في أخيه الإمام الحسن

خشية الإمام الحسن

- ابن شهرآشوب : روي أنه دخلت عليه [ أي على الحسن ] امرأة جميلة ، وهو في صلاته ، فأوجز في صلاته ، ثم قال لها : ألك حاجة ؟ قالت : نعم .

قال : وما هي ؟ قالت : قم ، فأصب مني ، فإني وفدت ولا بعل لي .

قال : إليك عني ، لا تحرقيني بالنار ونفسك ! فجعلت تراوده عن نفسه ، وهو يبكي ويقول : ويحك ! إليك عني .

واشتد بكاؤه ، فلما رأت ذلك بكت لبكائه ! فدخل الحسين ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم وترحلوا ، ولبث الحسين بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالا ، فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال له الحسين : ما شأنك ؟ قال : ! رؤيا رأيتها الليلة ، قال : وما هي ؟ قال لا تخبر أحدا ما دمت حيا ؟ قال : نعم .

قال : رأيت يوسف ، فجئت أنظر إليه فيمن نظر ، فلما رأيت حسنه بكيت ، فنظر إلى في الناس فقال : ما يبكيك يا أخي ، بأبي أنت وأمي ؟ ! فقلت ذكرت يوسف وامرأة العزيز ، وما ابتليت به من أمرها ، وما لقيت من السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه . فقال يوسف : فهلا تعجبت مما فيه المرأة البدوية بالأبواء .

فصاحة الإمام الحسن

- ابن عساكر : أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي : أنبأنا عمر بن عبيد الله ، أنبأنا أبو الحسين ابن بشران ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، أنبأنا حنبل بن إسحاق ، أنبأنا سليمان بن أبي شيخ ، أنبأنا خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه ، قال : كان الحسن يقول للحسين : أي أخ ، والله ! لوددت أن لي بعض شدة قلبك ، فيقول له الحسين : وأنا والله ! وددت أن لي بعض ما بسط لك من لسانك .

- الإربلي : قال الحسين يوما لأخيه الحسن : يا حسن ! وددت أن لسانك لي وقلبي لك .

تصديق الإمام ، عبد الله بن جعفر

- سليم بن القيس : أبان ، عن سليم قال : حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال : كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين ، وعنده عبد الله بن عباس ، فالتفت إلي معاوية ، فقال : يا عبد الله ! ما أشد تعظيمك للحسن والحسين ! ؟ وما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك ، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله لقلت : ما أمك أسماء بنت عميس بدونها . فقلت : والله ! إنك لقليل العلم بهما وبأبيهما وبأمهما ، بل والله ! لهما خير مني ، وأبوهما خير من أبي ، وأمهما خير من أمي . يا معاوية ! إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله ، يقول فيهما وفي أبيهما وأمهما قد حفظته ووعيته ورويته .

قال : هات ، يا ابن جعفر ، فوالله ! ما أنت بكذاب ولا متهم . فقلت : إنه أعظم مما في نفسك ، قال : وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا ، فلست أبالي إذ قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله ، فحدثنا فما نبالي بما قلتم ، ولا يضرنا ما عدمتم .

قلت : سمعت رسول الله وقد سئل عن هذه الآية : ( وما جعلنا الرؤيا التي أرينك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) ، فقال : إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون ، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى ، فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين ، وثلاثة من بني أمية ، وسبعة من ولد الحكم بن أبى العاص . وسمعته يقول : إن بني أبي العاص إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا ، وعباد الله خولا ، ومال الله دولا .

يا معاوية إني سمعت رسول الله يقول على المنبر - وأنا بين يديه ، وعمر ابن أبي سلمة ، وأسامة بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر ، والمقداد ، والزبير بن العوام - وهو يقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقلنا : بلى ، يا رسول الله ! قال : أليس أزواجي أمهاتكم ؟ قلنا : بلى ، يا رسول الله ! قال : من كنت مولاه فعلي مولاه - أولى به من نفسه - وضرب بيديه على منكب علي [ وقال : ] أللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، أيها الناس ! أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر ، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر ، ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر .

ثم عاد فقال : أيها الناس إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم ، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، فإذا استشهد الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، فإذا استشهد الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر .

