صفحة :53-56   

الإستسلام للغرب، لماذا؟!

السؤال:

في زمن الفضائيات وسهولة انتقال الخبر، ألا ترون أن ما يقوم به الشيعة في مختلف البلدان في مناسبة عاشوراء، وخصوصاً القاسي منه يؤدي إلى عكس صورة غير حضارية عن الطائفة في بلاد الغرب.

الجواب:

أولاً: إن للغرب معاييره ومناهجه، ومفاهيمه عن الحياة، وله أيضاً قيمه التي يؤمن بها، ويلزم نفسه برعايتها..

ولنا نحن قيمنا ومفاهيمنا، وديننا ومناهجنا، فلماذا نلزم أنفسنا بالتقيد بما يرضيهم عنا؟

ولماذا لا يكون العكس؟

أو لماذا لا نلتزم نحن وإياهم بما يرضي الله تعالى، فنعمل على توحيد المناهج، والمفاهيم، وتحديد المثل والقيم الصحيحة، لتكون هي الأساس في التعامل فيما بيننا وبينهم..

إن إرضاء الغرب عن المسلمين سوف يكون مستحيلاً ما دام المسلمون متمسكين بدينهم وبقيمهم، قال تعالى:

{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}([1]).

ثانياً: إن التزامنا بالتخلي عن كل ما يزعج الغرب سوف ينتهي بنا إلى التخلي عن أساسيات بالغة الحساسية في ديننا الحنيف، فإن الغرب مثلاً لا يرتاح لقتل القاتل، ولا لرجم الزاني، ولا لقطع يد السارق، ولا.. ولا.. فهل نتخلى عن ذلك كله، ونغضب الله تعالى لكي يرضى عنا الغربيون أو غيرهم؟!..

ثالثاً: إنه إذا كان في بعض المراسم العاشورائية بعض القسوة على الذات، فإن لدى الغربيين الكثير من مظاهر القسوة على الغير، من إنسان وحيوان، مما لا يمكن أن يقبله وجدان، أو يقره شرع أو دين، وهي قسوة لا تهدف إلى تأييد الدين، وليست من أجل الإنسان، بل هي قسوة من أجل الدنيا وزبارجها وبهارجها..

وتلك هي حلبات الملاكمة تشهد على بعض مظاهر هذه القسوة البالغة، وتلك هي ساحات مصارعة الثيران، أو حرق الطيور أو دفنها وهي لا تزال حية، فضلاً عما يفعله بعضهم بنفسه في تمثيل صلب المسيح على حد زعمهم، وكثير سواه مما يعرض على شاشات التلفاز بعض يسير منه..

إن من يفعل ذلك كله من أجل الدنيا، وبدافع الأنا، لا يحق له أن يعترض على بعض مظاهر القسوة على الذات، من أجل معنى إنساني سام ونبيل، أو لتجسيد قيمة إيمانية، في نطاق دعوة الناس إليها، وتربيتهم عليها..

رابعاً: إن أحداً لم يزعم أن مراسم عاشوراء القوية والعنيفة مما يجب القيام به على كل أحد، وفي كل زمان ومكان، ويجب عرضها على شاشات التلفاز على الفضائيات، أو في المواقع التي يوجب القيام بها بعث الرعب في نفوس الناس، وصدودهم عن قبول الحق.

بل الذي يؤكد عليه علماؤنا ومراجعنا هو أن إجراء هذه المراسم ليس حراماً، ولكنهم يشترطون الامتناع عن عرضها في المواضع والمواقع التي ينشأ عنها وهن في المذهب، أو إحداث رعب لدى الناس، وصدود عن الحق..

ولكن بشرط أن يكون ذلك ظاهرة عامة في الناس، لافتة للنظر، أما الحالات النادرة أو الشاذة، فلا يلتفت إليها، ولا يعول عليها..

ولو أردنا أن نتخلى عما أحله الشارع لنا بمقدار زيادة نشاط الفضائيات، وتطور وسائل الإتصالات، فلربما يأتي يوم لا يبقى لدينا ما نتخلى عنه، فنحتاج إلى الاقتراض من الآخرين، ما نقدمه ضحية على أعتاب التطور التقني والإعلامي..

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..


 

([1]) الآية 120 من سورة البقرة.

 
   
 
 

موقع الميزان