معركة بدر الكبرى

بعدَ أنِ استقرَّ الرسول (صلى الله عليه وآله ) في المدينة ، بدأ يخطِّط عسكرياً لضَرْبِ رأس المال الذي كانت قريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها .

 ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه ثلاثمِائة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ، للسيطرة على القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان .

فعلم أبو سفيان بخُطَّة المسلمين ، فغيَّر طريقه ، وأرسلَ إلى مكة يطلب النجدة من قريش .

فأقبَلَتْ بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل ، وقَرَّروا الهجوم على جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ، بالقرب من بئرِ ماءٍ يُدعَى ( ماء بدر ) ، ويبعد ( 160 ) كيلو متراً عن المدينة المنورة .

وقد تجلَّت العناية الإلهية بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه منذ ليلة المعركة ، إذ بعث الله المطر الغزير ، والمسلمون يغشاهم النعاس .

فأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود سِرّاً ، لاستطلاع أحوال جيش العدو ، فَطَافا في معسكرهم ، ثم رَجعا ، فأخبَرا بأنَّهم مذعورون فزعون .

وهو قوله تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) الأنفال : 11 - 12 .

فدفع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الراية إلى الإمام علي ( عليه السلام ) ، ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير ، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر ، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ إنْ تُهلِكَ هَذه العصَابَة لا تُعبَد في الأرض ) .

فبرز الإمام علي ( عليه السلام ) إلى الوليد بن شيبة ، فضربه على يمينه فقطعها ، فأخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامة علي ، ويقول الإمام ( عليه السلام ) : ( ظنَنتُ أنَّ السماءَ وقعت على الأرض ) .

ثم ضربه الإمام ( عليه السلام ) ضربة أخرى فقتله .

وبرز له حنظلة بن أبي سفيان فضربه الإمام ( عليه السلام ) ، فسالت عيناه ، ولزم الأرض .

وأقبل العاص بن سعيد ، فلقيَه علي الإمام ( عليه السلام ) فقتله ، وسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن له عِلْم بِنَوفل بن خُوَيْلِد ) .

فأجاب الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أنَا قَتلتُه ) .

فكبَّر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : ( الحَمدُ للهِ الذي أجَابَ دَعوَتي فِيه ) .

ورُوِي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخذ كفّاً من الرمل ، فرمى به الأعداء ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( شَاهَت الوُجوه ، اللَّهُمَّ أَرعِبْ قلوبهم ، وزَلْزِل أقدامهم ) .

فانهزم المشركون ، والمسلمون يتبعونهم يقتِّلون ويأسِّرون .

ووقعت أحداث هذه المعركة في السابع عشر من شهر رمضان ، من السنة الثانية للهجرة .

وهكذا حقَّقَ الله عزَّ وجلَّ النصر للمسلمين ، واندحرت قريش ، وتشتَّتَ جَيشُها ، وفقدت هيبتها وسُمعتها .

كما تحققت للمسلمين في هذه المعركة مكاسب مالية ، وعسكرية ، وعقائدية ، وإعلامية ، ساهمت في خِدمة الإسلام ، وتثبيت أركانه ، وأوجدت منعطفاً كبيراً في مجمل الأحداث في الجزيرة العربية .

العودة