أشعار دعبل وقصته

- عيون أخبار الرضا : المكتب والوراق معا ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله على أبي الحسن علي بن موسى الرضا بمرو فقال له : يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك ، فقال : هاتها فأنشده :

مدارس آيات خلت عن تلاوة

 

ومنزل وحي مقفر العرصات

( فلما بلغ إلى قوله )

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

 

  وأيديهم من فيئهم صفرات  

فلما بلغ إلى قوله هذا ، بكى أبو الحسن الرضا وقال له : صدقت يا خزاعي فلما بلغ إلى قوله :

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

 

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسن يقلب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات ، فلما بلغ إلى قوله :

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

 

وإني لأرجو الامن بعد وفاتي

قال الرضا : أمنك الله يوم الفزع الأكبر ، فلما انتهى إلى قوله :

      وقبر بغداد لنفس زكية    

 

تضمنها الرحمان في الغرفات

قال له الرضا : أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين ، بهما تمام قصيدتك ؟ فقال : بلى يا ابن رسول الله ، فقال :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة   توقد بالأحشاء في الحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما     يفرج عنا الهم والكربات   

فقال دعبل : يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟ فقال الرضا : قبري ! ولا تنقضي الأيام والليالي حتى يصير طوس مختلف شيعتي وزواري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له .

ثم نهض الرضا بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه ، ودخل الدار ، فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له : يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك ، فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي ، ورد الصرة ، وسأل ثوبا من ثياب الرضا ليتبرك به ، ويتشرف به ، فأنفذ إليه الرضا جبة خز مع الصرة ، وقال للخادم : قل له خذ هذه الصرة فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها . فأخذ دعبل الصرة والجبة ، وانصرف وصار من مرو في قافلة ، فلما بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها وكان دعبل فيمن كتف ، وملك اللصوص القافلة ، وجعلوا يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته :

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

 

وأيديهم من فيئهم صفرات  

فسمعه دعبل فقال لهم دعبل : لمن هذا البيت ؟ فقال لرجل من خزاعة ، يقال له دعبل بن علي ، قال دعبل : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل ، وكان من الشيعة ، وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل وقال له ، أنت دعبل ؟ فقال : نعم ، فقال له : أنشد القصيدة فأنشدها فحل كتافه ، وكتاف جميع أهل القافلة ، ورد إليهم جميع ما أخذوا منهم لكرامة دعبل ، وسار دعبل حتى وصل إلى قم ، فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع .

فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشئ كثير ، واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار ، فامتنع من ذلك ، فقالوا له : فبعنا شيئا منها بألف دينار ، فأبى عليهم ، وسار عن قم .

فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب ، وأخذوا الجبة منه ، فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه ، فامتنع الاحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار فأبى عليهم فلما يئس من ردهم الجبة عليه ، سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها ، فأجابوه إلى ذلك ، وأعطوه بعضها ، ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار .

وانصرف دعبل إلى وطنه ، فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباع المائة دينار التي كان الرضا وصله بها من الشيعة ، كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فذكر قول الرضا " إنك ستحتاج إلى الدنانير " .

وكانت له جارية لها من قلبه محل فرمدت رمدا عظيما ، فأدخل أهل الطب عليها ، فنظروا إليها فقالوا : أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت ، وأما اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم ، فاغتم لذلك دعبل غما شديدا وجزع عليها جزعا عظيما ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة ، فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل ببركة أبي الحسن الرضا .