ثم أقبل [ على ] علي ، فقال : يا علي ! إنك ستدركه فاقرأه مني السلام ، فإذا استشهد فابني محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، وستدركه أنت يا حسين ! فاقرأه مني السلام ، ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد ، وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر ، كلهم هادون مهتدون . فقام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وهو يبكي ، فقال : بأبي أنت وأمي يا نبي الله أتقتل ؟ !

قال : نعم ، أهلك شهيدا بالسم ، وتقتل أنت بالسيف ، وتخضب لحيتك من دم رأسك ، ويقتل ابني الحسن بالسم ، ويقتل ابني الحسين بالسيف يقتله طاغ ابن طاغ ، دعى ابن دعى .

فقال معاوية : يا ابن جعفر ! لقد تكلمت بعظيم ، ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت أمة محمد من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم ! فقلت : والله ! إن الذي قلت حقا ، سمعته من رسول الله .

قال معاوية : يا حسن ! ويا حسين ! ويا ابن عباس ! ما يقول ابن جعفر ؟ فقال ابن عباس : إن لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك . فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد ، فسألهما ، فشهدا أن الذي قال ابن جعفر قد سمعناه من رسول الله كما سمعه .

فقال معاوية : يا ابن جعفر ! قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما ، فما سمعت في أمهما ؟ ! ومعاوية كالمستهزىء والمنكر .

فقلت : سمعت من رسول الله يقول : ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي ، ومعي ثلاثة عشر من أهل بيتي : أخي علي ، وابنتي فاطمة ، وابناي الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، هداة مهتدون ، وأنا المبلغ عن الله ، وهم المبلغون عني ، وهم حجج الله على خلقه ، وشهداؤه في أرضه ، وخزانه على علمه ومعادن حكمه ، من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله ، لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم ، ولا تصلح إلا بهم ، يخبرون الأمة بأمر دينهم ، حلالهم وحرامهم ، يدلونهم على رضى ربهم ، وينهونهم عن سخطه بأمر واحد ونهي واحد ، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع ، يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي ، وخط أخي علي بيده ، يتوارثونه إلى يوم القيامة ، أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيهة وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم ، لا يحتاجون إلى أحد من الأمة في شيء من أمر دينهم ، والأمة تحتاج إليهم ، هم الذين عنى الله في كتابه وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسول الله فقال : ( آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) .

فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد ، فقال : كلكم على ما قال ابن جعفر ؟ قالوا : نعم .

قال : يا بني عبد المطلب إنكم لتدعون أمرا عظيما ، وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقا ، وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء ، ولئن كان ما تقولون حقا لقد هلكت الأمة ، وارتدت عن دينها ، وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ، ومن قال بقولكم فأولئك في الناس قليل .

فقلت : يا معاوية ! إن الله تبارك وتعالى يقول : ( وقليل من عبادي الشكور ) ، ويقول : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) ( 3 ) ، ويقول : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) ، ويقول لنوح : ( وما آمن معه إلا قليل ) .

يا معاوية ! المؤمنون في الناس قليل ، وإن أمر بني إسرائيل أعجب حيث قالت السحرة لفرعون : ( فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحيوة الدنيا * إنا آمنا بربنا ) ، فآمنوا بموسى وصدقوه واتبعوه ، فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل ، فأقطعهم البحر وأراهم الأعاجيب ، وهم يصدقون به وبالتوراة ، يقرون له بدينه فمر بهم على قوم يعبدون أصناما لهم فقالوا : ( يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) .

ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته ، وقال لهم السامري : ( هذا إلهكم وإله موسى فنسى ) .

وقال لهم بعد ذلك : ( ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) ، فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه : ( إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) ، قال موسى : ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) .

فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء ، وقد كانت فضائل وسوابق مع رسول الله ومنازل منه قريبة ، مقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم ، فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا ، وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله عزوجل على دينهم وإيمانهم ، ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم كما فعل أصحاب موسى باتخاذهم العجل ، وعبادتهم إياه ، وزعمهم أنه ربهم ، وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليل من أهل بيته .

