في أذى المشركين للنبي

1 - محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله ، قال : بينا النبي في المسجد الحرام ، وعليه ثياب له جدد ، فألقى المشركون ناقة فملؤوا ثيابه بها ، فدخله من ذلك ما شاء الله ، فذهب إلى أبي طالب فقال له : يا عم كيف ترى حسبي فيكم ؟ فقال له : وما ذاك يا ابن أخي ؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة ، وأخذ السيف وقال لحمزة : خذ السلا .

ثم توجه إلى القوم ، والنبي معه ، فأتى قريشا وهم حول الكعبة ، فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه ، ثم قال لحمزة : أمر السلا على سبالهم ، ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم ، ثم التفت أبو طالب إلى فقال : يا ابن أخي هذا حسبك فينا .

2 - وروى عمر بن إبراهيم الأوسي في كتابه قال : نحر أبو جهل يوما جزورا ، ثم أخذ سلاها ، ورسول الله ساجد ، فغرسها بين كتفيه ، وإذا بفاطمة طرحته عنه فلما فرغ ، قال : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وبعتبة بن ربيعة ، وبشيبة بن ربيعة وبالوليد بن عتبة ، وبأمية بن خلف ، وبعقبة بن أبي معيط ، إنهم أوهنوني .

قال ابن مسعود رضي الله عنه والله لقد رأيتهم قتلى في قليب بدر .

3 - تفسير الامام أبي محمد الحسن العسكري ، في قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) كانوا إذا لقوا سلمان ، والمقداد ، وأبا ذر ، وعمارا ، قالوا : آمنا كإيمانكم ، آمنا بنبوة محمد ، مقرونا بالايمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب ، وبأنه أخوه الهادي ، ووزيره المواتي ، وخليفته على أمته ، ومنجز عدته ، والوافي بذمته ، والناهض بأعباء سياسته ، وقيم الخلق الذائذ لهم عن سخط الرحمن ، الموجب لهم إن أطاعوه رضا الرحمن ، وأن خلفائه من بعده هم النجوم الزاهرة ، والأقمار المنيرة ، والشموس المضيئة الباهرة ، وأن أولياؤهم أولياء الله ، وأن أعداءهم أعداء الله .

ويقول بعضهم : نشهد أن محمدا صاحب المعجزات ، ومقيم الدلالات الواضحات ، هو الذي لما تواطئت قريش على قتله ، وطلبوه فقدا لروحه ، يبس الله أيديهم فلم تعمل ، وأرجلهم فلم تنهض ، حتى رجعوا عنه خائبين مغلوبين ، لو شاء محمد قتلهم أجمعين ، وهو الذي لما جاءته قريش ، وأشخصته إلى هبل ، ليحكم عليه بصدقهم وكذبهم ، خر هبل لوجهه ، وشهد له بنبوته ، ولعلي أخيه بإمامته وبولايته من بعده بوراثته ، والقيام بسياسته وإمامته .

وهو الذي ألجأته قريش إلى الشعب ، ووكلوا ببابه من يمنع من إيصال قوت ، ومن خروج أحد عنه ، خوفا أن يطلب لهم قوتا ، غذى هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى ، كل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الأطعمة الطيبات ، ومن أصناف الحلاوات ، وكساهم أحسن الكسوات . وكان رسول الله بين أظهرهم ، إذ يراهم وقد ضاق بضيق فجهم صدورهم ، فشال بيده هكذا بيمناه إلى الجبال ، وهكذا بيسراه إلى الجبال ، وقال لها اندفعي .

