوراً في كتب الشيعة فقط، بل أن أعيان السنة والشيعة قد اتفقت كلمتهم على ذلك.

والفقيه يعرف ما تعنيه هذه الجمل، ولماذا يجب أن يفتح باب الجنة بهذه الكلمات المعدودة، وما هي النكتة والسر في أن افتتاح المطلب يكون بـ (لا إله إلا الله) وباسم الله وانتهاؤه وختمه باسم فاطمة الزهراء، وهنا يفترق الحد الفاصل بين الفقاهة والسفاهة، والفقه في الدين هو أن يعرف من هي فاطمة، وما الذي فعلته فاطمة الزهراء؟ ولكن الإنسان الذي يعيش في هذا اليوم لايزال غير بالغ (وغير مدرك للحقيقة)، وهو سيبلغ عندما يعرف أن الصدّيقة الكبرى موجود  فوق أن يعبر عنه وأن يوصف، وأن أي عبارة مهما بلغت من الدقة ستكون قاصرة من جهة الموازنة مع الواقع وبيان الحقيقة، وحينئذ سيفهم ويدك أنّه (إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها)[2].

ونحن سنذكر اليوم رواية واحدة فقط بحسب ما يقتضيه الحال والمقام، وذلك لأن من أوجب الواجبات عليكم جميعاً ووظيفة كل فرد منكم في برهة الضلال الحالية، التي وقع فيها تضييع حقوق أحق أرباب الحقوق من قبل الله تعالى، أن تبذلوا قصارى جهدكم من الناحية الفكرية، وأن تكونوا علماء مقتدرين، وأن تصبحوا فقهاء في الدين ومبانيه وأئمته، وأن تنقذوا الناس وتنجوهم من هذه الضلالات الناجمة على أثر فتنة بعض المتلبسين بالعمامة المؤيدين من قبل ممالك الكفر في مقام الإخلال بأصول المذهب ومبانيه وأسسه، وذلك باستخدام حربة العلم والاستدلال الذي يخضع له كل مفكر غير متعنت في قبال الحق.

وهذه الرواية التي سنتعرض لها، لها جذور في مدارك العامة سواء في كتب التفسير أو الحديث أو التاريخ، أما في كتب التفسير فقد نقلها السيوطي في الدر المنثور، وفي كتب الحديث رواها الحاكم النيشابوري في المستدرك، وفي المصادر التاريخية ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد[3].

ولكن كل هذا غير مهم عندنا، بل المهم هو هذه الرواية صحيحة السند، فجميع رجال الرواية وإلى الإمام الصادق (عليه السلام) ممن يعتمد عليهم ـ بلا إشكال ـ في الفتوى في مهمات الأحكام الشرعية. (وهي ما رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله عليه السلام)[4].

وخلاصة المطلب هو أن النبي (ص) وفي الليلة التي عرجوا به إلى الملأ الأعلى ـ ومعراج النبي إلى الملكوت الأعلى متعدد كما ثبت في محله ـ قال: إن جبرائيل (عليه السلام) أتى بي عند شجرة، وفي مصادر العامة كان تعبير النبي (ص) عن تلك الشجرة: إني لم أرى أجمل وأحسن من تلك الشجرة، ولم ار ابيض من ورقها، ولا أطيب من ثمرها[5] فما هي تلك الشجرة؟

إنها شجرة أطلق عليها القرآن كلمة (طوبى)، وطوبى مصدر من طاب على وزن بشرى وعقبى، وهذا المصدر حمل على هذه الذات، والروايات حول هذه الشجرة من الكثرة بحيث نستغني عن البحث فيها سواء من جهة السند أو الدلالة.

وطوبى لها خصوصيات مذكورة في مصادر العامة والخاصة، فجذر هذه الشجرة مستقر في بيت النبي الخاتم (ص)، وهي شجرة غرسها سبحانه وتعالى بيده[6]، وفقه الحديث يكون في هذه الكلمات، فدققوا جيداً في كل كملة منها.

فغارس الشجرة هو الله مباشرة، وجبرائيل وميكائيل وإسرافيل لا دور لهم هنا، أما محل الغرس فهو بيت أول شخص في الوجود، فهذه الشجرة قد زرعت في هذا البيت، وأصل ماء هذه الشجرة من ثلاثة عيون تجري تحتها، وهي السلسبيل والتسنيم والمعين، وهذه العيون رواؤها[7].

