مناظرة الشيخ الأنطاكي(1) مع بعضهم في حكم السجود على التربة الحسينية وإقامة العزاء

في يوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة 1374 هجرية أتاني جماعة من علماء السنّة وبعضهم زملائي في الاَزهر حاملين عليَّ حقداً في صدورهم لاَخذي بمذهب أهل البيت وتركي مذهب السنة ، ودار البحث بيننا طويلاً يقرب حوالي عشر ساعات تقريباً وذلك في كثير من المسائل .
ومنها : انتقادهم على الشيعة بأنهم يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ، وإجراؤهم التعازي على الاِمام الحسين عليه السلام وهو بدعة ؟ !
فقلت لهم : كلاهما أمرٌ محبوب محبذ إليه من الشارع المقدّس ، أما قولكم : إنّ الشيعة يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ! هذا غير صحيح لاَن السجود على التربة لا يكون شركاً ، لاَن الشيعة تسجد على التربة لا لها ، وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم ـ على الفرض المحال ـ أن التربة هي أو في جوفها شيء يسجدون لاَجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها ، لاَن الشخص لا يسجد على معبوده ، لاَن السجود يجب أن يكون للمعبود وهو الله يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه ، أمّا السجود على الله فهو كفر محض ، فسجود الشيعة على التربة ليس شركاً !
فأجابني أحدهم وهو أعلمهم قائلاً : أحسنت يا فضيلة الشيخ على هذا التحليل اللطيف ، ولنا أن نسألك ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ، ولم لا تسجدون على سائر الاَشياء كما تسجدون على التربة ؟
فأجبته : ذلك عملاً بالحديث المتفق عليه بالاِجماع جميع فرق المسلمين وهو قوله صلى الله عليه وآله : جعلت لي الاَرض مسجداً وطهوراً(2) ، فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين ، ولذلك نسجد دائماً على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه .
فسألني : وكيف اتفق المسلمون عليه ؟
فأجبته : أول ما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأمر ببناء مسجد فيها ، هل كان المسجد مفروشاً بفرش ؟
فأجابني : كلاّ لم يكن مفروشاً .
قلت : فعلى أي شيء كان يسجد النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون ؟
أجابني : على أرض المسجد المفروشة بالتراب .
قلت : ومن بعد النبي في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين علي عليه السلام هل كان المسجد مفروشاً بفرش ؟
فأجابني أيضاً : كلاّ.
قلت : فعلى أي شيء كان المسلمون يسجدون في صلواتهم في المسجد ؟
أجابني : على أرض مفروشة بالتراب .
فقلت : إذن جميع صلوات رسول الله صلى الله عليه وآله كانت على الاَرض وكان يسجد على التراب ، وكذلك المسلمون في زمانه وبعده كانوا يسجدون على التراب ، فالسجود على التراب صحيح قطعاً ، ومعاشر الشيعة إذ تسجد على التراب تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله فتكون صلواتهم صحيحة قطعاً .
فأورد عليَّ : بأن الشيعة لم لا تسجد على غير التربة التي يحملونها معهم من سائر مواضع الاَرض أو غيرها من التراب ؟
فأجبته : أولاً : أن الشيعة تجوّز السجود على كل أرض سواء في ذلك المتحجر منها أو التراب
ثانياً : حيث إنه يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة ، فلا يجوز السجود على أرض نجسة ، أو تراب غير طاهر ، لذلك يحملون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر تفصياً عن السجود على ما لا يعلم طهارته من نجاسته ، مع العلم أنهم يجوّزون السجود على تراب أو أرض لا يعلم بنجاسته
فأورد عليَّ : إن كانت الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص فلم لا يحملون معهم تراباً يسجدون عليه ؟
فأجبته : حيث إن حمل التراب يوجب وسخ الثياب لاَنه أينما وضع من الثوب فلا بد أن يوسخه ، لذلك نمزجه بشيء من الماء ثم ندعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب .
ثم أن السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع(3) والتواضع لله ، فإن السجود هو غاية الخضوع ، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه ، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله ، فكلما كان مظهر السجود أكثر في الخضوع لا شك أنه يكون أحسن ومن أجل ذلك استحب أن يكون موضع السجود أخفض من موضع اليدين والرجلين ، لاَن ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى .
وكذلك يستحب أن يعفر الاَنف بالـتراب في حال السجدة(4)لاَن ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى ، ولذلك فالسجود على الاَرض أو على قطعة من الطين الجاف أحسن من السجود على غيرهما مما يجوز السجود عليه ، لاَن في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد ، وهو الجبهة على الاَرض خضوعاً لله تعالى وتصاغراً أمام عظمته .
أما أن يضع الاِنسان في حال السجدة جبهته على سجاد ثمين ، أو على معادن كالذهب والفضة وأمثالهما أو على ثوب غالي القيمة ، فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم .
إذن فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الاِنسان أمام ربه شركاً وكفراً ! ؟ والسجود على ما يذهب بالخضوع للهلله تعالى تقرباً من الله ؟ !إنْ ذلك إلاّ قول زور .
ثم سألني : فما هذه الكلمات المكتوبة على التربة التي تسجد الشيعة عليها ؟ فأجبته .
أوّلاً : إنه ليس جميع أقسام التربة مكتوباً عليها شيء ، فإن هناك كثيراً من التربات ليس عليها حرف واحد .
وثانياً : المكتوب على بعضها سبحان ربي الاَعلى وبحمده ، رمزاً لذكر السجود ، وعلى بعضها إن هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة ، بالله عليك أسأل من فضيلتك هل في ذلك بأس ؟ وهل يعد ذلك شركاً ؟ أو هل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز السجود عليه ؟ ! فأجابني كلا !
ثم سألني : ما هذه الخصوصية في تربة أرض كربلاء ، حيث إن أكثر الشيعة مقيدون بالسجود عليها مهما أمكن ؟
قلت : السر في ذلك أنه ورد في الحديث الشريف : السجود على تربة أبي عبدالله عليه السلام يخرق الحجب السبع(5)، يعني أن السجود عليها يوجب قبول الصلاة وصعودها إلى السماء ، وما ذلك إلا لاِدراك أفضلية ليست في تربة غير كربلاء المقدسة
فأورد عليَّ : هل السجود على تربة الحسين عليه السلام تجعل الصلاة مقبولة عند الله تعالى ولو كانت الصلاة باطلة ؟
فأجبته : إن الشيعة تقول : بأن الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط الصحة باطلة غير مقبولة ، ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة قد تكون مقبولة عند الله تعالى وقد تكون غير مقبولة ، أي لا يثاب عليها ، فإذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسين عليه السلام قبلت ويثاب عليها ، فالصحة شيء والقبول شيء آخر.
فسألني : وهل أرض كربلاء المقدسة أشرف من جميع بقاع الاَرض(6)حتى أرض مكة المعظمة والمدينة ، حتى يكون السجود عليها أفضل ؟(7) فقلت : وما المانع من ذلك ؟
قال : إن تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه السلام إلى أرض مكة ، وأرض المدينة المنورة التي تحتضن جسد الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله تكونان في المنزلة دون منزلة كربلاء ؟ ! قال : هذا أمر غريب ، وهل الحسين بن علي عليه السلام أفضل من جده الرسول صلى الله عليه وآله ؟
قلت : كلا إن عظمة الحسين من عظمة الرسول صلى الله عليه وآله وشرف الحسين من شرف الرسول ، ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لاَجل أنه إمام سار على دين جده الرسول صلى الله عليه وآله حتى استشهد في ذلك ، لا .. ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منزلة الرسول ، ولكن حيث إن الحسين عليه السلام قتل هو وأهل بيته وأنصاره في سبيل إقامة الاِسلام وإرساء قواعده ، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات عوَّضه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور :
الاَوّل : استجابة الدعاء تحت قبته .