فتندفع ، وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا ترى أطرافها ، ثم يقول بيده هكذا ، يقول : اطلعي أيتها المودعات لمحمد وأنصاره ، وما أودعكها الله الأشجار والأثمار وأنواع الزهر والنبات ، فتطلع من الأشجار الباسقة ، والرياحين المونقة ، والخضراوات النزهة ، ما تتمتع به القلوب والابصار ، وتنجلي به الهموم والغموم والأفكار ، ويعلمون أنه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم ، على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها ، وتهدل أثمارها ، واطراد أنهارها ، وغضارة ناحيتها وحسن نباتها . ومحمد هو الذي لما جاءه رسول أبي جهل يتهدده ويقول : يا محمد إن الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنها لا تزال بك ، حتى تنفرك وتحثك على ما يفسدك وتبلغك ، إلى أن تفسدها إلى أهلها ، وتصليهم حر نارك ، تعديك طورك ، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد ، لقصد آثارك ، ودفع ضررك وبلاءك ، فتلقاهم بسفهاءك المغترين بك ، ويساعدك على ذلك ، من هو كافر بك ، مبغض لك ، فتلجأه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفا لان يهلك بهلاكك ، وتعطب عياله بعطبك ، ويفتقر هو ومن يليه فقرك وبفقر شيعتك ، إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك ، ودخلوا ديارهم عنوة ، لم يفرقوا بين من والاك وعاداك ، واصطلموهم باصطلامهم لك ، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ، كما يأتون على أموالك وعيالك ، وقد أعذر من أنذر ، وبالغ من أوضح ، وأديت هذه الرسالة إلى محمد ، وهو بظاهر المدينة ، بحضرة كافة أصحابه ، وعامة الكفار به ، من يهود بني إسرائيل .

وهكذا أمر الرسول ، ليجبن المؤمنين ، ويغري بالوثوب عليه ، سائر من هناك من الكافرين ، فقال رسول الله للرسول : قد اطردت مقالتك ، واستكملت رسالتك ؟ قال : بلى ، قال : فاسمع الجواب ، إن أبا جهل بالمكاره والعطب يهددني ، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني ، وخبر رسول الله أصدق ، والقبول من الله أحق ، لن يضر محمدا من خذله ، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ، ويتفضل بجوده وكرمه عليه ، قل له : يا أبا جهل ، إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن ، إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسع وعشرين يوما ، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى أنت ، وعتبة ، وشيبة ، والوليد ، وفلان وفلان وذكر عددا من قريش ، في قليب بدر مقتلين ، أقتل منك سبعين ، وآسر سبعين ، أحملهم على الفداء الثقيل .

ثم نادى جماعة من بحضرته ، من المؤمنين ، واليهود ، وسائر الاخلاط : ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء ؟ هلموا إلى بدر ، فإن هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتغير ولا تتقدم ولا تتأخر لحظة ، ولا قليلا ولا كثيرا ، فلم يخف ذلك على أحد ، ولم يجبه إلا علي بن أبي طالب وحده ، وقال : نعم ، بسم الله .

قال الباقون : نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ، فلا يمكننا الخروج إلى هناك ، وهو مسيرة أيام ، فقالوا رسول الله لسائر اليهود : فأنتم ماذا تقولون ؟ قالوا : نحن نريد أن نستقر في بيوتنا ، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل . فقال رسول الله : لا نصب عليكم في المسير إلى هناك ، اخطو خطوة واحدة ، فإن الله يطوي الأرض لكم ، ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك .

وقال المؤمنون : صدق رسول الله ، فلنتشرف بهذه الآية ، وقال الكافرون والمنافقون : سوف نمتحن هذا الكذب ليقطع عذر محمد ، ويصير دعواه حجة عليه ، وفاضحة له في كذبه قال : فخطا القوم خطوة ، ثم الثانية ، فإذا هم ببئر بدر ، فعجبوا من ذلك ، فجاء رسول الله فقال : اجعلوا البئر علامة ، واذرعوا من عندها كذا ذراعا فذرعوا ، فلما انتهوا إلى آخرها ، قال : هذا مصرع أبي جهل ، يجرحه فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبد الله بن مسعود ، أضعف أصحابي ، ثم اذرعوا من البئر من جانب آخر ، ثم جانب آخر كذا وكذا ذراعا ، وذكر أعداد الأذرع مختلفة .