وأما أغصان هذه الشجرة فهي متدلية في جميع قصور الجنة، ولابد للداخل في قصورها أن يأخذ ما تشتهيه الأنفس من هذه الأغصان[8].

ولقد أتوا بالنبي (ص) في تلك الليلة (ليلة المعراج) عند هذه الشجرة، وقطفوا ثمرها، وناولوه، فماذا كان أثرها؟ الرواية تقول إن النبي (ص) كان يكثر من تقبيل فاطمة (عليها السلام)، وتقبيل الأب لابنه وابنته أمر اعتيادي، إلا أن هذا التقبيل قد خرج عن الحد المألوف، مما هيج عائشة وأثارها، في جوابها: (إنه عندما أسري بي في تلك الليلة أخذني جبرائيل إلى جوار تلك الشجرة، وناولني ثمرة قطفها منها، فتحولت تلك الثمرة إلى ماء في صلبي، ومن ذلك الماء انعقدت نطفة الزهراء (عليها السلام) فكلما قبلتها شممت رائحة شجرة طوبى).

وهنا موطن ظهور الفقاهة، فالفقيه هو الذي يجب أن يعرف الارتباط الضروري بين البدن والروح، وقد بحث الشيخ الرئيس ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي وقطب الدين الشيرازي وإلى حد ما فخر الدين الرازي في هذه المسألة بالمستوى الابتدائي، وتطرقوا إلى نوعية الارتباط بين البدن والنفس وتأثير النفس في البدن وتأثر البدن بالنفس وكذلك بالعكس، وهنا تفتح نافذة معرفة الحقيقة لفقهاء وعلماء البشر، فلو أنه قد قدّر لإنسان أن تكون نطفته الجسمانية منعقدة ومأخوذة من ثمرة شجرة طوبى، فما هو المقدر والمراد لتكوّن ذلك الجسم؟ وما لم يتكون ذلك البدن ولم يصل إلى حد استواه [فإذا سوّيته] فإنه لن يصل الدور إلى [نفخت فيه من روحي][9]، وتلك الروح هي روح يكتب الله بذاته اسمها على باب الجنة (فاطمة خيرة الله)، ومن يكون هذا واقع بدنه فكيف ستكون روحه؟ فما هي الروح المتناسبة لمثل هذا الجسم؟ وما هو المستقر في تلك الروح؟ وما المقصد والغاية؟

إن النظام ـ في هذا العالم ـ قائم على نظام الحكمة، فهناك حكيم يقوم بإدارة كل هذه المنظومة غير المحدودة في حس الإنسان [ولا تأخذه سنة ولا نوم]، وهو يدير كل عالم المادة الذي ذكر الحكيم السبزواري أن نسبته إلى عالم الوجود هو نسبة حجر المثانة، فهذا الحكيم الذي يدير كل تلك العوالم ما هو غرضه من هذا الفعل؟ فهو يعرج بالشخص الأول في الوجود إلى الملأ الأعلى، ويوصله عند شجرة طوبى، والله سبحانه يبين شجرة طوبى لعيسى (عليه السلام) في الإنجيل، ويذكر لنبيه في القرآن ويقول: [طوبى لهم وسحن مآب][10]. فيقطف ثمرة من تلك الشجرة ويعطيه إياها، ثم يحول تلك الثمرة إلى نطفة، ثم يضع تلك النطفة في رحم تلك المرأة التي وهبت كل ما تملك في سبيل الله، المرأة التي عندما كانوا يجمعون حليها لا يرى من يقف في أحد الجانبين الواقف في الجهة الأخرى، وبلغ بها الأمر أن قالت للنبي (ص) وهي على فراش الموت: إنني لا أملك من المال ما يفي بكفني، فبعث الله جبرائيل وأوحى إلى نبيه أن الله سيتكفل بكفن خديجة، فالمرأة التي قامت بكل تلك الأعمال أصبحت أما لمثل هذه المرأة ( فاطمة الزهراء عليها السلام)، أما الأب فهو ذلك الأب العظيم، أما الثمرة التي بهذا الشكل فيجب أن تصبح نطفة للتكون، ولكن كل هذا يعتبر ألف باء المطلب والحقيقة، وأما نهاية المطلب والسير فيدركه الحكيم والفقيه الذي طوى جميع الجهات العقلية والنقلية بدقة.

