الفصل الأول: قبل القتال

     

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وَأَسْبِغْ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَعَرِّفْهُمْ مَا يَجْهَلُونَ، وَعَلِّمْهُمْ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَبَصِّرْهُمْ مَا لَا يُبْصِرُونَ»..

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ:

بدأ «عليه السلام» الدعاء الشريف بالصلاة على محمد وآل محمد، ليكون ذلك هو الوسيلة له لنيل مطلوبه، فإن إظهار الحب لمن يحبهم الله تبارك وتعالى، والتأكيد على طلب الرحمات، والمزيد من الفضل والكرامة لهم، من أهم وسائل جلب رضا الله تبارك وتعالى، واستنزال رحماته، ونعمائه، وفواضله، وإجابة دعوات عباده، وإنجاح مطالبهم..

وهذا يعطي: أن علينا أن نتأدب بهذا الأدب الرفيع مع الله سبحانه، ثم مع عباده، حين نريد أن نطلب منهم أمراً، أو أن نكلفهم بمهمة، خارج دائرة ما يجب عليهم..

كما أن هذه البداية توحي لنا: بأن قرار الحرب ليس رهناً بالرغبات البشرية، وإنما هو مرتبط بالله تبارك وتعالى، وله أبعاد معنوية وعبادية وعقيدية مختلفة.

ولذلك بدأ «عليه السلام» هذا الدعاء بخطابه مع الله تعالى متوسلاً إليه بتعظيم محمد وآله، الذين هم التجسيد الحي للإستقامة على طريق الحق، وهم الطريق الموصل إلى الله تبارك وتعالى..

وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ:

العزيز: هو المنيع الذي لا يغالب، ولا ينال.

والثغور: هي المواضع التي يخاف منها هجوم العدو، والحد الفاصل بين المتعاديين.

بدأ «عليه السلام» بالحديث عن التحصين، لأن الأساس في الإسلام هو السلام وعدم العدوان. وهو يفرض منعة وحصانة، تمنع العدو من التفكير في العدوان.. ولكن إذا فرضت الحرب على أهل الإيمان ظلماً وبغياً من عدوهم عليهم، فلا بد من التحول إلى حالة الهجوم الذي يسقط إرادة الحرب لدى العدو، وذلك على قاعدة: «اغزوهم من قبل أن يغزوكم».

وإن تحصين ثغور المسلمين بالعزة الإلهية.. يعني: المزيد من القوة والعزم لدى أهل الإسلام، والمزيد من الشعور بالخيبة والفشل لدى العدو، حيث يتأكد له عجزه عن النيل من تلك الثغور، بل ربما يتبلور لديه شعور بأن الله هو الحامي لتلك الثغور، والدافع عنها.. فإن العدو حتى لو كان مشركاً، فإن شركه لا يعني إنكاره للتأثير الإلهي في مسار الأمور، ولا يمنع من الشعور الفطري بالرهبة من الغيب الذي لا يمكنه إثبات عدمه..

وهذا يؤسس لجعل العدو يشعر باليأس من قدراته المادية مهما بلغت.

كما أن العدو إذا كان لديه أدنى شعور بوجود الله فإن ذلك يطل به على الإحساس بالبعد عن رضا الله تبارك وتعالى، ويسلمه إلى الشعور بالخزي والعار، حين يرى نفسه في موقع المحارب لله جل وعلا.. وذلك يدخل الفشل والهزيمة إلى نفسه..

وينتج من ذلك: تحقيق معنى الردع، الذي يعني: منع العدو من المباشرة بعدوانه.

كما أنه يعطي أنه لا بد من التحصين، وإزالة مواضع الضعف.

وهو ما يؤكد أيضاً مفهوم الدفاع الثابت عن الأرض.. ومن مظاهر ذلك إظهار المنعة للحصون، وتعزيزها بالقوة اللازمة مادياً، ومعنوياً.

وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ:

ونستفيد من هذا المقطع لزوم التحصين للثغور إلى الحد الذي تصبح معه منيعة لا تنال بسوء، ولا يجرؤ أحد على التعرض لها بمكروه..

وهذا التحصين يكون في اتجاهين:

أحدهما: يؤدي إلى أن يعرف العدو أنه في تعرضه لتلك الحصون إنما يغالب الله..

