لماذا كان الأئمة من ولد الحسين لا الإمام الحسن
‘؟!
من المعلوم أن الحسن «رضي الله عنه» هو ابن علي، وأمه
فاطمة «رضي الله عنهما»، وهو من أهل الكساء عند الشيعة([1])،
ومن الأئمة المعصومين، شأنه في ذلك شأن أخيه الحسين «رضي الله عنه»،
فلماذا انقطعت الإمامة عن أولاده واستمرت في أولاد الحسين؟!!
فأبوهما واحد وأمهما واحدة، وكلاهما سيدان، ويزيد الحسن
على الحسين بواحدة هي أنه قبله وأكبر منه سناً، وهو بكر أبيه؟!
هل من جواب مقنع؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً:
إن النسب وإن كان له قيمة، ولكنه ليس هو الميزان والمعيار في استحقاق
الإمامة، بل المعيار هو الاختيار الإلهي لصفوةٍ خلقهم، وعلم سرائرهم،
وخَبَر حالهم، وأهَّلهم بألطافه الغيبية لمقام النبوة، أو الإمامة..
واختارهم من أهل بيت بعينه، عاشوا فيه الطهارة بجميع حالاتها ومراتبها
وأوضاعها، وفي جميع مراحل حياتهم.
فإن كان لديكم اعتراض وسؤال على
ذلك، فلا يتوجه إلى الشيعة، بل هو اعتراض على الله سبحانه.. حيث حسم
الأمر في آية مباركة تقول: ﴿اللهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾([2]).
ثانياً:
إننا نرد السؤال عليكم عن إسحاق، وإسماعيل، فنقول لكم: لماذا فضل الله
تعالى إسماعيل على إسحاق، فجعل من ذريته سيد الكائنات، وأفضل الخلق
محمداً «صلى الله عليه وآله»، ولم يجعله في ذرية إسحاق، مع أن كثيراً
من الأنبياء كانوا من إسحاق باستثناء نبينا الأعظم «صلى الله عليه
وآله» وآبائه «عليهم السلام».
كما أن النبوة في ذرية يعقوب كانت في واحد من أولاده
الاثني عشر، دون سائر أولاده.. كما أن ابن نوح الذي ذكره الله عز وجل
في كتابه لم يكن من أهل النجاة، بل كان من الهالكين، فضلاً عن أن ينال
مقام النبوة أو الإمامة.. فكانت النبوة في بعض ذرية نوح دون بعض، وكذلك
الحال بالنسبة لموسى وهارون، فإن النبوة كانت في ولد هارون لا في ولد
موسى «عليه السلام».. ألا يدل ذلك على أن الله تعالى لا يختار الأنبياء
والأوصياء على أساس النسب. وإنما وفق معايير وعوامل أخرى، قد يكون
للنسب فيها بعض الأثر، من حيث هو عامل مساعد في توفير المحيط الخالص في
طهره، والزاخر في نفحات القداسة، والطافح بالمعاني والقيم الروحية؟!
ثالثاً:
إن نفس السؤال قد تضمن الإشارة إلى الجواب، فقد ذكر أن الحسن والحسين
كانا من أهل الكساء..
وهذه إشارة إلى حديث الكساء الذي رواه أهل السنة
بأسانيد صحيحة.. وقد جاء هذا الحديث تطبيقاً لآية التطهير:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً﴾([3]).
فإنه تضمن تطهير الخمسة:
النبي، وعلي، وفاطمة، والحسنين «صلوات الله وسلامه عليهم».
ولم يدخل رقية وأم كلثوم زوجتي عثمان، مع أن أهل السنة
يقولون: إنهن أيضاً بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة،
لا بالتربية.
ولم يدخل العباس عم النبي «صلى الله عليه وآله»، ولا
أبناءه، ولا غيرهم من أبناء عمومة النبي «صلى الله عليه وآله»، مع أنه
أدخل علياً «عليه السلام» وهو ابن عمه، والعم أقرب من ابن العم. إلا في
صورة اجتماع ابن عم للأب والأم مع عم للأب فقط، فإن ابن العم هنا يكون
أقرب من العم.
رابعاً:
قول السائل عن الإمام الحسن «عليه السلام»: «وهو من أهل الكساء عند
الشيعة» يشعر بأن أهل السنة لا يرون الإمام الحسن «عليه السلام» من أهل
الكساء. وهذا غير صحيح جزماً، فهو من أهل الكساء عند السنة والشيعة على
حد سواء.
خامساً:
إن كبر السن وصغره لا أثر له في اختيار الإمام من ذرية هذا أو ذاك، بل
الميزان أمور أخرى تدخل في نطاق الأهلية التي يراها الله تعالى في
الذرية الصالحة لمقام الإمامة، أو النبوة.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..
([1])
حديث الكساء ملخصه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة وعليه
كساء من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله في الكساء، ثم جاء الحسين
فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم تلا:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33] أخرجه
مسلم في فضائل الصحابة.
([2])
الآية 124 من سورة الأنعام.
([3])
الآية 33 من سورة الأحزاب.
|