الأئمة لم يتأمَّروا، فليسوا مقصودين بحديث: الخلفاء اثنا عشر..
يحتج الشيعة على ثبوت الإمامة لأئمتهم الاثني عشر
بحديث: «لا يزال الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش».
وفي رواية:
«يكون اثنا عشر أميراً».
وفي رواية:
«لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا»([1]).
فيقال:
الحديث برواياته صريح في أن هؤلاء الاثني عشر يكونون «خلفاء» و«أمراء»
على الناس، ومعلوم أن أئمة الشيعة لم يتول منهم الخلافة والإمارة سوى
علي وابنه الحسن. فالحديث في وادٍ والشيعة في وادٍ آخر!
ولم تُسمِّ الروايات هؤلاء الخلفاء ولا واحداً منهم..!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فقد تقدم مضمون هذا السؤال برقم 60 وتقدم جوابه،
فراجع..
ولكننا نجيب بما يلي:
أولاً:
إن الحديث الذي ذكره عن الأئمة الاثني عشر، رواه بضعة وعشرون صحابياً،
كما ورد في بعض المصادر([2]).
والحديث برواياته ليس صريحاً بلزوم
كون الاثني عشر حكاماً بمعنى السلطنة، والحكومة، بدليل قوله تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا
مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا
تَعْلَمُونَ﴾([3]).
فإن آدم لم يكن سلطاناً، ولا ملكاً، ولا حاكماً. بل كان
نبياً اصطفاه الله أبا للبشر، وهادياً لهم..
وبدليل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ
جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾([4]).
أي أن بعضكم يخلف بعضاً، ويأتي بعضكم تلو البعض الآخر، وليس المراد
السلطنة الفعلية، إذ لا يعقل أن يكون جميع أفراد هذه الجماعات سلاطين
وملوكاً.
وقد سمى رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه
السلام» بـ «أمير المؤمنين» في حال حياته([5])،
ولم يكن سلطاناً ولا حاكماً..
كما أنه حين خطب عمر أم كلثوم بنت علي «عليه السلام»
قال له علي «عليه السلام»: إن لي أميرين([6])..
يقصد بذلك الحسن والحسين «عليهما السلام»، ولم يكن للحسنين سلطة ولا
حاكمية..
ثانياً:
أما حديث «ما
و ليهم اثنا عشر رجلاً» فهو على قاعدة: ﴿إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾([7]).
وهو نظير قول رسول الله «صلى الله
عليه وآله» فى غدير خم:
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟!
قالوا:
بلى.
قال:
فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه.. اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.
ثالثاً:
أما بالنسبة لقول السائل: لم تسم الروايات هؤلاء الخلفاء، ولا واحداً
منهم.. فنقول:
قد سمَّى النبي «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه
السلام» في يوم إنذار عشيرته الأقربين، وفي يوم الغدير، وفي عشرات
المواطن الأخرى. وسمى الحسن والحسين «عليهما السلام» إمامين، فقال:
الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا.. وهناك روايات أخرى ذكرها الشيعة
في مصادرهم، وذكر العديد من علماء أهل السنة روايات تسمِّي الأئمة
«عليهم السلام» بأسمائهم، وهي مروية عن النبي«صلى الله عليه وآله»..
رابعاً:
ليس المقصود بهذا الخبر الإخبار عن أمر سيحصل في المستقبل، بل المقصود
هو إرشاد الناس إلى هؤلاء الذين يخلفون النبي «صلى الله عليه وآله»،
ويكونون أوصياءه، وحثهم على طاعتهم، والقبول منهم.. فهو إنشاء وحض
وطلب، وإرشاد إلى لزوم الطاعة، ولكنه قد جاء في صوره الإخبار.
وشاهدنا على ذلك:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخذ البيعة من الناس للأول منهم، وهو
علي أمير المؤمنين «عليه السلام». ولكن الناس لم يطيعوه بعد وفاة
الرسول «صلى الله عليه وآله»، ولم يفوا له ببيعته. فهل هذا يبطل
إمامته، ويسقط عنه لقب أمير المؤمنين الذي منحه الله ورسوله إياه؟! أم
أنهم يكونون عاصين بفعلهم، ويجب عليهم العودة إلى الالتزام والوفاء بما
عاهدوا الله عليه؟!
والشاهد الأوضح دلالة:
هو قوله «صلى الله عليه وآله»: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا([8])،
فإن كلمة «قعدا» تدلُّ على أن المقصود هو إنشاء هذا المقام وجعله لهما.
وليس الإخبار عن أمر قد حصل، إذ لو كان إخباراً عن الحاكمية والسلطنة
لهما «عليهما السلام» لكان هذا الخبر كاذباً، لعدم وصول الإمام الحسين
«عليه السلام» إلى السلطة.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
أخرجه البخاري ومسلم.
([2])
راجع: محمد باقر الأنصاري الخوئيني في مقدمة كتاب سليم بن قيس
الهلالي ج1 ص172 ـ 180.
([3])
الآية 30 من سورة البقرة.
([4])
الآية 14 من سورة يونس.
([5])
تاريخ مدينة دمشق ج42 ص303 والكافي ج1 ص292 والأمالي للصدوق
ص436 والخصال ص464 وروضة الواعظين ص99 ومصباح البلاغة (مستدرك
نهج البلاغة) ج1 ص336 وج2 ص342 و 343 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق
محمد باقر الأنصاري) ص148 و 205 والهداية الكبرى ص102 و
103 و 412 والمسترشد ص584 و 586 والإرشاد للمفيد ج1 ص48
والأمالي للمفيد ص19 ورسالة في معنى المولى للمفيد ص35 و 38 و
39 والاحتجاج للطبرسي ج1 ص83 و 108 و 219 و 230 والخرائج
والجرائح ج2 ص806 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص252 و 253 وبحار
الأنوار ج28 ص92 و 93 و 94 و 124 و 212 و 221 و 266 وج29 ص23
وبحار الأنوار ج36 ص148 و 157 و 169 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج15 ص223 عن ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن
عساكر (ط بيروت) ج2 ص259.
([7])
الآية 55 من سورة المائدة.
([8])
راجع:
علل
الشرائع ج1 ص211 والإرشاد للمفيد ج2 ص30 ومناقب آل أبي طالب ج3
ص394 وكشف الغمة ج1 ص533 وروضة الواعظين ص156 وراجع: الفصول
المختارة للشريف المرتضى ص303
ومجمع
البيان ج2 ص452 و453 و311 وغنية النزوع للحلبي ص299 والسرائر
لابن إدريس= = ج3 ص157 وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص404
والإرشاد للمفيد ج2 ص30 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص303
والمسائل الجارودية للمفيد ص35 والنكت في مقدمات الأصول للمفيد
ص48 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص141 و 368 وبحار الأنوار ج16 ص307
وجوامع الجامع للطبرسي ج3 ص70 وإعلام الورى ج1 ص407. وراجع:
شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج26 ص48 عن ابن كرامة البيهقي في
كتابه الرسالة في نصيحة العامة (النسخة مصورة في مكتبة
امبروزيانا بإيطاليا) ص18.
ونقل المرعشي في
ج19
ص217
عن الأستاذ توفيق أبو علم في «أهل البيت» (ط مطبعة السعادة
بالقاهرة) ص195: وقد تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا، وهما ريحانتاي من
الدنيا.
|