مقاماته في الجهاد مع النبي صلوات الله عليه وآله ومواقفه ومشاهده مجملة مختصرة

الحكم بن عتيبة، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : كانت راية رسول الله مع عليّ في المواقف كلّها: يوم بدر، ويوم اُحد، ويوم حنين ، ويوم الأحزاب ، ويوم فتح مكّة وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة في المواطن كلّها ويوم فتح مكّة ، وراية المهاجرين مع عليّ  .

ومن مقاماته الجليلة : مواساته رسول الله
ليلة الفراش وبذله مهجته دونه ، قال ابن عبّاس : لمّا انطلق النبيّ إلى الغار أنام عليّاً عليه السلام في مكانه وألبسه برده ، فجاءت قريش تريد أن تقتل رسول الله ، فجعلوا يرمون عليّاً وهم يرون أنّه النبيّ ، فجعل يتضوّر فلمّا نظروا إذا هو عليّ  .

وروى علي بن هاشم ، عن محمّد بن عبدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ،عن جدّه أبي رافع قال : كان عليّ يجهّز النبيّ
حين كان في الغار ياتيه بالطعام والشراب ، واستاجر له ثلاث رواحل ، للنبيّ ولأبي بكر ولدليلهم ، وقيل : وخلّفه النبيّ يخرج إليه أهله فاخرجهم ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصاياه وماكان يؤتمن عليه من مال ، فادّى عليّ أماناته كلّها .

وقال له النبيّ
: «إنّ قريشاً لن يفتقدوني ما رأوك» فاضْطَجع على فراش رسول الله ، فكانت قريش ترى رجلاً على فراش النبيّ فيقولون : هو محمّد، فحبسهم الله عن طلبه ، وخرج عليّ إلى المدينة ماشياً على رجليه فتورمت قدماه ، فلمّا قدم المدينة رآه النبيّ فاعتنقه وبكى رحمة له ممّا رأى بقدميه من الورم ، وأنّهما يقطران دماً، فدعا له بالعافية ومسح رجليه ، فلم يشكهما بعد ذلك.

ومن مقاماته في غزوة بدر: أنّ النبيّ
بعثه ليلة بدر أن يأتيه بالماء حين قال لأصحابه : «من يلتمس لنا الماء» فسكتوا عنه فقال عليّ : «أنا يا رسول الله » .

فاخذ القربة وأتى القليب فملأها، فلما أخرجها جاءت ريح فاهرقته ثمّ عاد إلى القليب فملأها فجاءت ريح فاهرقته ، فلمّا كانت الرابعة ملأها فاتى بها إلى النبيّ
فاخبره بخبره ، فقال رسول الله : «أمّا الريح الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثانية فميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثالثة فإسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك » .

رواه محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أبي رافع .

ومنها : أنّه بارز الوليد بن عتبة فقتله ، وبارز عتبة حمزة بن عبدالمطّلب فقتله حمزة ، وبارز شيبة عبيدة بن الحارث فاختلفت بينهما ضربتان قطعت إحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه عليّ بضربة بدربها شيبة فقتله ، وشركه في ذلك حمزة، وكان قتل هؤلاء أوّل وهن لحق المشركين وذل دخل عليهم ، ونصرة وعزّ للمؤمنين .

وقتل أيضاً بعده العاص بن سعيد بن العاص .

وقتل حنظلة بن أبي سفيان ، وطعيمة بن عدي ، ونوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش ، ولمّا عرف النبيّ عليه السلام حضوره يوم بدر قال :

«اللهم اكفني نوفل بن خويلد».

ولم يزل عليه السلام يقتل منهم واحداً بعد واحد حتّى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً، وختم الأمر بمناولته النبي
كفّاً من الحصى، فرمى بها في وجوههم وقال لهم : «شاهت الوجوه» فولّوا على أدبارهم منهزمين وكفى الله المؤمنين شرّهم.

ومن مقاماته عليه السلام في غزوة اُحد: أنّ الفتح كان له في هذه الغزاة كما كان بيده يوم بدر، واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر.

