مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد الأصدقاء في حكم الصلاة والسلام على أهل البيت (ع)

يقول الدكتور التيجاني : تحدّثت يوماً مع صديقي ورجوته وأقسمت عليه أن يجيبني بصراحة ، وكان الحوار التالي:
أنتم تُنزلون عليّاً ـ رضي الله عنه وكرّم الله وجهه ـ منزلة الاَنبياء : ، لاَني ما سمعت أحداً منكم يذكره إلاّ ويقول «عليه السلام» .
قال : فعلاً نحن عندما نذكر أمير المؤمنين أو أحد الاَئمة من بنيه نقول عليه السلام ، فهذا لا يعني أنّهم أنبياء ، ولكنهم ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وعترته الذين أمرنا الله بالصلاة عليهم في محكم تنزيله ، وعلى هذا يجوز أن نقول : عليهم الصلاة والسلام أيضاً.
قلت : لا يا أخي ، نحن لا نعترف بالصلاة والسلام إلاّ على رسول الله صلى الله عليه وآله والاَنبياء الذين سبقوه ، ولا دخل لعلي وأولاده في ذلك ـ رضي الله عنهم ـ .
قال : أنا أطلب منك وأرجوك أن تقرأ كثيراً حتى تعرف الحقيقة .
قلت : أي الكتب أقرأ يا أخي ؟ ألست أنت الذي قلت : بأنّ كتب أحمد أمين ليست حجّة على الشيعة ، كذلك كتب الشيعة ليست حجّة علينا ولا نعتمد عليها ، ألا ترى أنّ كتب النّصارى التي يعتمدونها تذكر أنّ عيسى عليه السلام قال: «إنّي ابن الله» في حين أن القرآن الكريم ـ وهو أصدق القائلين ـ يقول على لسان عيسى بن مريم : ( مَا قُلتُ لَهُم إلاّ مَا أمَرْتني بهِ أن اعبدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكم )(1)
قال : حسناً قلت : لقد قلت ذلك ، والذي أريده منك هو هذا ، أعني استعمال العقل والمنطق والاستدلال بالقرآن الكريم والسنّة الصحيحة ما دمنا مسلمين ، ولو كان الحديث مع يهودي أو نصراني لكان الاستدلال بغير هذا .
قلت : إذاً ، في أي كتاب سأعرف الحقيقة ، وكل مؤلف وكلّ فرقة وكل مذهب يدّعي أنّه على الحق .
قال : سأعطيك الآن دليلاً ملموساً ، لا يختلف فيه المسلمون بشتّى مذاهبهم وفرقهم ومع ذلك فأنت لا تعرفه ! .
قلت : وقل ربّي زدني علماً .
قال : هل قرأت تفسير الآية الكريمة : ( إنَّ اللهَ وملائكَتَهُ يُصلُّونَ على النَّبي يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عليهِ وَسلِّموا تَسلِيماً )(2).
فقد أجمع المفسّرون سنّة وشيعة على أن الصحابة الذين نزلت فيهم هذه الآية ، جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله ، عرفنا كيف نسلّم عليك ، ولم نعرف كيف نصّلي عليك ! فقال: قولوا اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد(3)ولا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال : أن تقولوا: اللّهم صلّ على محمد وتصمتوا(4)وـ ، وأنّ الله كامل ولا يقبل إلاّ الكامل .
ولكل ذلك عرف الصحابة ومن بعدهم التابعون أمر رسول الله فكانوا يصلّون عليه الصلاة الكاملة ، حتى قال الاِمام الشافعي في حقّهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم *** فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنّكم *** من لم يصلّ عليكم لا صلاة له(5)

