صفحة : 5   

ميزان الحق..

شبهات.. وردود

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

الطبعة الأولى

1431هـ. ـ 2010م.

المركز الإسلامي للدراسات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ميزان الحق

شبهات.. وردود

السيد جعفر مرتضى العاملي

الجزء الأول

المركز الإسلامي للدراسات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن المفروض بالإنسان العاقل: أن ينقاد للحق، ويخضع للدليل، حتى لو خالف ميله وهواه.. وهذا هو التوجيه القرآني الذي لا محيص عنه، لمن اتقى وآمن، ثم اتقى وأحسن.. إن الله يحب المحسنين.

وهذا هو مصب قوله تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله»: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ([1]).

وقال: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ([2]).

كما أن من القواعد البديهية للحوار البناء، والهادف، والمنتج: أن لا يفرض أي من المتحاورين رأيه ومعتقده على الآخر سلفاً، بل عليه أن يحتفظ بقناعاته، ويتقدم إلى الحوار بما هو باحث عن الحقيقة، يريد أن يتعاون مع محاوره للوصول إليها، فيقدم فكره، ومعتقده على أنه أحد الخيارات التي يفترض أن ينظر إليها بإيجابية، وبموضوعية، وإنصاف..

على أن من الواضح: أن الدخول إلى البحث من هذا الباب، أعني باب الحوار والمناظرة، يقتضي اعتماد منطلقات، ومعايير، وضوابط، تكون بمثابة قواسم مشتركة، مرضيَّة، ومقبولة، ومعترف بمرجعيتها لدى أطراف الحوار، الذين يفترض أنهم يبحثون عن الحقيقة مهما كانت.

ولا شك في أن هذا هو عين الحكمة التي أمر الله تعالى باعتمادها في الدعوة إلى سبيل الله.. ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ([3]).

كما لا شك في أن ذلك يفرض مرونة وسلامة في التعامل الحواري، واعتماد اللغة العلمية، بدلاً عن لغة الشتائم، والمناكفات، والأذى بالكلمات الجارحة، والمهينة والساخرة ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ([4]).

أسدٌ هنا.. ونعامة هناك!!:

ومن المفارقات الغريبة: أن ترى فريقاً من الناس يمارس فنوناً من المداراة، والتودُّد، والظهور بمظهر النعامة، أو الحمل الوديع، المفعم قلبه بالرحمة والشفقة، حين يكون بصدد التعامل مع النصارى واليهود وغيرهم من أهل الأديان الأخرى، وحتى الوثنيين والعلمانيين، وقلَّما تجد لديه رغبة في الحوار مع أمثال هؤلاء، ولكنك تجده متلهفاً للإنقضاض على الشيعة المؤمنين بالله الواحد الأحد، وبرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبالقرآن، وبالمعاد.. ويصلون الصلوات الخمس، ويحجون ويزكون، ويجاهدون في سبيل الله، ويلتزمون بأحكام الإسلام.. متفانياً في مهاجمتهم إعلامياً، في عقائدهم، وفي نهجهم، وتعاليمهم، لابساً لهم لبوس الجلَّاد الشرس القاسي، فهو يحتدم، ويزمجر، ويتلظَّى غضباً، فلا يدع كلمة سوء يقدر عليها إلا ويرميهم بها، ويهاجم بكل ما يقع تحت يده، من سيف، أو سوط، أو حجر، أو مدر.. ثم هو لا يكل ولا يمل، ولا يهدأ، ولا يلين، ولا يقر له قرار، ولا يستكين، لا في ليل ولا في نهار، وكأن تمزيق أشلائهم، والولوغ في دمائهم هو شغله الشاغل، في قيامه وقعوده، وفي ركوعه وسجوده، وفي جميع حالاته.

كيف يحاور الشيعي؟!:

أما الشيعة فهم على العكس من ذلك تماماً، فتجدهم منذ عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ملتزمين بأوامر الله ونواهيه، يعيشون الطمأنينة والسكينة، ويعتمدون مع كل من يخالفهم الكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، سلاحهم الدليل، وقولهم فصل، وحكمهم عدل، وحجتهم بالغة، يقابلون الإساءة بالإحسان، والغلظة باللطف والحنان، والتهمة الباطلة والشتيمة بالدليل والبرهان..

