مناظرة الإمام الكاظم مع هارون الرشيد في أنهم ورثة النبي صلى الله عليه وآله وأولاده

قال الشيخ الطبرسي عليه الرحمة : وحدث أبو أحمد هاني بن محمد العبدي، قال : حدّثني أبو محمد ، رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما السلام قال : لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد عليَّ السلام ثمّ قال : يا موسى بن جعفر ، خليفتان يُجبى إليهما الخراج ؟
 

فقلت : يا أمير المؤمنين ! أُعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، كما علم ذلك عندك ، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله أن تأذن لي أُحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
 

فقال : قد أذنت لك .
 

فقلت : أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : إنّ الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت ، فناولني يدك جعلني الله فداك .
 

قال : ادن مني ! فدنوت منه ، فأخذ بيدي ثمّ جذبني إلى نفسه وعانقني طويلاً ثمّ تركني وقال : اجلس يا موسى ! فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه ، فرجعت إليَّ نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدّك صلى الله عليه وآله لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت عليَّ الرقة وفاضت عيناي ، وأنا أريد أن اسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحداً ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني عنك أنّك لم تكذب قطّ ، فأصدقني فيما أسألك ممّا في قلبي .
 

فقلت : ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني .
 

قال : لك الاَمان إن أصدقتني ، وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة.
 

فقلت : ليسأل أمير المؤمنين عمّا يشاء .
 

قال : أخبرني لِمَ فُضّلتم علينا ، ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطّلب ونحن وأنت واحد ، إنّا بنو عبّاس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عمّا رسول الله صلى الله عليه وآله وقرابتهما منه سواء ؟
 

فقلت : نحن أقرب .
 

قال : وكيف ذلك ؟
 

قلت : لاَنّ عبدالله وأبا طالب لاَب واُمّ ، وأبوكم العباس ليس هو من اُم عبدالله ولا من اُمّ أبي طالب .
 

قال : فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي صلى الله عليه وآله والعم يحجب ابن العم (1) وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمّه حي ؟
 

فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة ، ويسألني عن كل باب سواه يريده .
 

فقال : لا ، أو تجيب .
 

فقلت : فآمني .
 

قال : قد آمنتك قبل الكلام .
 

فقلت : إنَّ في قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام : إنّه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو اُنثى لاَحد سهم إلاّ الاَبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنّة ، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني اُميّة قالوا : العم والدٌ ، رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن قال بقول علي عليه السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام ، وقد حكم به ، وقد ولاّه أمير المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله ، منهم : سفيان الثوري ، وإبراهيم المدني ، والفضيل بن عياض ، فشهدوا أنّه قول علي عليه السلام في هذه المسألة ، فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز : لم لا تفتون وقد قضى به نوح بن دراج ؟
 

فقالوا : جسر وجبنّا ، وقد أمضى أمير المؤمنين عليه السلام قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : أقضاكم علي (2) وكذلك عمر بن الخطاب قال : عليّ أقضانا (3) وهو اسم جامع ، لاَنّ جميع ما مدح به النبي صلى الله عليه وآله أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء .
 

قال : زدني يا موسى !
 

قلت : المجالس بالاَمانات وخاصة مجلسك ؟
 

فقال : لا بأس به .
 

فقلت : إنَّ النبي صلى الله عليه وآله لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر.
 

فقال : ما حجّتك فيه ؟
 

قلت : قول الله تبارك وتعالى : ( وَالّذين آمنُوا وَلَم يُهاجِرُوا ما لَكُم مِنْ ولايَتِهِم مِن شيءٍ حتى يُهاجِرُوا ) (4) وإنّ عمّي العباس لم يهاجر .
 

فقال لي : إنّي أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا ، أم أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟
 

فقلت : اللّهم لا ، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين .
 

ثمّ قال لي : لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولوا لكم : يا بني رسول الله ! وأنتم بنو علي ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبي صلى الله عليه وآله جدّكم من قبل اُمّكم؟ (5)
 

فقلت : يا أمير المؤمنين ! لو أنَّ النبي صلى الله عليه وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟
 

فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .
 

فقلت له : لكنّه لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه .
 

