كيف يتزوج النبي صلى الله عليه وآله بنت ابن زنا؟!

   

صفحة : 177  

كيف يتزوج النبي صلى الله عليه وآله بنت ابن زنا؟!

السؤال رقم 120:

قيل لأحد الشيعة: ألم يدعنا رسول الله ﷺ إلى اختيار الزوجة الصالحة، وإلى مصاهرة الكرام من الناس؟!

قال: نعم؛ بلا شك.

قيل له: هل ترتضي لنفسك أن تصاهر ابن زنا؟!

قال: معاذ الله!

قيل له: ها أنتم تدعون ـ كذباً ـ أن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كان ابن زانية اسمها (صهاك)([1])! ويدعي عالمكم نعمة الله الجزائري بكل وقاحة أن عمر كان لا يهدأ إلا بماء الرجال ـ والعياذ بالله ـ([2])، وتدعون أن ابنته حفصة كانت منافقة خبيثة كأبيها، بل كافرة!

أترى رسول الله يصاهر أبناء الزنا؟!

أو يرتضي لنفسه امرأة فاسدة منافقة؟!

والله إنكم لتفترون على رسول الله وعلى الصحابة وترتضون لهم ما لا ترتضونه لأنفسكم.

وفي صياغة أخرى:

هل يقول عاقل: أن سيد المرسلين يصاهر رجلاً تقول عنه الرافضة: إنه ابن زنى، وكان به داء لا يهدى إلا بماء الرجال، بل يذهبون إلى الكفر بعينه حينما يتهمون حفصة «رضي الله عنها» بالكفر والنفاق كأبيها؟!

ذكر ذلك صاحب الكشكول ج3 ص212 ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية ج1ص63. راجع ما كتبوه عن أمير المؤمنين عمر «رضي الله عنه»..

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فإن هذا السؤال ينحل إلى سؤالين:

الزوجة الصالحة:

أحدهما: عن اختيار الزوجة الصالحة..

ونجيب بما يلي:

أولاً: للزواج دوافعه، وظروفه وأسبابه. التي قد تفرض أحياناً غض النظر عن بعض المواصفات المطلوب توفرها، بل قد تفرض الظروف زواجاً فاقداً لجميع المواصفات. وقد تنتج مصالح الآخرين زواجاً غير متكافئ، أو غير مرغوب فيه أصلاً..

وعلى هذا الأساس نلاحظ: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد استجاب في زواجه بعدد من نسائه لضغوط ورغبات من قبل آباء الزوجات، أو أنه لاحظ معان إنسانية فرضت عليه الإقدام على زواج من امرأة بعينها.. أو غير ذلك، فقد تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكان أبو سفيان لا يزال يجهد في قتاله، وفي السعي لقتله، وإبادة أصحابه.. وإنما تزوجها «صلى الله عليه وآله»، لأنه وجد أنها في مأزق تحتاج إلى من ينقذها منه..

وتزوج بحفصة استجابة لضغوطات أبيها كما اعترف عمر بن الخطاب نفسه، حين قال لابنته حفصة: لقد علمت: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحبك، ولولا أنا لطلقك([3])..

وتزوج زينب بنت جحش لأمر اقتضاه التشريع.. كما نطق به القرآن.

وتزوج بعائشة أيضاً استجابة لضغوط مارسها عليه أبوها وذووها.. وهلم جرا..

ثانياً: قد يبدو للإنسان صلاح شخص ما، ولكنه عند الإحتكاك به يرى منه ما لم يكن يتوقعه.. ونحن وإن كنا نرى رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يعرف حقائق الأمور، ولكن المصالح اقتضت أن يتعامل مع الناس وفق ظواهر أمورهم.

ثالثاً: لا يجب أن يكون الناس في جميع أحوالهم على وتيرة واحدة من الإنضباط والصلاح، فقد تجد إنساناً في غاية الصلاح في برهة من الزمان، ثم يتغير حاله بعد ذلك. وكذلك العكس.

رابعاً: إن الشيعة لم يصفوا عائشة، ولا حفصة إلا بما وصفها به القرآن، ولم ينسبوا لهما سوى ما رواه علماء أهل السنة في كتبهم، وصحاحهم، ومجامعيهم الحديثية عنهما. ولم يصفوهن بشرك ولا بكفر، ولا بغير ذلك، وإنما هم يعتبرونهن غير معصومات، ويستدلون على ذلك بما في سورة التحريم، حيث ذكر الله تعالى ما فعلنه مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فاعتبر أهل السنة ذلك تكفيراً لهن.. وطعناً بهن.. فلماذا جاز لأهل السنة أن يرووا، ولم يجز لغيرهم أن يقرأ ما رووه، وأن يحتج به؟! ولماذا يقرأ أهل السنة ما قاله القرآن في سورة التحريم وغيرها، ويريدون منع الشيعة من قراءته، ومن التدبر في آياته؟! ولماذا؟! ولماذا؟!

الطعن على الخليفة الثاني:

والآخر: ما يرتبط بالطعن في عمر..