همُّهم حفظ الدين وأهله، وصيانة شريعة سيد المرسلين. ويعملون على الإتصال بالناس من خلال العقل والفطرة، والوجدان.. شعارهم الهدى والصلاح، ونهجهم التقى والفلاح..

غير أن ما يحزّ في نفوسهم، ويزعج خواطرهم: أن يتوهم الناس البعيدون عن هذا الدين: أن هذا الجفاء، وتلك الغلظة التي يظهرها الطرف الآخر هي من آثار تربية الإسلام لهم، فيظنون أن هذا هو نهج الإسلام، ونتاج تعاليمه، التي تعطيهم الإنطباع السيئ عن قيمة الإنسان ومكانته وموقعه في منظومة القيم فيه..

مع أن الأمر ليس كذلك بلا ريب، كما تدلنا عليه آيات القرآن، وتعاليم نبي الإسلام، وتوجيهات الأئمة الطاهرين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».

متى بدأ الحوار السني الشيعي؟!:

وبعدما تقدم، فمن الواضح: أن النقاش بين السنة والشيعة ليس جديداً، بل هو قد بدأ منذ يوم السقيفة، ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا..

وقد كانت الأسئلة في العصور الأولى تأتي في الأكثر من قبل علي «عليه السلام» وشيعته وتوجَّه إلى الذين استولوا على الخلافة، ومن تابعهم.. فكانت الأجوبة بمثابة تبريرات واعتذارات عما حصل.

فيقولون تارة: بأن قومه استصغروا سنه.

وأخرى: أنهم لا يرضون به لما قد وترهم.

وثالثة: بأن النبوة والخلافة لا تجتمع في بيت واحد.. وهلم جرَّا.

وتوالت الأحداث وتواصلت التبريرات، ثم تطورت بفعل سياسات استهدفت حقائق التراث، وحرَّفت معاني القرآن، فابتكرت القيود والحدود، ووضعت السدود، وصدرت المقرَّرات والضوابط التي تحدّ من حرية الفكر، وتؤثر في صفاء مفاهيمه، وفي سلامة المفردات التي يتداولها الفكر.

ووضعت الأقفاص الحديدية، لتحاصر الحقائق، وتطلق الأهواء من أسر الوجدان والضمير، ومن هيمنة الإيمان والإعتقادات الصحيحة على حركتها..

وتمخضت جهود السلطة بما تملكه من مال ومناصب، وحراب وسيوف، تودي بمن يواجهها إلى الحتوف.. وكذلك جهود وعَّاظها، والعلماء المنتمين إليها، والذين يعيشون على موائدها ـ تمخضت ـ عن منظومة من الضوابط التي تحفظ المسار والنهج للمستولين على الخلافة، وتعطيهم فرصة البقاء والإستمرار، وقد ذكرنا نبذة يسيرة عن هذه السياسات، والمنظومة التي نتحدث عنها في الجزء الأول من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله».. فليراجعه من أراد.

ثم تطورت الأمور إلى الحد الذي أصبح الظالم مظلوماً، والمظلوم ظالماً، وصدق الشاعر الذي يقول:

يـقـتـلـنـي ثـم أسـمَّـى قـاتــلاً             يـظـلـمـنـي ثـم أسـمَّـى ظـالمــاً
 

ثم تطور الأمر أكثر، فأصبح المسؤول سائلاً، والكاذب صادقاً، والجلَّاد ضحية، والضحية جلَّاداً، وعلى هذا فقس ما سواها..

واستمرت مسيرة الإنحدار هذه، حتى بلغت حدَّ السفاهة والتفاهة، ولم يعد لدى أولئك الذين وقفوا ضدَّ حق علي «عليه السلام»، الذي قرَّ له الله ورسوله «صلى الله عليه وآله».. وضدَّ شيعته الملتزمين بخطه ـ لم يعد لديهم ـ حتى اللغة الحوارية، فاستبدلوها بلغة الإتهام والأذى، والسباب والشتائم.. فضلاً عن سائر الممارسات المؤذية التي أصبحت نهجهم وسجيتهم، وخلقهم تجاه أتباع مدرسة أهل البيت «عليهم السلام»..