فقال : ولِمَ ؟
 

فقلت : لاَنّه ولدني ولم يلدك . (6)
 

فقال : أحسنت يا موسى ! ثمّ قال : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي صلى الله عليه وآله والنبي لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى ، وأنت ولد الابنة ولا يكون لها عقب له .
 

قلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة .
 

فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا اُنهي إليَّ ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( ما فَرَّطنا في الكتاب مِن شيءٍ ) (7) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم .
 

فقلت : تأذن لي في الجواب ؟
 

قال : هات .
 

فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُريَّتهِ داوُد وسُليمان وأيُّوبَ وَموسى وَهارُون وَكذلِكَ نَجزِي المُحسنينَ وَزَكريا وَيحيى وَعيسى وإلياس كُلُّ مِنَ الصالحينَ ) (8) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
 

فقال : ليس لعيسى أب .
 

فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الاَنبياء : من طريق مريم عليها السلام ، وكذلك اُلحقنا بذراري النبي عليهم السلام من قبل اُمنا فاطمة عليها السلام ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟
 

قال : هات .
 

قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فَمن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العلم فقُل تَعالُوا نَدعُ أبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسنا وأنفُسكُم ثُمَّ نَبتَهِلُ فَنجعل لَعنةَ اللهِ عَلى الكاذبين ) (9) ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، فأبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب: ، على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم أحد : يا محمد ! إنَّ هذه لهي المواساة من علي قال : لاَنّه مني وأنا منه .
 

فقال جبرئيل : «وأنا منكما يا رسول الله» ثمّ قال :

 

لا سيف إلاّ ذو الفقار *** ولا فتى إلاّ علي (10)

 

فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله عليه السلام إذ يقول : ( قالُوا سَمِعنا فَتىً يَذكُرُهُم يُقال لَهُ إبراهيمُ ) (11) إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا .
 

فقال : أحسنت يا موسى ! إرفع إلينا حوائجك .
 

فقلت له : إنَّ أول حاجة لي أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جده صلى الله عليه وآله وإلى عياله .
 

فقال : ننظر إن شاء الله. (12)
 

وروي أنه لما حج الرشيد ونزل في المدينة ، اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والاَنصار ووجوه الناس ، وكان في الناس الاِمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام .
 

فقال لهم الرشيد : قوموا إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : ثمّ نهض معتمداً على يد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام حتى انتهى إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فوقف ثمّ قال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا بن عم ، افتخاراً ! على قبائل العرب الذين حضروا معه ، واستطالةً عليهم بالنسب ؟!
 

قال : فنزع أبو الحسن موسى عليه السلام يده من يده ثمّ تقدم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبة .
 

قال : فتغيّر لون الرشيد ثمّ قال : يا أبا الحسن ، إن هذا لهو الفخر الجسيم. (13)

____________
(1) أقول : طالما أخذ بنو العباس أمثال هذه الدعاوى دليلاً على أولوية العباس ـ بميراث النبي صلى الله عليه وآله وخلافته ـ من أمير المؤمنين باعتبار أن العم أقرب من ابن العم وقد أغفلوا وتناسوا ابنته فاطمة عليها السلام التي تحجب العم ، وراحوا يضللون الناس بدعاواهم المزيفة ليعموا الناس عن الحقيقة ، مُسخّرين في ذلك الشعراء المرتزقة ذلك الاَعلام المضلل الزائغ عن الحق ، فضمنوا ذلك في الاَشعار محتجّين بآية : (وأولوا الاَرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) الاَنفال| 75 ، ومن أولئك الشعراء الذين استخدموهم في ذلك مروان بن أبي حفصة الذي لم يذخر وسعاً في هجاء الطالبيين ومقدّساتهم وذمّ محبّيهم ، فأخذ ينفث حقده الدفين عليهم متبجّحاً بدعاواه الباطلة ، مردداً :

 
أنى يكون وليس ذاك بكائن * لبني البنات وراثة الاَعمام
 

 

(راجع : تاريخ بغداد : ج 13 ص 143 ، الاَغاني للاَصفهاني : ج 10 ص 94 .)
 

