الشيخ مرتضى بن محمد أمين الانصاري

ولد الشيخ مرتضى الانصاري في دزفول سنة 1214 وتوفي في 18 جمادي الآخرة سنة 1281 ودفن في المشهد الغروي على يمين الخارج من الباب.
تحصيله العلمي 

يذكر صاحب اعيان الشيعة أن الأستاذ الإمام المؤسس شيخ مشايخ الامامية قرأ أوائل أمره على عمه الشيخ حسين من وجوه علماء تلك البلدة ثم خرج مع والده إلى زيارة مشاهد العراق وهو في العشرين من عمره فورد كربلاء وكانت الاستاذية والرياسة العلمية فيها لكل من السيد محمد المجاهد وشريف العلماء فرغب الأول إلى والده أن يتركه في كربلاء للتحصيل على اثر مذاكراته وظهور قابليته فبقي آخذاً عن الاستاذين المشار إليهما اربع سنوات إلى أن حوصرت كربلاء بجنود داود باشا فتركها العلماء والطلاب وبعض المجاورين وهو ـ الشيخ ـ في الجملة إلى مشهد الكاظمين عليهما السلام وعاد منها إلى وطنه حيث امضى زهاء سنتين لا يكاد يقر له قرار حرصاً على نيل حاجته وارواء غليله من العلم فانه كان عازماً على الطواف في البلاد للقاء العلماء والائمة لعل احدهم يحقق قصده إذ قلما اعجبه من اختاره أو ملأ عينيه أحد فعاد واقام فيها سنة يختلف إلى شريف العلماء ثم خرج إلى النجف فأخذ عن الشيخ موسى الجعفري سنتين إلى أن خرج عنه عازماً على زيارة مشهد خراسان ماراً في طريقه على كاشان حيث فاز بلقاء استاذه النراقي صاحب المناهج مما دعاه إلى الاقامة فيها نحو ثلاث سنين مضطلعاً بالدرس والتأليف حتى كان النراقي لا يمل من مذاكراته ومباحثته وحكي عنه أنه قال: لقيت خمسين مجتهداً لم يكن احدهم مثل الشيخ مرتضى ثم خرج إلى خراسان حيث اقام عدة شهور ثم عاد إلى بلاده ماراً باصفهان أيام رياسة صاحبي المطالع والاشارات واصر عليه الأول بالاقامة فامتنع وخرج إلى وطنه دزفول فوردها سنة 1244 فاقام خمس سنوات ثم خرج إلى العراق وورد النجف سنة 1249 أيام رياسة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر وصاحب الجواهر والأول اوجههما فاختلف إلى مدرسته عدة اشهر ثم انفرد واستقل بالتدريس والتأليف واختلف إليه الطلاب ووضع أساس علم الاصول الحديث عند الشيعة وطريقته الشهيرة المعروفة إلى أن انتهت إليه رياسة الامامية العامة في شرق الأرض وغربها وبعد وفاة الشيخين السابقين وصار على كتبه ودراستها معول أهل العلم لم يبق أحد لم يستفد منها، واليها يعود الفضل في تكوين النهضة العلمية الأخيرة في النجف الاشرف وكان يملي دروسه في الفقه والاصول صباح كل يوم واصيله في الجامع الهندي حيث يغض فضاؤه بما ينيف على الاربعمائة من العلماء الطلاب وقد تخرج به اكثر الفحول من بعده مثل الميرزا الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والسيد حسين الترك والشرابياني والمامقاني والميرزا أبو القاسم الكلانتري صاحب الهداية وانتشر تلاميذه وذاعت آثاره في الآفاق، وكان ـ الشيخ ـ من الحفاظ جمع بين قوة الذاكرة وقوة الفكر والذهن وجودة الراي، حاضر الجواب لا يعييه حل مشكلة ولا جواب مسألة وعاش مع ذلك عيشة الفقراء والمعدمين مبادراً في إنفاق كل ما يجلب إليه على المحتاجين من الامامية في السر خصوصاً، لا يريد في ذلك إلا وجه الله حتى لم يبق لوارثه، شيء قط، وكان الشيخ رحمه الله ـ طويلاً صبيح الوجه على ما به من اثر الجدري. يخضب بالحناء ضعيف البصر ولم يعقب سوى بنتين توفيتا بعده بيسير، وعندما توفي الشيخ اقيمت له المآتم في ديار الامامية كلها ورثي بالعربية والفارسية.

