صفحة :   

كلمة أخيرة:

وفي الختام.. نقول:

إننا لا نريد أن نطلب من القارىء الكريم أن يعلن أنه قد انتهى إلى درجة اليقين بأن ما ذكرناه هو صريح الآيات المباركة، الذي لا محيص عنه..

فإن القرائن، والدلائل، والشواهد المتضافرة، تأخذ بأيدي بعضها البعض، لتعطي ظهوراً قوياً للآيات فيما نقول..

وقد ظهر أن ذلك هو ما ينسجم مع المفاهيم والقواعد العقلية، ومع الثوابت واليقينيات من مذهب أهل البيت «عليهم السلام»، الذين هم صفوة الخلق وسفينة نوح، التي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى..

ولكننا نريد من القارئ الكريم أمرين:

أحدهما: أن يكون لديه اليقين كل اليقين بعصمة الأنبياء عن كل خطل وزلل، قبل بعثتهم، وبعدها.. حتى لو لم يتمكن من اكتشاف التأويل الصحيح لهذه الآية ومثيلاتها.. فليرد علمها إلى الراسخين في العلم صلوات الله عليهم..

وذلك لأن هذه العصمة ثابتة بالدلالة العقلية القاطعة التي لا مجال لأي شبهة فيها.

الثاني: أن يفسح المجال لاعتبار ما ذكرناه في تفسير الآيات الشريفة، التي تحكي لنا قصة آدم «عليه السلام»، أمراً محتملاً وقريباً جداّ في معنى الآيات.. وأن الجزم واليقين بخلافه، متعسر، بل متعذر، إلى الحد الذي يجعل الاستدلال بالآيات المذكورة على صدور الذنب.. بل حتى على صدور خلاف الأولى من النبي آدم «عليه السلام»، حتى قبل تشريع الشرائع أمراً غير مقبول، وبعيداً عن الإنصاف العلمي ـ ليس فقط لفقده المبررات المعقولة والمقبولة، بل لوجود موانع كثيرة في نفس هذه الآيات، التي رأينا بوضوح كيف أنها ـ فضلاً عن الروايات ـ تبطل تصريحاً، وتلويحاً في كثير من فصولها وتعابيرها أي استنتاج من هذا القبيل، وتبعده عن دائرة الصحة، أو احتمالها..

ولكن قبولنا الافتراضي هذا، ليس معناه القبول باحتمال صدور المعصية من النبي آدم «عليه السلام».

بل هو يعني ـ فقط ـ لزوم الاعتراف بالعجز عن فهم المعنى العميق، والمغزى الدقيق للآيات المباركات، وأن على الإنسان العاقل في مثل هذه الحالة أن يرجع علمها إلى أهلها؛ فإنما يعرف القرآن من خوطب به.

أما احتمال صدور المعصية فعلاً، بل صدور خلاف الأولى منه «عليه السلام» مع التفاته إلى أولوية المتروك، فقد قلنا: إنه أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، وذلك لوجود المانع العقلي، واليقيني الجازم بعدمه. ولضرورة الاعتقاد الجازم والأكيد بنزاهة الأنبياء والأئمة الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) عن كل معصية، ونقص، وإخلال.

وليكن هذا البحث المقتضب هو إحدى الخطوات في الاتجاه الصحيح في فهم آيات القرآن الكريم، وإدراك مراميها، وتلمّس دقائقها ومعانيها.

ومن الله نستمد القوة والعون، ونطلب منه الهداية والرشاد، والتوفيق والسداد، إنه ولي كل نعمة، وقاضي كل حاجة، ومنتهى كل رغبة.

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.

15 جمادى الأول 1422هـ

عيثا الجبل (عيثا الزط سابقاً) ، جبل عامل

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

 

   
 
 

موقع الميزان