ليغيض به رسول الله صلى الله عليه وآله في ذرّيته بدل أن يتقرب إليه بحبّهم ومدحهم ، لم يبق شيء لم يفعلوه تجاه ذريته ـ كأنه لم يوص بهم ولم يكن أبوهم ـ فراحوا قتلاً وتشريداً وحبساً في السجون والمطامير ، ولم يبق سوى إنكار نسبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وقد فعلوها .
 

والجدير بالذكر هنا هو ما روي عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني رضي الله عنه عن عبدالسلام بن صالح الهروي ، قال : حدّثني معمّر بن خلاد وجماعة ، قالوا: دخلنا على الرضا عليه السلام ، فقال له بعضنا : جعلنا الله فداك ! ما لي أراك متغيّر الوجه؟! فقال عليه السلام : إني بقيت ليلتي ساهراً متفكّراً في قول مروان بن أبي حفصة :

 

أنَّى يكونُ وليس ذاك بكائن *** لبني البنات وراثة الاَعمام
 

 

ثمّ نمت فإذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب وهو يقول :

أنَّــى يكونُ وليس ذاك بكائن*** للمشـــركين دعائم الاِسلام
لبني البنات نصيبهم من جدهم*** والعـــم متروك بغير سهام
ما للطليــق وللتراث ؟ وإنّما*** سجد الطليق مخافة الصمصام
قد كان أخبـرك القرآن بفضله*** فمضى القضـاء به‌من الحكام
إنَّ ابن فاطمة المنــوه بأسمه*** حاز الوراثة عن بني الاَعمام
وبقي ابن نثلة واقفاً متــردداً*** يبكي ويسعده ذووا الاَرحـام
 

راجع : عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق : ج 1 ص 188 ـ 189 ح 2 (ب 43) ، الاِحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 393 ـ 394 وقد نسب هذه الحادثة إلى الاِمام الكاظم عليه السلام ، بحار الاَنوار : ج 10 ص 391 عن الفصول المختارة للمفيد : ج 1 ص 65 ، وقد روى وقوع هذه الحادثة لاَبي الحسن العسكري عليه السلام ، ولا يمنع تكرر وقوع هذه الحادثة لبعض الاَئمّة عليهم السلام ، وقد ذكر بعض هذه الاَبيات أبو الفرج الاَصفهاني في الاَغاني : ج 10 ص 95 ، وقد نسبها إلى محمد بن يحيى بن أبي مرّة التغلبيّ .
 

وقد تناول هذه الدعوى أيضاً مروان نفسه في بعض قصائده فنال بذلك إعجاب المهدي العباسي ، متزلفاً إليه ، فكانت جائزته منه ثمانين ألف درهم ، فأصبحت أنشودتهم المفضلة ، وقد غناها لهم إبراهيم بن المهدي ، وإليكها :

هل تطمسون من السمـاء نجومها*** بأكفكم أو تسترون هلالها
أو تجحدون مقالـــة عن ربكم***جبريل بلغها النبي فقالها
شهدت من الأنفـــال آخر آية***بتراثهم فأردثمُ إبطالهـا
فذروا الأسـود خوادراً في غيلها***لا تولغن دماءكم‌أشبالهـا

(راجع الاغاني للاصفهاني : ج10 ص70 و87، تاريخ بغداد : ج13 ص143 ـ 144).
 

وقد أجاد الشاعر المبدع فرات الاسدي في رده على مروان بن أبي حفصة ـ حيث يقول :

ومقالةٍ عجب أثرت عجاجهــا***وحجبت عن وجه الحقيقة حالها
وتخبطت قدماك تهوى سـادراً***لا تستبين رشادها وضلالهــا
فطمست من فلك السماء نجومها***وسترت بالملق الرخيص هلالها
لو كنت تعلم ما تقول إذن هوت***شمس وزلزلت الدنى زلزالهـا
لكن ـ ويأبى الله إلا نورهــم ***بتمامه ـ ما إن وردت وبالهـا
هــم آل‌بيت المصطفى ورّاثُهُ***وبهمْ أبان‌حرامها وحلالهـــا
فاربـع على الزيغ القديم وهاكه***ـ كل بما كسبت يداه ـ نوالها

وممن سار على منوال مروان بن أبي حفصة أبان بن عبد الحميد ، الذي أراد أن يحضى بالقرب من الرشيد كمروان ، فقالوا له : إن لمروان مذهباً في هجاء آل أبي طالب به يحضى ، وعليه يعطى ، فاسلكه ؟
 