وينقل صاحب اعيان الشيعة عن نظم اللآل: انتهت إليه رئاسة الامامية بعد مشايخنا الماضين وهو أحق بها إذ لا يباريه أحد في التقى وكثرة الصلاة والعلم اصولاً وفروعاً والعمل وحسن الأخلاق. له كتب في الاصول والفقه تدهش الواقف عليها وعلى ما فيها من الدقائق العجيبة والتحقيقات الغريبة مع لزوم الجادة المستقيمة والسليقة المعتدلة واشتهر أمره في الآفاق وذكره على المنابر على وضع لم يتفق قبله لغيره وكان مرجعاً للشيعة قاطبة في دينهم ودنياهم وعرضت عليه أحوال الهند المعروفة فأبى أن يقبلها وهي عظيمة موضوعة في بنك الانكليز اصله من مال امرأة هندية يصرف ربعها في كربلاء والنجف برأي المجتهدين ويقال أن قنصل الانكليز طلب منه أن يقطع من ريعها شيئاً ويعطيه وصولاً بالتمام فأبى ـ الشيخ ـ رضوان الله عليه فسلمت لغيره ممن قبل بذلك.

مؤلفاته 

وللشيخ الانصاري مصنفات تمتاز بالدقة المتناهية في العبارة وكان له من الثراء العلمي ما يمكنه من أن يحيط بالمسألة من كافة اشكالاتها الاصولية والفقهية والكلامية مما جعل الدليل الذي يسوقه دليلاً قوياً ليس من السهل دفعه وينقل صاحب الاعيان لقد اكتسبت مصنفاته حظاً عظيماً فرسائله ومكاسبه مضافاً إلى أن عليها مدار التدريس شذ من لم يعلق عليها من مشاهير العلماء بعده فمن علق على الرسائل ميرزا موسى التبريزي والميرزا حسن الاشتياني والشيخ حسن المامقاني والشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ اغا رضا الهمداني وكل حواشيهم مشهورة مطبوعة وممن علق على المكاسب السيد كاظم اليزدي والشيخ اغا رضا.

ويروي الشيخ الانصاري عن استاذه النراقي وأبيه ملا مهدي عن الشيخ يوسف البحراني عن المولى محمد رفيع الجيلاني عن المجلسي عن مشايخه، ومن تصانيفه المكاسب وهو عند بعض تلاميذه احسن ما صنف وكتاب الطهارة والصوم والزكاة والخمس ورسائله في الأصول والتي عليها معوّل الاصوليين من الامامية في كل مكان وهي رسالة حجية الظن ورسالة الاستصحاب ورسالة في التعادل والتراجيح ورسالة في الاجماع ورسالة في اصل البراءة وله أيضا رسائل في الفقه مثل رسالة في الرضاع رسالة في التقية ورسالة في العدالة ورسالة في القضاء عن الميت ورسالة في المواسعة والمضايقة ورسالة في قاعدة من ملك شيئاً ملك الاقرار به ورسالة في نفي الضرر والضرار طبعت كلها وله كتاب الغصب وكتاب في الرجال تام، منه نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية كتبت عن نسخة الاصل سنة 1281 وهي سنة وفاته رحمة الله عليه.

