في تفسيره للقرآن الكريم

تفسير الإمام الباقر : فيما يلي بعض النماذج من تفسير آيات القرآن الكريم التي رواها عنه المفسرون : الشيخ المفيد بسنده عن محمد بن علي بن الحسين في قول الله عز وجل : ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) قال : نحن أهل الذكر .

قال الشيخ الرازي : وقد سألت محمد بن مقاتل عن هذا فتكلم فيه برأيه ، وقال : أهل الذكر : العلماء كافة ؛ فذكرت ذلك لأبي زرعة فبقي متعجبا من قوله ، وأوردت عليه ما حدثني به يحيى بن عبد الحميد ، قال : صدق محمد بن علي ، إنهم أهل الذكر ، ولعمري إن أبا جعفر لمن أكبر العلماء .

وروى العلماء : أن عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي بن الحسين ليمتحنه بالسؤال ، فقال له : جعلت فداك ما معنى قوله عز اسمه : ( أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) ما هذا الرتق والفتق ؟ فقال له أبو جعفر : كانت السماء رتقا لا تنزل القطر ، وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات . فانقطع عمرو ولم يجد اعتراضا .

ومضى ثم عاد إليه فقال له : خبرني - جعلت فداك - عن قوله جل ذكره : ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) ، ما غضب الله ؟ فقال أبو جعفر : غضب الله عقابه يا عمرو ، ومن ظن أن الله يغيره شئ فقد كفر .

وقد روى العياشي باسناده عن أبي جعفر في قوله تعالى : ( ولكل قوم هاد ) أنه قال : على الهادي ، ومنا الهادي ، فقلت : فأنت - جعلت فداك - الهادي ؟ قال : صدقت إن القرآن حي لا يموت ، والآية حية لا تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتت الآية ، لمات القرآن ؛ ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين .

وسأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالى : ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) من الذي يسأل محمدا وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة .

فقرأ أبو جعفر : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) ثم ذكر اجتماعه بالمرسلين ، والصلاة بهم في المسجد الأقصى وسؤاله منهم على من يشهدون ؟ وما كانوا يعبدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله ، أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا .

فقال - نافع - : صدقت يا أبا جعفر ! فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) أي أرض تبدل ؟ فقال أبو جعفر : خبزة بيضاء يأكلونها حتى يفرغ الله من حساب الخلائق .

قال : إنهم عن الأكل لمشغولون .

فقال أبو جعفر : أهم حينئذ أشغل أم هم في النار ؟ قال نافع : بل هم في النار . قال : فقد قال عز وجل : ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) ما أشغلهم إذا دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا من الجحيم .

قال : صدقت يا ابن رسول الله ! وفي قوله عز وجل : ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) قال : بما صبروا على الفقر ومصائب الدنيا .

وعن أبي الجارود قال : قال أبو جعفر : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله ثم قال - في بعض حديثه - : إن النبي نهى عن القيل والقال ، وفساد المال ، وكثرة السؤال .

فقيل له : يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله عز وجل ؟ قال : قوله : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ) وقال : ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) .

وجاء في بصائر الدرجات : عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن يزيد العجلي قال : سألت أبا جعفر عن قول الله تبارك وتعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) قال : نحن أمة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه .

وفيه أيضا عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور ، عن جليس له عند أبي حمزة قال : قلت لأبي جعفر : جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى : ( كل شئ هالك إلا وجهه ) قال : يا فلان فيهلك كل شئ ويبقى وجه الله ، الله أعظم من أن يوصف ، ولكن معناها كل شئ هالك إلا دينه ، نحن وجه الله الذي يؤتى الله منه ، لم نزل في عباد الله ما دام لله فيهم روية ، قلت : وما الروية جعلني الله فداك ؟ قال : حاجة فإذا لم يكن له فيهم حاجة رفعنا إليه فيصنع بنا ما أحب .

وسئل أبو جعفر عن قول الله عز وجل : ( وقولوا للناس حسنا ) قال : قولوا لهم أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، ثم قال : إن الله عز وجل يبغض اللعان السباب ، الطعان الفحاش المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحي الحليم ، العفيف المتعفف .

وفي قوله تعالى : ( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ) قال : الغرفة : هي الجنة وهي جزاء لهم بما صبروا على الفقر في الدنيا .

وأما قوله تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) فقد فسر الهداية بالولاية لأئمة أهل البيت وقال : فوالله لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ، ولم يجئ بولايتنا إلا أكبه الله في النار على وجهه .

وفي قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) قال : يعني بذلك تبليغ ما أنزل إلى الرسول في فضل علي وقد روى أن الله أوحى إلى نبيه أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بأدائه .

وقوله تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي الذي اتهم النبي بالسحر ، وكان الوليد يسمى في قومه الوحيد ، والآية سيقت على وجه التهديد له ، وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر أنه قال : الوحيد ولد الزنا ، وقال زرارة ذكر لأبي جعفر أن أحد بني هشام قال في خطبته أنا ابن الوحيد فقال : ويله لو علم ما الوحيد ما فخر بها ! فقلنا له : وما هو ؟ قال : من لا يعرف له أب .