غير أنه قد كان في المقابل فريق كبير آخر يتعامل مع شيعة أهل البيت «عليهم السلام» بأدب وانضباط والتزام، يستحق لأجله منَّا كل التقدير والثناء، والإكبار والإحترام..

الجديد القديم:

ومهما يكن من أمر، فقد عاد ذلك الفريق المتغطرس، ليتداول أسئلة ليست جديدة علينا، وجهها إلى الشيعة، وبثَّها في شبكات الإنترنت في كل اتجاه، ورصد لها المال والأتباع لتولي ترويجها عبر الفضائيات المختلفة التي تسعى لإثارة الفتن، وزرع الأحقاد عن طريق الإدعاءات الباطلة والتهم الجزافية التي لا أساس لها.

ثم جمعوا هذه الأسئلة في كتاب أسموه بـ «أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق».

وبالرغم من أن العدد الحقيقي للأسئلة المذكورة في هذا الكتاب يتجاوز الرقم المتسلسل الذي أثبته صاحب الكتاب، حيث إن الكثير من أسئلته ينحل إلى سؤالين أو ثلاثة.. وربما ينحل إلى أكثر من عشرة أسئلة، فإن الصياغات التي اعتمدت قد جاءت ركيكة، أو عامية، أو مغلوطة، وربما تدنى مستوى الخطاب فيها إلى حد الإبتذال، ومجانبة أبسط قواعد اللياقة واللباقة.. وكأن الدخول في أجواء السباب والمهاترات هو الهدف الأول والأخير لواضعيها..

ولكننا كنا وما زلنا نتعامل معها وفق القاعدة التي علَّمنا إياها القرآن، وجسَّدها الإمام السجاد «عليه السلام»، حين وجَّه إليه أحد الحاقدين بعض الكلام الجارح، فلما رأى أنه لا يلتفت إليه قال له: إياك أعني.

فقال «عليه السلام»: وعنك أعرض([5]).

تكرار المكررات:

وإذ         ا ألقينا نظرة على الأسئلة التي تضمنها هذا الكتاب، فسنجد أنها هي تلك، التي لم تزل تتكرَّر على مسامعنا منذ مئات السنين، بل منذ عصور الإسلام الأولى وإلى يومنا هذا..

وقد أسمعناهم عبر الأجيال المتعاقبة أجوبتها مرة بعد أخرى، حتى تجاوز الأمر العشرات إلى مئات المرات..

ولكنهم ما فتئوا يعيدون السؤال نفسه، وكأن شيئاً لم يكن، ولا يلتفتون إلى تلك الأجوبة، ونعود فنجيب مرة أخرى.. وهكذا دواليك..

لم أخف على شباب الشيعة:

وقد يطرح هنا سؤال يقول: إذا كانت هذه الأسئلة ليست جديدة، وقد أجاب عليها الشيعة، فما الذي أخافك من طرح هذه الأسئلة؟!

ونجيب بما يلي:

إننا نعلم: أن الإسلام والتشيع يعطي الحرية للإنسان ليفكر، ويختار، ويقرِّر، ويستنتج بفكره، وبالدلائل والوسائل المتوفرة لديه من القرآن والسنة، مفاهيمه وقيمه، وعقائده، وهو يحث شبابه على التماس المعرفة في كل اتجاه، عملاً بالقول المأثور عن النبي «صلى الله عليه وآله»: «الحكمة ضالة المؤمن حثيما وجدها، فهو أحق بها (أو فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها)»([6]).

ولا خوف على الإسلام والتشيع إلا من الأهواء والعصبيات الجاهلية أن تتحكم في قرار الناس، وتهيمن على مسارهم، وتستلب منهم خيارهم واختيارهم.

وعلى هذا الأساس، فإنني حين رأيت كتاب: «أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق» لم يأخذني هاجس أن يكون عنوان هذا الكتاب صادقاً في حكايته لواقع الشيعة، لعلمي بأن شباب الشيعة حين يواجهون أية قضية أو سؤال، فإنهم يتعاملون معه من موقع: «نحن أبناء الدليل حيثما مال نميل»، فهم مع الحق أينما وجد، وهو شعارهم ومنارهم.

