صـلح الحـديـبـيّـة

قرَّر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يسير بأصحابه من المدينة المنورة إلى مكة ، ليزور بيت الله الحرام ، بعد أن رأى في منامه أنه يدخله هو وأصحابه آمِنين من غير قتال .

كما روت ذلك الآية الشريفة : ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) الفتح : 27 .

فتوجَّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) نحو مكة ، ومعه ما يقرب من ألف وأربعمِائة من المهاجرين والأنصار .

وذلك في الأول من ذي القعدة ، من السنة السادسة للهجرة ، وقد ساقوا معهم سبعين بَدَنة هديّاً ، لتُنْحَر في مكة .

فلما تناهَى الخبر إلى قريش فزعت ، وظنت أنَّ محمداً ( صلى الله عليه وآله ) يريد الهجوم عليها ، فراحت تتدارس الموقف ، وتعدُّ نفسها لِصدِّه عن البيت الحرام .

ولما بلغ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أخبار إعداد قريش ، والتهيّؤ لقتاله ، غيَّر مسيره ، وسلك ( صلى الله عليه وآله ) طريقاً غير الطريق الذي سلكته قُوَّات قريش المتوجهة لقتاله .

ثم استقرَّ في وادي الحُدَيْبيَّة ، وأرسل إليهم أحد أفراد قبيلة خزاعة ، ليُبلِّغهم بالأهداف التي جاء من أجلها ، أي أنه جاء ليزور البيت ، تقرُّباً إلى الله عزَّ وجلَّ لتبليغ دعوته ، فإنْ هم رفضوا فسيقاتلهم حتى النصر .

فاستجابت قريش لنداء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لما رأتْ قوَّته وإصراره على ما يريد ، وأدركت ما بها من ضعف وعجز عن المقاومة .

وبدأ الحِوار ، وثُبِّتَت مبادئ الصلح ، ودعا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الإمام علي ( عليه السلام ) لكتابة بنود الاتفاقية التي جاء فيها ما يأتي :

1 - إيقاف الحرب بين الطرفين لِمُدَّة عشر سنين .

2 - مَن أحبَّ أن يدخل في عهد محمد ( صلى الله عليه وآله ) فعل ، ومَن أحبَّ الدخول في عهد قريش فعل .

3 - أن يكون الإسلام ظاهراً بمكة ، لا يُكرَه أحدٌ على دينه ، ولا يؤذى ، ولا يُعيَّر .

4 - أن يرجع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هذا العام ، ثم يعود إلى مكة في العام القادم ، بدون سلاح .

فتأثّر بعض المسلمين من الاتفاقية السالفة الذكر ، وأحَسُّوا بِخَيْبة الأمل ، وأخذوا يُظهرون جزعهم وتساؤلهم .

لكن النتائج جاءت على خلاف تصوُّراتهم وأوهامهم ، فقد بدأت نتائج الصُلح وآثاره الإيجابيَّة تظهر ، وتتفاعل لتمهِّد إلى تحول كبير .

وبدأ المسلمون يدركون قِيمة هَذِه الاتِّفاقية التي شَلَّت نشاط قريش المعادي ، وفسحت المجال أمام الدعوة الإسلامية ، لِشَقِّ طريقها بين صفوف القبائل العربية .

فأقبل الناس على الدخول في الإسلام ، وأمِن المستخِفُّون بإسلامهم ، فأعلنوا دينهم ، ومكَّن الله نبيَّه من دخول مكة وأداء مراسم العمرة في العام القادم .

وأخيراً ، فلقد وصف القرآن الكريم هذا الصُلح بـ( الفتح ) في بعض آياته ، لأنه كان حقاً الممهِّد للنصر الكبير ، وهو فتح مكة  في سنة ( 8 هـ ) .

العودة