تصوير التعارض بنحو آخر

   

صفحة :   

تصوير التعارض بنحو آخر:

وذكر البعض نحوا آخر للتعارض بين روايات مصحف فاطمة، فقال:

«إن هناك روايتين تقولان: إنه بخط علي «عليه السلام» عما يحدثه الملك للزهراء «عليها السلام»، ولكن الروايات الأخرى لا تدل على ذلك، وهي المشتملة على الحلال والحرام، ووصية فاطمة، فلا بد من الترجيح بينها». إنتهى.

ونقول:

قد ذكرنا فيما سبق بعض ما يتعلق بكلامه هذا، ونزيد هنا: أن قوله الأخير: «فلا بد من الترجيح بينها» معناه أنها أخبار متعارضة، ولا يمكن الأخذ بها كلها، فلا بد من طرح البعض منها، والأخذ بالبعض الآخر وفقا للمرجحات.

ــــــــــــــــــــ

(1) البحار: ج43 ص79 و ج26 ص41، بصائر الدرجات: ص153 والكافي: ج1 ص241. والخرائج والجرائح: ج2 ص526. وفي هامشه عن مصادر كثيرة جدا وضياء العالمين «مخطوط»: ج2 ق 3 ص38.

(2) راجع: روضة المتقين ج5 ص342. ومرآة العقول: ج3 ص59. وجلاء العيون: ج1 ص183. (*)


/ صفحة 118 /

وهذا كلام غير مقبول:

أولا: لأن وجود روايتين تصرحان بأنه بخط علي «عليه السلام» لا يعني أن الرواية الأخرى الساكتة عن ذلك تنفي هذا الأمر، بل هي لم تتعرض له، لأنها بصدد بيان جهات أخرى، لم يكن معها داع أو ملزم لذكر الكاتب أو المملي.

وإذا كان هناك روايتان تصرحان بأن علياً «عليه السلام» هو كاتب المصحف، فهل هناك ولو رواية واحدة تصرح بأن فاطمة «عليها السلام» هي التي كتبته وألفته؟!

فلماذا الجزم بكون مصحف فاطمة إنما كتب بخط يدها، مع كونه مخالفا لما دل على كونه كتب بخط علي «عليه السلام».

ثانيا: لم نعرف كيف تعارضت الروايات التي ذكر بعضها: أن كاتب المصحف هو علي «عليه السلام»، وذكر بعضها الآخر: أن هذا الذي كتبه علي«عليه السلام» في الحلال والحرام، ثم ذكرت روايات أخرى: أن في هذا «المصحف وصية فاطمة»!!

فهل عدم ذكر الطائفتين الأخيرتين لكون علي «عليه السلام» هو الكاتب يوجب أن تصبح هاتان الروايتان معارضتين لروايات كتابة علي«عليه السلام» للمصحف؟!. فأين التعارض؟! وأين التنافي؟!

ثالثا: إننا حين راجعنا الروايات وجدنا: أن رواية حماد بن عثمان قد ذكرت أن مصحف فاطمة ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ثم راجعنا رواية الحسين بن أبي العلاء، فوجدنا أن الضمير في قوله: وفيه ما يحتاج الناس إلينا، لا يعود إلى مصحف فاطمة، بل يعود إلى الجفر. ونتيجة ذلك كون الحلال والحرام في الجفر لا في المصحف، وراجعنا رواية الخثعمي، فوجدناها تتحدث عن كتاب فاطمة، لا عن مصحف فاطمة.

وقد تقدم إنه قد كان لها «عليها السلام» مكتوبات أخرى غير المصحف.

وإن ما ذكرناه حول اختلاف الأغراض من ذكر الخصوصيات يشبه في بعض وجوهه نقل وقائع ما جرى على الزهراء «عليها السلام»، فنجد أن بعضهم ينقل التهديد بالاحراق..

وبعض آخر ينقل: جمع الحطب..

وثالث ينقل: الاتيان بقبس من نار..

ورابع ينقل: إحراق الباب، واشتعال النيران..

وخامس ينقل: كسر الباب، ودخول البيت..

وسادس ينقل: عصر الزهراء، بين الباب والحائط، وإسقاط الجنين..

وسابع ينقل: لطمها على خدها، أو ضربها على يديها، أو جنبها، أو متنها، أو عضدها، حتى صار كالدملج..

وثامن ينقل: كسر ضلعها..

وتاسع ينقل: أن عمر قد ضربها..

وعاشر ينقل: ضرب المغيرة أيضاً لها..

وحادي عشر ينقل: ضرب قنفذ لها بأمر من عمر..

وثاني عشر ينقل: ضرب خالد بن الوليد لها.

ولا تكاذب بين هذه الروايات، بل إن كل واحد ينقل شطرا مما جرى، إما لتعلق غرضه به، أو لأنه هو الذي ثبت لديه، أو مراعاة لظرف سياسي، أو غيره، ولا غرابة في ذلك.

على أن الاختلاف في جزئيات النقل لا يضر بأصل ثبوت الحادث، بل هو يؤكده، إذا كان الكثيرون لا يتحققون من الجزئيات، فضرب فاطمة ثابت، واختلاف الرواة إنما هو في شخصية الضارب مع احتمال أن يكون الجميع قد اشتركوا في هذا الأمر الفظيع والشنيع واختلطت الأمور في زحمة المعركة وهيجانها.

وهكذا الحال بالنسبة لمصحف فاطمة صلوات الله وسلامه عليها..

مع فارق واحد، هو أن السبب في التنوع في نقل ما جرى عليها هو في الأكثر الميول السياسية، والمذهبية أو غيرها.. أما بالنسبة لمصحف فاطمة، فالسبب فيه هو القصد إلى بيان حيثية ترتبط بمقام الزهراء «عليها السلام»، أو بأهمية المصحف المنسوب إليها، وصحة ما فيه، أو ما هو قريب من هذا وذاك..

ولكننا لم نستطع: أن نقف على دوافع الإصرار على تضمين مصحف فاطمة للأحكام الشرعية، كما لم نوفق لفهم أسباب ومبررات كثير من الأمور التي ذكرت في هذا المجال وفي مجالات أخرى كثيرة ومتنوعة.

  
   
 
 

موقع الميزان