الولاية من قبل الجائر 

حاولنا هنا أن نعرض ولو بشكل مقتضب بعض بحوث الشيخ الانصاري رحمه الله في المكاسب المحرمة وهي (الولاية من قبل الجائر) لما لها من أهمية حازت على اهتمام مباحث الشيخ الانصاري واثرها العملي في المجتمع وابتلاء الناس بها. فعرضنا لها بشكل بسيط مبتعدين عن الغور في الاشكالات والردود لان ذلك مما لا طائل منه على مستوى القارئ العادي ومما يبتعد عن جوهر البحث ونتائجه المتوخاة وهنا لابد أن اشير إلى أن كتاب المكاسب امتاز وعلى مدى مأة سنة بحضوره في بحوث الفقه الخارج أو السطوح فنال شهرة عظيمة عند العلماء والفضلاء والباحثين لما له من خصائص تجعله في طلائع الكتب الفقهية التي تمتاز بدقة الأشكال وفخامة الجواب وقوته الاستدلالية التي تضفي عليه رونقاً علمياً خاصاً، وعرف صاحب المكاسب في بحوثه فيها أنه يعرض رأيه في نهاية البحث بعد ما يقدم للمسألة ويعرفها ويعرض آراء العلماء فيها ويثير الاشكالات والتناقضات التي ربما تكتنفها والاحتمالات والترجيحات إذا وجدت وضعف الروايات أو قوتها ثم يبدأ في النهاية لينقض ما قدمه من آراء واحداً بعد الآخر إلى أن يصل إلى رأيه الخاص مع ادلته.

حرمة الولاية من قبل الجائر 

من المسائل التي يحرم الاكتساب بها لكونها محرّمة في نفسها هي الولاية من قبل الجائر وفي هذا يقول الشيخ الانصاري الولاية من قبل الجائر ـ وهي صيرورته والياً على قومه منصوباً من قبله ـ محرمة لأن الوالي من اعظم الاعوان، هذا أولاً، ولما تقدم في رواية تحف العقول من قوله واما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته فالعمل لهم والكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لان كل شيء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر ويعلل الشيخ الانصاري حرمة العمل مع الجائر أن في ذلك دروس الحق كله واحياء الباطل كله واظهار الظلم والجور والفساد وابطال الكتب وقتل الأنبياء وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه. فلذلك حرم العمل معهم وموعونتهم والكسب معهم الابجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة. ثم يتعرض صاحب المكاسب أعلى الله مقامه إلى بعض الروايات التي تؤيد هذا المعنى المتقدم كرواية زياد بن أبي سلمة وفيها: اهون ما يصنع الله عز وجل بمن تولى لهم أن يضرب عليه سرادقاً من نار إلى أن يفرغ عز وجل من حساب الخلائق ثم أن الشيخ يستظهر من الروايات في أن الولاية محرمة بذاتها وإن لم يترتب عليها في الخارج معصية من ظلم للغير أو أي محرم آخر.

إشكالية ولاية الجائر 

مما لا شك فيه ولا خلاف عليه أن قضية الحكم في النظرية الفقهية الإسلامية أن ينطلق من العدل والمساوة في المجتمع لذلك جاء القرآن ليكرس هذا المفهوم في الحكم. فالإسلام حارب كل أنواع الحكم الذي يقفز فوق ارادة الناس ويسلبهم مقتضيات حياتهم الطبيعية فرفض الظلم والفساد وارادة الحكّام الظلمة، ولكن بعد ابتعادنا عن عصر النص وانفصال الحكومة والدولة عن روح الإسلام سادت قيم الفساد والظلم مرة أخرى وصار الإسلام غريباً على هذه الأنظمة وبالتالي نشأت إشكالية الحاكم أو السلطة مع الإسلام وهو نظر الإسلام في المعاملة مع الحاكم الجائر من هنا ينطلق الشيخ الانصاري ليؤصل رؤية إسلامية انطلاقاً من الثابت والمتحرك وان النظرية الفقهية الإسلامية لها قابلية على التحرك في جزئيات الدين وفروعه من دون التخلي عن الأصول الثابتة والقواعد الصادرة عن النبي وأهل بيته معتمداً على الأدلة النقلية والادلة العقلية كالقرآن والسنة والاجماع والعقل. وابتدأ بالقرآن بقوله تعالى (اجعلني على خزائن الأرض) والحديث النبوي الشريف كما يرويه الصدوق في حديث المناهي قال: من تولى عرافة قوم أتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه فان قام فيهم بامر الله تعالى اطلقه الله وإن كان ظالماً يهوى به في نار جهنم وبئس المصير واللذين يدلان بالدلالة المطابقية والتضمنية على جواز الدخول في حكومة الجائر وهناك روايات أخرى عرضها الشيخ الانصاري مفادها أن كفارة العمل مع الجائر هي الاحسان إلى الاخوان والعدل بينهم وايصال الحقوق لهم ويرى الشيخ الانصاري أن الدخول في حكومة الجائر قد لا يقتصر على الجواز والاختيار بل قد يكون واجباً عينياً وكفائياً على الفرد المسلم.

