تبليغ الإمام علي ( عليه السلام ) سورة البراءة

أجمع المؤرخون أنَّه لمَّا نزلت الآيات الأُوَل من سورة التوبة على النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، دفع بها مع أبي بكر ليؤدِّيها إلى المشركين من أهل مكة يوم النحر .

فلما خرجَ أبو بكر ، نزل جبرائيل ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : ( يَا مُحمَّد ، لا يؤدِّي عنكَ إلاَّ أنت أو رَجلٌ مِنك ) .

فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الإمام علي ( عليه السلام ) في طلب أبي بكر ، على ناقته الروحاء - وقيل : العضباء - ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) له : ( اِلحَقْ أبا بكر ، فَخُذ براءةَ مِن يده ، وامض بها إلى مكة ، وخَيِّر أبَا بكرٍ بين أن يسيرَ مع رِكَابك أو يرجع إليَّ ) .

فركب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وسار حتى لحق بأبي بكر ، فلما رآه فزع من لحوقه به ، واستقبله .

فقال : فيم جئت يا أبا الحسن ؟ أسائِرٌ أنت أم لغير ذلك ؟

فقال ( عليه السلام ) : ( إنَّ رسولَ الله أمَرَني أن ألحقَك ، فأقبض منك الآيات من براءة ، وأنبذ بها عهد المشركين إليهم ، وأمرني أنْ أخيِّرَك بين أن تسير معي أو ترجع إليه ) .

فقال : بل أرجع إليه .

وكان ذلك في ذي حليفة - على الأكثر - وذي الحليفة : ميقات أهل المدينة ، بينه وبينها ستة أميال .

فرجع أبو بكر إلى المدينة ، وسار الإمام علي ( عليه السلام ) بالآيات إلى مكة .

فلما دخل أبو بكر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا رسول الله ، إنَّك أهَّلتَني لأمرٍ طالت الأعناق إليَّ فيه ، فلما توجَّهت إليه ردَدْتَني عنه ، مالي ؟! ، أنزلَ فِيَّ قرآن ؟! .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا ، ولكنَّ الأمين جبرائيل هبط إليَّ عن الله عزَّ وجلَّ ، بأنْ لا يؤدِّي عنك إلا أنت أو رجل منك ، وعليٌّ مني ، ولا يؤدِّي عني إلا عليٌّ ) .

وحينما وصل الإمام علي ( عليه السلام ) مكة ، وحينها كان يوم النحر ، يوم الحجّ الأكبر .

فقام الإمام علي ( عليه السلام ) على الملأ - بعد الظهر – وقال : ( إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ إليكم ) .

فقرأها عليهم : ( بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِين * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) التوبة 1 - 2 .

أي : من عشرين من ذي الحجَّة ومحرَّم وصفر وربيع الأول وإلى عشرٍ من شهر ربيع الآخر .

وقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لا يطوفُ بالبيتِ عريَانٌ ولا عريَانة ولا مشرِكٌ بعد هذا العام ) .

وقال الإمام ( عليه السلام ) أيضاً : ( ومن كان له عهد عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمُدَّتُه إلى هذه الأربعة أشهر ) .

والمراد من الأشهر الأربعة للعهود التي لا مدَّة لها ، أما العهود المحدَّدة بِمُدَّة فأجلها إلى انتهاء مُدَّتها .

فعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : ( خَطَبَ علي ( عليه السلام ) بالناسِ وخَرَط سيفَه ، وقال : لا يطوفُنَّ بالبيتِ عرْيَان ، ولا يَحجُّنَّ بالبيت مشرِكٌ ، ومَنْ كانت له مدَّة فهو إلى مُدَّتِه ، ومن لم يكن له مُدَّة فمُدَّته أربعة أشهر ، وكان خطب يوم النحر ) .

وقال ( عليه السلام ) : ( يومُ النحرِ يومُ الحَجِّ الأكبر ) تفسير الميزان 9 / 163 .

وبلَّغ الإمام علي ( عليه السلام ) حكم آخر وهو : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ ) التوبة : 28 .

فلا يطوف بالبيت ولا يحج البيت مشرك بعد هذا العام .

وهناك حُكم خاصٌّ ، ذكرته بعض الروايات أنه ( عليه السلام ) كان ينادي به ، وهو : ( لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ مُؤمِنٌ ) .

العودة