وهنا رواية وردت بمضامين مختلفة في مصادر العامة والخاصة، وتقول أن النبي (ص) خرج ذات يوم وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: (من عرفها فقد عرفها)، انظروا إلى التعبيرات، فمجلسنا محتاج إلى التنبيه فقط، فماذا يعني أن يخرج ممسكاً بيد فاطمة؟ فهذا الفعل الذي قام به النبي (ص) مع هذه المرأة هو  نفس الفعل الذي قام به مع ذاك الرجل يوم الغدير، ففي يوم الغدير قام بهذا العمل مع الرجل الأوحدي في العالم، فقد أمسك بيده وعرفه للناس، وفي ذاك اليوم (الذي خرج بالزهراء) قام بنفس الفعل مع المرأة الأوحدية في العالم، فقال (ص): (من عرفا فقد عرفها) أما من لم يعرفها فليعرفها، فكيف عرّفها النبي (ص)؟

لقد عرّفها بالتدريج مرتبة بعد مرتبة، وكلام النبي (ص) له ظهور و (معنى) خاص لكل فرد، وفي المرتبة الأولى عرفها بأنها (بضعة مني)، ولا حظوا ما تعنيه كلمة (البضعة)، هذا في المرتبة الأولى، ثم في المرحلة الثانية تدرج من النزول نحو الصعود فقال (ص): (وهي قلبي الذي بين جنبي)[11]. وعنما يأتي النبي (ص) بياء المتكلم في (قلبي) فإن هذا الضمير الذي يدل على ذات النبي (ص) يختلف (معناه) عن كلمة بدني، فالبدن في بدني مضاف وإلياء مضاف إليه، وهنا التعبيرات تقول: (بضعة مني)، و (قلب بين جنبي)، فلو قلنا إن الياء يشير إلى بدن النبي فإن المعنى سيكون حينئذ انّ هذين الجنبين هما جنبان لبدن النبي (ص)، فدققوا في العبارة، فقد نقول مرة: هذه بضعة من بدني، ومن الواضح أن بضعة من بدني يختلف معناه عن بضعة مني، والقلب الذي بين جنبي بدني يختلف معناه عن القلب الذي بين جنبي.

هذان الجنبان هما جنبا ذلك الفرد الذي إنيّته مبدأ ومنشأ جميع فضائل البشرية، (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين)[12]. فالقلب الذي يكون بين جنبي مثل هذا الموجود معناه أنه إذا أخذوا فاطمة مني فإنني سأبقى مع بدن بلا روح، فأي مقام بلغته هذه المرأة بحيث حازت على مثل هذه المعاني (السامية)؟

لقد أضحت قلباً بين جنبي العلم والعمل، فالجنب الأيمن للنبي (ص) هو العلم، والجنب الأيسر منه هو العمل، ذلك العلم الذي اضمحلت فيه علوم جميع الأنبياء، وذلك العمل الذي انمحت معه كل أعمال الأولياء، والقلب الواقع بين جنبي العلم والعمل هو الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وحينئذ يتضح لماذا قال الله تعالى: (هُم، فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها)[13]، فما الذي فعلت حتى أصبحت محوراً؟ وما الذي عملت حتى صارت قطباً؟ وما الذي صنعت حتى غدت قلباً لقلب عالم الوجود؟ وما الذي قامت به بحيث وصلت إلى ذلك المقام الذي قال فيها النبي الخاتم (ص): (من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة)[14]، فما الذي عملت؟ لقد قمت بعمل لا يعلمه أحد سوى الله وخزّان أسرار الله، فأنت التي قال الإمام الصادق (عليه السلام) في شأنك أن الناس والطبيعة البشرية لو ثابروا بجد و (سعي حثيث) فإنهم لن يصلوا إلى كنه مقامك، ونص كلام الإمام هو: (إن الخلق فطموا عن معرفتها).

وبعد التأمل فيما قلناه ـ وهو أبجد القضية ـ يتضح كلام الإمام، فالقضية هي أنه وصل إلى ذلك الموضع الذي قال فيه: (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها)، ففكروا وتأملوا، وابحثوا عن فقه هذه الكلمات (والتدرج في السؤال والدعاء)، أما المرحلة الأخيرة فهي كلمة وهي ختم الكلام، فقد عرجوا بالنبي (ص) بجوار شجرة طوبى وقطفوا له من ثمرها، وعقدوا نطفة فاطمة، ونفخوا روحاً في هذه النطفة، ووضع الله في تلك الروح أشرف وأغلى جوهرة في خزينته.

