صفحة : 36   

الحسنان يصليان خلف مروان..

السؤال رقم 148:

يهاجم الشيعة مروان بن الحكم، ويعلقون به كل شنيعة، ثم يتناقضون فيروون في كتبهم: أن الحسن والحسين «رضي الله عنهما» كانا يصليان خلفه!([1]).

والعجيب أن معاوية بن مروان هذا قد تزوج رملة ابنة علي «رضي الله عنه»!! كما ذكر ذلك النسابون([2]). وكذلك زينب بنت الحسن «المثنى» كانت متزوجة من حفيد مروان: الوليد بن عبد الملك([3]). وكذلك تزوج الوليد: نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي([4]).

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فإننا نجيب بما يلي:

أولاً: إن ما يذكره الشيعة عن مروان بن الحكم لا يأتون به من كتب الشيعة، بل من كتب أهل السنة، وبعضه يرويه أهل السنة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»([5]). فهل كذب عليه علماء أهل السنة ونسبوا إليه الباطل؟!

ثانياً: لقد روى أهل السنة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «صلوا خلف كل بر وفاجر»([6]).

وقد أفتى العلماء من غير الشيعة بمضمون هذا الحديث، فالعمل بمضمونه لا يفيد شيئاً في إثبات أية فضيلة لمروان، أو في امتناع نسبة ما ارتكبه من رذائل إليه.

ثالثاً: لقد روى غير الشيعة أيضاً: أن الإمامين الحسنين «عليهما السلام» كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدان صلاتهما([7]).

وهذا يدلُّ على أمور ثلاثة:

أحدها: أن مروان لم يكن من أهل التقوى والورع، لأن من يشترط العدالة في إمام الجماعة لا يكتفي بصلاته خلفه، بل يعيدها..

الثاني: أن صلاته «عليه السلام» خلف مروان لم تكن عن اختيار منه، بل كان «عليه السلام» مكرهاً على حضور الجماعة، إذ لا يستسيغ عاقل أن يعمل ـ باختياره ـ عملاً يراه باطلاً، ثم يعيده.

الثالث: من المعلوم: أن التقية تبيح للإنسان الإكتفاء بصلاته التي صلاها خلف الإمام غير العادل.. ولكنه «عليه السلام» كان يعيد صلاته ربما لمزيد من الإصرار على مناوأة مروان، حيث إنه بإعادته هذه يخبر الناس كلهم بأنه مجبر عليها، وأنه لا يؤتمن على صلاة آحاد المسلمين، فهل يؤتمن على حياتهم، وأعراضهم وأموالهم، وتدبير شؤونهم وفق الشرع الشريف؟!

رابعاً: روى ابن سعد عن الإمام الباقر «عليه السلام»: أن الحسنين «عليهما السلام» كانا يصليان خلف مروان، وأن الإمام الحسين «عليه السلام» كان يسبه وهو على المنبر حتى ينزل([8]).

ونقول:

إن الإمام الحسين «عليه السلام» ليس سباباً، ولا سفيهاً، ولا يمكن أن يخالف سيرة جدِّه وأبيه في التنزه عن هذا الأمر، وهو المعصوم الذي طهَّره الله.. وكما أن مروان لم يكن حليماً، ولا رضيّ الخلق.

والظاهر: أنه «عليه السلام» كان يرد على مروان بعض ترهاته التي كان يسعى لنشرها بين الناس، فزعم أتباع بني أمية: أنه كان يسبه، ليطعنوا بالإمام الحسين «عليه السلام»، وليعظِّموا بذلك مروان وينسبوا إليه الحلم عمن يسبُّه.. وليصبح الحسين «عليه السلام» الرجل السفيه المعتدي على الأبرياء والحلماء.

ونحن نرى: أن الرواية غير دقيقة في تعابيرها، فإن الإمام لا يمكن أن يكون سبَّاباً، فلعله كان يذكر أفعاله القبيحة، والراوي يعتبر ذلك سباً.

خامساً: حديث الزواج المتبادل بين الأبناء، لا يعني وثاقة الآباء، كما لا يعني وثاقة الزوج والزوجة أنفسهم، كما أنه لا يصلح دليلاً على محبة، ولا على كراهة، فللزواج دوافعه وأسبابه المختلفة الخاصة بالزوجين، ولا ربط لها بغيرهما..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..


([1])  بحار الأنوار، (10/139). النوادر للراوندي (ص163).

([2])  نسب قريش لمصعب الزبيري، (ص 45). وجمهرة أنساب العرب لابن حزم، (ص 87).

([3]) نسب قريش، (ص 52)، وجمهرة أنساب العرب، (ص 108).

([4]) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لابن عنبة الشيعي، (ص 111)، وطبقات ابن سعد، (5/ 34).

([5]) المستدرك للحاكم ج4 ص479 و 481 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص197.

([6]) راجع: سنن أبي داود كتاب الصلاة: الباب 63 وجامع الخلاف والوفاق ص84 وفتح العزيز للرافعي ج4 ص331 والمجموع للنووي ج5 ص268 ومغني المحتاج للشربيني ج3 ص75 والمبسوط السرخسي ج1 ص40 وتحفة الفقهاء للسمرقندي ج1 ص229 وبدائع الصنائع ج1 ص156 والجوهر النقي للمارديني ج4 ص19 والبـحـر الرائـق لابن نجـيـم المصـري ج1 ص610 = = وتلخيص الحبير ج4 ص331 ونيل الأوطار ج1 ص429 وشرح أصول الكافي ج5 ص254 والمسترشد للطبري، والإفصاح للشيخ المفيد ص202 والمسائل العكبرية للشيخ المفيد ص54 والطرائف لابن طاووس ص232 وعوالي اللآلي ج1 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص19 وعمدة القاري للعيني ج11 ص48 وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص145 وسنن الدارقطني ج2 ص44 وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج1 ص256 و 257 ونصب الراية ج2 ص33 و 34 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص168 والجامع الصغير للسيوطي ج2 ص97 وكنز العمال ج6 ص54 وكشف الخفاء للعجلوني ج2 ص29 و 32 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص156.

([7]) مستدرك الوسائل ج6 ص456 والنوادر للراوندي ص163 والصراط المستقيم ج3 ص218 وبحار الأنوار ج44 ص123 وج85 ص92 وكتاب المسند للشافعي ص55 و 56 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص122 والمصنف لابن = = أبي شيبة ج2 ص271 ومعرفة السنن والآثار ج2 ص399 وسير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص478 وج5 ص232 والبداية والنهاية ج8 ص283.

([8]) راجع: ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص28 وسير أعلام النبلاء ج4 ص406 وفي المصنف لابن أبي شيبة ج2 ص272: الحسن بن علي.

 
   
 
 

موقع الميزان