قال أبو البختري القرشيّ: كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيد قصيّ ابن كلاب ، ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبدالمطّلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله
فصارت راية قريش وغير ذلك إلى النبيّ ، فاقرّها في بني هاشم ، وأعطاها علي بن أبي طالب في غزوة ودّان ، وهي أوّل غزوة حمل فيها راية في الإسلام مع النبيّ ، ثمّ لم تزل معه في المشاهد : ببدر وهي البطشة الكبرى، وفي يوم اُحد وكان اللواء يومئذ في بني عبدالدار فاعطاها رسول الله مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده ، فتشوّفته القبائل ،فاخذه رسول الله ودفعه إلى عليّ بن أبي طالب ؛ فجمع له الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم.

وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة - وكان يدعى كبش الكتيبة - فتقدّم وتقدّم عليّ ، وتقاربا فضربه عليّ ضربة على مقدّم رأسه فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها وسقط اللواء من يده ، فاخذه أخ له يقال له : مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخٌ له يقال له : عثمان ، فرماه عاصم أيضاً بسهم فقتله ، فاخذه عبدٌ لهم يقال له : صواب ، وكان من أشدّ الناس فضربه عليّ فقطع يمينه ، فاخذ اللواء بيده اليسرى فضرب عليّ يده فقطعها، فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه المقطوعتين عليه فضربه عليّ على اُمّ رأسه فسقط صريعاً وانهزم القوم .

وأكبّ المسلمون على الغنائم ، وقد كان رسول الله
أقام على الشعب خمسين رجلاً من الأنصار وأمّر عليهم رجلاً منهم ،وقال لهم : «لا تبرحوا مكانكم وإن قتلنا عن آخرنا» فلمّا رأى أصحاب الشعب الناس يغتنمون قالوا لأميرهم : نريد أن نغتنم كما غنم الناس ، فقال : إنّ رسول الله قد أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا ، فقالوا له : إنّه أمرك بهذا وهو لا يدري أنّ الأمر، يبلغ إلى ما نرى، ومالوا إلى الغنائم وتركوه .

فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله ، وجاء من ظهر رسول الله
يريده ، وقُتل من ،أصحاب رسول الله سبعون رجلاً وانهزموا هزيمة عظيمة ، وأقبلوا يصعدون الجبال وفي كلّ وجه ،ولم يبق معه إلاّ أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف ، وأمير المؤمنين ، فكلّما حملت طائفة على رسول الله استقبلهم أمير المؤمنين فدفعهم عنه حتّى انقطع سيفه ، فلمّا رأى رسول الله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال :«إليّ أنا رسول الله ، إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله»؟ ! !

وثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلاً، منهم : طلحة بن عبيدالله وعاصم بن ثابت ، وصد الباقون الجبل ، وصاح صائح بالمدينة : قُتل رسول الله ، فانخلعت القلوب لذلك ، وتحيّر المنهزمون فاخذوا يميناً وشمالاً .

وروى عكرمة قال : سمعت عليّاً يقول : «لمّا انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله
لحقني من الجزع عليه مالم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه ، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت : ما كان رسول الله ليفرّ وما رأيته في القتلى فاظنّه رُفع من بيننا ، فكسّرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لاُقاتلنّ به عنه حتّى أقتل ، وحملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله وقد وقع على الأرض مغشيّاً عليه ، فقمت على رأسه فنظر إليّ فقال : ما صنع الناسيا عليّ ؟ فقلت : كفروا يا رسول الله وولّوا الدبر واسلموك ، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال : ردّ عني يا عليّ هذه الكتيبة، فحملتعليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتّى ولّوا الأدبار فقال لي النبي : أما تسمع مديحك في السماء، أنّ ملكاً يقال له : رضوان ينادي : «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ» فبكيت سروراً وحمدت الله على نعمه ».

وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ
وانصرف المشركون إلى مكّة، وانصرف النبي إلى المدينة فاستقبلته فاطمة عليها السلام ومعها إِناء فيه ماء فغسلت به وجهه ولحقه أمير المؤمنين ومعه ذو الفقار وقد خضب الدم يده إلى كتفه فقال لفاطمة : «خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم ، وقال :

 

أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بمليم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد وطاعة ربٍّ بالعباد عليم »



فقال رسول الله
: « خذيه يا فاطمة، فقد أدّى بعلك ما عليه ، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش».

