صفحة : 254   

كيف يغلب المرتد (معاوية) الإمام المعصوم؟!

السؤال رقم 79:

يدعي الشيعة أن معاوية «رضي الله عنه» كان كافراً مرتداً!، ويلزمهم لو كان الأمر كما يقولون: القدح في علي وابنه الحسن «رضي الله عنهما»، وتوضيح هذا:

أن يكون عليٌّ مغلوباً من المرتدين، وأن الحسن قد سلم أمر المسلمين إلى المرتدين. بينما نجد أن خالد بن الوليد قد حارب المرتدين زمن أبي بكر وقهرهم، فيكون نصر الله لخالد على الكفار أعظم من نصره لعلي! والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم واحداً منهما، فيكون أفضل عند الله منه.

بل إن جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم كانوا منصورين على الكفار، بينما علي عاجز عن مقاومة المرتدين! أيضاً:

فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ـ [آل عمران:139]، ويقول: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ـ[محمد:35]، وعلي «رضي الله عنه» دعا معاوية إلى السلم في آخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده، وطلب منه أن يبقى كل واحد منهما على ما هو عليه..

فإن كان أصحابه مؤمنين وأولئك مرتدين ـ كما تزعم الشيعة ـ وجب أن يكون أصحابه هم الأعلون، وهو خلاف الواقع!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

فإننا نجيب بما يلي:

أولاً: إن معاوية قد حارب إمامه، وقُتِلَ في تلك الحرب ـ كما قالوا ـ سبعون ألفاً.. ومن بينهم من قال فيه رسول الله «صلى الله عليه وآله»: تقتلك الفئة الباغية، وهو عمار بن ياسر الذي كان مع علي «عليه السلام». وقَتَلَ معاوية أيضاً الصحابي الجليل حجر بن عدي ومن معه صبراً، ودس السم للإمام الحسن «عليه السلام».. وجاء بالجيوش الجرارة لحربه «عليه السلام»، إلى غير ذلك من العظائم والجرائم التي لا يقرها عقل، ولا يرضاها دين ولا وجدان.

وقد صرح القرآن: بأن من يقتل مؤمناً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، فكيف بمن قتل عشرات الألوف من المسلمين والمؤمنين؟! وأضاف إلى ذلك قتل إمامه، يعني الإمام الحسن «عليه السلام» أيضاً؟!

هذا ما يقوله الشيعة في حق معاوية الذي يعترف علماء الأمة، وفقهاؤها: بأنه رأس البغاة.. وقالوا: لو لم يحارب علي «عليه السلام» البغاة، لم يعرف الفقهاء أحكام البغاة([1]).

ثانياً: إن المطلوب هو العمل بالتكليف الشرعي، ولا ينظر إلى النتائج، ما دام أن الحرب واجبة عليه، وقد قام «عليه السلام» بواجبه.

ثالثاً: لم يستطع أي من البغاة تحقيق نصر على أمير المؤمنين«عليه السلام».. أما بالنسبة للناكثين، فالأمر واضح.. أما بالنسبة للقاسطين، فإن علياً «عليه السلام» بالرغم من خيانة من عرفوا بالخوارج، وخروجهم معه على أبسط قواعد الشرع والدين، استطاع أن يضطر معاوية إلى التوسل بالحيل، للتخلص من جحيم الحرب الباغية التى أثارها.

وحين خان أبو موسى الأشعري دينه، وإمامه، وذمته، وخاس بعهوده، فإن علياً «عليه السلام» لم يتراجع، بل يبقى مصمماً على حرب القاسطين، وكان أبو موسى هو الذي تحمل مسؤولية ما أقدم عليه. ولا يصح عدّ ذلك نصراً لمعاوية بأي حال، ما دام أنه عمل خياني لله، ولرسوله، ولدينه، وللمسلمين..

رابعاً: إن خالد بن الوليد لم يحارب المرتدين.. كما أوضحناه في إجابتنا على سؤال آخر.. لأن الذين ادعوا النبوة وارتدوا عن الإسلام، كانت ردتهم في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» وحسم أمر أكثرهم في عهده «صلى الله عليه وآله»، ولم تكن الجموع التي حشدوها بالتي تشكل خطراً، أو تترك أثراً، وأين منه خطر الناكثين والقاسطين.. وعدتهم وعددهم؟!