فلما انتهى كل عدد إلى آخره ، قال محمد : هذا مصرع عتبة ، وذاك مصرع شيبة ، وهذا مصرع الوليد ، وسيقتل فلان وفلان ، إلى أن سمى تمام سبعين منهم بأسمائهم ، وسيؤسر فلان وفلان ، إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم ، وأسماء آباءهم ، وصفاتهم ، ونسب المنسوبين إلى الآباء منهم ، ونسب الموالي منهم إلى مواليهم .

ثم قال رسول الله : أوقفتم على ما أخبرتكم به ؟ قالوا : بلى ، قال : إن ذلك لحق ، كائن بعد ثمانية وعشرين يوما من اليوم التاسع والعشرين ، وعدا من الله مفعولا ، وقضاء حتما لازما .

ثم قال رسول الله : يا معشر المسلمين واليهود ، أكتبوا بما سمعتم فقالوا : يا رسول الله ، قد سمعنا ، ووعينا ، ولا ننسى . فقال رسول الله : الكتابة أذكر لكم . فقالوا يا رسول الله ، وأين الدواة والكتف ؟ قال رسول الله : ذلك للملائكة : ثم قال : يا ملائكة ربي ، أكتبوا ما سمعتم من هذه " القصة " في أكتاف واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك .

ثم قال : يا معاشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها ، وأخرجوه وأقرؤوه ، فتأملوها فإذا في كم كل واحد منهم صحيفة ، ثم قرأوها وإذا فيها ذكر ما قال رسول الله في ذلك لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتقدم ولا يتأخر ، فقال : أعيدوها في أكمامكم تكن حجة عليكم ، وشرفا للمؤمنين منكم ، وحجة على أعدائكم ، فكانت معهم فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ، ووجدوها كما قال لا تزيد ولا تنقص ، قابلوا بها ما في كتبهم ، فوجدوها كما كتبت الملائكة لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتقدم ولا تتأخر .

4 - قال عمر بن إبراهيم الأوسي وغيره ، واللفظ له ، قال : روي أن صفوان لعنه الله ملا سيفه سما واستأجر عمير بن وهب على قتل رسول الله فأتى راكبا راحلته ، وأناخها بباب المسجد ، ودخل على رسول الله ، وعلاه بالسيف ، وإذا بيده يبست ، فنظر إليه رسول الله فقال : مالك لا تفعل ما أمرت به ؟ فولى راجعا طائر الأعيان .

فدعاه رسول الله وأقسم عليه بدينه ، فرجع ، فقال له : جلست أنت وصفوان بن أمية في الحجر ، وذكرتما أصحاب القليب من قريش ، وأنت قلت لولا دين علي وعيال لي أخاف عليهم الضعف بعدي لخرجت لقتل محمد ، وتحمل صفوان بدينك وعيالك ، فجئت إلي لتقتلني ، لم لا تفعل ؟ قال : مد يدك اشهد أن لا إله إلا الله ، وأنت محمد رسول الله وعلي ولي الله .

5 - وقال الأوسي : وقدم عامر بن طفيل ، يريد قتل رسول الله وقد أعطاه جعلا أربد بن قيس ، وقال أنظره إلى أن يصلي فاعله بالسيف ، فلما قدما على رسول الله وهو في صلاته ، فقدم عامر بن الطفيل ، وهو في صلاته ، فأتاه يريد الغدر به ، فإذا به مصفدا ، فصاح ، فأتي الخبر إلى أربد بن قيس ، فأتى مسرعا بغيظه مجهرا ، فلما وصل وإذا به مصفدا ، فجعلا يصيحان هذا ومحمد بصلاته . فلما فرغ نظر إليهما فقالا : فكنا يا رسول الله : قال : تؤمنان بالله ؟ قالا : نعم ، ففكهما فقال عامر : والله لأملأنها عليك خيلا ورجلا فقال رسول الله : اللهم اكفنا شره وابتله بغدة كغدة البعير ، فخرج بسفره ، وإذا هي برقبته كبندقة ، فصاح ومات على البعير وانقلب على الأرض لا رحمه الله .