ونجيب عنه بما يلي:

أولاً: إن أمثال هذه المقولات السخيفة لا يرضى بها الرافضة، ويقبحون تداولها، ويعلنون بالنكير على من يثيرها، ويعتبرون ذلك من موجبات الفتنة، وهي تشير إلى الرعونة، أو السذاجة المفرطة لدى من تصدر عنه..

ولا نشك في أنها من تسريبات بعض أهل المقالات المنحرفة عن خط الإسلام، فأخذها بعض الحمقى أو السذج، أو الذين يسعون لجمع العجائب والغرائب. من دون تدبر أو تبصر..

ثانياً: ذكرنا في إجابة لنا على السؤال رقم 25: أن شذوذ بعض الأفراد من أي مذهب كانوا، لا يمكن أن يؤاخذ به المذهب كله، إلا إذا رضيه علماء ذلك المذهب في جملة عقائدهم، ودونوه في كتبهم الكلامية، وبنى عليه أساطين المذهب مقالاتهم..

ولو جاز الأخذ من الشذاذ والحمقى، لجاز القول: بأن أهل السنة يهجون فاطمة الزهراء «عليها السلام»، ويقولون بمقالة يزيد:

لــعبت هــاشم بالمــلك فــلا              خــبر جــــاء ولا وحـــي نــزل

ويقولون بمقالة عمران بن حطان.. التي أثنى فيها على ابن ملجم، واعتبره من الأتقياء لقتله علياً «عليه السلام»، فقال:

يـا ضـربة من تقي مــا أراد بها         إلا ليبلـغ من ذي العـرش رضوانا

 وما إلى ذلك..

ثالثاً: إن الشيعة لا يرضون بكلام كهذا من أساسه، لأنهم قالوا ويقولون نفس ما يقوله الإسلام: إن الإسلام يجبُّ ما قبله، فالمعيار هو سلوك الإنسان بعد إسلامه. فلماذا يريد هذا السائل تسويق موجبات الفتنة، وإثارة عواطف الناس بهذه الطريقة، وكأن الشيعة لا همَّ لهم، ولا شغل عندهم إلا الطعن والسب بالخلفاء؟!

رابعاً: إن المشكلة هي أن هذه الأخبار قد نقلها أهل السنة في كتبهم، ثم جاء بعض الغافلين من غيرهم ممن يعجبه جمع الغرائب والعجائب، وأودعها في كتابه.. وإذ ببعض الناس يبادر إلى اتهام طائفة بأكملها بأنها تقول بمفاد ذلك النقل العجيب والغريب، مع أن أهل السنة هم الذين ألقوه إليهم..

كما أن بعض هذه الغرائب التي أوردها أهل السنة في كتبهم قد افسحت المجال لبعض أعداء الدين ـ كسلمان رشدي ـ للطعن في الإسلام وفي نبي الإسلام..

خامساً: إن ذكر خبر في كتاب لغرابته وهجنته لا يعني اعتقاد صاحب الكتاب بصحة مضمونه، فضلاً عن أن تكون الطائفة كلها تعتقد بذلك.. وقد لا يكون اكثرها قد سمع بهذا الخبر، وباسم هذا الكتاب، أو باسم مؤلفه.

سادساً: إن الشيعة لا يصفون حفصة بأزيد مما قاله القرآن في حقها، ونقله المؤرخون عنها، فهم يذكرون: أنها هي وعائشة تظاهرتا على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنزل الله سورة التحريم في حقهما، وبين أن في سائر المؤمنين من هن أفضل منهما..

وقد زادت عائشة على حفصة بأنها حاربت علياً «عليه السلام» وأرادت نقض حكمه، وتسببت بقتل عشرات الألوف من المسلمين..

ويذكرون: أن حفصة كانت موافقة لها على ذلك، وأرادت أن تخرج معها، ولكن عبد الله بن عمر منعها من ذلك..

ويذكرون: أن ذلك كله قد رواه لهم أهل السنة، وذكر القرآن شطراً منه..

فما ذنب الشيعة إذا قالوا بما قاله القرآن، ورواه أهل السنة؟!

وإذا كان ذكر ما يقوله القرآن ويرويه أهل السنة ممنوعاً، فلماذا لا تخبروننا بهذا المنع، وتبينون لنا أسبابه وأدلته؟!

ولماذا لا توجهون اعتراضكم إلى علمائكم وإلى الله، وتقولون له: لماذا ذكرت ذلك في كتابك الذي سوف يبقى يتلى إلى يوم القيامة؟!

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..


([1])  الكشكول للبحراني (3/212)، وكتاب «لقد شيعني الحسين» (ص 177).

([2])  الأنوار النعمانية (1/63).

([3]) صحيح مسلم ج4 ص188 وفتح الباري ج9 ص250 ومسند أبي يعلى ج1 ص150 وصحيح ابن حبان ج9 ص496 و 497 وكنز العمال (ط الرسالة) ج2 ص528 وأحكام القرآن لابن العربي ج3 ص552 و 553 والمحرر الوجيز ج2 ص84 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص190 والدر المنثور ج6 ص242.

 
   
 
 

موقع الميزان