ومن مقاماته المشهورة في غزوة الأحزاب : قتله عمرو بن عبد ود ، فروى ربيعة السعدي قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبدالله ، إنّا لنتحدّث عن عليّ عليه السلام ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة : إنّكم تفرطون في عليّ ، فهل أنت محدّثي بحديث فيه ؟

فقال حذيفة : يا ربيعة، والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد في كفّة الميزان منذ بعث الله محمداً
إلى يوم الناس هذا، ووضع عمل عليّ في الكفّة الاُخرى لرجّح عمل عليّ على جميع أعمالهم .

فقال ربيعة : هذا الذي لا يُقام له ولا يُقعد!

فقال حذيفة : يا لكع وكيف لا يحمل ، وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمد
يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فاحجم الناس كلّهم ما خلا علياً فإنّه برز إليه فقتله الله على يده ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل جميع أصحاب محمد إلى يوم القيامة .

وروى الواقدي قال : حدّثنا عبد اللهّ بن جعفر، عن (ابن أبي عون )عن الزهري قال : جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبدالله بن المغيرة وضرار بن الخطّاب الفهري في يوم الأحزاب إلى الخندق فجعلوا يطيفون به يطلبون مضيقاً منه ليعبروا، فانتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا يجولون بخيلهم فيما بين الخندق وسلع ، والمسلمون وقوف لا يقدم أحدٌ منهم عليهم ، وجعل عمرو بن عبد ود يدعوإلى البراز ويقول :
 

ولقد بَحِحت من النداء بجمعهم : هل مِن مبارز؟


في كلّ ذلك يقوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام من بينهم ليبارزه فيامره رسول الله
بالجلوس انتظاراً منه ليتحرّك غيره ، والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود وممّن معه ووراءه ، وكان عمرو فارس قريش وكان يعدّ بالف فارس ، فلما طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام عليّ قال له رسول الله : «ادن منّي» فدنا منه ، فنزع عمامته عن رأسه وعمّمه بها وأعطاه سيفه ذا الفقار وقال له : «امض لشأنك» ثمّ قال : «اللهم أعنه» .

فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبدالله لينظر ما يكون منه ومن عمرو ، ولمّا توجّه إليه قال النبيّ : «خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره» فلمّا انتهى إليه قال : «يا عمرو، إنّك كنت في الجاهليّة
تقول : لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث إلاّ قبلتها أو واحدة منها»

قال : أجل.

قال : «فإنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأن تسلم لربّ العالمين » .

قال : يا ابن أخ أخّر هذه عنّي .

فقال له عليّ : «أما إنّها خيرٌ لك لو أخذتها » ثمّ قال :« فهاهنا اُخرى» .

قال : ما هي ؟

قال : «ترجع من حيث جئت » .

قال : لاتُحَدّث نساء قريش بهذا أبداً.

قال : «فهاهنا اُخرى» .

قال : ما هي ؟

قال :«تنزل فتقاتلني » .

قال : فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومني مثلها، إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك وقد كان أبوك لي نديماً .

قال عليّ : «لكنّي اُحبّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت».

فأسف
عمرو ونزل فضرب وجه فرسه حتّى رجع .

قال جابر بن عبد الله: وثارت بينهما قترة
فما رأيتهما، وسمعت التكبير تحتها، فعلمت أنّ عليّاً قد قتله ، وانكشف أصحابه حتّى طفرت خيولهم الخندق .

وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبدالعزّى في جوف الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضكم اُقاتله ، فنزل إليه عليّ فضربه حتّى قتله .

قال جابر: فما شبّهت قتل عليّ عمراً إلاّ بما قصّ الله تعالى من قصّة داود وجالوت حيث قال : ﴿ فَهَرمُوهُمْ بِاِذْنِ الله
ِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ  ﴾
.

وقال رسول الله
بعد قتله : «الان نغزوهم ولايغزوننا».

ومن مواقفه في بني قريظة: أنّه ضرب أعناق رؤساء اليهود أعداء رسول الله
في الخندق ، منهم : حيي بن أخطب وكعب بن أسد بأمر رسول الله .