وتحقيق هذه المعرفة لدى العدو يحتاج إلى جهد عملي، يؤدي إلى ظهور ذلك عملياً، وجهد إعلامي من شأنه أن يوصل العدو إلى هذه القناعة..

الثاني: إمتلاك القوة الحقيقية، التي تستند إلى امتلاك الوسائل من جهة، وظهور ما يدل على أنها قوة مصدرها الارتباط بالله، والفوز برضاه من جهة أخرى..

وَأَسْبِغْ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ:

ولنا أن نستفيد من هذه الفقرة: لزوم التوسعة على المجاهدين، وكفايتهم من الناحية المعيشية، حتى يكون همهم في قتال العدو هماً واحداً([1]) كما روي عن علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولا ينازعهم التفكير بأي شيء من حاجات الدنيا، ولكي لا يتمكن العدو من اختراقهم مستفيداً من معاناتهم المادية..

وهذا يعطي: أن الدولة تحتاج إلى قدرات ومصادر إقتصادية، وثروات تكفيها للإنفاق على الجند، وتأمين رواتبهم وحاجاتهم، لأنه «عليه السلام» يطلب من الله أن يوفر لهم ذلك من موقع الوجدان والغنى.. وحصول ذلك بأسبابه الطبيعية، يعني توفير المصادر المنتجة باستمرار أيضاً.. وبذلك تتحقق الواجدية والغنى..

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ:

وتشير هذه الفقرة: إلى لزوم توفر الكثرة في عدد الجنود.. فإن تأمين العديد الكافي مما لا بد منه في الحصول على القدرة القتالية اللازمة..

وينبغي أن يكون توفر هذا العدد في الجبهات بصنع إلهي، أي أن يكون حب الله، والكون في موقع طاعته ورضاه، هو الذي دفعهم للحضور في ساحات الجهاد والدفاع، ولأجل ذلك نسب تكثير عدتهم إلى الله تعالى..

وهذه ميزة هامة يمتاز بها الإسلام، الذي يريد أن يكون الجهاد عبادة قوامها قصد القربة. ولا يكون كذلك إلا إذا وجد الداعي، وهو التقرب إلى الله تعالى..

أما إن كان الداعي هو الدنيا، فإن أي شيء يصيب الغازي والمرابط حتى الجراحة، فضلاً عن الشهادة سوف يجعله يشعر بالغبن والخسارة..

والله يريد أن يثيبهم على جهادهم، وأن يدخلهم الجنة بنيلهم مقام الشهادة، وبدون القربة إلى الله تعالى يكون قتيلاً لا شهيداً، ولا يستحق أية مثوبة على ما أصابه من تعب وعناء، وما واجهه من مصاب وبلاء..

وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ:

وفي هذه الفقرة دلالة ظاهرة على لزوم توفر السلاح، فإن وجود السلاح الفعال عنصر هام في تأمين القدرة القتالية المطلوبة.

كما أنها تضمنت إشارة إلى لزوم كون السلاح فعالاً ومؤثراً، وجاهزاً وصالحاً للإستعمال في كل لحظة..

وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ:

ثم أشار إلى لزوم الحراسات واستمرارها، واليقظة الدائمة، لكي لا يأخذهم عدوهم على حين غرة منهم.

وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ:

ولا بد أن تكون الدائرة التي يكون المقاتلون فيها، ويحام حولها منيعة وحصينة، بحيث لا يتمكن العدو من الوصول إليها، فضلاً عن أن يتمكن من اختراقها، فإن التحصينات الصحيحة، والأعمال الهندسية اللازمة مما لا بد منه في تأمين القدرة القتالية المطلوب توفرها..

وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ:

ولا بد أيضاً من أن تكون هناك رابطة وعلاقة ألفة ومحبة بين المرابطين، لأن طبيعة الحرب تثير لدى المرء شعوراً بأنه مستهدف كفرد، في نفسه وفي بدنه، فلا بد من أن يتبلور لدى المجاهد إحساس بالقوة من خلال انضمامه للآخرين. وأن من الممكن أن تؤثر قوة الجماعة في الدفع عنه..

