لا تمسكوا بعصم الكوافر يمنع من تزوج النبي بعائشة..
روى عالم الشيعة الحر العاملي، عن أبي جعفر في تفسير
قوله تعالى: ﴿وَلَا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾
[الممتحنة:10]
قال: «من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة
الإسلام، وهو على ملة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي
امرأته، وإلا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يستمسك بعصمتها»([1]).
فأم المؤمنين عائشة «رضي الله عنها» لو كانت كما يقول
الشيعة كافرة مرتدة ـ والعياذ بالله ـ لكان الواجب تطليقها بكتاب الله.
إلا إذا كان رسول الله ﷺ لم يعلم نفاقها ورِدّتها، وعلم الشيعة ذلك!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً:
إن الشيعة لم يحكموا على عائشة بالكفر، ولا يرضون بنسبة الكفر إلى أحد
من صحابة رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»..
إلا إذا كان قد أعلن ارتداده كطليحة بن خويلد، ونظرائه.. فلا معنى لهذا
السؤال من الأساس..
ثانياً:
سيأتي
في الإجابة على السؤال رقم 139: أن ما ورد من تعابير قرآنية ونبوية حول
الإرتداد على الأعقاب يراد به عدم الاستمرار على خط الطاعة، والتخلف عن
تنفيذ الأوامر، والرجوع إلى عادة الاهمال، وعدم تحمل المسؤوليات،
والامتناع عن القيام بالأعمال المنوطة بهم.. فهو كالكفر في قوله تعالى:
﴿وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾([2]).
فإن المراد بالكفر هنا ليس الخروج من الدين، بل المراد
به مجرد عدم القيام بالواجب، لأنه يشبه الكافر في هذه الجهة فقط..
ثالثاً:
قد يقوم الإنسان ببعض الأعمال التي لها لوازم غير مرضية
دون أن يلتفت إلى لوازمها تلك. فإذا نبهه أحد إلى ذلك، استغفر الله
وتراجع.
فمثلاً نجد أن عبيدة بن الحارث الذي استشهد في حرب بدر،
حين جيئ به إلى النبي «صلى الله
عليه وآله»
جريحاً مشرفاً على الموت، قال لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: أما لو
كان عمك لعلم أني أولى بما قال منه.
قال:
وأي أعمامي تعني؟!
قال أبو طالب حيث يقول:
كـذبـتـم وبيـت الله نبزي
محمداً ولمـا نـطـاعـن دونـه ونـنـاضــل
ونـسـلـمـه حتـى نصـرع دونـه ونـذهـل عـن أبـنـائـنـا
والحلائل
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله؟!
وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟!
فقال:
يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة؟.
فقال:
ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك([3]).
كما أن من يدعُّ اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، قد
لا يلتفت إلى أن ذلك يؤدي به إلى التكذيب بيوم الدين. فإذا نبهه أحد
إلى ذلك ارتدع وتراجع.
كما أن لبعض الإعتقادات التي يصر عليها بعض الناس لوزام
سلبية لو التفتوا إليها لتخلوا عنها..
ومن أمثلة ذلك:
ما ذكره الله تعالى في سورة التحريم عن إفشاء بعض
النساء سر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وما ظهر منهن من مواقف
أوجبت أن يقول الله تعالى لنبيه:
﴿إِنْ
تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا
عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ، عَسَى رَبُّهُ
إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ
مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ
ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾([4]).
فدلّنا بذلك:
على أن في سائر النساء من هن أفضل من تينك المرأتين.
وبيَّن لهما:
أن الأمور قد تنتهي بهما إلى هذه الأحوال الصعبة، التي
ربما لم تكن تخطر لهما على بال..
وفي مثال قرآني آخر، نلاحظ:
أن من يترك
الحج وهو مستطيع قد لا يلتفت إلى أن الأمر قد يؤدي به إلى أن يصبح
مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾([5]).
وبعدما تقدم نقول:
إذا قال الشيعة وأهل السنة:
إن آيات سورة
التحريم قد نزلت في عائشة وحفصة، فلا يعني ذلك: أن يكونوا قد حكموا
بكفرهما، لأن مفاد آيات سورة التحريم: أنهما قد آذتا رسول الله «صلى
الله
عليه وآله»،
ومن يؤذي رسول الله «صلى الله
عليه وآله»
فحكمه كذا، وتنطبق عليه آية كذا.. لأن الكفر مشروط بأن تكونا ملتفتتين
إلى لوازم فعلهما، ولا شيء يدلُّ على أنهما كانتا ملتفتتين إلى لوازم
ما صدر عنهما.
إلا ان يقال:
إنهما لو لم تكونا ملتفتتين، لم يخاطبهما الله بهذه
الشدة والحدة، ونقول:
إن هذا يبقى مجرد استظهار ظني، لأن التشديد في الخطاب
قد يكون لمزيد من التحذير من الوقوع في هذا الأمر الخطير والحساس، فلا
بد من تتبع سيرة حياتهما، ليمكن الحكم عليهما بأنهما كانتا مصرتين على
مواقفهما تجاه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أم أن نزول هذه السورة
قد قلب الأمور وأحدث تغييراً جذرياً فيها؟!
وهكذا الحال بالنسبة لقوله تعالى في النهي عن الدخول
إلى بيت رسول الله، وإطالة الجلوس عنده: ﴿وَلَا
مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ
فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾([6]).
فإن من كان يفعل ذلك قد لا يكون ملتفتاً إلى أن ذلك كان يؤذي النبي
«صلى الله عليه وآله»، وأن الله قد لعن من يؤذي النبي في الدنيا
والآخرة. وأن له عذاباً أليماً..
