التنازع في جنس الملائكة:
وقد يقال أو يشاع:
أن موضوع الكتاب هو من الأمور الهامشية التي لا أهمية لها، فلماذا
نشتغل بها؟ مع أن البعض مشغول فيما هو أهم، ونفعه أعم. وهل هذا إذا من
قبيل التنازع في جنس الملائكة، في حين أن الآخرين قد وصلوا إلى
المريخ؟!
أليس ذلك دليل ضيق الأفق، والتحجر، والتخلف الفكري؟!
ونقول:
1 ـ
ليت شعري من الذي طرح هذا الأمر وسواه من أمور كثيرة، ولم يزل يصر
عليها في وسائل إعلامه، ويصرف الجهد ويجند الطاقات المادية، والبشرية،
والمعنوية للتأكيد عليها، وتكريسها؟!!
ثم هو لم يزل يتهجم على علماء الأمة ومراجعها، ويوجه
إليهم شتى أنواع التهم من أجل خصوص هذه الأمور. وقد شغل الناس والعلماء
بها طيلة هذه الأشهر والسنين العديدة والمديدة.
2 ـ
إن النزاع مع هذا البعض ليس في جنس الملائكة، ولا هو من قبيله، وإنما
هو في أمور حساسة وهامة، وبعضها له مساس بالإمامة، والعصمة، وبمواصفات
الأنبياء «عليهم السلام»، والأئمة «عليهم السلام» وبدورهم، وبغير ذلك
من أمور دينية..
أما قضية الزهراء «عليها السلام»، فإن هذا البعض ينكر
حصول أي عنف ضدها وفي بيتها سوى التهديد الصوري بالإحراق.
وهذا على خلاف ما كان قد أعلنه في مدينة قم المشرفة، في
خطبة له في حسينية الشهيد الصدر، حيث يقول فيها بالحرف الواحد: «..حفل
التاريخ والحديث، وتضافرت الروايات، من أنها ضربت، وأنها أسقطت
جنينها.. وأنها.. وأنها..»
([1]).
ولكنه قد عاد إلى الإنكار من جديد.. وأعلن ذلك في مرات
عديدة، قائلا عبر إذاعة صوت الإيمان، إنه لم يعتذر ولم يتراجع، بل تكلم
بما يوافق نظر الآخرين خوفا من الفتنة، مع أنه عاد بعد هدوء هذه «الفتنة»
إلى قم وخطب خطبته هذه، والتي تضمنت ما عرفت!
الأمر الذي اضطرنا بعد تردد طويل، وبعد محاولات فتح
حوار معه، ثم محاولات لحصر الموضوع في نطاق خاص، باءت كلها بالفشل ـ
اضطرنا ـ إلى كتابة كتابنا:
«مأساة الزهراء «عليه السلام».. شبهات وردود».
فواجه البعض هذا الكتاب بطريقة انفعالية، وتحريضية.. ثم
لم يزل ينفق الأموال، ويشجع على نشر ردود فيها الكثير من الأباطيل
والأضاليل، ويعمل على تركيز مقولته تلك وترسيخها، وإبطال الظلم الذي
حاق ب الزهراء «عليها السلام»، وتبرئة الظالمين.
وقد أثبتنا في كتاب
«مأساة الزهراء «عليه السلام».. شبهات وردود»:
أن هناك أزيد من هذا التهديد بالإضافة إلى أمور إيمانية أخرى تعرضنا
لها إجمالا تارة وتفصيلا أخرى. كما يظهر لمن راجع الكتاب المذكور، ونظر
فيه بتجرد وإنصاف.
([1])
هذا النص للمحاضرة نشر في مجلة: قضايا إسلامية (قم) العدد
الأول: ص13، وهو في محاضرة مسجلة بصوته على شريط كاسيت، موجود
لدى الكثيرين، وهذه الخطبة كان قد ألقاها في حسينية الشهيد
الصدر في قم المقدسة بتاريخ 21 شعبان سنة 1414 أي حوالي سنة
1993 م.
ولكن
مجلة رؤى ومواقف في العدد رقم: 3 ص22 ونشرة بينات: تاريخ 16 ـ
5 ـ 1997 م قد أعادت نشر هذه الخطبة بالذات ولكن مع تغييرين،
هما:
1 ـ
جعل تاريخ المحاضرة هو سنة 1995 م بدلا من التاريخ الحقيقي
خصوصا أنه لم يذهب إلى قم في تلك السنة.
2 ـ
التغيير في العبارة والزيادة عليها بما يزيل التناقض في مواقف
قائلها، ويغطي على التراجع ـ الذي عاد ليتراجع عنه أيضاً في
هذه المدة المتأخرة، فأصبحت العبارة هكذا:
«حفل
التاريخ بأحاديث تنوعت (!!)، من أنها ضربت، وأسقط جنينها،
وأنها، وأنها.. لكنها لا تنفي الإساءة إلى حرمتها، وحرمة بيت
النبوة، بالهجوم عليه، والتهديد بإحراقه، حتى ولو كانت فاطمة
«عليها السلام» في داخله».
فتبديل كلمة: «تضافرت» بكلمة: «تنوعت» واضح الهدف، فإن التضافر
يفيد: أن الروايات كلها منصبة على معنى واحد تثبته وتؤكده وهو
الأمر الذي أردنا إثباته في كتاب
«مأساة الزهراء «عليه السلام».. شبهات
وردود»،
أما كلمة: «تنوعت» فتفيد أن كل رواية تحكي أمرا يختلف عن غيره،
فليس فيها تأكيد على أمر واحد..
وقد
جاءت الزيادة في العبارة لأجل تأكيد ذلك أيضاً فلاحظ وقارن
فهذا التصرف والتزوير يعطينا ويؤكد لنا عدم إمكان الاعتماد على
ما ينقلونه لنا. وليس هذا هو الشاهد الوحيد على ذلك. فلدينا من
أمثاله الكثير..
|