ولعل مما يزيد الأمر صعوبة، وإشكالاً:
أننا إذا وضعنا تاريخ الأئمة «عليهم الصلاة والسلام»، إلى جانب هذا
التاريخ الذي يدعي أنه يسجل وقائع وأحداث الفترة الزمنية التي عايشوها
صلوات الله وسلامه عليهم. لو وضعناهما أمام باحث أو ناقد لا يملك
تصوراً عن حقيقة تطورات الأحداث، وتأثير السياسات، فإنه سيجد: أنهما
تاريخان غير منسجمين، بل وحتى غير متجانسين، وسيخيل إليه: أن الأئمة لا
يعيشون الأحداث ولا يتفاعلون بمحيطهم، بل لهم عالمهم الخاص، المنغلق
والمنطوي على نفسه، وللآخرين عالم آخر، لا يشبهه لا من قريب، ولا من
بعيد.
ولكن الباحث الألمعي، والمدقق الخبير، الذي اطلع
على حقيقة التطورات، وما رسمته السياسات في المجالات المختلفة، لا بد
يجد عكس ذلك تماماً، حيث سيرى: أن الأئمة «عليهم السلام» يلامسون
الواقع عن قرب، ويسجلون الموقف الرسالي المسؤول، والواعي، تجاه كل ما
يجري، ويدور حولهم.
ولعلهم «عليهم السلام» يمثلون في أحيان كثيرة أعمق
العوامل تأثيراً في مجمل الواقع السياسي، والاجتماعي، والثقافي،
والتربوي، على مستوى الأمة بأسرها، فضلاً عن تأثيرهم العميق، في
الدائرة التي يبدو ـ للوهلة الأولى ـ أنهم يعيشون فيها، ويتعاملون
معها. |