الثاني : الاَئمة من ذريته .
الثالث : الشفاء في تربته(8).
فعظم الله تعالى تربته لاَنه قتل في سبيل الله أفجع قتلة وقتل معه أولاده وإخوته وأصحابه وسبي حريمه ، وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين ، فهل في ذلك مانع ؟ أم هل في تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على أرض المدينة معناه أن الحسين عليه السلام أفضل من جده الرسول صلى الله عليه وآله بل الاَمر بالعكس فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين ، وتعظيم الحسين عليه السلام تعظيم لله ولجده رسول الله عليه السلام .
فقام أحدهم عن مجلسه وعليه آثار البشاشة والسرور فحمدني كثيراً وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة بعد أن قال : مولاي إفاداتك هذا صحيح ، وإني كنت أتخيَّل أن الشيعة يفضلون الحسين عليه السلام حتى على جده رسول الله صلى الله عليه وآله ، والآن عرفت الحقيقة وأشكرك على هذه المناظرة اللطيفة والاِلفاتات الطيبة التي زوَّدتنا بها ، وسوف أحمل معي أبداً قطعة من أرض كربلاء المقدسة لاَسجد عليها أينما صليت ، كما أني سأدع السجود على غير التراب ومخصوصاً التربة الحسينية
ثم قلت : وأما قولك : إجراء الشيعة التعازي على الاِمام الحسين عليه السلام هو بدعة فهذا كلام باطل فاسد ! ولا أدري لماذا تنقمون على الشيعة بإقامتهم التعازي على شهيد الحق والاِنسانية الاِمام بن الاِمام حفيد الرسول وسلالة الزهراء البتول سيد الشهداء الاِمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في مصابه العظيم الذي زلزلت لها أظلة العرش مع أظلة الخلائق والحادثة المروعة التي لم يسبقها في العالم الاِسلامي ولا في غيره سابق ولا يلحقها لاحق ، إذ أنه جَلَلٌ عمَّ خطبه العظيم جميع الاَمة الاِسلامية حتى الجن والطير والوحش راجع كتب المقاتل تعرف(9) ، وبعضكم يعترض على الشيعة بأن الحسين عليه السلام قتل منذ زمن بعيد يربو على 13 قرناً ، فأيُّ فائدة في البكاء عليه واللطم على الصدور والضرب بالسلاسل بحيث يسيل الدم .
فاعلموا أن عمل الشيعة هذا هوعين الصواب أولاً : لو أنهم لم يستمروا على إقامة ذكرى سيد الشهداءء لاَنكرتموه كما أنكرتم يوم الغدير ، وحديثه المشهور المعترف به المؤالف والمخالف فرواه أكثر من مائة وثمانين صحابياً ، فيهم البدري وغيره ومن التابعين أكثر فأكثر ، فالشيعة لم يأتوا بشيء إذاً.
ثانياً : الشيعة اقتفوا أثر أئمتهم في ذكرى أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، فلو وقفتم على كتب الشيعة لما أوردتم علينا نقداً ، وأُلفتُ نظركم إلى كتاب مقدمة المجالس الفاخرة للاِمام شرف الدين ، وإقناع اللائم على إقامة المآتم للاِمام السيد محسن الاَمين العاملي ـ رحمهما الله ـ ففيهما من الحجج ما يقنع الجميع وانظروا أيضاً إلى ص 576 من مصابيح الجنان للحجة السيد الكاشاني إذ قال فيه : ينبغي للمسلمين إذا دخل شهر المحرم أن يستشعروا الحزن والكآبة ، وأن يعقدوا المجالس والمآتم لذكرى ما جرى على سيد الشهداء وأهل بيته والصفوة من أصحابه من الظلم والعدوان ، وهو أمر مندوب إليه ومرغب فيه ، على أن في ذلك تعظيماً لشعائر الله تعالى ، وامتثالاً لاَمر رسول الله صلى الله عليه وآله واقتداءً بالاَئمة المعصومين عليهم السلام ، ويدل عليه ما ورد عن الرضا عليه السلام وهو الاِمام الثامن من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : كان أبي ـ وهو الكاظم ، الاِمام السابع من أوصياء الرسولب صلى الله عليه وآله ـ : إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصبيته وحزنه وبكائه ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلّى الله عليه(10)، ويستفاد منه رجحان كل ما له دخل في الحزن والكآبة(11)من غير أن يشتمل على فعل محرم
ثم قال : ويستحب البكاء وإجراء التعازي على سيد الشهداء وإسالة الدموع عليه لا سيما في العشر الاَول من المحرم ، فإن البكاء عليه من الاَمور الحسنة المندوبة ، ومن موجبات السعادة الاَبدية والزلفى إلى المهيمن سبحانه ، ويكفي في رجحانه الاَحاديث المعتبرة المروية عن الحجج الطاهرة وهي كثيرة جداً نحيلك على مظانها(12).