فإن لم يستطع الدليل أن يوقفهم على وجه الحق، بسبب عدم اكتمال العناصر، أو قصور الدليل، فإنهم يتوقفون، ويبحثون، ويسألون، ولا يجازفون بدينهم وبقيمهم، وبمفاهيمهم، ولا يتخلون عن اليقين لصالح الشبهة والشك.

على أي شباب نخاف؟!:

ولكن على الإنسان العاقل أن يخاف على أولئك الشباب الذين لم يفسح لهم المجال لاختيار طريقهم، ولا سمح لهم بممارسة حق التفكير باستقلالية وموضوعية، بل فرض عليهم البقاء في نطاق التقليد والمحاكاة، والتلقي من فئة بعينها.

ثم مورست عليهم أنواع من التهويل والتخويف من التعرف على الآخر.. ووضعت الحدود بينهم وبينه، لكي لا يتفاعلوا معه، ولا يعرفوا ما عنده، وألهبت بالشعارات الرنانة عواطفهم، واستثيرت عصبياتهم، وأريد منهم رفض ومهاجمة الفكر الآخر، من دون محاكمة أو تدبُّر..

وقد يظهر من قرائن الأحوال: أن هدفهم من طرح هذه الأسئلة هو تحصين هؤلاء الشباب من أن يخطر على بالهم التعرف على أفكار غيرهم، ولو عن طريق إخضاعها للبحث والتمحيص وفق المعايير والضوابط العلمية الصحيحة.

فإلى هؤلاء وأمثالهم أقدم أجوبتي على أسئلة هذا الكتاب، على أمل أن تفتح لهم كوَّة في جدار العناد والتعصب الذي يُضرب عليهم، ليطلُّوا منها على آفاق الفكر الرحبة، ليعيشوها بكل عقولهم، وبكل وجودهم، وبفطرتهم، وبوجدانهم وضميرهم.

الأسئلة بنظرة عابرة:

وإذا ألقى القارئ الكريم نظرة على هذه الأسئلة الواردة في كتاب هؤلاء، فسيجد أنها لا تملك طهر الكلمة، ولا تراعي أدب الخطاب، بل تسعى للجرح، وإيجاد الشرخ بين المسلمين وتعميقه، والإمعان في الأذى، لكي تبعد الفكرة عن هيمنة العقل، وسلطان الوجدان، وتلقي بها كفريسة سهلة، تمزقها براثن الأهواء المستثارة، والعصبيات الجاهلية المحمومة، بل المسمومة في كثير من الأحيان..

وسيجد القارئ الكريم في إجاباتنا هذه إن شاء الله تعالى الكلمة الطيبة، والصدر الرحب، والقلب الكبير، والخلق الكريم..

الهدف من كثرة الأسئلة:

ولعل الهدف من وضع هذا الكم من الأسئلة في هذا الكتاب هو: إيقاع شباب الشيعة في وهم يؤدي إلى خللٍ في يقينهم بصحة ما هم عليه.. بتقدير أنها ستحدث لدى البعض قدراً من الإنبهار بالأعداد والكثرات.. من حيث أن ما يقرب من مائة وتسعين سؤالاً رقم كبير، ولا يعقل أن تكون كلها باطلة، فلو صح منها ربعها أو خمسها، أو عشرة منها لأوجب اختلال اليقين بصحة المذهب، إذ لعل هذا الصحيح كان يستهدف المواضع الحساسة في التشيع.. ولعل.. ولعل..

وبنفس هذا المنطق يريد هؤلاء أن يستفاد من هذه الكثرة في الإحتفاظ بالشباب الذين يُخشى أن يتأثروا بأفكار ومعتقدات الشيعة، الذين أصبحت أفكارهم ومعتقداتهم في متناول أيدي جميع الناس، بواسطة الإنترنت، والفضائيات، ووسائل الإعلام الأخرى.

