اليوم الثالث عشر من محرم الحرام عام (61) هـ
دفن الإمام الحسين (عليه السلام) وباقي أصحابه وأهل بيته

 

بعد أن أثخن الإمام المظلوم بالجراح وأخذ يجود بنفسه وتسيل دماؤه، وقد اغبرّ الفضاء، وسالت الدماء، وهامت على وجوهها النساء، وانتشرت أجساد الشهداء، على رمضاء كربلاء.
وفي كتاب (اللهوف) قال: وصاح الشمر بأصحابه: ما تنتظرون بالرجل؟
قال: فحملوا عليه من كل جانب.
وفي خبر أبي مخنف: وخرّ صريعاً مغشيّاً عليه، فلما أفاق من غشيته وثب ليقوم للقتال فلم يقدر، فبكى بكاءً عالياً ونادى: (واجدّاه، وا محمداه، وا أبتاه، وا علياه. وقال أبو مخنف: وبقي الحسين (عليه السلام) مكبوباً على الأرض ملطّخاً بدمه ثلاث ساعات من النّهار.
 
فأيّ رزيّة عدلت حسيناً *** غداةَ تُبيرهُ كفّا سنانِ
قال: وارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لايُرى فيها عين ولا أثر، حتى ظنّ القوم أن العذاب قد جاءهم. ومضى ركب السبايا نحو الكوفة وغاب في الصحراء، ويصور أحد الشعراء ذلك:
 
جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمدٍ مترمّلاً بدمائه ترميلا *** قتلوك عطشاناً ولمّا يرقبوا في قتلك التأويل والتنزيلا
وكانت معركة الطف قد وقعت بالقرب من ديار قبيلة بني أسد، فقد خرج رجالها يتفحّصون القتلى بعد رحيل جيش عمر بن سعد، حيث تناثرت جثث الشهداء هنا وهناك مطرّحة في مصارعها ثلاثة أيام تنتابها الوحوش، وتصهرها حرارة شمس الصيف اللاهية.
ثم خرج قوم من بني أسد بحثّ من نسائهم، إذ كانوا يتوجسون خيفة من أتباع السفاك ابن زياد ودفنوا الأجساد الطاهرة إلاّ جسد الإمام الحسين (عليه السلام)، إذمع تشخصه بنورانيته الفائقة إلاّ أنهم لم يستطيعوا حمله ببرهان من الله سبحانه، حتى جاء الإمام السجاد (عليه السلام) متنكراً فاستدعاهم ودفنه بنفسه، وهو يبكي (عليه السلام) ويقول: (طوبي لأرض تضمنت جسدك الشريف، أما الدنيا فبعدك مظلمة، والآخرة فبنور وجهك مشرقة. أما الحزن فسرمد، والليل فمسهد، حتى يختار الله لي دارك التي أنت مقيم بها. فعليك منّي السلام بابن رسول الله ورحمة الله وبركاته).
و خط قبره الشريف بأنامله وكتب:
هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي قتلوه عطشاناً غريباً.


ثم قال السجاد (عليه السلام) لبني أسد: (اُنظروا هل بقي أحد)؟


قالوا: نعم، يا أخا العرب، قد بقي بطل مطروح على المسنّاة، فقال(عليه السلام): (امضوا إليه)، فلما رآه انكبّ عليه يقبّله ويبكي ويقول: (على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، فعليك منّي السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته).
ثم طلب إلى بني أسد بشق ضريح له (عليه السلام) ثم دفنه بنفسه الشريفة، ثم عاد الإمام السجاد (عليه السلام) إلى الكوفة بعد دفن الأجساد الطاهرة.


وهكذا أصبح مرقده الشريف فيما بعد قبلة للثوار، ومناراً للصالحين، وقيل: إن الإمام ابنه علي بن الحسين هو الذي دفنه (عليه السلام) في هذا اليوم بعد أن جاء متنكراً.

العودة