إلى أن قال : وأما الذين يعيبون الشيعة بذلك فلا يعبأ بقولهم إذ إنهم حائدون عن جادة الاِنصاف ، وقاسطون عن طريق الصواب ، مع هذه النصوص الكثيرة المتواترة الواردة عن الاَئمة السلف خاصة عن أئمة العترة الطاهرة من أهل البيت عليهم السلام وهم أحد الثقلين الذين لا يضل المتمسك بهما على أن في ذلك من المواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه أمير المؤمنين عليه السلام وابنته الصديقة فاطمة الزهراء عليهم السلام.
وقد اتفقت الطوائف الاِسلامية على اختلاف مذاهبها على جواز التفجع لفقد الاَحبة والعظماء جرت عليها سيرتهم العملية وإجماعهم وكان عليه السلف وتشهد بذلك الموسوعات الضخمة المشحونة بأقوالهم وأفعالهم سواء في ذلك الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من سائر المسلمين ، فمن راجع كتبهم يجد نصوصهم في هذا المورد بكثرة مدهشة .
فنحن إذ نجد الاَدلة النقلية والعقلية متوفرة ، نُجدد ذكرى مصاب سيد الشهداء وريحانة الرسول الاِمام الحسين عليه السلام غير مكترثين بالتقولات الشاذة التي لا وزن لها ، راجين بذلك من الله الثواب ومن رسوله الشفاعة يوم الحساب ، إنتهى ما جاء في مصابيح الجنان للكاشاني .
ثم أيها الاِخوان إن الشيعة مقتدون بسلفهم الصالح إذ جاء في حديث معتبر مأثور أن علياً زين العابدين بن الحسين عليه السلام لما عاد من أسره هو ومن معه من أسارى أهل البيت عليهم السلام من دمشق جعلوا طريقهم على العراق ولما وصلوا كربلاء أخذ هو ومن معه في البكاء يندبون الحسين عليه السلام .
فأي بأس على الشيعة في أمثال هذه الاَعمال المقدسة المحبوبة عند الله ورسوله والصفوة من آله ؟
لكن البأس كل البأس والنقد الشديد موجه عليكم ، وهو أنكم أخذتم ببدعة يزيد بن معاوية الطليق ابن الطليق ، إذ أنه جعل في كل سنة في العشر الاَول من المحرم عيداً يقيم فيه الاَفراح وينصب الزينة ، وتقام المهرجانات ويسميه عيد النصر والفوز ، وأشفعه ببدعة أخرى تدل على خسته ودنائته فانه قد أتى بمومسة تشبه في صفتها جدته هند بنت عتبة فيجمع الاَخساء من بني شجرته الملعونة ويأتي بآلة الطرب والخمر وكل ما يلزمه من الاَشياء وتعزف الموسيقى ....
فأي الفريقين أحق بالاَمن يا مسلمون ؟ ! فدعوا الشيعة وشأنهم ! فإنهم هم الفرقة ـ الناجية ـ التي عناها رسول الله صلى الله عليه وآله من الثلاث والسبعين فرقة(13) ، لذلك اعتنقنا هذا المذهب الشريف وتركنا المذهب السني.