هذا، عدا عن أن المطلوب هو وضع حواجز من العصبيات والإنفعالات غير المستندة إلى أساس، بل من خلال اللعب على وتر العواطف، والمشاعر، والإنفعالات، وإبعادهم عن التفكير بموضوعية، وحياد، وإنصاف.

لماذا أجبنا؟!:

فمن أجل هؤلاء الشباب الذين يراد الإحتفاظ بهم في دائرة التسليم غير المستند إلى برهان، بل بالإستناد إلى إثارة العصبيات الجاهلية، والتشنجات غير المسؤولة ـ من أجل هؤلاء ـ أحببت أن أضع بين أيديهم وأيدي كل المخلصين، وطالبي الحقيقة، أجوبة على هذه الأسئلة، ليس فيها ـ فيما أزعم ـ إطناب ممل، ولا إيجاز مخل، ليرى جميع الشباب، سواء أكانوا من الشيعة، أو من السنة: أن الكثير من هذه الأسئلة لا تستحق أن توصف بأنها شبهة، لأن الشبهة إنما سميت شبهة لأنها تشبه الحق للوهلة الأولى، وكثير من هذه الأسئلة لا يشبه الحق لا من قريب ولا من بعيد.

أساليب غير حميدة:

ولا نريد أن نزعج القارئ الكريم ببيان خصائص الأساليب التي اتبعها الذين كتبوا هذه الأسئلة.. ولا نقصد بالأساليب توصيف طريقة طرح السؤال، في خصوصياته البيانية، بل نقصد بها: مضامين الأسئلة نفسها، وما فيها من تعدِّيات على الوجدان، أو خيانة للأمانة العلمية، أو مغالطة أو تحريف، أو طرح لأمور لا ربط لها بالإعتقاد لا من قريب ولا من بعيد، أو غير ذلك. لأن نفس قراءة هذا الكتاب تغني عن الإسهاب في البيان هنا.. وهي أبعد أثراً في الإقناع، وأدق تعبيراً عن واقع هؤلاء الناس، وعن أساليب تعاملهم.

التكرار والإصرار:

ومن جهة أخرى، فإننا نلاحظ: أن بعض المقولات قد تكرَّرت عشرات المرَّات، ربما ليتأكد القارئ من صحة نسبتها إلى الشيعة من خلال التلقين المستمر، وأمثلة ذلك كثيرة، ومنها على سبيل المثال: تكرار مقولة: أن الشيعة يكفِّرون الصحابة، أو الشيخين، أو عائشة، أو مروان، وما إلى ذلك.. فاقتضى ذلك تكرار الإجابة منا في جميع المواضع، تبعاً لتكرار هذه الدعوى فيها.. لأننا وجدنا أنفسنا أمام احتمال: أن يفتح بعض القراء على سؤال يتضمن هذا الإدعاء، فلا يجد جوابه، ولا يعود إلى الكتاب مرة أخرى، فيظن أننا لم نُجب على هذه الدعوى، ولا يخطر بباله أننا قد أجبنا عنها في موضع آخر من الكتاب نفسه، فيرتب الأثر على توهمه هذا، وتدخل عليه الشبهة بذلك.

كما أن هناك أسئلة قد تكرَّرت بصيغ مختلفة، ومتقاربة لا توجب اختلافاً في مضمون الجواب عنها.. فإما أحلنا على إجابة أخرى محدَّدة، أو أوجزنا الإجابة عليها في نفس المورد.

وقد اعتمدنا في نص الأسئلة وأرقامها نسخة من الكتاب المطبوع سنة 1427 هـ. إعداد وجمع الشيخ سليمان بن صالح الخراشي..

البحوث المطولة:

ومن المفيد جداً أن نضيف هنا: أن القارئ الكريم قد يرى أنه بحاجة إلى المزيد من الإستيفاء للبحوث التي أوردناها في هذه الإجابات.