6 - وعن جابر بن عبد الله : أن النبي نزل تحت شجرة ، فعلق بها سيفه ، ثم نام فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه : فاستيقظ عليه السلام فقال : يا محمد من يعصمك الآن مني ؟ قال : الله تعالى ، فرجف وسقط السيف من يده .

وفي خبر أنه بقي جالسا زمانا ولم يعاقبه النبي .

7 - حذيفة وأبو هريرة : جاء أبو جهل إلى النبي - وهو يصلي - ليطأ على رقبته فجعل ينكص على عقبيه ، فقيل : مالك ؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار مهولا ، ورأيت الملائكة ذوي أجنحة فقال النبي : لو دنا مني لاخطفته الملائكة عضوا عضوا فنزل ( أفرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) .

8 - محمد بن إسحاق لما خرج النبي مهاجرا اتبعه سراقة بن جعشم مع خيله ، فلما رآه رسول الله دعا ، فكان قوائم فرسه ساخت حتى تغيبت ، فتضرع إلى النبي حتى دعا وصار إلى الأرض ، فقصد كذلك ثلاثا والنبي يقول : يا أرض خذيه ، فإذا تضرع قال : دعيه ، فحلف بعد الرابعة أن لا يعود إلى ما يسؤوه .

وهذا الحديث والقصة مذكور من طرق الخاصة والعامة .

9 - الطبرسي في " الاحتجاج " في حديث طويل عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه ، عن الحسين بن علي ، عن أبيه ، في حديث له مع يهودي ، قال أمير المؤمنين : كان النبي يؤذي قريشا بالدعاء فقام يوما فسفه أحلامهم ، وعاب دينهم ، وشتم أصنامهم ، وضلل آباءهم ، فاغتموا لذلك غما شديدا فقال أبو جهل : والله للموت خير لنا من الحياة ، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به ؟ فقالوا : لا .

قال : فأنا أقتله ، فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني ، وإلا تركوني ، قالوا : فإنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به ، قال : إنه كثير السجود حول الكعبة ، فإذا سجد وجاء أخذت حجرا فشدخته  به .

فجاء رسول الله ، فطاف بالبيت أسبوعا ، ثم صلى وأطال السجود ، فأخذ أبو جهل حجرا ، فأتاه من قبل رأسه ، فلما أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول الله فاغرا فاه نحوه ، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه ، وارتعدت يده ، وطرح الحجر فشدخ رجله ، فرجع مدميا متغير اللون ، يفيض عرقا فقال له أصحابه : ما رأيناك كاليوم ؟ ! قال : ويحكم أعذروني ، فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبلعني ، فرميت بالحجر فشدخت رجلي .

10 - محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ( ره ) في " قرب الإسناد " . عن الحسن بن ظريف ، عن معمر ، عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر ، في حديث طويل قال : إن أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه ، يعني النبي ، وهو نائم خلف جدار ، ومعه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكفه .

11 - وفي هذا الحديث أيضا : أن عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس أتيا النبي فقال عامر لأربد : إذا أتيناه فأنا أشاغله عنك ، فاعله بالسيف ، فلما دخلا عليه قال عامر : يا محمد حائر ؟ قال : لا حتى تقول : لا إله إلا الله ، وإني رسول الله ، وهو ينظر إلى أربد ، وأربد لا يحير شيئا فلما طال ذلك نهض وخرج ، وقال لأربد : ما كان أحد على وجه الأرض أخوف منك على نفسي فتكا منك ، ولعمري لا أخافك بعد اليوم ، فقال له أربد : لا تعجل فإني ما هممت بما أمرتني به إلا دخلت الرجال بيني وبينه حتى ما أبصر غيرك فأضربك .