والمسألة المهمة هنا هو معرفة السر في قوله (عليه السلام): (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها)، فما هو هذا السر؟

إن ليلة المعراج وشجرة طوبى وثمرة الجنة كلها مقدمة لهذا السر، أما بيان المقصود من هذا السر فيلزمه فرصة أخرى، هذا السر كان بنفسه سراً، وهو سر الله الأعظم، فقلبها كان سراً، وما كان في ذلك القلب كان سراً، وآلامها كانت سراً، ومحنتها ولوعتها كانت سراً، وكل ما لاقته كان سراً، وقدرها ومقامها كان سراً، فهي سر في سر، والقبر الذي اكتنف ذلك الجلد والعظم و (ذلك البدن النحيل) كان سراً، فما الذي عملتيه؟ وإلى أين وصلت؟

وما أستطيع قوله هنا هو أنها قامت بعمل أحيت به آدم (عليه السلام) ومن بعده إلى النبي الخاتم (ص)، وأحيت به اسم الله، وأحيت جميع النواميس الإلهية.

لو أن مؤمنا مات فإن أول تحفه يعطونه إياها و (يبشرونه بها) في قبره أنهم يقولون له: (لقد غفر لكل من شيع جنازتك)[15]. والزهراء (عليها السلام) كانت تعلم بهذا ولكنها قالت لعلي (عليه السلام): (يا علي لا تُعلم به أحداً)، فهذا العمل أحدث ضجة، ويجب أن يتمعن ويفكر العالم بأسره في هذا الطلب وينظر ماذا حدث؟ فالنبي (ص) قد رحل من عالم الدنيا وكانت فاطمة (عليها السلام) في قمة النشاط ومنتهى السلامة، ولكن بعد مضي خمسة وسبعين يوماً في الليلة التي أعدوا جنازتها لتغسيلها، أنها لا أستطيع أن أقول ماذا حدث، ولكن التعبير الوارد هكذا: (كان كالخيال)[16]، أي أن البدن الملقى على خشبة المغتسل كان عبارة عن شبح فقط، ولم يبق إلا نفس خافت أو مقلة إنسانها باهت.

والحمد لله رب العالمين


 


[1]  بصائر الدرجات: ص 28، ح 10، عنه البحار: ج 2 ص 145، ح 9.

[2]  تفسير فرات: ص 218، عنه البحار  ج 43 ص 65، ح 58.

[3]  الدر المنثور: ج 4، ص 153؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 156؛ تاريخ بغداد: ج 5، ص 87.

[4]  راجع تفسير القمي: ج 1، ص 365، عنه البحار: ج 43، ص 6 ح 6.

[5]  راجع البحار: ج 37، ص 64، ح 36.

[6]  راجع البحار: ج 2، ص 317، ح 2 / ج 8، ص 143، ح 63 / ج 71، ص 371، ح 65.

[7]  راجع البحار: ج 8، ص 118، ح 3 / ج 8، ص 19، ح9 / ج 10، ص 103، ح 1.

[8]  راجع البحار: ج 8، ص 178، ح 132 / ج 93، ص 345، ح 9.

[9]  الآية 29 من سورة الحجر، وكذلك الآية 72 من سورة ص.

[10]  الآية 29 من سورة الرعد.

[11]  البحار: ج 43، ص 48، و ص 80، ح 69.

[12]  البحار: ج 16، ص 402، ح 1 / ج 18، ص 278، ح 38.

[13]  عوالم سيدة النساء: ص 641.

[14]  البحار: ج 43، ص 55، ح 48 / ج 97، ص 194، ح 10.

[15]  وسائل الشيعة: ج 2 ص 820، ح 3 و 4.

[16]  البحار: ج 78، ص 182، ح 40.