والحقيقة هي: أننا قد اقتصرنا في العديد من المواضع على ما يتناسب والنسق العام، حتى لا يخرج الكتاب عن طبيعته، ويجعله زاخراً بالنصوص والبيانات التي تحتاج إلى عشرات، بل مئات الصفحات. وفي محاولة لاستدراك هذه الحاجة، فإننا نقول:

إنْ وجد القارئ الكريم من نفسه نشاطاً ورغبة في الإطلاع على المزيد، فإننا نرشده إلى بعض مؤلفاتنا التي أسهبت في بحث بعض ما له ارتباط بكثير من موضوعات هذا الكتاب، مثل كتاب: (الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»)، وهو خمس وثلاثون مجلداً.. وكتاب: (الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام»)، وهو الآن ثلاثون مجلداً. وكتاب: (حقائق هامة حول القرآن الكريم).. وكتاب: (أهل البيت في آية التطهير.. وكتاب: (مختصر مفيد) أربعة عشر مجلداً.. بل سائر مؤلفاتنا.

الإحترام والتقدير:

وبعد..

فإننا نحترم جميع إخواننا الذين يلتزمون في حوارهم معنا أدب الخطاب، ويسعون لمعرفة الحق والصواب.. ونرى أنهم: إخوة، وأحباب، وأهل وأصحاب.. واختلافنا معهم في الرأي لا يفسد في الودِّ قضية.

وأما الذ    ين يتبعون سبيل التجني والأذى، وإلقاء الكلام على عواهنه، فلا نقابلهم بالمثل، بل ندعو الله تعالى أن يهدي من يستحق الهداية منهم إلى طريق الخير والرشاد.

لو أردنا أن نسأل:

وأخيراً.. فإن إجابتنا على هذه الأسئلة، إنما جاءت على سبيل القيام بالواجب.. وقد اقتصرنا على مجرَّد الردّ على السؤال، ولم نستطرد بطرح الأسئلة على الطرف الآخر، بالرغم من أننا لو أردنا ذلك، لضاقت على هذا السائل ومن وراءه الأرض بما رحبت.. ولكان قد تمنى لو أنه كان قد أصيب بالبكم والصمم، ولعرف موقعه، ومنزلته قبل أن يطرح أسئلته..

ولعرف الشباب آنئذٍ: «أن الحق مع علي، وعلي مع الحق، يدور معه كيفما دار»، كما قال رسول الله «صلى الله عليه وآله».. مع أن ما أوردناه في هذا الكتاب من أجوبة يكفي للوصول إلى هذه النتيجة بالذات.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

حرر بتاريخ

العشرين من شهر تموز 2010م ش. الموافق 8 شعبان سنة 1432هـ ق.

جعفر مرتضى العاملي..

عيتا الجبل (عيتا الزط سابقاً)


([1]) الآية 81 من سورة الزخرف.

([2]) الآية 64 من سورة النمل.

([3]) الآية 125 من سورة النحل.

([4]) الآية 159 من سورة آل عمران.

([5]) مناقب أهل البيت للشيرواني ص257 وينابيع المودة ج3 ص109 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج12 ص80 عن الصواعق المحرقة (ط أحمد البابي بحلب) ص120 وأعيان الشيعة ج1 ص631.

([6]) سنن ابن ماجة ج2 ص1395 وج4 ص155 والجامع الصحيح ج5 ص71 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص355 وعوالي اللآلي ج4 ص81 ومنية المريد للشهيد الثاني ص173 وبحار الأنوار ج2 ص99 و 105 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص317 والجامع الصغير ج2 ص302 وكنز العمال ج16 ص112 وج10 ص148 وكشف الخفاء ج1 ص363 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص289 والدر المنثور ج1 ص349 وكتاب المجروحين لابن حبان ج1 ص105 وتاريخ مدينة دمشق ج55 ص192 وج21 ص169 وتهذيب التهذيب ج1 ص131 ولسان الميزان ج4 ص135 وفتوح الشام ج2 ص76.

وراجع: أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص238 وتحف العقول ص138 و 292 وغرر الحكم ج1 ص394 وبحار الأنوار ج75 ص34 و 38 و 307 وج 2 ص17 و 96 و97 ومواضع أخرى منه. وراجع: دستور معالم الحكم ص19 والمجروحون ج1 ص105 والتراتيب الإدارية ج2 ص348 وراجع: الكافي ج8 ص167 وشرح كلمات أمير المؤمنين لعبد الوهاب ص12.

 

   
 
 

موقع الميزان