12 - وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله قال : لما ظهرت نبوة وعظم على قريش أمره ونزول الوحي عليه وما كان يخبرهم به قال بعضهم لبعض : ليس لنا إلا قتل محمد ، وقال أبو سفيان : أنا أقتله لكم ، قالوا : وكيف تصنع ؟ قال : بلغنا أنه يظل كل ليلة في مغار جبل أو في واد وقد عرفت أنه في هذه الليلة يمضي إلى جبل حراء فيظل فيه ، قالوا : ويحك يا أبا سفيان إنه لا يمشي عليه أحد إلا قذفه حتى يقطعه ، وكيف يمضي أحد إليه ؟ ! وبعثوا إلى أرصاد لهم على النبي فقال تجسسوا لنا عليه الليلة ، ودوروا من حول جبل حراء ، فلعل محمدا يعلوه فيقذفه ، فتكفون مؤنته ، فلما جن عليه الليل أخذ النبي بيد علي بن أبي طالب ، ثم خرجا وأصحابه لا يشعرون ، وأبو سفيان وجميع من في الرصد مقنعون بالحديد من حول حراء ، فما شعروا حتى وافى رسول الله وأمير المؤمنين بين يديه ، فصعدا جبل حراء فلما صارا عليه وفي ذروته ، اهتز الجبل وماج ، ففزع أبو سفيان ومن معه ، فتباعدوا من الجبل ، وقالوا : كفينا مؤنة محمد وقد قذفه حراء وقطعه ، فاطلبوه من حول الجبل ، فسمعوا النبي يقول : أسكن حراء فما عليك إلا نبي ووصي نبي .

فقال أبو سفيان : فسمعت محمدا ، يقول : جبل حراء إن قرب منك أبو سفيان ومن معه فأدمهم بهوامك حتى تنهشهم فتجعلهم حصيدا خامدين قال أبو سفيان : فسمعت حراء يلبيه من كل جوانبه ويقول : سمعا وطاعة لك يا رسول الله ولوصيك ، فسعينا على وجوهنا خوفا أن نهلك بما قال محمد ، وأصبحوا واجتمعت قريش فقصوا قصتهم وما كان من رسول الله وما خاطب به جبل حراء وما أجابه ، فقال أبو جهل لعنه الله : ماذا أنتم صانعون ؟ فقالوا : رأيك فأنت سيدنا وكبيرنا ، فقال : نكافح محمدا بالسيف علينا أم عليه ، غلبنا أم غلبناه ، ففي أحد الغلبين راحة ، فقال أبو سفيان : وقد بقي لي كيدا أكيد به محمدا ، فقالوا له : وما هو يا أبا سفيان ؟ فقال : إنه قد خبرت أنه يستظل من حر الشمس تحت حجر عال في هذا اليوم ، فآتي الحجر إذا استظل به محمد فأهدهده عليه بجمع ذي القوة ، فلعلنا نكفي مؤنته ، فقالوا له : فافعل يا أبا سفيان ، قال : فبعث أبو سفيان رصدا على النبي حتى عرف أنه قد خرج هو وعلي معه حتى أتيا الحجر واستظل تحته ، وجعل رأسه في حجر علي صلوات الله عليهما ، فقال : يا علي إني راقد وأبو سفيان يأتيك من وراء هذا الحجر في جمع ذي قوة ، فإذا صاروا في ظهر الحجر استصعب عليهم ، ويمتنع من أن يعمل فيه أيديهم ، فمر الحجر أن ينقلب عليهم فإنه ينقلب ، فيقتل القوم جميعا ويفلت أبو سفيان وحده .

فقال أبو سفيان لأصحابه : لا تجزعوا من كلام محمد ، فإنه ما قال هذا القول إلا ليسمعنا حتى لا ندنوا من الحجر ، ثم إنه شجعهم حتى صاروا في ظهر الحجر ، ورسول الله راقد في حجر علي بن أبي طالب ، فراموا الحجر أن يستهدهدوه أو يقلعوه فيلقوه على رسول الله ، فاستصعب عليهم وامتنع منهم .

