كرمه وعطاؤه

- قال ابن شهرآشوب : دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري ، فشكا إليه أحمد ابن إسحاق دينا عليه ، فقال : يا أبا عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار ؛ فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء .

- وروى علي بن عيسى الإربلي عن كمال الدين بن طلحة الشافعي ، قال : إن أبا الحسن كان يوما قد خرج من سر من رأى إلى قرية لمهم عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه ، فقيل له : قد ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده ، فلما وصل إليه قال له : ما حاجتك ؟ فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدك علي بن أبي طالب ، وقد ركبني دين فادح أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده لقضائه سواك .

فقال له أبو الحسن : طب نفسا وقر عينا ، ثم أنزله ، فلما أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن : أريد منك حاجة ، الله الله أن تخالفني فيها . فقال الأعرابي : لا أخالفك ، فكتب أبو الحسن ورقة بخطه معترفا فيها أن عليه للأعرابي مالا عينه فيها يرجح على دينه ، وقال : خذ هذا الخط ، فإذا وصلت إلى سر من رأى احضر إلي وعندي جماعة فطالبني به ، وأغلظ القول علي في ترك إيفائك إياه ، الله الله في مخالفتي ! فقال : أفعل ، وأخذ الخط .

فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه ، وقال كما أوصاه ، فألان أبو الحسن له القول ورققه ، وجعل يعتذر إليه ، ووعده بوفائه وطيب نفسه ؛ فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل ، فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن ثلاثون ألف درهم ، فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل ، فقال : خذ هذا المال فاقض منه دينك ، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك ، واعذرنا .

فقال له الأعرابي : يا بن رسول الله ، والله إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالاته . وأخذ المال وانصرف ، وهذه منقبة من سمعها حكم له بمكارم الأخلاق ، وقضى له بالمنقبة المحكوم بشرفها بالاتفاق .

- وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي هاشم الجعفري ، قال : أصابتني ضيقة شديدة ، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد فأذن لي ، فلما جلست قال : يا أبا هاشم ، أي نعم الله عز وجل عليك تريد أن تؤدي شكرها ؟ قال أبو هاشم : فوجمت ، فلم أدر ما أقول له ، فابتدأ فقال : رزقك الإيمان ، فحرم به بدنك على النار ، ورزقك العافية ، فأعانك على الطاعة ، ورزقك القنوع ، فصانك عن التبذل .

يا أبا هاشم ، إنما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا ، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها .

- وروى الطبري عن أبي عبد الله القمي ، قال : حدثني ابن عياش ، قال : حدثني أبو طالب عبيد الله بن أحمد ، قال : حدثني مقبل الديلمي ، قال : كنت جالسا على بابنا بسر من رأى ، ومولانا أبو الحسن راكب لدار المتوكل الخليفة ، فجاء فتح القلانسي ، وكانت له خدمة لأبي الحسن ، فجلس إلى جانبي ، وقال : إن لي على مولانا أربعمائة درهم ، فلو أعطانيها لانتفعت بها . قال : قلت له : ما كنت صانعا بها ؟ قال : كنت أشتري منها بمائتي درهم خرقا تكون في يدي ، أعمل منها قلانس ، وأشتري بمائتي درهم تمرا فأنبذه نبيذا .

قال : فلما قال لي ذلك أعرضت عنه بوجهي ، فلم أكلمه لما ذكر ، وأمسكت ، وأقبل أبو الحسن على أثر هذا الكلام ، ولم يسمع هذا الكلام أحد ولا حضره ، فلما أبصرت به قمت إجلالا له ، فأقبل حتى نزل بدابته في دار الدواب ، وهو مقطب الوجه ، أعرف الغضب في وجهه ، فحين نزل عن دابته دعاني ، فقال : يا مقبل ، ادخل فأخرج أربعمائة درهم ، وادفعها إلى فتح هذا الملعون ، وقل له : هذا حقك فخذه واشتر منه خرقا بمائتي درهم ، واتق الله فيما أردت أن تفعله بالمائتي درهم الباقية . فأخرجت الأربعمائة درهم فدفعتها إليه وحدثته القصة فبكى ، وقال : والله ، لا شربت نبيذا ولا مسكرا أبدا ، وصاحبك يعلم ما نعمل .

- ومن مظاهر كرمه وصلته ذوي القربى ما رواه إسحاق الجلاب ، قال : اشتريت لأبي الحسن الهادي غنما كثيرة يوم التروية ، فقسمها في أقاربه  .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>