وقد ألمحت هذه الفقرة إلى أن محبتهم وألفتهم له سوف تدعوهم للتفكير في كل فرد منهم، وإنجاده إذا احتاج إلى ذلك بفضل نجدة وقوة، قد تكون متوفرة لديهم..

أما إذا لم تكن بينه وبين سائر المرابطين أية ألفة، فسيرى أنه ـ كفرد ـ مستهدف من عدو، هو جماعة، وهو يشعر أن جميع أفراد أعدائه لن يرحموه لو صادفوه، ويشعر كفرد بالعجز عن مواجهة الجماعة، وبذلك يكون قد وقع بالفشل، والهزيمة النفسية.. ويصير كل همه الدفع عن نفسه، لا الدفع عن الثغر، ولا عن الأمة..

وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ:

ولحسن التدبير دور أساس في نجاح العمل العسكري، لأن أي اختلال في التدبير قد تكون نتيجته ظهور ثغرة للعدو يستطيع النفوذ منها، أو قد ينتج عنه ضعف في الأداء العسكري حين المواجهة، أو فقدان الإحساس بالثقة في حصانة سائر الجهات، التي لا بد من الطمأنينة لحصانتها، ليمكن الإندفاع الحاسم لتسديد الضربات القاصمة للعدو، بشجاعة، وحزم، وثبات، ومن دون أي قلق أو خوف من اختراق أية جهة.

وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ:

ولا بد من اطمينان المقاتل لوجود ما يحتاج إليه مما تقوم به حياته، ولا سيما الطعام.. وأن يرى أنه يصل إليه بصورة متتابعة وبلا انقطاع، سواء من جهة فقدان عوائق الوصول. أو من جهة توفره بكثرة، وعدم وجود نقص في مصادره.

وبدون ذلك، سوف يتنازعه عاملان، كل منهما يستهدفه بشخصه كفرد:

أحدهما: شعوره بأن العدو متربص به.

والآخر: الخوف من فقدان ما يحتاج إليه لإقامة صلبه، وبقاء حياته..

وتتوزع اهتماماته في هذا الحال.. ولا تتمحض إرادته، وهمَّته في دحر عدوه، بل سوف تستأثر لقمة العيش بجانب من تفكيره واهتماماته، فإذا وجد أن الميرة متواصلة ـ وهي الطعام الذي يدخره الإنسان ـ فإنه يطمئن إلى وجود المدخرات، وعدم وجود ما يعيق وصولها..

فظهر أن تواصل وصول ما يحتاج إليه فعلاً من الميرة مهم جداً في انصراف همته إلى الجهاد، وتمحضها في دحض العدو.

وفي نسخة الكفعمي: وأثر بالثاء أي من قولهم: استوثرت من الشيء، إذا استكثرت منه([2]).

وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ:

وقد طلب «عليه السلام» أن تكون المؤن ـ وهي الثقل المتضمن لما يحتاجون إليه في ظعنهم وإقامتهم ـ كافية للجيش. فلا نقص في أي من مفرداتها، فلا يكون هذا النوع متوافراً، وذاك النوع غير متوفر، أو أنه ليس بدرجة الكفاية لهم. فإن هذا يوقعهم بالإرباك، ويجعلهم يبحثون عن بدائل تسد النقص، وتدفع العوز.

وقد طلب «عليه السلام» من الله أن يتوَّحد في ذلك، أي أن يتولى كفاية مؤنهم وحده، من حيث توفير مناشئها، وتكثير الثروات والمؤسسات المنتجة لها، ليكون الغازي والمرابط أكثر اطمئناناً لحصولها.

بخلاف ما لو كان يراد الحصول على كفاية المؤن من خلال عقيدة الشرك، فإن الشرك لا بد أن يوقع المقاتل في التناقض مع ذاته، ومع فطرته، وعقله، ويجعله أكثر قلقاً على مصيره، وعلى ما تقوم به حياته.. من حيث إنه يرى عجز الشركاء عن فعل أي شيء، بالإستناد إلى قدراتهم الذاتية..

ثم إنه «عليه السلام» طلب أن يتوفر لهم بعد دخولهم في المعركة أمور، تفرض الوقائع توفرها، فلاحظ ما يلي:

وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ:

أي قوِّ عضدهم ـ والعضد: هو العظم الذي يصل المرفق بالكتف ـ بالنصر، فيكون النصر الذي يهيؤه لهم سبباً في قوة عضدهم، الذي هو السبب القريب في قوة الضربة، والعنصر الهام في تأثيرها..