ثالثاً:
إن المشكلة هي: أن إخواننا من أهل السنة يروون لنا روايات في أصح
كتبهم، فإذا طالبناهم بمضامينها، وألزمناهم بما يلزمون به أنفسهم،
اتهمونا بأننا نكفِّر هذا، أو نسبُّ ذاك، أو نتجنى على هذا أو ذاك..
فمثلاً يروي لنا أهل السنة:
أن من يخرج على إمام زمانه، أو من نكث بيعته فقد كفر،
أو مات ميتة جاهلية([7])،
فحكمه كذا، فإذا قلنا لهم: إن عائشة، وطلحة والزبير، قد خرجوا على إمام
زمانهم، ونكثوا بيعته، كما أن معاوية قد بغى على الإمام، فلا بد من حلّ
هذا الإشكال.
قالوا لنا:
أنتم تكفِّرون الصحابة، أو تكفِّرون زوجات الرسول، أو
تسبونهم..
وإذا قلنا لهم:
إن الذين قتلهم خالد ـ فيما يزعم أنه حروب الردَّة ـ لم
يزيدوا على أن طلبوا أن يوزعوا زكاة أموالهم على فقرائهم، أو لأنهم
أرادوا أن يبايعوا علياً «عليه السلام»، وهذا لا يكفي للحكم عليهم
بالردَّة والكفر، ثم قتلهم صبراً.
بل يقال:
إن خالداً قتل مالك بن نويرة بسبب جمال زوجة مالك،
واعتدى عليها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها..
فكيف نحل هذا الإشكال، وكيف نتعامل مع خالد وبماذا نحكم
عليه؟!
والحال، أن صريح القرآن يقول:
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ
عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾([8]).
نعم.. إننا إذا قلنا لهم ذلك..
قالوا لنا أيضاً:
أنت تطعن بالصحابة، وتنتقص من قدرهم..
فهل تحل هذه الأجوبة أمثال هذه الإشكالات؟!
وإذا قلنا لهم:
إذا كان الطعن في الصحابة حراماً، فماذا تقولون في معاوية الذي سن لعن
أمير المؤمنين «عليه السلام» على منابر المسلمين التي تعد بالألوف،
واستمر ذلك ألف شهر؟!
قالوا لنا:
أنتم تسبون معاوية وتكفرونه وهو صحابي. وأقاموا علينا الدنيا ولم
يقعدوها..
رابعاً:
روى البخاري في صحيحه عن نافع، عن عبد الله: أنه قال:
قام النبي خطيباً، فأشار إلى مسكن عائشة، وقال: «ها هنا الفتنة ـ
ثلاثاً ـ من حيث يطلع الشيطان»([9]).
وروى أحمد عن ابن عمر، قال:
خرج رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
من بيت عائشة فقال: «رأس الكفر من ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان»([10]).
فهل كفر النبي «صلى الله عليه وآله» زوجته، أو أنه
اعتبرها ـ والعياذ بالله ـ شيطاناً؟!
وما هو الموقف من هذا الحديث وذاك،
وأمثالهما، هل نكذبهما ونقول:
ليس كل ما في البخاري صحيحاً؟! أو نصدقهما ونأخذ
بمضمونهما؟! أو نأولها تأويلاً مقبولاً لدى العلماء والعقلاء؟! وما هو
هذا التأويل؟! ولو بأن نحكم على عائشة بأنها أخطأت في بعض تصرفاتها،
ولم تكن معصومة.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
وسائل الشيعة ج20 ص542.
([2])
الآية 97 من سورة آل عمران.
([3])
تفسير القمي ج1 ص265 وبحار الأنوار ج19 ص255 وراجع: شرح نهج
البلاغة للمعتزلي ج14 ص80 ونسب قريش لمصعب الزبيري ص94 والغدير
ج7 ص316
وتفسير نور الثقلين ج2 ص132.
([4])
الآيتان 4 و 5 من سورة التحريم.
([5])
الآية 97 من سورة آل عمران.
([6])
من الآية 53 من سورة الأحزاب.
([7])
راجع: صحيح مسلم ج6 ص21 و 22 وج4 ص127 والسنن الكبرى للبيهقي
ج8 ص156 و 157 و 168 و 169 وج10 ص234 ومسند أحمد ج2 ص296 و 488
وسنن النسائي ج7 ص123 والمستدرك للحاكم ج1 ص117
وج2 ص152 وتيسير
الوصول ج2 ص47 عن الشيخين.
وراجع: مسند الشاميين ج3 ص260 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة)
ج1 ص207 وج6 ص64 و 65 والمصنف للصنعاني ج11 ص330
ومجمع
الزوائد ج5 ص219 وتحفة الأحوذي ج6 ص320.
([8])
الآية 93 من سورة النساء.
([9])
راجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج4 ص46 وراجع ص92 و 174 وج5
ص20 وج8 ص95 وصحيح مسلم ج8 ص172 وسنن الترمذي ج2 ص257 ومسند
أحمد ج2 ص1 وعمدة القاري ج15 ص30 والعمدة لابن البطريق ص456
والطرائف لابن طاووس ص297 والصراط المستقيم ج3 ص142 وج3 ص164
وج3 ص237 وكتاب الأربعين للشيرازي ص624 وبحار الأنوار ج31 ص639
وج32 ص287 وح57 ص234 والمراجعات ص333 وفتح الباري ج6 ص147
وقاموس الرجال للتستري ج12 ص303 والصراط المستقيم ج3 ص237
ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص83 والجمل لابن شدقم ص47
ومناقب أهل البيت للشيرواني ص471.
([10])
مسند أحمد ج2 ص23 و 26 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج8 ص181
والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص552 ودفع الشبه عن الرسول للحصني
الدمشقي ص82 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص119
ووصول
الأخيار إلى أصول الأخبار ص83 وإلزام النواصب لابن راشد ص200 و
201.
|