صفحة : 107   

لماذا لم تذكر ولاية علي عليه السلام في القرآن؟!

السؤال رقم 55:

إذا كانت ولاية علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» وولاية أبنائه من بعده ركناً لا يتحقق الإيمان إلا به، ومن لم يؤمن بذلك فقد كفر واستحق جهنم، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج بيت الله الحرام ـ كما يعتقد الشيعة ـ؛ فلماذا لا نجد التصريح بهذا الركن العظيم في القرآن الكريم؟!

إنما نجد القرآن قد صرح بغيره من الأركان والواجبات التي هي دونه؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، بل صرح القرآن الكريم ببعض المباحات كالصيد مثلاً... فأين الركن الأكبر من الثقل الأكبر...؟!.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

سيأتي سؤال آخر بهذا المضمون برقم 63.

ولكننا نجيب هنا بما يلي:

أولاً: إن الإمامة والولاية قد ذكرت في القرآن الكريم في العديد من الآيات، ومنها آية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([1])»([2]). لكن اسم الإمام علي والأئمة الاثني عشر «عليهم السلام» لم يصرِّح بها فيه، كما لم يصرِّح بعدد ركعات الصلاة، وبأنصبة الزكاة، وكثير من التفاصيل الأخرى، مع أن الله قد ذكر آية كتابة الدين.. وهي أطول آية في القرآن، مع أن كتابته مستحبة، وذكر موضوع استئذان الأبناء على آبائهم في أوقات معينة، بل ذكر بعض المباحات كما اعترف به السائل.

فدلَّنا ذلك: على أن الذكر في القرآن ليس على أساس أهمية الموضوع، وإنما له أسباب أخرى يعلمها الله سبحانه.

ثانياً: إن الله تعالى أعرف من كل أحد بما ينبغي التصريح به في القرآن، وما لا ينبغي، وليس لأحد الإعتراض عليه، وما يقوله رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يجب العمل به، تماماً كالذي ذكره في القرآن.. فإنه «صلى الله عليه وآله» لا ينطق عن الهوى.

ثالثاً: إن ما جرى يوم عرفة وفي منى من ضجيج، وصراخ وعجيج، منع الناس من سماع كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا سيما حين شرع «صلى الله عليه وآله» بالحديث عن الأئمة الاثني عشر، يدلُّنا: على أن ثمة موانع عظيمة، وعقبات كبيرة أمام رسول الله «صلى الله عليه وآله» في موضوع إمامة علي «عليه السلام»..

وقد أكد ذلك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» حين طلب كتفاً ودواة، ليكتب للناس كتاباً لن يضلوا بعده، خشي عمر أن يقول «صلى الله عليه وآله» شيئاً عن أمر الخلافة بعده، فبادر إلى قطع الطريق على النبي «صلى الله عليه وآله» بقوله: إن النبي ليهجر، أو غلبه الوجع.

فذلك كله يدلُّ: على أنه «صلى الله عليه وآله» لو كتب شيئاً عن هذا الأمر لتعرضت حياة أهل البيت «عليهم السلام»، للخطر الشديد، بل الأكيد. وربما تطور الأمر إلى إيذائه نفسه «صلى الله عليه وآله» جسدياً بشكل مباشر، ورغم ذلك لم يسلم أهل البيت «عليهم السلام» من الأخطار ومن التعرض للأذى إلى حد القتل. ولعل إعلان ولاية علي «عليهم السلام» يوم الغدير، والذي جعل اليهود ييأسون من النيل من دين المسلمين كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ([3]) قد دعا اليهود إلى التعجيل في دس السم للنبي «صلى الله عليه وآله»..

ثم كان العرق اليهودي هو الذي دعا ابن ملجم إلى قتل علي «عليه السلام» بعد ذلك.. فإن حاضنة ابن ملجم كانت يهودية أيضاً..

فما بالك لو أن التصريح باسمه قد ورد في القرآن الكريم!! ألا ترى معي أن هذا سوف يعرِّض سلامة القرآن للخطر، أو فقل: إنه سيفسح المجال لإطلاق الشبهات والتشكيكات حول سلامته.

رابعاً: بالنسبة لكفر منكر ولاية علي «عليه السلام» نقول:

إن الشيعة ـ كما تدلُّ عليه سيرتهم عبر القرون ـ يعاملون أهل السنة جميعاً على أساس أنهم مسلمون، فيتزوجون منهم ويزوجونهم، ويأكلون ذبائحهم، ويتوارثون معهم و.. و.. الخ..

وهذا يكذب مقولة تكفير الشيعة لمنكري ولاية علي «عليه السلام»، وولاية أبنائه..

وأما عدم قبول الأعمال، فله أسبابه الخاصة به، ولا يلزم من القول بعدم قبول الأعمال التكفير، لأن الرياء مثلاً يبطل العمل، ولكنه لا يوجب الكفر.. بل قد يكون الإنسان مسلماً حتى لو لم يقم بكثير من الأعمال. فإن من لا يحج وهو مستطيع، ومن لا يؤدي زكاة ماله طمعاً بالمال لا يحكم بكفره.

خامساً: أما استحقاق جهنم، فقد يكون بارتكاب بعض الكبائر، كقتل النفس المحترمة عمداً حتى لو شهد أن لا إله إلا الله، وان محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام شهر رمضان، وحج البيت الحرام..

فترك الولاية إن كان عن تقصير، وتعمّد لتركها، فهو معصية كبيرة.. وإن كان عن جهل وقصور، فله أحكام الجاهل القاصر..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..


([1]) الآية 55 من سورة المائدة.

([2]) الغدير ج3 ص156 ـ 162.

([3]) الآية 3 من سورة المائدة.

 
   
 
 

موقع الميزان