ونبينا قد قصد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن ، واحتج عليهم به وأمرهم بطاعته ، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى ، وأنه ولي كل مؤمن بعده ، وأنه كل من كان وليه فعلي وليه ، ومن كان أولى به من نفسه فعلي أولى به ، وأنه خليفته فيهم ووصيه ، وأن من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله ، ومن والاه والى الله ، ومن عاداه عادى الله ، فأنكروه وجهلوه وتولوا غيره . يا معاوية ! أما علمت أن رسول الله حين بعث إلى موتة أمر عليهم جعفر ابن أبي طالب ، ثم قال : إن هلك جعفر فزيد بن حارثة ، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة ، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم ، أفكان يترك أمته ، لا يبين لهم خليفته فيهم ؟ ! بلى ، والله ! ما تركهم في عمياء ولا شبهة ، بل ركب القوم ما ركبوا بعد نبيهم وكذبوا على رسول الله ، فهلكوا وهلك من شايعهم ، وضلوا وضل من تابعهم ، فبعدا للقوم الظالمين .

فقال معاوية : يا ابن عباس ! إنك لتتفوه بعظيم ، والاجتماع عندنا خير من الاختلاف ، وقد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك .

فقال ابن عباس : إني سمعت رسول الله يقول : ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ! وأن هذه الأمة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، وأشياء كثيرة من طاعة الله ، ونهي الله مثل تحريم الزنا والسرقة ، وقطع الأرحام ، والكذب والخيانة ، واختلفت في شيئين : أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرأ بعضها من بعض ، والثاني لم تقتتل عليه ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض ، وهو كتاب الله وسنة نبيه وما يحدث ، زعمت أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه .

وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض فالملك والخلافة ، زعمت أنها أحق بهما من أهل بيت نبي الله ! ؟ فمن أخذ بما ليس فيه بين أهل القبلة اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله ، سلم ونجا من النار ، ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلف فيهما .

ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه وعرفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو فعرف ذلك ، كان سعيدا ، ولله وليا ، وكان نبي الله يقول : رحم الله عبدا قال حقا فغنم ، أو سكت فلم يتكلم . فالأئمة من أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومنزل الكتاب ، ومهبط الوحي ، ومختلف الملائكة لا تصلح إلا فيها ، لأن الله خصها وجعلها أهلا في كتابه على لسان نبيه ، فالعلم فيهم وهم أهله ، وهو عندهم كله بحذافيره ، باطنه وظاهره ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه . يا معاوية ! إن عمر بن الخطاب أرسلني في أمرته إلى علي بن أبي طالب أني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث الينا ما كتبت من القرآن ، فقال : تضرب والله ! عنقي قبل أن تصل إليه .

قلت : ولم ؟ قال : إن الله يقول : ( لا يمسه إلا المطهرون ) ، يعني لا يناله كله إلا المطهرون ، إيانا عنى ، نحن الذين أذهب الله عنا الرجس ، وطهرنا تطهيرا .

وقال : ( ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا ) ، فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ، ونحن صفوة الله ، ولنا ضرب الأمثال ، وعلينا نزل الوحي . فغضب عمر ، وقال : إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره ، فمن كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به ، فكان إذا جاء رجل بقرآن فقرأه ومعه آخر كتبه ، وإلا لم يكتبه ، فمن قال : يا معاوية ! إنه ضاع من القرآن شي ، فقد كذب ، هو عند أهله مجموع ، ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال اجتهدوا رأيكم ، واتبعوا ما ترون أنه الحق ، فلم يزل هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة ، فكان علي بن أبي طالب يخبرهم بما يحتج به عليهم ، وكان عماله وقضاته يحكمون في شيء واحد بقضايا مختلفة ، فيجيزها لهم ، لأن الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب ، وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم ، فبالله نستعين على من جحدهم حقهم ، وسن للناس ما يحتج به مثلك عليهم . ثم قاموا فخرجوا .

تصديق الإمام سليم بن قيس

- وعنه : أبان ، عن سليم قال : قلت : يا أمير المؤمنين ! إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ، ومن الرواية عن النبى ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي تخالف الذي سمعته منكم ، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل ، أفترى يكذبون على رسول الله معتدين ويفسرون القرآن برأيهم ؟ قال : فأقبل علي ، فقال لي : يا سليم ! قد سألت فافهم الجواب ، إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وخاصا وعاما ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس ! قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده حين توفي رحمة الله على نبي الرحمة .

وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس : رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام ، لا يتأثم ، ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله متعمدا ، فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا : هذا صاحب رسول الله رآه وسمع منه ، وهو لا يكذب ، ولا يستحل الكذب على رسول الله ، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ، ووصفهم بما وصفهم فقال الله عزوجل : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ) ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ، فولوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع ملوك الدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أول الأربعة .