ومن مقاماته المشهورة في غزوة وادي الرمل - ويقال : إنّها تسمّى غزوة السلسلة - : انه خرج ومعه لواء النبيّ
بعد أن خرج غيره إليهم ورجع عنهم خائباً ، ثمّ خرج صاحبه وعاد بما عاد به الأول ، فمضى عليّ حتّى وافى القوم بسحر، وصلّى بأصحابه صلاة الغداة وصفّهم صفوفاً واتّكأ على سيفه مقبلاً على العدوّ وقال : «يا هؤلاء، أنا رسول رسول الله وسلّم أن تقولوا : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله وإلاّ ضربتكم بالسيف » .

فقالوا له : إرجع كما رجع صاحباك .

قال : «أنا أرجع ! لا والله حتّى تسلموا أو لأضربنّكم بسيفي هذا ، أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب».

فاضطرب القوم وواقعهم فانهزموا وظفر المسلمون وحازوا الغنائم.

فروت اُمّ سلمة قالت : كان نبيّ الله
قائلاً في بيتي إذ انتبه فزعاً من منامه فقلت : الله جارك .

قال : «صدقت ، الله جاري ، ولكن هذا جبرئيل يخبرني أنّ عليّاً قادم » .

ثمّ خرج إلى الناس فامرهم أن يستقبلوا عليّاً، وقام المسلمون صفّين مع رسول الله
، فلمّا بصر به عليّ ترجّل عن فرسه وأهوى إلى قدميه يقبّلهما .

فقال له النبيّ
: «اركب ، فإنّ الله ورسوله عنك راضيان» .

فبكى عليّ فرحاً وانصرف إلى منزله.

وقد ذكر بعض أصحاب السير إنّ في هذه الغزاة نزل على النبيّ (والْعادياتِ ضَبْحا)ً
إلى آخرها.

وأما مقامه بخيبر وبلاؤه يوم الحديبية فممّا مرّ ذكره فيما قبل .

ومن مقاماته قبل الفتح : أنّ رسول الله
دبّر الأمر في ذلك بالكتمان وسأل الله عزّوجلّ أن يطوي خبره عن أهل مكّة حتّى يفجأهم بدخولها، فكان المؤتمن على هذا السرّ أميرالمؤمنين ، ثمّ أنماه إلى جماعة من بعد، فكتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكّة يطلعهم فيه على سرّ رسول اللهّ في المسير إليهم ، وأعطى الكتاب امرأة سوداء وأمرها أن تاخذ على غير الطريق .

فنزل بذلك الوحي ، فدعا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمير المؤمنين وقال : «إنّ بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق ، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها» وبعث معه الزبير بن العوّام .

فمضيا على غير الطريق ، فادركا المرأة، فسبق إليها الزبير وسألها عن الكتاب فانكرته وحلفت أنّه لا شيء معها وبكت ، فقال الزبير: يا أبا الحسن ما أرى معها كتاباً ، فقال أمير المؤمنين : «يخبرني رسول الله
أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول أنه لا كتاب معها»!

ثمّ اخترط السيف وقال : «أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنّك ثمّ لأضربن عنقك » .

فقالت له : إذا كان لا بدّ من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب عنّي بوجهك .

فاعرض عنها ، فكشفت قناعها فاخرجت الكتاب من عقيصتها ، فاخذه أميرالمؤمنين وصار به إلى رسول الله
.

ومن مقاماته : أنّ رسول الله
أعطى الراية سعد ابن عبادة يوم الفتح وأمره أن يدخل بها مكّة ، فاخذها سعد وجعل يقول :

 

اليوم يوم الملحمه اليوم تسبى الحرمه



فقال
: «أدرك يا عليّ سعداً وخذ الراية وكن أنت الذي تدخل بها» .

فاستدرك النبيّ
به ما كاد يفوت من صواب التدبير بإقدام سعد على أهل مكّة ، وعلم أنّ الأنصار لا ترضى أن يأخذ أحد من الناس الراية من سيّدها سعد ويعزله عن ذلك المقام إلاّ من كان في مثل حال النبيّ من رفعة الشأن وجلالة المكان .

ومن مواقفه : أنّه لمّا دخل رسول الله
المسجد الحرام وجد فيه ثلاثمائة وستين صنماً بعضها مشدود ببعض ، فقال لأمير المؤمنين : «أعطني يا عليّ كفّاً من الحصى» فقبض له أمير المؤمنين كفاً من الحص ، فرماها بها وهو يقول : (جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقأ) .

فما بقي منها صنم إلاّ خرّ لوجهه ، ثمّ أمر بها فاُخرجت من المسجد وكُسّرت.

