لما رجع الإمام زين العابدين من الحج استقبله الشبلي فقال حججت يا شبلي ؟

ولما رجع مولانا زين العابدين من الحج استقبله الشبلي ، فقال له : حججت يا شبلي ؟ قال : نعم يا بن رسول الله .

فقال : أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب ، فاغتسلت ؟ قال : نعم .

قال : فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية ، ولبست ثوب الطاعة ؟ قال : لا .

قال : فحين تجردت عن مخيط ثيابك ، نويت أنك تجردت من الرياء والنفاق ، والدخول في الشبهات ؟ قال : لا .

قال : فما نزلت الميقات ، ولا تجردت عن مخيط الثياب ، ولا اغتسلت .

ثم قال : تنظفت وأحرمت وعقدت بالحج ؟ قال : نعم .

قال : فحين تنظفت وأحرمت وعقدت الحج نويت أنك تنظفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى ؟ قال : لا .

قال : فحين أحرمت ، نويت أنك حرمت على نفسك كل محرم حرمه الله عز وجل ؟ قال : لا .

قال : فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله ؟ قال : لا .

قال له : ما تنظفت ولا أحرمت ، ولا عقدت الحج .

ثم قال له : أدخلت الميقات وصليت ركعتي الإحرام ولبيت ؟ قال : نعم .

قال : فحين دخلت الميقات نويت أنك بنية الزيارة ؟ قال : لا .

قال : فحين صليت الركعتين ، نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة وأكبر حسنات العباد ؟ قال : لا .

قال : فحين لبيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة ، وصمت عن كل معصية ؟ قال : لا .

قال له : ما دخلت الميقات ولا صليت ولا لبيت .

ثم قال له : أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصليت ؟ قال : نعم .

قال : فحين دخلت الحرم نويت أنك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام ؟ قال : لا .

قال : فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله ؟ قال : لا .

قال : فما دخلت الحرم ، ولا رأيت الكعبة ولا صليت .

ثم قال : طفت بالبيت ، ومسست الأركان وسعيت ؟ قال : نعم .

قال : فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله ، وعرف ذلك منك علام الغيوب ؟ قال : لا .

قال : فما طفت بالبيت ، ولا مست الأركان ولا سعيت .

ثم قال له : صافحت الحجر ، ووقفت بمقام إبراهيم ، وصليت به ركعتين ؟ قال : نعم .

فصاح صيحة كاد يفارق الدنيا ، ثم قال : آه آه .

ثم قال : من صافح الحجر الأسود ، فقد صافح الله تعالى ، فانظر يا مسكين ، لا تضيع أجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحة بالمخالفة ، وقبض الحرام نظير أهل الآثام .

ثم قال : نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل طاعة وتخلفت عن كل معصية ؟ قال : لا .

قال : فحين صليت فيه ركعتين نويت أنك صليت بصلاة إبراهيم ، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان ؟ قال : لا .

قال له : فما صافحت الحجر الأسود ، ولا وقفت عند المقام ، ولا صليت فيه ركعتين .

ثم قال له : أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها ؟ قال : نعم .

قال : أنويت أنك أشرفت على الطاعة ، وغضضت طرفك عن المعصية ؟ قال : لا .

قال : فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها .

ثم قال له : أسعيت بين الصفا والمروة ومشيت وترددت بينهما ؟ قال : نعم .

قال له : نويت أنك بين الرجاء والخوف ؟ قال : لا .

قال : فما سعيت ولا مشيت ولا ترددت بين الصفا والمروة .

ثم قال : أخرجت إلى منى ؟ قال : نعم .

قال : نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك ؟ قال : لا .

قال : فما خرجت إلى منى .

ثم قال له : أوقفت الوقفة بعرفة وطلعت جبل الرحمة ، وعرفت وادي نمرة ، ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات ؟ قال : نعم .

قال : هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم ، وعرفت قبض الله على صحيفتك ، واطلاعه على سريرتك وقلبك ؟ قال : لا .

