ويمكن تقريب هذا الأمر بالأمثلة التالية:
إن سياق هذا النهي سياق نهي والد لولده عن الهجرة إلى
بعض البلاد لطلب الرزق.. مع أنه يحصل على ما يكفيه من دون هجرة، فيقول
له أبوه: إن بقاءك لا يضر بحالك، ولا ينقص من سعادتك،
لأنك تحصل على ما يكفيك، فسفرك وإن كان يفيد في تحصيل أموال أكثر،
ولكنه محفوف بالمخاطر، وفيه متاعب ومشقات كبيرة وسهر ليالي، وتحميل
للنفس ما يرهقها..
وهذا معناه أنه لا ينهى ولده عن السفر لأجل أن في السفر
مفسدة، أو لأجل أنه ليس أهلاً لتلك الأموال التي يمكن أن يحصل عليها،
وليس نهيه له نهياً تحريمياً، ولا هو تنزيهي، بل هو إشفاقي، تسهيلي..
تماماً على حد قوله تعالى: ﴿طه
* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾..([1]).
ومثال آخر
نسوقه هنا هو:
لو أن إنساناً كان وجهه على درجة مقبولة، من الجمال..
ولكنه لم يقتنع بذلك
فأراد أن يزيد بهاء وجمالاً بواسطة إجراء عملية جراحية
تجميلية.
فقد ينهاه أبوه عن ذلك،
لأن التكاليف باهظة، ولأنه يعرض نفسه بذلك
إلى آلام الجراحة، وإلى مرارة الأدوية، ووخز الإبر، والقعود عن العمل
أياماً..
ولكنه لو أقدم على ذلك، فسيحصل على نسبة جمالية كان
يتمناها، ولا يرفض أبوه حصولها له، كما أن الله سبحانه يسهل له الأمور،
ويعفيه من الوضوء، وينقله إلى التيمم، ويقبل منه الصلاة من جلوس، ولا
يلزمه بإزالة دم الجروح والقروح في حالات معينة، وما إلى ذلك..
والحال بالنسبة لآدم «عليه السلام» النبي الكامل، الذي
يسعى للحصول على المزيد
من الكمالات والقربات
هو ذاك، فإنه إذا بلغ درجة الكمال،
وهي درجة المئة مثلاًً ـ وأراد أن ينال الدرجات التي بعدها، ورأى أن
ذلك في حدود الميسور المقدور، فسوف يحمل نفسه أعظم المشاق في سبيل ذلك.
ولن يرضى بالجمود والركود، بل سيكون حاله حال
النبي
إبراهيم «عليه السلام» الذي بلغ
اليقين في إيمانه،
أراد أن يحصل على درجات أعلى وأعلى، فيصل مثلاً إلى
درجة علم اليقين، وعين اليقين،
وذلك هو قوله تعالى: ﴿قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾..([2]).
([1])
الآيتان 1 و 2 من سورة طه.
([2])
الآية 260 من سورة البقرة.
|