والتقوية بالنصر هي أفضل مفردات المعونة، حيث إن النصر يعين من جهتين، فهو من جهة يعطي للمنتصر المزيد من الشجاعة والإقدام، ويثير حماسته لمقارعة الأعداء.. ومن جهة أخرى تكون هزيمة العدو في الميدان ضربة لتماسك العدو الروحي، وسبباً في فشله، وبوار جهده، واضطراب تدبيره.

وَأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ:

وللصبر دوره الكبير في توطين النفس على تحمل الأذى الجسدي، وبذل الجهد في مواضع تزيد فيها المشقات، وتكثر المتاعب، ففي الحرب حركة، وجهد، وسهر، وعطش، ومخاطر، وغير ذلك.. كما أن فيها جراحاً، واستشهاد أحبة، وابتلاءات كثيرة ومتنوعة.. وكلها تحتاج إلى الصبر..

فيحتاج المقاتل إلى الصبر ليعينه على تحمل ذلك.. وهذا يحتّم وضع الخطط المؤثرة في رفع مستوى درجة التحمل عنده.

وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ:

وفي الحرب مناورة، وتخطيط، ومكر، وابتداع الخدع للعدو، وذلك يحتاج إلى فكر، ودقة نظر، واستنباط خطط، وإختراع وسائل وأساليب خفية، للإيقاع بالعدو من حيث لا يشعر، وقد روي عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنه قال: الحرب خدعة([3]).

وفي التعبير بكلمة: «الطف لهم» إلماحة إلى لزوم كون المكر يدق عن الفهم، لأجل لطفه، حيث يبلغ به هذا اللطف حداً يجعله يخفى على العدو، فلا يتمكن من اكتشافه..

وهذا يدل على جودة المكر وإتقانه..

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَعَرِّفْهُمْ مَا يَجْهَلُونَ:

والإستطلاع التام، والحصول على المعرفة الدقيقة بتحركات العدو، وتدبيراته، ونواياه وخططه، والوقوف على كل ما يرتبط بمهمتهم القتالية، أو الوقائية، سواء ما يتعلق منها بأساليب التخفي، أو بالخطط القتالية، وكيفية سدّ الثغرات، أو الإطلاع على الثغرات التي يخشى من نفوذ العدو منها، وكذلك الثغرات، التي يمكن أن يستفاد منها لإلحاق الهزيمة بالعدو كما لا بد من معرفتهم بأهداف العدو، وبعواقب تسلطه على أهل الحق.. فإن كل ذلك مهم جداً في نجاح مهمتهم..

وهو يحتاج إلى إنشاء أجهزة قوية ومقتدرة، تستطيع أن تقوم بالمهمة على أتم وجه.

كما أن لنشاط الإعلام الحربي في إعداد العناصر روحياً ومعرفياً أثر كبير في هذا المجال..

وَعَلِّمْهُمْ مَا لَا يَعْلَمُونَ:

ثم إن هناك حاجة حقيقية إلى الإطلاع على الوقائع بتفاصيلها وجزئياتها.. وهذا ما اشير إليه آنفاً بقوله: «وعرفهم ما يجهلون..»؛ لأن المعرفة إنما تكون في الجزئيات، فإذا توفرت هذه المعرفة يأتي دور العلم الحربي، بالإستفادة من الضوابط والقواعد العامة، التي تعطي القدرة على الهيمنة وفق النظريات الصحيحة.

فيُعَالَج ـ وفق النظريات الصحيحة ـ ما يحتاج إلى المعالجة، ويستفاد من القدرات المتوفرة في سياقات بلورة الخطط، وفق الضوابط والمعايير العلمية..

والعلم إنما يكون بالكليات الحاكمة، والمهيمنة، التي تستفيد من المعارف بالجزئيات والتفاصيل في بلورة موقف عام، تضبط وتنسجم به التحركات في مسارها العام في سياق الوصول عملياً إلى الأهداف الكبرى المتوخاة..

ومن هنا يظهر السبب في تقديم طلب المعرفة، على طلب العلم، مع التأكيد على أن العلم بتلك الضوابط والكليات هام وأساسي جداً..