- إكمال الدين : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عيون أخبار الرضا : أبو علي أحمد بن محمد الهرمزي ، عن أبي الحسن داود البكري قال : سمعت علي بن دعبل بن علي الخزاعي يقول لما حضر أبي الوفاة تغير لونه وانعقد لسانه ، واسود وجهه ، فكدت ؟ الرجوع عن مذهبه ، فرأيته بعد ثلاث في ما يرى النائم وعليه ثياب بيض ، وقلنسوة بيضاء ، فقلت له : يا أبه ما فعل الله بك ؟ فقال : يا بني إن الذي رأيته من اسوداد وجهي وانعقاد لساني كان من شربي الخمر في دار الدنيا ولم أزل كذلك حتى لقيت رسول الله وعليه ثياب بيض ، وقلنسوة بيضاء فقال لي : أنت دعبل ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : فأنشدني قولك في أولادي فأنشدته قولي :

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت   (يوما) وآل أحمد مظلومون قد قهروا
مشردون نفوا عن عقر دارهم   كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

قال : فقال لي : أحسنت ، شفع في وأعطاني ثيابه وها هي وأشار إلى ثياب بدنه .

- عيون أخبار الرضا : سمعت أبا نصر محمد بن الحسن الكرخي الكاتب يقول : رأيت على قبر دعبل بن علي الخزاعي مكتوبا :

أعد لله يوم يلقاه   دعبل أن لا إله إلا هو
يقول مخلصا عساه بها   يرحمه في القيامة الله
الله مولاه والرسول ومن     بعدهما فالوصي مولاه  

- كشف الغمة : قال محمد بن طلحة : من مناقبه قصة دعبل بن علي الخزاعي الشاعر ، قال دعبل : لما قلت " مدارس آيات " قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة ، فوصلت المدينة ، وحضرت عنده ، وأنشدته إياها فاستحسنها وقال لي : لا تنشدها أحدا حتى آمرك واتصل خبري بالخليفة المأمون ، فأحضرني وسألني عن خبري ، ثم قال : يا دعبل أنشدني " مدارس آيات خلت من تلاوة " فقلت : ما أعرفها يا أمير المؤمنين ، فقال : يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا قال : فلم يكن ساعة حتى حضر .

فقال له : يا أبا الحسن سألت دعبلا عن " مدارس آيات " فذكر أنه لا يعرفها فقال لي أبو الحسن : يا دعبل أنشد أمير المؤمنين ، فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها وأمر لي بخمسين ألف درهم وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضا بقريب من ذلك ، فقلت : يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني ، فقال : نعم ، ثم رفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة ، وقال لي : احفظ هذا تحرس به .

ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني ، وكنت أسايره في يوم مطير ، وعليه ممطر خز وبرنس منه فأمر لي به ودعا بغيره جديد فلبسه ، وقال : إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين قال : فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه .

ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا ، وكان ذلك اليوم يوما مطيرا ، فبقيت في قميص خلق وضر جديد وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين ، وعليه الممطر ، ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد " مدارس آيات خلت من تلاوة " ويبكي .

فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع ، ثم طمعت في القميص والمنشفة ، فقلت : يا سيدي لمن هذه القصيدة ؟ فقال : ما أنت وذاك ويلك ؟ فقلت : لي فيه سبب أخبرك به ، فقال : هي أشهر بصاحبها أن تجهل ، فقلت : من هو ؟ قال : دعبل بن علي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا ، فقلت له : والله يا سيدي أنا دعبل ، وهذه قصيدتي فقال : ويلك ما تقول ؟ قلت : الامر أشهر من ذلك فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة ، وسألهم عني فقالوا بأسرهم : هذا دعبل بن علي الخزاعي فقال : قد أطلقت كل ما اخذ من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده فرجع على الناس جميع ما اخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي ، ثم بذرقنا إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة .

فانظر إلى هذه المنقبة ما أشرفها وما أعلاها ، وقد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب ويقرأه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة بمدارس آيات ، ويشتهي الوقوف عليها ، وينسبني في إعراضي عن ذكرها إما إلى أنني لم أعرفها ، أو أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها ، فأحببت أن ادخل راحة على بعض النفوس ، وأن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلي ببعض الظنون ، فأوردت منها ما يناسب ذلك وهي :

ذكرت محل الربع من عرفات   فأسبلت دمع العين بالعبرات
وقل عرى صبري وهاجت صبابتي   رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة   ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى   وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر   وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار عفاها جور كل معاند   ولم تعف بالأيام والسنوات
ديار لعبد الله والفضل صنوه   سليل رسول الله ذي الدعوات
منازل كانت للصلاة وللتقى   وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبرئيل الأمين يحلها   من الله بالتسليم والزكوات
منازل وحي الله معدن علمه   سبيل رشاد واضح الطرقات
منازل وحي الله ينزل حولها   على أحمد الروحات والغدوات
فأين الأولى شطت بهم غربة النوى   أفانين في الأقطار مختلفات
هم آل ميراث النبي إذا انتموا   وهم خير سادات وخير حماة
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد   فقد شرفوا بالفضل والبركات
إذا لم نناج الله في صلواتنا   بذكرهم لم يقبل الصلوات
أئمة عدل يهتدى بفعالهم   ونؤمن منهم زلة العثرات
فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة   وزد حبهم يا رب في حسناتي
ديار رسول الله أصبحن بلقعا   ودار زياد أصبحت عمرات
وآل رسول الله هلب رقابهم   وآل زياد غلظ القصرات
 وآل رسول الله تدمى نحورهم   وآل زياد زينوا الحجلات
وآل رسول الله يسبى حريمهم   وآل زياد آمنوا السربات
وآل زياد في القصور مصونة   وآل رسول الله في الفلوات
فيا وارثي علم النبي وآله   عليكم سلامي دائم النفحات
لقد أمنت نفسي بكم في حياتها     وإني لأرجو الامن عند مماتي  

بيان : كأن المراد بالمنشفة المنديل يتسمح به ، في القاموس نشف الثوب العرق شربه ، والنشفة خرقة ينشف بها ماء المطر ويعصر في الأوعية والنشافة منديل يتمسح به وفي النهاية فيه كان لرسول الله نشافة ينشف بها غسالة وجهه ، يعني منديلا يمسح بها وضوءه " والربع " بالفتح الدار والمحلة والمنزل و " السليل " الولد واستعمل هنا مجازا ، والسليل أيضا الخالص الصافي من القذى والكدر .

و " الهلب " بالضم الشعر كله أو ما غلظ منه ، وبالتحريك كثرة الشعر ، وهو أهلب والأهلب الذنب المنقطع ، والذي لا شعر عليه ، والكثير الشعر ضد ، كذا في القاموس وكأنه هنا كناية عن دقة أعناقهم كالشعر أو عن فقرهم ورثاثتهم و أنهم لا يقدرون على الحلق .

و " القصرة " العنق وأصل الرقبة ، " مصونة " خبر أو حال ، ونفح الطيب كمنع فاح ، والنفحة من الريح الدفعة ، وسيأتي شرح باقي الأبيات إنشاء الله تعالى .

- كشف الغمة : عن أبي الصلت الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا بمرو فقال له : يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال الرضا هاتها فأنشد :

