دعوني والتمسوا غيري..
يروي صاحب كتاب (نهج البلاغة) ـ وهو كتاب معتمد عند
الشيعة ـ أن علياً «رضي الله عنه» استعفى من الخلافة وقال: «دعوني
والتمسوا غيري»!([1])
وهذا يدل على بطلان مذهب الشيعة، إذ كيف يستعفي منها، وتنصيبه إماماً
وخليفة أمر فرض من الله لازم ـ عندكم ـ كان يطالب به أبابكر ـ كما
تزعمون ـ؟!
وفي صياغة أخرى لهذا السؤال قال:
لماذا استعفى علي «رضي الله عنه» من الخلافة وأبى
قبولها بعد قتل عثمان عندما قال لأصحاب رسول الله «صلى الله عليه
وآله»: دعوني والتمسوا غيري كما ذكر صاحب (نهج البلاغة(،
والسؤال المطروح على الرافضة هو: إذا كانت الإمامة ركن من أركان الدين
ونزل بها الوحي الأمين على إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين،
فلماذا تنحى عنها علي؟!
أليس في ذلك هدم لركن الإمامة المزعوم، وطعن في الكرار
المقدم: علي «رضي الله عنه»؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده
الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين..
وبعد..
إن بعض أو كثير من الذين سخطوا سياسات عثمان لن ترضيهم
سياسات علي «عليه
السلام»
الذي سيعمل فيهم بمرِّ الحق، لأن الكثيرين ممن سخطوا إمارة عثمان، إنما
سخطوها لأنهم لم ينالوا ما توقعوه منها، بعد أن آثر عثمان أقاربه بكل
شيء..
كما أن الفريق العثماني لن يرضى باستعادة علي «عليه
السلام»
ما كان عثمان قد أعطاهم إياه من أموال المسلمين..
يضاف إلى ذلك:
أنه «عليه
السلام»
سيعود بالناس إلى النهج النبوي، الذي يقضي بإعادة الأمور إلى نصابها،
ويحتم عليه نقض الكثير من السياسات التي تستبطن الظلم والتعدي، وقد
اعتاد عليها الناس، ومنها السياسات المالية، ولو كلفه ذلك خوض اللجج
وبذل المهج.
وأما ما كان حقاً لله تعالى، فعليه أن يرشد الناس إلى
الصواب فيه، وعليهم أن يستجيبوا لنداء الله.
والذين يصرون منهم على المخالفة قسمان:
قسم وقع في شبهة، بسبب إحسانه الظن بمن سن وقرر، أو رأى
أو ارتأى.. فهذا يوكل أمره إلى الله تعالى.
وقسم مُصِّر ومعاند، مع وضوح الحق له، فإن أراد أن
يعاقب هذا القسم فسيطالب بالمبرِّر، وسيتهم بالتعدي والظلم، وبالعمل
بالهوى.. إذ لا يعترف أحد له أنه يعلم بما في ضمائر الناس.
فإذا
وجد هؤلاء وأولئك:
أن علياً «عليه
السلام»
سينتهج سياسة تضر بطموحاتهم، فإنهم سيواجهونه بالرفض، وسيتداعون
لمقاومته.. وسيؤدي ذلك إلى كارثة حقيقية تحل بالناس، فكان لا بد من
إفهامهم قبل أن يستجيب لهم: أنهم إن كانوا يريدون حاكماً يسير فيهم
بالسياسات التي ترضي طموحاتهم، وتجلب لهم الأموال والمناصب من دون
مراعاة أحكام الشرع، فإن ما أرادوه لن يحصلوا عليه منه.. كما أن بيعتهم
له، وهم يفكرون بهذه الطريقة، ويسعون إلى هذا الأمر، لن تمكنه من إجراء
سنة العدل فيهم..
وليس هؤلاء ممن يمكن أن ينتصر بهم، أو أن يعينوه على
إقامة الحق.. وكبح جماح الباطل.
وعلى هذا..
ستكون وزارته لهم خير من إمارته عليهم، ما داموا لا
يريدون الانصياع للحق الذي سيلتزم وسيلزمهم به في إمارته، لأن إمارته
ستتصادم مع أهوائهم، وسيؤدي ذلك إلى الدمار والبوار لهم في الدنيا
والآخرة.
وبذلك يكون الإنتظار إلى أن تتغير أحوالهم هو الأقرب
والأصوب..
ولكنه «عليه السلام» قَبِلَ البيعة منهم حين أعلنوا
رضاهم بسياساته، وتعهدوا بنصرته ومعونته، فقامت الحجة عليه بذلك، وكان
لا بد من القبول.
ولذلك قال «عليه السلام»:
«لولا
حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها،
ولسقيت آخرها بكأس أولها».
وقد أوضح «عليه
السلام»
في نفس هذا الموضع هذه الحقيقة بأتم ما يكون، فقد قال لهم: «دعوني
والتمسوا غيري،
فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان. لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه
العقول.
وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت.
واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى
قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم
وأطوعكم لمن وليتموه أمركم.. وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً»([2]).
فظهر بذلك:
أنه «عليه
السلام»
لم يتنحَّ عن الخلافة، إلا عن خلافة يريدونها له كجسر لأطماعهم، وبلوغ
غاياتهم واهوائهم.. ولم يهدم ركن الإمامة، بل أراد أن يأخذ منهم الوعد
والعهد على نصرته، وطاعته، وأن يعرِّفهم: أنهم مقدمون على أمور هائلة،
وصعبة، وقد يكون بعضها غائماً عليهم، وغير مفهوم لهم.. فعليهم أن
يتخذوا قرارهم على بصيرة من أمرهم، لكي لا يكون لهم أي مبرر للعصيان
والنكث في أي حال، ولكي لا يدعي أحد منهم أن بيعته كانت فلتة([3])،
من دون تأمل وتفكير..
فلما تحقق له ذلك قام بالأمر، وكان ما كان..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
«نهج البلاغة»، (ص 136)، وانظر: (ص 366ـ 367) و(ص 322).
([2])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص181 و 182 ومناقب آل أبي طالب ج1
ص378 وبحار الأنوار ج32 ص35 و 36 وج41 ص116 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج7 ص33 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج12 ص157.
([3])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص19 الخطبة 136 وراجع الكتاب 54
والإرشاد ج1 ص243 وكتاب الأربعين للشيرازي ص202 وبحار الأنوار
ج32 ص33 و 49 ونهج السعادة ج1 ص196 و 197 والمعيار والموازنة
ص105 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص31.
|