 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 

نص السؤال الذي قدّم لسماحة الشيخ الخراساني والشيخ التبريزي حفظهما الله

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة المرجع الكبير زعيم الحوزة العلمية سماحة آية الله العظمى --------------- دام ظله الشريف.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد الدعاء لكم بدوام العافية وطول العمر :

نعرض بين يديكم نماذج من مقولات ( محمد حسين فضل الله ) انتشرت حول العقائد والمعارف الشيعية كالإمامة وما يتعلق بالصديقة الطاهرة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، نرجو التفضل ببيان نظركم الشريف الذي يعبر عن نظر الطائفة المحقة في هذه الموارد :

1- في معرض الحديث عن المرأة :" وهذا ما نلاحظه في بعض التجارب التاريخية التي عاشت فيها بعض النساء في ظروف متوازنة من خلال الظروف الملائمة لنشأتها العقلية والثقافية والاجتماعية. فقد استطاعت أن تؤكد موقعها الفاعل ومواقفها الثابتة المرتكزة إلى قاعدة الفكر والإيمان، وهذا ما حدثنا الله عنه في شخصية مريم وامرأة فرعون وما حدثنا التاريخ عنه في شخصية خديجة الكبرى أم المؤمنين (رض) وفاطمة الزهراء ( ع) والسيدة زينب ابنة علي (ع). إن المواقف التي تمثلت في حياة هؤلاء النسوة العظيمات تؤكد الوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي ملأت حياتهن على مستوى حركة القوة في الوعي والمسؤولية والمواجهة للتحديات المحيطة بهن في الساحة العامة.. وقد لا يملك الإنسان أن يفرق بأية ميزة عقلية أو إيمانية في القضايا المشتركة بينهن وبين الرجال الذين عاشوا في مرحلتهن.

وإذا كان بعض الناس يتحدث عن الخصوصيات غير العادية في شخصيات هؤلاء النساء فإننا لا نجد هناك خصوصية إلا الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي و الالتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النمو الذاتي ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهم عن مستوى المرأة العادي لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي ".

2- في معرض الحديث عن حديث الغدير : " إن مشكلتنا هي أن (حديث الغدير ) هو من الأحاديث المروية بشكل مكثف من السنة والشيعة، ولذلك فإن الكثير من إخواننا المسلمين السنة يناقشون الدلالة ولا يناقشون السند في الوقت الذي لابد أن تدرس القضية من خلال ذلك أيضاً.

3- وأيضاً في معرض الحديث عن الغدير : " بيعة الغدير مما يذكره السنة والشيعة لكن دخل بعض الناس على الخط كما يقرأ في كلمة ( مولى ) من كنت مولاه فعلي مولاه يعني ناصره، فالقضية ربما كانت من خلال طبيعة الكلمات مجالاً لأن النبي (ص) مثلاً بأذهان الناس يصير شك أما لماذا لم يكتب النبي (ص) كتاباً كان النبي ذاك الوقت يريد للتجربة أن تتحرك ".

فمع الالتفات إلى تأكيد هذا النص على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يبلغ قضية خلافة علي عليه السلام ببيان يقطع الشك ألا يعد هذا انحرافاً عن المذهب ؟

مولانا الأجل : ما هو الحكم الشرعي فيمن يطلق هذه المقولات ثم يرجع عنها حينما يواجه باستنكار من الحوزات العلمية وجمهور المؤمنين ثم إذا هدأت الأمور عاد إلى مقولاته الأولى وما هو حكم من يؤيد هذه الأفكار ويدافع عن قائلها ويدعوا إليه وما هو الموقف الشرعي من هذه المقولات؟هل يلزم السكوت حذراً من الفتنة أم لا ؟

دمتم ذخراً للإسلام والمسلمين وكهفاً للمؤمنين.                                            جمع من علماء الحوزة العلمية بقم

25/5/1418

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 

نصّ الجواب الذي أفاده سماحة الشيخ التبريزي دام ظله

بسمه تعالى

المقالات المذكورة خلاف المسلمات بل ضرورات المذهب الحق وقائلها خارج عن طريقة المذهب الإثني عشري وقد أجبنا في استفتاءات متعددة حول هذه الأمور وغيرها من القضايا بما وسع المقام ونقول هنا على الإجمال : إن الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام حوراء صديقة على ما هو مقتضى الآيات الكريمة كآية التطهير وآية المباهلة وسورة الدهر وغير ذلك وقد صح عن أئمتنا (ع) أنها صديقة شهيدة ميزها الله في خلقها عن سائر النساء لعلمه بأنه لولا هذه الكرامة في خلقها أيضاً لامتازت عن سائر النساء كما هو الحال في خلق الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. وما يقال بخلاف ذلك باطل مناف للآيات والأخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام.