كان كلامه يطرق سمعي وينفذ إلى قلبي ويجد في نفسي صدىً إيجابياً ، وبالفعل فقد سبق لي أن قرأت مثل هذا في بعض الكتب ، ولكن لا أذكر في أي كتاب بالضبط ، وأعترفت له بأننا عندما نصلّي على النبي نصلّي على آله وصحبه أجمعين ، ولكن لا نفرد عليّاً بالسلام كما يقول الشيعة.
قال : فما رأيك في البخاري ؟ أهو من الشيعة ؟
قلت : إمام جليل من أئمة أهل السنّة والجماعة ، وكتابه أصحّ الكتب بعد كتاب الله.
عند ذلك قام وأخرج من مكتبته صحيح البخاري وفتحه وبحث عن الصفحة التي يريدها ، وأعطاني لاَقرأ فيه: حدّثنا فلان عن فلان عن علي عليه السلام ، ولم أصدّق عيني واستغربت حتى أنّني شككت أن يكون ذلك هو صحيح البخاري ، واضطربت وأعدت النظر في الصفحة وفي الغلاف!
ولمّا أحسّ صديقي بشكّي أخذ مني الكتاب وأخرج لي صفحة اُخرى فيها:حدّثنا علي بن الحسين عليهما السلام ، فما كان جوابي بعدها إلاّ أن قلت : سبحان الله واقتنع مني بهذا الجواب وتركني وخرج ، وبقيت أفكّر وأراجع قراءة تلك الصفحات وأتثّبت في طبعة الكتاب فوجدتها من طبع ونشر شركة الحلبي وأولاده بمصر .
يا إلهي ، لماذا أكابر وأعاند وقد أعطاني حجّة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا ، والبخاري ليس شيعياً قطعاً ، وهو من أئمة أهل السنّة ومحدّثيهم ، أأسلم لهم بهذه الحقيقة وهي قولهم علي عليه السلام ، ولكن أخاف من هذه الحقيقة فلعلّها تتبعها حقائق أخرى لا أحبّ الاعتراف بها ، وقد انهزمت أمام صديقي مرّتين ، فقد تنازلت عن قداسة عبد القادر الجيلاني وسلّمت بأنّ موسى الكاظم عليه السلام أولى منه ، وسلّمت أيضاً بأنّ عليّاً عليه السلام هو أهل لذلك ، ولكنّي لا اريد هزيمة اُخرى ، وأنا الذي كنت منذ أيام قلائل عالماً في مصر أفخر بنفسي ويمجّدني علماء الاَزهر الشريف ، أجد نفسي اليوم مهزوماً مغلوباً ومع من ؟ مع الذين كنت ولا أزال أعتقد أنهم على خطأ ، فقد تعوّدت على أنّ كلمة «شيعة» هي مسبّة .
إنّه الكبرياء وحبّ الذات ، إنّها الاَنانية واللجاج والعصبية ، إلهي ألهمني رشدي ، وأعنّي على تقبّل الحقيقة ولو كانت مرّة .
اللهم افتح بصري وبصيرتي ، واهدني إلى صراطك المستقيم ، واجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، اللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
رجع بي صديقي إلى البيت وأنا أردّد هذه الدعوات ، فقال مبتسماً: هدانا الله وإيّاكم وجميع المسلمين ، وقد قال في محكم كتابه: ( وَالَّذينَ جَاهَدوا فينَا لَنَهدِيَنَّهم سُبُلنا وإِنَّ اللهَ لَمع المُحسِنينَ )(6).
والجهاد في هذه الآية يحمل معنى البحث العلمي للوصول إلى الحقيقة ، والله سبحانه يهدي إلى الحقِّ كلّ من بحث عن الحقّ(7).
____________
(1) سورة المائدة : الآية 117 .
(2) سورة الاَحزاب : الآية 56 .
(3) تقدمت تخريجاته .
(4) راجع : الغدير للاَميني: ج2 ص 303 ـ 304 ، الصواعق المحرقة لابن حجر : ص146 ، وروى محبّ الدين الطبري في الذخائر ص19 عن جابر (رضي الله عليه) أنّه كان يقول : لو صلّيت صلاةً لم اُصلِّ فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنَّها تُقبل .
(5) الاِمام الشافعي ، حياته ـ شعره تحقيق إسماعيل اليوسف ص 74 ، ينابيع المودة: ص 354 ط الحيدرية وص 259 ط إسلامبول ، نور الاَبصار : ص 105 ط السعيدية وص 103 ط العثمانية ، الغدير للاَميني: ج2 ص 303 وج3 ص 173 .
(6) سورة العنكبوت: الآية 69 .
(7) ثم اهتديت للتيجاني : ص 44 ـ 47 .

العودة