ولما وصلت إلى هنا شكرني جميع من في المجلس ، ثم قالوا : كنا لا ندري أن مذهب الشيعة هكذا ، بل كنا نسمع عنهم بأنهم ليسوا على حق ، بل هم كفرة فجرة مشركون .
فقلت : لا ، إنما هو كما أخبرتكم ، وستعرفون مذهب الشيعة بعد وقوفكم على كتبها ، والذنب ذنبكم في تقصيركم عن الوقوف على مؤلفات الشيعة ، ولماذا ثم إني أبين أن هذه التهم الموجهة إلى الشيعة الاَبرار تبعة رسول الله صلى الله عليه وآله وخدنة أمير المؤمنين علي وذريته العترة الطاهرة عليهم السلام ليس لها واقعٌ ، وإنما هي أكذوبات بحتة اختلقتها عليهم الاَثمون من أعداء المسلمين المسمّين أنفسهم بالمسلمين ، فعليكم أن تتحروا الحقيقة دائماً ، ولا تعتنوا بكل ما تسمعون ضد الشيعة دون أن تبحثوا عن واقعه وحقيقته ، وهذا ما أرجوه منكم .
ثم قاموا وودّعوني جميعهم ، وذهب كل منهم الى محله بعد أن جاؤا غضاباً ، فرجعوا فرحين مسرورين ، وأخيراً بلغني من بعض من أثق به أن بعضهم اعتنق المذهب الشريف مذهب أهل البيت عليهم السلام ، والحمد لله على هذه النعمة الكبرى ، وهي ولاية أهل البيت عليهم السلام(14).
____________
(1) هو : المرحوم العلامة الكبير المجاهد الشيخ محمد مرعي الاَمين الاَنطاكي مولداً ، والحلبي نشأة ، والاَزهري تخرجاً ، والشافعي مذهباً ، والشيعي خاتمة ، من أبرز علماء سوريا ، ولد سنة 1314 هـ ، في قرية من القرى التابعة إلى أنطاكية ، ودرس فيها بضع سنوات ثمّ انتقل إلى الجامع الاَزهر مع أخيه ، ودرس عند شيخ الجامع الاَزهر الشيخ مصطفى المراغي ، والشيخ محمد أبو طه المهنى وغيرهما من مشيخة الاَزهر ، حصل على شهادات راقية من جامع الاَزهر ، وعاد إلى بلاده ، وامتهن إمامة الجماعة والجمعة والتدريس والاِفتاء والخطابة نحو خمسة عشر عاماً .
وأخيراً أخذ بمذهب أهل البيت عليهم السلام لما تبيّن له أن الحقّ معهم وفيهم ، وذلك بسبب قراءته كتاب المراجعات للسيد شرف الدين قدس سره ، ومناظراته الكثيرة مع علماء الشيعة الاِمامية ، كما تشيع على يده ويد أخيه الشيخ أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الكثير من أبناء العامة من سوريا ولبنان وتركية . (إستفدنا هذه الترجمة من كتابه الشهير « لماذا اخترت مذهب الشيعة »).
(2) راجع : مسند أحمد بن حنبل : ج1 ص250 ، صحيح البخاري : ج1 ص 91 و119 ، سنن الترمذي : ج2 ص 131 ح317 ، السنن الكبرى للبيهقي : ج2 ص433 ، وسائل الشيعة : ج3 ص 350 ح3839 و 3840 وص 351 ح 3841 وج 5 ص 117 ح 6083 و6086.
(3) عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام (في حديث) قال : السجود على الاَرض أفضل لاَنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ ، وعن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن السجود على الحصر والبواري ؟ فقال : لا بأس ، وإن يسجد على الاَرض أحب إليَّ ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحبّ ذلك أن يمكن جبهته من الاَرض فأنا أُحبُ لك ما كان رسول الله يحبّه . وسائل الشيعة للحر العاملي : ج 3 ص 608 ـ 609 (ب 17 من أبواب ما يُسجد عليه ح 1 و 4) .