فقال : لا أستحل ذلك ، فقالوا له : لا تجيء أمور الدنيا إلا بفعل ما لا يحل ؟! ثم نظم قصيدة في مدح العباس وانّه أقرب الى رسول الله من علي بن أبي طالب عليهم السلام وأولى منه بميراثه ، فنال بذلك إعجاب الرشيد ، فأمر له بعشرين ألف درهم ، ثم أصبح من المقربين إليه ، وإليك بعض أبياته التي قالها في قصيدته الطويلة :

نشدت بحق الله من كان مسلماً *** أعُمُّ بما قد قلته العُجــم والعــرب
أعــم رسول الله أقرب زلفة *** لديه ، أم ابن العم في رتبــة النسب
وأيهمــا أولــى به‌ وبعهده*** ومن ذا له حق التراث بمـا وجــب
فإن كان عباس أحق بتلكــم ُ*** وكان علي بعد ذلك عــلى ســبب
فأبناء عباس هـم يرثونــه *** كما العم لابن العم في الارث قد حجب

(راجع خزانة الادب للبغدادي : ج8 ص176) .
 

ويقول أيضاً الأستاذ فرات الاسدي في جوابه له :

أثمـت إذ استنشدت من كان مسلماً *** تعم بما قد قلته العجـــم والعرب
وحدت عن الحق الصراح ولم تكن *** لتدفع عنك الزيغ في الرأي والعطب
أنفــس رسـول الله حيدرة الذي *** له دون كل الناس حق العلـى وجب
تحيد بك الأهــواء عنه وغيـره *** له تبع وهو المقدم فــي‌الرتــب
أخوه وأبناه من الطهـر نسلــه *** فكيف لعمّ قبلـه الارث والنســب
فأيهما أولى ولــم يك مشرعـاً *** سوى بابه ما ســـد قط ولأ حب
لأن علياً باب علــم محمــدٍ *** ووراثه والمرتضـى والأخ والاحب

ومن الشعراء الذين بالغوا ايضاً في تنقيص أهل البيت حقهم ، وإثبات أن الحق للعباس وبنيه هو عبدالله بن المعتز العباسي، الذي يقول في بعض قصائده :

 

ألا من لعين وتسكابها *** تشكي القذى وبكاها بها

 

ومنها :

نحن ورثنا ثياب النبي***فكم تجذبون بأهدابهــا
لكـم رحم يا بني بنته ***ولكن بنو العم أولى بها
فمهلاً بنـي عمنا إنها ***عطية رب حبانا بهـا
 

راجع ديوان أبن المعتز : ص30 ـ 33 .
 

ولله در صفي الدين الحلي الشاعر المجاهد حيث يقول في جوابه :

ألا قــل لشر عبيد الالــه *** وطاغي قريش وكذابهــا
وباغي العباد وباغي‌العنــاد *** وهاجي الكرام ومغتابهــا
أأنت تفاخــر آل النبــي *** وتجحدها فضل أحسابهــا
بكم بأهل المصطفـى أم بهم *** فرد العداة بأوصابهــــا
أعنكم نفى الرجـس أم عنهم *** لطهر النفـوس وألبابهــا
وقـلت ورثنا ثـيـاب النبي *** فـكـم تجذبون بـأهـدابها
وعندك لا يــورث الأنبياء *** فكيف حضيتـم بأثوبهــا
فكذبت نفســك في الحالتين *** ولم تعلم الشهـد مـن صابها
وقولك أنتـم بنــو بنتــه *** (ولكن بنو الـعـم أولى بها)
بنوا البـنت أيضـاً بنو عمه *** وذلك أدنــى لانسابهــا
فدع في الخلافة فصل الخلاف *** فليست ذلــولاً لركابهــا
وما أنت والفحص عن شأنها *** وما قمصــوك بأثوابهــا