وأما قضية الغدير فشهرتها بين الفريقين وكونها من الأمور المسلمة والمروية بطرق متعددة بحيث تصبح من المتواترات إجمالاً منعت إلى يومنا هذا من المناقشة في سندها ودلالتها على نصب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولياً على المسلمين عامة وإعطائه هذه الولاية التي هي عدل ولاية النبي صلى الله عليه وآله من ناحية الزعامة على الرعية بأمر من الله تامة على من يجد من نفسه أدنى جرأة على الإعتراف بالحق.

ومن يتكلم أو يتفوه بخلاف ذلك فلا يكون مراده إلا إضلال المؤمنين الضعفاء، ومن يؤيد هذه المقالات ويساهم في نشرها بأي نحو ويعاون قائلها بأي شكل من الأشكال يدخل في عنوان من يشري مرضاة أعدائنا بسخط الخالق.

ولا يخفى أن إلقاء هذه الشبهات والمقالات الباطلة التي أجبنا عنها موجب لانشغال المؤمنين والمسلمين عن قضاياهم المصيرية في مواجهة أعداء الإسلام كما بدت معالم ذلك اليوم.

جواد التبريزي

الختم الشريف

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 

نص الجواب الذي أفاده سماحة الشيخ الخراساني دام ظله الشريف

بسمه تعالى شأنه وتقدّست أسماؤه

المقالات المذكورة إضلال عن سبيل الله وإفساد في العقائد الحقة.

ماذا يريدون من الصدّيقة المظلومة الشهيدة أو لم يكفها ما جرى عليها من الأولين حتى تصدى الآخرون لاغتصاب مقاماتها الغيبية الثابتة بالنص الصحيح الصريح وتسالم عليها أعلام العلماء وفقهاء الفرقة المحقة. وماذا يحصل لهم من الحطّ من قدسيتها التي لا يدركها إلاّ الراسخون في العلوم العقلية والنقلية، سوى انكسار قلوب أئمة الهدى، وابتهاج نفوس أئمّة الضلالة والرّدى، والذي يهوّن الخطب قوله تعالى ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ).

أمّا فتح باب البحث في سند حديث الغدير المقطوع الصدور فمن أكبر الجنايات. ماذا يطلبون من الخدمة لأعداء الفرقة الناجية بإيجاد التزلزل في أركان المذهب وتضييع حقّ سيّد المظلومين ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) مفادها أن النبي صلى الله عليه وآله لم يبلغ خلافة علي عليه السلام ببيان قاطع للشك ؟ كيف وقد بعثه الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وإنقاذ عباده من الجهل والريبة، خصوصاً في مسألة الخلافة والبعثة. ما هذه الجسارة على مرتبة الخاتمية بأنه ألقى الأمة في الحيرة وأراد للتجربة أن تتحرك. نعم قد تحركت التجربة إلى ما جرى على الصديقة الشهيدة والسبط الأكبر وإراقة الدم الذي بكت عليه أظلّة العرش وما يرى وما لا يرى وما وقع من الفتن في الملة والأمة.. والأشياء تنتهي إلى أسبق عللها...وليس هذا إلاّ إخماد ضوء النبوة وإطفاء نور الولاية، تكاد السماوات يتفطرن وتتشقق الأرض وتخر الجبال هدّا.

وأما إثارة الفتن بإلقاء تلك الشبهات، فهو من أعظم المحرمات ولا يكفي التراجع لدى بعض الناس فإن التوبة من كل ذنب بحسبه، فإن تابوا بما يناسب ذنوبهم وإلاّ فلا ريب في أنهم من الضالين المضلين ونستجير بالله أن يكون التراجع كما في السؤال خوفاً ونفاقاّ ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا ) ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون ). وكل من أيدهم بأي نحو كان فقد أعان على هدم مباني الشريعة الغراّء.

وأمّا السكوت خوفاً من الفتنة فأي فتنة فيما إذا ظهرت البدع في العالم أن يظهر العالِم علمه، والعجب أنه إذا قيل فينا ما يمسّ كرامتنا فلا نرى فتنة فيما يحدث من الإطراب في الأمة، فإذا أهينت مقدسات الوجود نعتذر عن السكوت بخوف الفتنة !!!منهم بدأت الفتنة وإليهم تعود.

الوحيد الخراساني

الختم الشريف

 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 

اضغط هنا للرجوع إلى صفحة (الكتب)

 

اضغط هنا للرجوع إلى الصفحة الرئيسية