وأما مانعوا الزكاة، ـ كما ادعوه عليهم ـ فكانوا مسلمين غدر بهم خالد، واعتذر عن قتلهم أبو بكر، وأرجع السبي وعرض الدية على أخي مالك.. وكانوا جماعة صغيرة لم تكن تشكل أي خطر، بل لم تكن بصدد الحرب أصلاً، كما أظهرته النصوص التي عرضت في كتاب: الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام».. فراجع.. فلا يصح اعتبارها مصداقاً لانقلاب الصحابة على الأعقاب..

خامساً: لوكان الانتصار الذي سجله خالد على من اتهموا بالإرتداد معياراً للعدل والظلم الإلهي، لوجب أن يكون نصر خالد أعظم عند الله، من نصر الله تعالى لرسوله «صلى الله عليه وآله» الذي تقولون: إن المسلمين معه قد هزموا في أحد، وفي حنين، ومؤتة، وحتى في بعض الحملات على حصون خيبر، وبعض الحملات في غزوة ذات السلاسل.. والله سبحانه على حد تعبير السائل: عدل، لا يظلم أحداً، فهل كان خالد أفضل عند الله من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

بل إن جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم كانوا منصورين على الكفار.. بينما كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» عاجزاً عن مقاومة المشركين في أحد، وحنين، والكافرين في مؤتة. وكذلك الحال بالنسبة لما جرى في خيبر، وذات السلاسل.

سادساً: قول السائل: إن علياً «عليه السلام» دعا معاوية إلى السلم في آخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده، لا يصح، لسببين:

أولهما: أنه «عليه السلام» لم يعجز، بل بقي يواصل الحرب حتى ظهرت له بشائر النصر، كما نص عليه المؤرخون..

الثاني: أن معاوية هو الذي دعا علياً «عليه السلام» إلى السلم في آخر الأمر، لما ظهرت بشائر نصر علي «عليه السلام» عليه كما هو مسجل عند المؤرخين.. فلماذا هذه المحاولة لتزييف التاريخ؟!

سابعاً: بالنسبة لما سمي بالصلح بين الإمام الحسن «عليه السلام» وبين معاوية نقول:

ألف: إن تسليم الأمر من الإمام الحسن «عليه السلام» لمعاوية لم يكن بمبادرة طوعية منه «عليه السلام»، وإنما أجبر على ذلك، حين صار ثمن الإصرار على الإحتفاظ بالأمر هو أن ترتكب مذابح هائلة من دون نتيجة سوى المزيد من إضعاف الدين وأهله.

ب: لو كان الصلح مع معاوية في مثل هذه الظروف الصعبة يحمل معه حزازة على الإمام الحسن «عليه السلام» لكان صلح النبي «صلى الله عليه وآله» مع المشركين في الحديبية من موجبات لحوق مثل هذه الحزازة برسول الله «صلى الله عليه وآله»..

لا سيما أنه «صلى الله عليه وآله» رضي بإعادة من أسلم ولحق بالنبي من أهل مكة إلى المشركين في مكة فاعترض عليه عمر وقال: كيف نعطي الدنية في ديننا. وهذا تسليط للمشرك على المسلم بصورة طوعية ومن القوة، ومن دون أن يكون أجبار وإكراه، وخوف حصول مذابح تفني جانباً من المسلمين كما هو الحال بالنسبة لمعاوية في صلحه مع الإمام الحسن «عليه السلام».

ج: إن الإمام الحسن «عليه السلام» لم يسلم الأمر لمعاوية، وإنما قبل بوقف الحرب معه، وأما الأمر فكان ومعاوية هو الذي كان مستولياً عليه الأمر  بالقوة والقهر..

فلا معنى لقول السائل إن الإمام الحسن «عليه السلام» ولى كافراً أمر المسلمين..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..


 

([1]) إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص359.

 
   
 
 

موقع الميزان