وَبَصِّرْهُمْ مَا لَا يُبْصِرُونَ:

قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ([4]). والإبصار هو التحقيق الزائد، والنظر الدقيق لغرض ما، ونتيجته حصول المعرفة والعلم.. والحصول على ابتكارات تنتج بالنظر الدقيق، واستنتاجات ولفتات إلى تدبيرات يعدُّها، أو يمكن أن يعدَّها العدو. فيبادر أهل الإيمان إلى العمل على إبطالها، وحرمانه منها.

وهذه هي إحدى ثمرات التحقيق الزائد، والتبصر بالأمور، وتعمد إبصار ما لا يبصره الناس في أحوالهم العادية لشدة خفائه.. أو لاحتياجه إلى مقدمات خفية..

ونستطيع أن نقول:

إنه «عليه السلام» قد أشار في هذا الفصل إلى الحاجة إلى تأمين القدرة القتالية اللازمة.. والتي تتمثل بأمور مادية، مثل: العديد الكافي، والسلاح، والتجهيز، وتأمين الحاجات المختلفة، كوسائل النقل وغيرها، وإعداد التحصينات، والأعمال الهندسية، والدفاعية. وتحضير ساحة العمليات وإعدادها بما تحتاجه الأنشطة العسكرية المختلفة، وما إلى ذلك..

كما أن القدرة القتالية تحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى أمور كثيرة، مثل: الدافع العقائدي، والمعنويات، والعلاقات الحميمة بين المقاتلين، والإيثار، والتخطيط السليم. والتوقعات لما يمكن أن تكون عليه حركة العدو.. والتوجيه، والتدريب المناسب لظروف المعركة. والتحمل، والصبر، والإبتكار للأساليب التي لا يتوقعها العدو. والإستطلاع الكافي، والحصول على المعلومات عن تحركات العدو، وكل شؤونه بصورة متواصلة..

([1]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص92 وتحف العقول ص133 ومستدرك الوسائل ج13 ص164 والبحار ج33 ص604 وج74 ص248 ونهج السعادة ج5 ص77 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص51 وأعيان الشيعة ج1 ص547.

([2]) نور الأنوار ص234.

([3]) المغني لابن قدامة ج10 ص396 وكشف القناع ج3 ص79 وسبل السلام ج4 ص48 ونيل الأوطار ج8 ص56، فقه السنة ج2 ص654 وتهذيب الأحكام ج6 ص162 والـوسـائـل (ط دار الإسلامية) ج11 ص102 ومستـدرك الوسائـل = = ج11 ص103 وشرح الأخبار ج1 ص297 وكنز الفوائد ص266 وأمالي الطوسي ص261 والخرائج والجرائح ج1 ص181 ومسند أحمد ج1 ص126 و 131 وج2 ص312 وج3 ص224 و 308 وعن صحيح البخاري ج4 ص24 وعن صحيح مسلم ج5 ص143 وسنن ابن ماجة ج2 ص945 وسنن أبي داود ج1 ص593 وسنن الترمذي ج3 ص112 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص40 وج9 ص150 ومجمع الزوائد ج5 ص320 وصحيفة همام بن منبه ص26 والمصنف للصنعاني ج5 ص398 ومسند الحميدي ج2 ص519   والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص729 و 730 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص193 ومسند أبي يعلى ج3 ص359 و 464 وج4 ص91 و 384 وج8 ص44 وج12 ص130 والمنتقى من السنن المسندة لابن الجارود النيسابوري، وصحيح ابن حبان ج11 ص79 والمعجم الصغير ج1 ص17 والمعجم الأوسط ج2 ص356 وج4 ص252 والمعجم الكبير ج3 ص82 وج5 ص136 وج11 ص293 وج18 ص53 وج19 ص42 ومسند الشاميين ج1 ص176 وج2 ص20 و 108 ومسند الشهاب ج1 ص40 و 41 و 42 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص279 وج15 ص32 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص447 وفتح الباري ج7 ص309 وإمتاع الأسماع ج1 ص243.

([4]) الآية 198 من سورة الأعراف.

     

فهــرس الكتــاب

     

موقع الميزان