قال : نويت بطلوعك جبل الرحمة إن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة ، ويتوالى كل مسلم ومسلمة ؟ قال : لا .

قال : نويت عند نمرة أنك لا تأمر حتى تأتمر ، ولا تزجر حتى تنزجر ؟ قال : لا .

قال : فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنها شاهدة لك على الطاعات ، حافظة لك مع الحفظة بأمر رب السماوات ؟ قال : لا .

قال : فما وقفت بعرفة ، ولا طلعت جبل الرحمة ، ولا عرفت نمرة ، ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات .

ثم قال : مررت بين العلمين ، وصليت قبل مرورك ركعتين ، ومشيت بمزدلفة ، ولقطت فيها الحصى ، ومررت بالمشعر الحرام ؟ قال : نعم .

قال : فحين صليت ركعتين نويت أنها صلاة شكر في ليلة عشر ، تنفي كل عسر ، وتيسر كل يسر ؟ قال : لا .

قال : فعندما مشيت بين العلمين ، ولم تعدل عنهما يمينا وشمالا نويت ألا تعدل عن دين الحق يمينا وشمالا لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ؟ قال : لا .

قال : فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى ، نويت أنك رفعت عنك كل معصية وجهل وثبت كل علم وعمل ؟ قال : لا .

قال : فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عز وجل ؟ قال : لا .

قال : فما مررت بالعلمين ، ولا صليت ركعتين ، ولا مشيت بالمزدلفة ، ولا رفعت منها الحصى ، ولا مررت بالمشعر الحرام .

ثم قال له : وصلت منى ، ورميت الجمرة ، وحلقت رأسك ، وذبحت هديك ، وصليت في مسجد الخيف ، ورجعت إلى مكة ، وطفت طواف الإفاضة ؟ قال : نعم .

قال : فنويت عندما وصلت منى ، ورميت الجمار أنك بلغت إلى مطلبك ، وقد قضى ربك لك كل حاجتك ؟ قال : لا .

قال : فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس ، وعصيته بتمام حجك النفيس ؟ قال : لا .

قال : فعندما حلقت رأسك ، نويت أنك تطهرت من الأدناس ، ومن تبعة بني آدم ، وخرجت من الذنوب ، كما ولدتك أمك ؟ قال : لا .

قال : فعندما صليت في مسجد الخيف ، نويت أنك لا تخاف إلا الله وذنبك ، ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى ؟ قال : لا .

قال : فعندما ذبحت هديك ، نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع ، وأنك اتبعت سنة إبراهيم بذبح ولده ، وثمرة فؤاده ، وريحان قلبه ، وحاجه سنته لمن بعده ، وقربه إلى الله تعالى لمن خلقه ؟ قال : لا .

قال : فعندما رجعت إلى مكة ، وطفت طواف الإفاضة نويت انك أفضت من رحمة الله تعالى ، ورجعت إلى طاعته ، وتمسكت بوده ، وأديت فرائضه ، وتقربت إلى الله تعالى ؟ قال : لا .

قال له زين العابدين : فما وصلت منى ، ولا رميت الجمار ، ولا حلقت رأسك ، ولا أديت ( ذبحت ) نسكك ، ولا صليت في مسجد الخيف ، ولا طفت طواف الإفاضة ولا تقربت ، ارجع فإنك لم تحج . فطفق الشبلي يبكي على ما فرطه في حجه ، وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين .

237 . ورأى : الحسن البصري عند الحجر الأسود يقص ، فقال : يا هناه ، أترضى نفسك للموت ؟ قال : لا ، قال : فعملك للحساب ؟ قال : لا .

قال : فثم دار العمل ؟ قال : لا .

قال : فلله في الأرض معاذ غير هذا البيت ؟ قال : لا .

قال : فلم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثم مضى .

قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط ، أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا : هذا زين العابدين .

فقال الحسن : ذرية بعضها من بعض .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>