تجاوبن بالأرنان والزفرات   نوائح عجم اللفظ والنطقات
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس   أسارى هوى ماض وآخر آت
فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت   صفوف الدجى بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المها   سلام شج صب على العرصات
فعهدي بها خضر المعاهد مألفا   من العطرات البيض والخفرات
ليالي يعدين الوصال على القلى   ويعدي تدانينا على العزبات
وإذ هن يلحظن العيون سوافرا   ويسترن بالأيدي على الوجنات
وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة   يبيت بها قلبي على نشوات
فكم حسرات هاجها بمحسر   وقوفي يوم الجمع من عرفات
ألم تر للأيام ما جر جورها   على الناس من نقض وطول شتات
ومن دول المستهزئين ومن غدا   بهم طالبا للنور في الظلمات
فكيف ومن أنى بطالب زلفة   إلى الله بعد الصوم والصلوات
سوى حب أبناء النبي ورهطه   وبغض بني الزرقاء والعبلات
وهند وما أدت سمية وابنها   أولو الكفر في الاسلام والفجرات
هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه   ومحكمه بالزور والشبهات
ولم تك إلا محنة كشفتهم   بدعوى ضلال من هن وهنات
تراث بلا قربى وملك بلا هدى    وحكم بلا شورى بغير هداة
رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة   وردت أجاجا طعم كل فرات
وما سهلت تلك المذاهب فيهم   على الناس إلا بيعة الفلتات
وما قيل أصحاب السقيفة جهرة   بدعوى تراث في الضلال نتات
ولو قلدوا الموصى إليه أمورها   لزمت بمأمون على العثرات
خي خاتم الرسل المصفى من القذى   ومفترس الابطال في الغمرات
فان جحدوا كان الغدير شهيده   وبدر واحد شامخ الهضبات
وآي من القرآن تتلى بفضله   وإيثاره بالقوت في اللزبات
وعز خلال أدركته بسبقها   مناقب كانت فيه مؤتنفات
مناقب لم تدرك بخير ولم تنل   بشئ سوى حد القنا الذربات
نجي لجبريل الأمين وأنتم   عكوف على العزى معا ومنات
بكيت لرسم الدار من عرفات   وأذريت دمع العين بالعبرات
وبان عرى صبري وهاجت صبابتي   رسوم ديار قد عفت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة   ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى   وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار لعبد الله بالخيف من منى   وللسيد الداعي إلى الصلوات
ديار علي والحسين وجعفر   وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبد الله والفضل صنوه   نجي رسول الله في الخلوات
وسبطي رسول الله وابني وصيه   ووارث علم الله والحسنات
منازل وحي الله ينزل بينها   على أحمد المذكور في الصلوات
منازل قوم يهتدى بهداهم   فيؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة وللتقى   وللصوم والتطهير والحسنات
منازل لا تيم يحل بربعها   ولا ابن صهاك فاتك الحرمات
ديار عفاها جور كل منابذ   ولم تعف للأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها   متى عهدها بالصوم والصلوات
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى   أفانين في الأقطار مفترقات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا   وهم خير سادات وخير حماة
إذا لم نناج الله في صلواتنا   بأسمائهم لم يقبل الصلوات
مطاعيم للاعسار في كل مشهد   لقد شرفوا بالفضل والبركات
وما الناس إلا غاصب ومكذب   ومضطغن ذو إحنة وترات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر   ويوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي ورهطه   وهم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال وأضمروا   قلوبا على الأحقاد منطويات
فإن لم يكن إلا بقربي محمد   فهاشم أولى من هن وهنات
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه   فقد حل فيه الامن بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه   وبلغ عنا روحه التحفات
وصلى عليه الله ما ذر شارق   ولاحت نجوم الليل مبتدرات
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا   وقد مات عطشانا بشط فرات
إذا للطمت الخد فاطم عنده   وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي   نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة   وأخرى بفخ نالها صلواتي
وأخرى بأرض الجوزجان محلها   وقبر بباخمرى لدى الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكية    تضمنها الرحمن في الغرفات
وقبر بطوس يا لها من مصيبة   ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما   يفرج عنا الغم والكربات
علي بن موسى أرشد الله أمره   وصلى عليه أفضل الصلوات
فأما الممضات التي لست بالغا    مبالغها منى بكنه صفات
قبور ببطن النهر من جنب كربلا   معرسهم منها بشط فرات