ومن حسن بلائه في الإسلام فيما اتّصل بفتح مكّة : أنّ الله خصّه بتلافي فارط من خالف نبيّه في أوامره ، وذلك أنّه أنفذ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعياً لهم إلى الإسلام ، فخالف أمره وقتل القوم وهم على الإسلام لترة
كانت بينه وبينهم ، فأصلح النبيّ ما أفسده خالد بأمير المؤمنين ، فأنفذه ليعطف القوم ويسل سخائمهم ،وأمره أن يَدّي القتلى ، ويُرضي بذلك الأولياء ، فبلغ أمير المؤمنين في ذلك مبلغ الرضا، وأدّى ديات القتلى وأرضاهم عن اللهّ وعن رسوله ، فتمّ بذلك موادّ الصلاح ، وانقطعت أسباب الفساد .

ومن مقاماته في غزوة حنين : أنّ المسلمين انهزموا بأجمعهم ، فلم يبق مع النبيّ
إلاّ عشرة أنفس : تسعة من بني هاشم خاصّة وعاشرهم أيمن ابن اُمّ أيمن ، فقُتل أيمن وثبتَ التسعة الهاشميّون حتّى ثاب إلى رسول الله من كان انهزم وكانت الكرّهّ لهم على المشركين ،وذلك قوله تعالى : ﴿ ثُمّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ على رسوله وعلى المُؤمِنِينَ ﴾يعني عليّاً ومن ثبت معه من بني هاشم ، وهم ثمانية : العبّاس ابن عبدالمطّلب عن يمين رسول الله ، والفضل بن العباس عن يساره ، وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند ثفر بغلته ، وأميرالمؤمنين بين يديه بالسيف ، ونوفل بن الحارث ، وربيعة بن الحارث ، وعبدالله ابن الزبير بن عبد المطّلب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب حوله .

ولما رأى رسول الله
هزيمة القوم عنه قال للعبّاس وكان جهورياً صيّتاً : «ناد في القوم وذكّرهم العهد» فنادى العبّاس بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة إلى أين تفرّون ؟ ! اذكروا العهد الذي عاهدكم عليه رسول الله .

فلم يسمعها أحدٌ إلاّ رمى بنفسه الأرض ، وانحدروا حتّى لحقوا بالعدوّ، وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء وهويرتجز:
 

أنا أبو جَرولَ لابَراح حتّى نُبيحَ القومَ أونُباح


فصمد له أميرالمؤمنين فضرب عجز بعيره فصرعه ، ثمّ ضربه فقطّره وكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول ولمّا قتله وضع المسلمون سيوفهم فيهم وأمير المؤمنين يقدمهم حتّى قتل أربعين رجلاً من القوم ، ثمّ كانت الهزيمة والأسر حينئذ .

ولمّا قسّم رسول الله
غنائم حنين أقبل رجلٌ طوال أدم ، بين عينيه أثر السجود فسلّم ولم يخصّ النبي ثمّ قال : قد رأيتك وما صنعت في هذه الغنائم .

فقال : «وكيف رأيت ؟» قال : لم أرك عدلت ! !

فغضب رسول اللهّ
وقال : «ويلك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ؟»

فقال المسلمون : ألا نقتله ؟

قال : «دعوه ، فإنّه سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهممن الرمية، يقتلهم الله على يد أحبّ الخلق إليه من بعدي» فقتلهم أمير المؤمنين في من قتل من الخوارج .

ومن مقاماته يوم الطائف : أنّ النبي
أنفذه وأمره أن يطأ ما وجد، ويكسّر كلّ صنم وجده ، فخرج فلقيه خيلٌ من خثعم فيجمع كثير، فبرز له رجلٌ من القوم يقال له : شهاب في غبش الصبح فقال :هل من مبارز، فقتله أمير المؤمنين ومضى في تلك الخيل حتّى كسّر الأصنام وعاد إلى رسول الله وهو محاصر أهل الطائف ، فلمّا رآه النبي كبّر للفتح وأخذ بيده فخلابه وناجاه طويلاً .

ثمّ خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان في خيل من ثقيف فقتله أميرالمؤمنين وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة إلى النبيّ
فاسلموا .

كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى ، للشيخ الطبرسي ، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث

العودة

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>