فقال أصحاب أبي سفيان : إنا نظن محمدا قد قال : حقا ، إنا نعهد هذا الحجر لو رامه بعض عدونا لدهدهه وقلعه ، فما باله اليوم مع كثرتنا لا يهتز ! فقال أبو سفيان : اصبروا عليه .

وأحس بهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه فصاح : يا حجر انقلب عليهم فأت عليهم غير صخر بن حرب ، فما استتم كلامه حتى انقض الحجر عليهم فتفرقوا ، فامتد الحجر ، وطال ، حتى كبس القوم جميعا غير أبي سفيان ، فإنه أفلت وهو يضحك ويقول : يا محمد ، لو أحييت لي الموتى ، وسيرت الجبال ، وأطاعك كل شئ لعصيتك وحدي ، فسمع رسول الله كلامه فقال له : ويلك يا أبا سفيان ، والله لتؤمنن بي ، ولتطيعني مكرها مغلوبا ، إذا فتح الله مكة .

فقال أبو سفيان : أما وقد أخبرت يا محمد بفتح مكة وإيماني بك وطاعتي إياك قهرا لا يكون ، ففتح الله على رسول الله مكة ، وأسر أبو سفيان ، فآمن مكرها وأطاع صاغرا .

فقال أبو عبد الله : والله لقد دخل أبو سفيان بعد فتح مكة على رسول الله وهو في مسجده على منبره ، في يوم جمعة بالمدينة ، فنظر أبو سفيان إلى أكابر ربيعة ، ومضر ، واليمن ، وساداتهم في المسجد ، يزاحم بعضهم بعضا ، فوقف أبو سفيان متحيرا ، وقال في نفسه : يا محمد قدرت أن هذه الجماجم تذل لك حتى تعلو أعوادك هذه وتقول ما تقول ، فقطع النبي خطبته وقال له : على رغم أنفك يا أبا سفيان ، فجلس أبو سفيان خجلا ثم قال في نفسه : يا محمد : إن أمكنني الله منك لأملأن يثرب خيلا ورجلا ولأعفين آثارك .

فقطع النبي خطبته ثم قال : يا أبا سفيان أما في حياتي فلا ، وأما بعدي يتقدمك من هو أشقى منك ، ثم يكون منك ومن أهل بيتك ما يكون ، تقول في نفسك ما تقول ، إلا أنك لا تطفئ نوري ولا تقطع ذكري ولا يدوم ذلك لكم ويسلبنكم الله إياه ، وليخلدنكم في النار ، وليجعلنكم شجرتها التي هي وقودها ، فمن أجل ذلك قال الله : ( والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم ) إلى تمام الآية ، والشجرة هم بنو أمية وهم أهل النار .

13 - ابن شهرآشوب ، عن طارق المحاربي : رأيت النبي في سويقة ذي المجاز ، عليه حلة حمراء وهو يقول : يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، وأبو لهب يتبعه ويرميه بالحجارة ، وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول : يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب .

14 - وعن ابن عباس : دخل النبي الكعبة ، وافتتح الصلاة ، فقال أبو جهل : من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعري وتناول فرثا ودما وألقى ذلك عليه ، فجاء أبو طالب وقد سل سيفه ، فلما رأوه جعلوا ينهضون ، فقال أبو طالب : والله لئن قام أحد حلاته بسيفي ، ثم قال : يا ابن أخي ، من الفاعل بك هذا ؟ قال : عبد الله ، فأخذ أبو طالب فرثا ودما فألقى عليه .

ثم قال ابن شهرآشوب : وفي روايات كثيرة متواترة ، أنه أمر عبيده : أن يلقوا السلا عن ظهره ، ويغسلوه ، ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على سبال القوم بذلك .

والروايات في أمثال ذلك لا تحصى ، والله يعلم حيث يجعل رسالاته .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>