أقسام الولاية 

قسم الشيخ الأنصاري الولاية من قبل الجائر إلى ولاية مرجوحة أو مكروهة وهي ولاية من تولى لهم لنظام معاشه قاصداً الإحسان من خلال ذلك إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم والولاية المستحبة وهي الولاية التي يقصد من الدخول فيها بشكل رئيسي الإحسان إلى المؤمنين ثم الولاية الواجبة وهي الولاية التي يتوقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبان عليها ويستدل الشيخ رحمه الله بالقاعدة الأصولية العقيلة وهي (ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة) وبهذا يتضح أن قضية ترك الفراغ في المجتمع المسلم قضية يرفضها الإسلام جملة وتفصيلاً ولابد له من موقف من كل القضايا وانه لا يعجز عن توفير الحلول الإيجابية من القرآن والسنة وان النظرية الإسلامية قادرة على التكيف زمانياً ومكانياً مع أي قانون واي حكم تتوفر فيه الشروط والمقتضيات.

ولذلك عارض الشيخ الانصاري صاحب الممالك الذي ينقل أحد الآراء القائلة بأن ولاية الجائر هي محرمة وان توقف عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودليله أن المولّى من قبل الجائر يكون نائباً للظالم فضلاً عن تسويد اسمه في ديوانهم وكذلك رد على دليله ووصفه بالضعف كما أنه قال ما نصه (ولا يخفى ما في ظاهره من الضعف كما اعترف به غير واحد لان الأمر بالمعروف واجب وقال أيضا ويمكن توجيهه بأن نفس الولاية قبيح محرم لانها توجب اعلاء كلمة الباطل وتقوية شوكته فإذا عارضها قبح آخر وهو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس أحدهما اقل قبحاً من الآخر فللمكلف فعلها تحصيلاً لمصلحة الأمر بالمعروف وتركها دفعاً لمفسدة تسويد الاسم في ديوانهم الموجب لاعلاء كلمتهم وقوة شوكتهم فتحصل من ذلك أن المسوغ لدخول الولاية مع الجائر هي المصلحة العامة وتوقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليها وثالثاً الاكراه عليه بالوعيد على تركها بما يوجب ضرراً بدنياً أو مالياً عليه أو على من يتعلق به بحيث يعد الإضرار به اضراراً به ويكون تحمل الضرر شاقاً على النفس كالاب والولد ومن جرى مجراهما ويدل عليه قوله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة) في الاستثناء عن عموم: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء والحديث النبوي الشريف (رفع عن أمتي ما اكرهوا عليه) إلى غيره من الأدلة.

 

الولاية ولوازمها المحرمة

لقد نبه الشيخ الانصاري على خمسة تنبيهات وناقش فيها حدود الإكراه والاضطرار وادلتهم النقلية والعقلية وما هو الملاك في تقديم محرم على محرم آخر ويبدأ بالقول بأنه ليس الإشكال باباحة لوازم الولاية المحرمة ولكن الإشكال في ما يرجع إلى الإضرار بالغير من نهب الأموال وهتك الاعراض وغير ذلك من العظائم، هل يباح كل ذلك بالاكراه ولو كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما إذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا تليق به فهل يبيح ذلك اعراض الناس وأموالهم ولو بلغت ما بلغت كثرة وعظمة أم لابد من ملاحظة الضررين والترجيح بينهما:

يقول الشيخ هناك رأيان. الأول يقول أنه نعم يباح كل شيء ما عدا الدم والدليل اطلاق الأدلة حيث أن النصوص الواردة مطلقة ولم تقيد بقيد والراي الثاني يقول أنه لا يباح له كل شيء لان المستفاد من أدلة الاكراه، شرعت لاجل دفع الضرر لا لجلب الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير ولو كان ضرر الغير ادون فضلاً على أن يكون اظلم، ثم يقوي الشيخ الانصاري الرأي الأول ودليله على ذلك اولاً عموم دليل نفي الاكراه لجميع المحرمات حتى الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم وعموم نفي الحرج وثانياً قول النبي صص إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية حيث أنه دل على جواز الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم. ثم أن الشيخ الأنصاري فرق بين المكره والمضطر وان نسبتهما ليست واحدة رداً على الشبهة القائلة أن الاضرار بالغير من المحرمات فكما ترتفع حرمته بالاكراه كذلك ترتفع بالاضطرار لان نسبة الرفع إلى ما اكرهوا عليه وما اضطروا إليه على حدٍ سواء قائلاً: بأن الضرر المتوجه إلى المضطر متوجه إلى نفس الشخص فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير غير جائز، واما حديث رفع ما اضطروا إليه، لا يشمل الإضرار بالغير لانه مسوق للامتنان على جنس الأمة واما الضرر المتوجه إلى المكره فهو في الحقيقة متوجه أولاً وبالذات إلى الغير ونسبته إلى نفسه ضعيفة بحسب الزمام المكره ـ بالكسر ـ وارادته الحتمية والمكره ـ بالفتح ـ وإن كان مباشراً.

 

الإكراه ودفع الضرر 

ثم أن الشيخ الأنصاري (قدس سره) عنون للإكراه عنوانين الأول الإكراه ودفع الضرر المخوف عن نفسه، والثاني دفع الضرر عن غيره من المؤمنين من دون إكراه وقال أن العنوان الأول يباح به كل محرم والثاني إن كان الضرر متعلقاً بالنفس له أو لسائر المؤمنين يباح له كل محرم أيضا حتى الإضرار المالي بالغير إذا توقف عليه إنقاذ نفسه أو نفس غيره من المؤمنين لكن مع الضمان لانه لم يكن هذا الإضرار بسبب المال فهو تبرع منه لا يبرر أن يضمن المال الذي يتلفه. واما الإضرار بالزنا والعرض ونحوه فلم يستبعد الشيخ الأنصاري ترجيح النفس عليه وان كان الضرر متعلقاً بالمال فلا يسوغ معه الإضرار بالغير اصلاً حتى في اليسير من المال وفي جواز الإضرار بالمال أو العرض الأخف من العرض المدفوع عنه تأمل واما الإضرار بالنفس أو العرض الأعظم فلا يجوز بلا إشكال.

العجر عن التفصي (إمكانية مخالفة فعل الجائز) 

يذكر الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه أنه لا خلاف في اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجاً ولم يتوقف على ضرر كما إذا اكره على اخذ المال من مؤمن فيظهر أنه أخذ المال وجعله في بيت المال مع عدم أخذه واقعاً ونحو ذلك كما أنه لا خلاف في أنه لا يعتبر العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر يعني أنه إذا كان يلحقه ضرر نتيجة التفصي فلا يشترط التفصي حينئذ.

الولاية وقتل المؤمن 

أنه مهما اكره الإنسان الداخل في حكومة فلا يباح له بأي شكل من الأشكال قتل المؤمن اجماعاً كما نص عليه صاحب المكاسب وإن كان عموم الدليل يقتضي فعل كل محرم إلا أن الشيخ الأنصاري استدل على تقييد العموم بما صح عن الصادقين عليهما السلام في أنه إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية ومقتضى العموم أنه لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر والكبر والذكورة والأنوثة والعلم والجهل والحر والعبد وغير ذلك وفي نهاية بحث الولاية من قبل الجائر يذكر الشيخ خاتمة فيما ينبغي للوالي العمل به عن الشهيد الثاني رحمه الله في رسالته المسماة بكشف الريبة عن أحكام الغيبة باسنادة عن شيخ الطائفة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام وفيها نصائح وارشادات للوالي القائم على الرعية.

مراجع وعلماء منتديات موقع الميزان العودة إلى الصفحة الرئيسية سجل الزوار