وفي قوله تعالى : ( تنزل الملائكة والروح فيها ) قال : تنزل الملائكة والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمور ما يصيب العباد ، والأمر عنده موقوف له فيه على المشيئة فيقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء و يثبت وعنده أم الكتاب .

وأما قوله تعالى : ( فكبكبوا فيها هم والغاوون ) المراد من الآية ان الغاوين والقوى الكافرة يجمعون ويطرح بعضهم على بعض في النار قال الإمام أبو جعفر : إنها نزلت في قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره .

وفي قوله تعالى : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) قال : في تفسيره للآية انه تعالى أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ، ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته حيث يقول : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) يعني الأئمة منا ، ثم قال : في موضع آخر ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .

وأما في قوله تعالى : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) قال : نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولوا الألباب .

وفي قوله تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) فسر الإمام أبو جعفر ( الذين أوتوا العلم ) بأئمة أهل البيت ، وروى أبو بصير : أن الإمام أبا جعفر قرأ هذه الآية وأومأ بيده إلى صدره .

وفي قوله تعالى : ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر قال : لما نزلت هذه الآية قال المسلمون : يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين ؟ فقال : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ، فمن والاهم واتبعهم ، وصدقهم فهو مني ومعي ، وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ، ولا معي ، وأنا منه بريء .

قال تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بأذن الله ) . وسأل سالم الإمام أبا جعفر عن هذه الآية فقال : السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف للإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام .

وروى زياد بن المنذر عنه أنه قال : أما الظالم لنفسه فمن عمل صالحا وآخر سيئا ، وأما المقتصد فهو المتعبد المجتهد وأما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين ومن قتل من آل محمد شهيدا .

وفي قوله تعالى : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) قال : قال أمير المؤمنين : كان رسول الله المتوسم ، وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون .

وفي قوله تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده ، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا يعني : أشربنا قلوبهم الإيمان ، والطريقة : هي الإيمان بولاية علي والأوصياء .

سأل بريد بن معاوية الإمام أبا جعفر عن المعنيين بقوله تعالى : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) فقال : إيانا عنى ، وعلي أولنا ، وأفضلنا وخيرنا بعد النبي .

سأل بريد العجلي الإمام أبا جعفر عن هذه الآية ، فقال : ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) جعل في آل إبراهيم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرونه في آل إبراهيم ، وينكرونه في آل محمد ؟ قال بريد : وما المراد ( وآتيناهم ملكا عظيما ) قال : الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم .

وعن قوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) سئل عن الروح فقال : هي القدرة .

وفي قوله تعالى : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) قال : في قوله تعالى : ( إنه كان فاحشة ) معصية ومقتا ، فإن الله يمقته ويبغضه ( وساء سبيلا ) هو أشد الناس عذابا ، والزنا من أكبر الكبائر .

وفي تفسير قوله تعالى : ( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) قال : خلق كل شئ منكبا غير الإنسان خلق منتصبا .

وفي قوله تعالى : ( فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) قال : ( متعوهن ) حملوهن بما قدرتم عليه من معروف ، فإنهن يرجعن بكآبة من أعدائهن ، فإن الله كريم يستحي ، ويحب أهل الحياء ، إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائله .

وفي قوله تعالى : ( وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ) قال : إنهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال ، وقد كان مبذولا من حيث ينال .

وفي قوله تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) قال : يريهم في أنفسهم المسخ ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم ، فيرون قدرة الله في أنفسهم وفي الآفاق ، وقوله ( حتى يتبين لهم أنه الحق ) يعني بذلك خروج القائم ، هو الحق من الله عز وجل ، يراه هذا الخلق لابد منه .

قال أبو حمزة : سألته عن قوله عز وجل : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) قال : هو الإيمان .

قال : وسألته عن قول الله عز وجل : ( وأيدهم بروح منه ) قال : هو الإيمان .

وأما تفسيره لقوله تعالى : ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) قال : حجوا إلى الله عز وجل .

وفي قوله تعالى : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) قال : وذلك أن الرجل إذا أراد الهجرة إلى رسول الله تعلق به ابنه وامرأته وقالوا : ننشدك الله أن تذهب عنا فنضيع بعدك ، فمنهم من يطيع أهله فيقيم ، فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم ، ونهاهم عن طاعتهم .

ومنهم من يمضي وينذرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي ، ثم جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا .

فلما جمع الله بينه وبينهم ، أمره أن يتوق بحسن وصله فقال : ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) .

وفي قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم  تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) .

روى أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري في تفسيره الكشف والبيان عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قوله : إن معناها : بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل على ، فلما نزلت أخذ رسول الله بيد على ، فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>