ورجل سمع من رسول الله ، فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ، ولم يعتمد [ يتعمد ] كذبا ، وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول الله ، فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا ، ولو علم هو أنه وهم لرفضه .

ورجل ثالث سمع من رسول الله شيئا أمر به ثم نهى عنه ، وهو لا يعلم ، أو سمعه نهى عن شيء ثم أمر به ، وهو لا يعلم ، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون أنه منسوخ لرفضوه .

ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسول الله بغضا للكذب ، وتخوفا من الله ، وتعظيما لرسوله ، ولم يوهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه ولم يزد فيه ولم ينقص ، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، وإن أمر رسول الله ونهيه مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وعام وخاص ، ومحكم ومتشابه ، وقد كان يكون من رسول الله الكلام له وجهان : كلام خاص ، وكلام عام ، مثل القرآن يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به وما عنى به رسول الله .

وليس كل أصحاب رسول الله كان يسأله فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم ، حتى إن كانوا يحبون أن يجيء الطارئ ، والأعرابي فيسأل رسول الله حتى يسمعوا منه .

وكنت أدخل على رسول الله كل يوم دخلة ، وكل ليلة دخلة ، فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري ، وربما كان ذلك في منزلي ، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره ، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ، ولا أحد من ابني ، إذا أسأله أجابني ، وإذا سكت أو نفذت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي ، فكتبتها بخطي ، ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني ، فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها فحفظته وأملاه علي فكتبته ، وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام ، أو أمر ونهي ، أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ، ولم أنس منه حرفا واحدا . ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا ، وأن يعلمني فلا أجهل ، وأن يحفظني فلا أنسى .

فقلت له ذات يوم : يا نبي الله ! إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته ، أتتخوف علي النسيان ؟ فقال : يا أخي لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل ، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك .

قلت : يا نبي الله ومن شركائي ؟ قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه ، الذين قال في حقهم : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) فإن خفتم التنازع في شيء فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم . قلت : يا نبي الله ! ومن هم ؟ [ قال : ] الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد ، لا يضرهم كيد من كادهم ، ولا خذلان من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم ، لا يفارقونه ولا يفارقهم ، بهم ينصر الله أمتي ، وبهم يمطرون ، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم ؟ . فقلت : يا رسول الله ! سمهم لي .

فقال : ابني هذا ، - ووضع يده على رأس الحسن - ، ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين - ، ثم ابن ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين - ، ثم ابن له اسمي اسمه ، محمد ، باقر علمي وخازن وحي الله وسيولد علي في حياتك ، يا أخي فاقرأه مني السلام .

ثم أقبل على الحسين فقال : سيولد لك محمد بن علي في حياتك ، فاقرأه مني السلام ، ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك ، يا أخي ! فقلت : يا نبي الله ! سمهم لي ، فسماهم لي رجلا رجلا منهم ، والله ، يا بنى هلال ! مهدى هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، والله ! إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم .

ثم لقيت الحسن والحسين بالمدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما فقالا : صدقت قد حدثك أبونا علي بهذا الحديث ، ونحن جلوس ، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله كما حدثك أبونا سواء لم يزد ولم ينقص .

قال سليم : ثم لقيت علي بن الحسين وعنده ابنه محمد بن علي ، فحدثته بما سمعت من أبيه وعمه ، وما سمعت من علي فقال علي بن الحسين : قد أقرأني أمير المؤمنين عن رسول الله السلام ، وهو مريض وأنا صبي ، ثم قال محمد : وقد أقرأني جدي الحسين من رسول الله وهو مريض ، السلام .

قال أبان : فحدثت علي بن الحسين بهذا كله عن سليم ، فقال : صدق سليم ، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى الكتاب فقبله وأقرأه من رسول الله السلام .

قال أبان : حججت فلقيت أبا جعفر محمد بن علي فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا ، فأغرورقت عيناه ثم قال : صدق سليم ، قد أتاني بعد قتل جدي الحسين وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه ، فقال له أبي : صدقت قد حدثك أبي بهذا الحديث عن أمير المؤمنين ونحن شهود ، ثم حدثاه ما هما سمعا من رسول الله .

رواه النعماني عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، ومحمد بن همام بن سهيل ، وعبد العزيز وعبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس الموصلي عن رجالهم ، عن عبد الرزاق بن همام ، عن معمر بن راشد الخ .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>