(4)وسائل الشيعة : ج 4 ص 954 (ب 4 من أبواب السجود) .
(5) روي عن معاوية بن عمار قال : كان لاَبي عبدالله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال عليه السلام : إن السجود على تربة أبي عبدالله عليه السلام يخرق الحُجب السبع . راجع : مصباح المتهجد : ص677 ، الدعوات للراوندي : ص188 ح519 ، وسائل الشيعة للحر العاملي : ج3 ص608 ح3 (ب 16 من أبواب ما يسجد عليه) ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج82 ص153 ح14 و ج 98 ص 135 ح 74 .
(6) راجع : بحار الاَنوار للمجلسي : ج 98 ص 106 ب 15 .
(7) ونحن أيضاً إذا رجعنا إلى كتب السيرة والتأريخ وجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ـ الذي لنا به أسوة حسنة ـ كيف كان يقدس هذه التربة الشريفة حتى احتفظ بها وكان يشمها كما يشم الطيب ، وقد سلمها إلى اُمّ سلمة ، وإليك بعض الاَخبار في ذلك :
1 ـ عن اُمّ سلمة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يمسح رأس الحسين عليه السلام ويبكي ؟ فقلت : ما بكاؤك ؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاء قالت : ثمّ ناولني كفاً من تراب أحمر وقال : إن هذا من تربة الاَرض التي يقتل بها فمتى صار دماً فاعلمي أنه قتل ، قالت أم سلمة فوضعت التراب في قارورة عندي وكنت أقول إن يوماً يتحول فيها دماً ليوم عظيم .
2 ـ وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وعيناه تفيضان قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : قام من عندي جبرئيل عليه السلام قبل وحدثني أن الحسين عليه السلام يُقتل بشط الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته قلت : نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني ان فاضتها .
3 ـ وقيل لما أتى جبرئيل بالتربة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من موضع يهراق فيه دم أحد ولديه ولم يخبر باسمه شمها وقال : هذه رائحة ابني الحسين عليه السلام وبكى ! فقال : جبرئيل صدقت . وغيرها من الاَحاديث ، وإن شئت المزيد في ذلك فراجع : ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري : ص 146 ـ 148 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 158 ـ 162 و 170 (الفصل الثامن) ، ترجمة الاِمام الحسين عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : ص247ـ 267 ح 221 ـ 233 .
(8) فقد روي عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمد عليهم السلام يقولان : إن الله تعالى عوض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الاِمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ... الحديث راجع : بحار الاَنوار للمجلسي : ج 44 ص 221 ح 1 .
(9)راجع : مقتل الحسين للخوارزمي : ج 2 ص 89 ـ 101 .
(10) راجع : أمالي الشيخ الصدوق : ص111 ح2 ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج44 ص284 ح17.
(11) فقد روى الشيخ المفيد رحمه الله بسنده عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كلُّ الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام ، وجاء عن الرضا عليه السلام في حديث : قال عليه السلام : فعلى مثل الحسين فليبك الباكون الخ . بحار الاَنوار للمجلسي : ج 44 ص 280 ح 9 وص 284 ح 17 .
(12) ومن ذلك ما روي عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه قال : قال الرضا عليه السلام : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتُكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .
وروي عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله ، ثمّ قال أبو عبدالله عليه السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب .
وروي عن محمد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حقّ لنا نقصناه ، أو عرض انتهك لنا ، أو لاَحد من شيعتنا ، بوأه الله تعالى بها في الجنة حُقباً . راجع : بحار الاَنوار للمجلسي : ج 44 ص 278 ـ 296 ب 34 .
(13) إشارة إلى الحديث المروي عنه صلى الله عليه وآله : ستفترق اُمّتي....الخ .
(14) كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة : ص 341 ـ 352 .

العودة