توفوا عطاشا بالفرات فليتني   توفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم   سقتني بكأس الثكل والفظعات
أخاف بأن ازدارهم فتشوقني   مصارعهم بالجزع فالنخلات
تغشاهم ريب المنون فما ترى   لهم عقرة مغشية الحجرات
خلا أن منهم بالمدينة عصبة   مدينين أنضاء من اللزبات
قليلة زوار سوى أن زورا   من الضبع والعقبان والرخمات
لهم كل يوم تربة بمضاجع   ثوت في نواحي الأرض مفترقات
تنكبت لأواء السنين جوارهم   ولا تصطليهم جمرة الجمرات
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها   مغاوير نجارون في الأزمات
حمى لم تزره المذنبات وأوجه    تضئ لدى الأستار والظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا   مساعير حرب أقحموا الغمرات
فان فخروا يوما أتوا بمحمد   وجبريل والفرقان والسورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلى   وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى   وجعفرا الطيار في الحجبات
أولئك لا ملقوح هند وحزبها   سمية من نوكى ومن قذرات
ستسأل تيم عنهم وعديها   وبيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم   وهم تركوا الأبناء رهن شتات
وهم عدلوها عن وصي محمد   فبيعتهم جاءت عن الغدرات
وليهم صنو النبي محمد   أبو الحسن الفراج للغمرات
ملامك في آل النبي فإنهم   أحباي ما داموا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لنفسي إنهم   على كل حال خيرة الخيرات
نبذت إليهم بالمودة صادقا   وسلمت نفسي طائعا لولاتي
فيا رب زدني في هواي بصيرة    وزد حبهم يا رب في حسناتي
سأبكيهم ما حج لله راكب   وما ناح قمري على الشجرات
وإني لمولاهم وقال عدوهم   وإني لمحزون بطول حياتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية   لفك عتاة أو لحمل ديات
وللخيل لما قيد الموت خطوها   فأطلقتم منهن بالذربات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم   وأهجر فيكم زوجتي وبناتي
وأكتم حبيكم مخافة كاشح   عنيد لأهل الحق غير موات
فيا عين بكيهم وجودي بعبرة   فقد آن للتسكاب والهملات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها   وإني لأرجو الامن بعد وفاتي
ألم تر أني مذ ثلاثون حجة   أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما   وأيديهم من فيئهم صفرات
وكيف أداوي من جوى بي والجوى   أمية أهل الكفر واللعنات
وآل زياد في الحرير مصونة   وآل رسول الله منهتكات
سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق    ونادى مناد الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها   وبالليل أبكيهم وبالغدوات
ديار رسول الله أصبحن بلقعا   وآل زياد تسكن الحجرات
وآل رسول الله تدمى نحورهم   وآل زياد ربة الحجلات
وآل رسول الله يسبى حريمهم   وآل زياد آمنوا السربات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم   أكفا عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد   تقطع نفسي إثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج   يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل   ويجزي على النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فأبشري   فغير بعيد كل ما هو آت
ولا تجزعي من مدة الجور إنني   أرى قوتي قد آذنت بثبات
فيا رب عجل ما أؤمل فيهم   لأشفي نفسي من أسى المحنات
فان قرب الرحمان من تلك مدتي   وأخر من عمري ووقت وفاتي
شفيت ولم أترك لنفسي غصة   ورويت منهم منصلي وقناتي
فاني من الرحمن أرجو بحبهم   حياة لدى الفردوس غير تباتي
عسى الله أن يرتاح للخلق إنه   إلى كل قوم دائم اللحظات
فان قلت عرفا أنكروه بمنكر   وغطوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم   كفاني ما ألقى من العبرات
أحاول نقل الصم عن مستقرها   وإسماع أحجار من الصلدات
فحسبي منهم أن أبوء بغصة   تردد في صدري وفي لهواتي
فمن عارف لم ينتفع ومعاند   تميل به الأهواء للشهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق ذرعها   لما حملت من شدة الزفرات

لما وصل إلى قوله : " وقبر ببغداد " قال له : أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ قال : بلى يا ابن رسول الله فقال : " وقبر بطوس " والذي يليه .

قال دعبل : يا ابن رسول الله لمن هذا القبر بطوس ؟ فقال : قبري ولا ينقضي الأيام والسنون حتى تصير طوس مختلف شيعتي ، فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفور له .

ونهض الرضا وقال : لا تبرح ، وأنفذ إلي صرة فيها مائة دينار إلى آخر ما رواه الصدوق رحمة الله عليه من القصة .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>