راجع : ديوان صفي الدين الحلي : ص192 .
(2) الرياض النضرة : ج 3 ص 167 ، كشف الخفاء للعجلوني : ج 1 ص 184 ح 489 ، ذخائر العقبى : ص 83 ، المناقب للخوارزمي : ص 81 ح 66 ، بحار الاَنوار : ج 40 ص 277 ح 41 .
(3) كشف الخفاء ومزيل الاِلباس للعجلوني : ج 1 ص 185 ، مسند أحمد بن حنبل : ج 5 ص 113 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : ج 2 ص 339 ، الرياض النضرة : ج 3 ص 167 .
(4) سورة الاَنفال : الآية 72 .
(5) فالعجب كل العجب من هؤلاء الزمرة الفاسدة التي تصر على أن ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام ليسوا بأولاد لرسول الله صلى الله عليه وآله وإنّما هم أولاد علي عليه السلام وذلك لاَنّ ابن البنت ليس بولد ويستشهدون لذلك بقول الشاعر :

بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا *** بنوهُنَّ أبناء الرّجال الاَباعد
 

هذا مع نصوص النبي صلى الله عليه وآله الكثيرة الدالة على صحة النسبة حقيقة وأنهم أبناءه وهو أبوهم ، والتي منها على سبيل المثال :
 

1 ـ قوله صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين عليهما السلام : إن ابني هذين ريحانتاي من الدنيا (راجع : كنز العمال : ج 13 ص 667 ح 37699 ، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر : ج 4 ص 207) .
 

2 ـ ما روي عنه صلى الله عليه وآله : كل بنيّ أنثى فإن عصبتهم لاَبيهم ما خلا ولد فاطمة عليها السلام فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم (راجع : كنز العمال : ج 12 ص 116 ح 34267 ، مجمع الزوائد : ج 4 ص 224 وج 6 ص 301) .
 

3 ـ ما روي عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام عن فاطمة الزهراء عليها السلام قالت: قال رسول الله9: كل بنيّ آدم ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة ، فإنّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم (راجع : تاريخ بغداد : ج 11 ص 285) .
(6) وفي التذكرة الحمدونية : ج 7 ص 180 رقم : 835 ، قال : وروي أنّه قال ـ الاِمام الكاظم عليه السلام لهارون ـ : هل كان يجوز أن يدخل على حرمك وهن متكشفات ؟
 

فقال : لا .
 

قال : لكنه كان يدخل على حرمي كذلك ، وكان يجوز له .
 

أقول : فقد أوضح أهل البيت عليهم السلام بما لا مزيد عليه لـوازم قربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله باعتباره أولدهم فهم ذريته وهو أبوهم ، فمن تلك اللوازم التي أشاروا إليها انّه لا يحل لذريته نكاح زوجاته على فرض لو لم يحرم الله على الناس نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وآله فلا يجوز لهم ذلك باعتباره جدّهم وأبوهم ، وإليك نصّ الرواية في ذلك :
 

الكليني بسنده عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى الله عليه وآله لقول الله عزّ وجلّ : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده ) حرم على الحسن والحسين عليهما السلام بقول الله تبارك وتعالى اسمه : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه . راجع الفروع من الكافي : ج 5 ص 565 ح 41 ، بحار الاَنوار : ج 2 ص 279 ح 42 .
(7) سورة الاَنعام : الآية 38 .
(8) سورة الاَنعام : الآية 84 و 85 .
(9) سورة آل عمران : الآية 61 .
(10) المناقب للخوارزمي : ص167 ح 200 ، مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي : ص 197 ح 234 وص 199 ح 235 ، تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 2 ص 514 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 1 ص 29 ، ذخائر العقبى : ص 68 و 74 ، بحار الاَنوار : ج 41 ص 83 .
(11) سورة الاَنبياء : الآية 60 .
(12) الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 389 ـ 392 ، عيون أخبار الاِمام الرضا عليه السلام : ج 2 ص 78 ـ 82 ب 7 ح 9 ، تحف العقول : ص 404 ـ 405 ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج 10 ص241 ـ 242 ح 2 وج 48 ص 125 ح 1 وج 93 ص 240 وج 101 ص 334 ، التذكرة الحمدونية لابن حمدون : ج عليه السلام ص 180 ، بتفاوت .
(13) الفصول المختارة للمفيد : ج 1 ص 16 ، كنز الفوائد للكراجكي : ج 1 ص 356 ـ 357 ، الاِحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 393 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي : ص 350 ، بحار الاَنوار : ج 25 ص 243 ح 25 .

العودة